"قانون الجزيرة".. تشريع أقره الكنيست للتضييق على القنوات الأجنبية
قانون أقره البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في الأول من أبريل/نيسان 2024 يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الاتصالات بـ"حظر وسائل إعلام أجنبية تضر بأمن إسرائيل، وعلى رأسها قناة الجزيرة".
وفي فبراير/شباط 2024 صدّقت الهيئة العامة للكنيست في القراءة الأولى على مشروع قانون يمنح وزير الاتصالات صلاحيات منع المذيعين الأجانب من الإضرار بالأمن، وكذلك الأمر بإغلاق مكاتب قناة إعلامية أجنبية موجودة في إسرائيل وتقييد الوصول إلى موقعها الإلكتروني.
وحسب موقعه الرسمي، فقد صدّقت الهيئة العامة للكنيست في القراءة الأولى على مشروع قانون منع هيئة بث أجنبية من المساس بأمن إسرائيل، وحظي الاقتراح بتأييد 25 عضوا مقابل معارضة 4 أعضاء.
محتوى القانون
اصطلح على القانون إعلاميا وسياسيا باسم "قانون الجزيرة" و"قانون إغلاق قناة الجزيرة" واسمه الرسمي "قانون منع المس بأمن الدولة من قبل هيئة بث أجنبية"، وأُقر بأغلبية 70 صوتا مقابل 10 في القراءة الثالثة، ويمنح رئيس الوزراء ووزير الاتصالات إمكانية حظر بث القناة المستهدفة، وصولا إلى إغلاق مكاتبها في إسرائيل ومصادرة معداتها.
وبموجب القانون، إذا اقتنع رئيس الوزراء أو وزير الاتصالات بضرر القناة الأجنبية على أمن إسرائيل فإن بإمكانه و"بموافقة رأي أمني واحد على الأقل، إضافة إلى موافقة الحكومة أو مجلس الوزراء" إغلاق القناة.
وبعد الموافقة على الإجراءات التي يوقعها وزير الاتصالات تغلق مكاتب القناة المستهدفة في إسرائيل، وتصادر معداتها ومعدات بثها (تشمل هواتف الصحفيين)، إضافة إلى منع بث تقارير القناة وإزالتها من شركات البث وحجب مواقعها الإلكترونية.
وسيبقى القرار ساريا حتى 31 يوليو/تموز 2024 أو حتى نهاية العمليات العسكرية للاحتلال ضمن عدوانه "السيوف الحديدية" على قطاع غزة.
وينص القانون على أن هذه الأوامر صالحة لـ45 يوما يمكن تجديدها لفترات أخرى، ومدة كل منها 45 يوما، ويجب تقديم أي أمر بإغلاق قناة إخبارية أجنبية من وزير الاتصالات في غضون 24 ساعة، ليراجع قضائيا من رئيس المحكمة المحلية الذي يجب عليه بعد ذلك أن يقرر في غضون 3 أيام ما إذا كان يرغب في تغيير أو تقصير فترة الإغلاق.
انتقادات
قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنه رغم ترحيب نتنياهو بـ"قانون الجزيرة" فإن الليكود تعرض لانتقادات شديدة بشأن صيغة المشروع.
كما نقلت الصحيفة عن عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي قوله إن القانون عديم الفائدة وسيتسبب بضرر، وإنه لن يمنع استمرار جمهور الجزيرة من مشاهدتها.
وأوردت صحيفة هآرتس عن جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل قولها إن "قانون الجزيرة" غرضه الحقيقي سياسي وليس أمنيا.
لماذا الجزيرة؟
يعزى السبب الرئيسي لتداول القانون باسم "الجزيرة" إلى أنها القناة المستهدفة من ورائه، وقد شكلت تغطية القناة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 قلقا للاحتلال الذي يحاول التغطية على جرائمه.
وساهمت الجزيرة في فضح استهداف الاحتلال المدنيين الفلسطينيين، كما كشفت تغطيتها ما يجري في غزة تناقض وازدواجية الرواية الغربية المؤيدة لإسرائيل.
ويقول رئيس الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير في الكنيست أحمد الطيبي إن هناك هدفين من وراء هذا القانون "الأول شعبوي الغاية منه إرضاء اليمين المتطرف الذي عمل على شيطنة قناة الجزيرة، والآخر عملي حيث لا يريدون من الجزيرة وغيرها أن تقوم بعملها كي لا تنقل فظائعهم".
وعقب تصديق الكنيست على القانون كتب نتنياهو في حسابه الشخصي على منصة إكس "قناة الجزيرة لن تبث من إسرائيل بعد اليوم، وحان الوقت لطردها".
وأوضح نتنياهو أنه ينوي التحرك فورا -وفقا للقانون الجديد- لوقف نشاط الجزيرة، متهما إياها بإلحاق الضرر بأمن إسرائيل، وبكونها "شاركت فعليا" في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "وحرضت على جنودنا".
رد الجزيرة
استنكرت شبكة الجزيرة تصريحات نتنياهو، ووصفتها بأنها "كذبة خطيرة ومثيرة للسخرية".
وقالت الشبكة في بيان إن نتنياهو "لم يجد تبريرات لهجومه المتواصل على القناة وحرية الصحافة سوى أكاذيب وافتراءات"، واعتبرت أن تصريحاته "تأتي ضمن سلسلة من التعديات الإسرائيلية الممنهجة لإسكات الجزيرة".
وحمّلت الشبكة نتنياهو مسؤولية سلامة أطقمها ومنشآتها حول العالم، وأكدت أن الافتراءات والاتهامات لن تثنيها عن مواصلة التغطية بكل جرأة ومهنية، وقالت إنها تحتفظ بكل حقوقها القانونية.
وقد تسبب الاحتلال الإسرائيلي في مقتل عدد من صحفيي ومراسلي ومصوري القناة في فلسطين (إضافة إلى عدد كبير من الصحفيين) منهم شيرين أبو عاقلة عام 2022 أثناء عملها في جنين، وحمزة دحدوح الابن البكر لوائل الدحدوح الذي قتل عدد كبير من أفراد أسرته وأقاربه، ومصور القناة سامر أبو دقة.
الردود الدولية
عبّرت دول غربية عدة -بينها الولايات المتحدة- عن قلقها من القانون، وقالت الخارجية الألمانية إنها تتابع بقلق قانون الإعلام الإسرائيلي الجديد الذي أقره الكنيست، مضيفة أن المشهد الصحفي الحر والمتنوع هو حجر الزاوية في الديمقراطية الليبرالية.
وقال وزير الخارجية النرويجي إيسبر بارث إن حظر وسيلة إخبارية مثل قناة الجزيرة هو اعتداء مباشر على حرية الصحافة.
كما أعربت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جون بيير عن قلق بلادها بشأن موافقة الكنيست على إغلاق قناة الجزيرة في إسرائيل.
وقالت جون بيير إن واشنطن تدعم حرية الصحافة، بما في ذلك عمل الصحفيين في تغطية الحرب على غزة.
وقالت عضوة الكونغرس الأميركي النائبة الديمقراطية رشيدة طليب إن إسرائيل تريد الآن إغلاق قناة الجزيرة بالكامل، لمنع العالم من رؤية جرائم الحرب التي ترتكبها.
وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن إسرائيل تستخدم جميع الوسائل الممكنة في محاولة لإسكات قناة الجزيرة بسبب تغطيتها واقع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
ودعت المنظمة إلى إلغاء القانون وإنهاء مضايقاتها العدوانية لقناة الجزيرة.
كما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن عمر شاكر الخبير في منظمة هيومن رايتس ووتش قوله إن القانون تصعيد مقلق في جهود إسرائيل لقمع منتقدي الانتهاكات.
وأضاف شاكر أن قناة الجزيرة مصدر حاسم للمعلومات بغزة بعد منع إسرائيل وصول الصحفيين الدوليين، وأن أي تحرك لتقييد شبكة الجزيرة يمثل اعتداء على حرية التعبير، كما أنه يحد من قدرة الناس على معرفة ما يحدث في قطاع غزة.
بدوره، قال المدير التنفيذي للمعهد الدولي للصحافة فرين ميروفيتش -في تصريح للجزيرة- إن إسرائيل لا تسمح لأي صحفي بالدخول إلى قطاع غزة، مضيفا أنه لا يمكن فهم مبررات القرار الإسرائيلي لحظر الجزيرة.
وأشار إلى أنه من حق الجزيرة استئناف قرار الحكومة، لكن هذا غير ممكن في إسرائيل.
محاولات سابقة
في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2023 وافقت إسرائيل على "لوائح الحرب" التي سمحت بالإغلاق المؤقت لمنافذ الإعلام الأجنبية التي ترى أنها تمس أمنها وتهدد مصالحها.
وقال وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارهي إنه يتوقع أن تكون الإجراءات موجهة إلى قناة الجزيرة.
وعام 2017 قال وزير الاتصالات الإسرائيلي حينها أيوب قرة إن إسرائيل قررت إغلاق مكاتب قناة الجزيرة وسحب اعتماد صحفييها.
وطالب الوزير الإسرائيلي شركات توزيع البث بإغلاق مكاتب القناة، كما طلب من وزارة الأمن الداخلي إغلاق مكاتبها في القدس.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية عقد في 12 يونيو/حزيران 2017 اجتماعا تشاوريا بحث فيه إمكانية إغلاق مكتب شبكة الجزيرة بالقدس، وشارك في الاجتماع مسؤولون كبار من أجهزة الأمن والمخابرات والدوائر ذات العلاقة.
وفي عام 2007 تعهد الاحتلال بطرد صحفيي الجزيرة وإغلاق مكاتبها ومنعها من البث، وحينها اتهم وزير الاتصالات قناة الجزيرة بتعزيز العنف، خاصة في ما يتعلق بالمسجد الأقصى.