"الأمير الأحمر" علي حسن سلامة.. أول من قاد الحراسة الخاصة لياسر عرفات
مقاوم ومناضل فلسطيني، وأحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية، لقب بـ"الأمير الأحمر"، تولى قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية، ويعد أول من قاد الجهاز العسكري "القوة 17" لحماية الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات.
المولد والنشأة
ولد علي حسن سلامة -وكنيته أبو حسن- يوم الأول من أبريل/نيسان 1941 في العراق، وتعود أصوله إلى قرية "قولة" بقضاء اللد في فلسطين، ووالده حسن سلامة أحد قادة جيش الجهاد المقدس الذي قاده المفتي الحاج أمين الحسيني في حرب 1948، وأحد رفاق المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني.
لجأت عائلة سلامة إلى لبنان لفترة قصيرة بعد النكبة، ثم عادت إلى رام الله حيث أكمل أبو حسن الثانوية، كان محبا للهندسة واللغات، فذهب إلى سويسرا لدراسة اللغات قبل انتقاله إلى ألمانيا، وهناك عاش فترة دون اهتمامات سياسية، ثم ذهب إلى مصر حيث حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1963.
تزوج سلامة مرتين، الأولى من نشروان شريف منصور التي أنجبت ولديه حسن وأسامة، وبعد انتقاله إلى لبنان تزوج عام 1978 من جورجينا رزق التي كانت حاملا عند اغتياله.
بداية التجربة الفدائية
لم تكن لدى سلامة أي اهتمامات سياسية حتى بداية الثورة الفلسطينية عندما زاره بعض مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لدعوته إلى الثورة تيمنا به أن يكون خلفا لوالده، فاستجاب لهم والتحق بالحركة عام 1963، وتغيرت توجهاته وأفكاره لصالح المقاومة الفلسطينية.
انتقل في العام التالي إلى الكويت، فكانت إحدى محطاته الرئيسية، إذ أدار دائرة التنظيم الشعبي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وترأس اتحاد طلبة فلسطين في الكويت عام 1965.
لم تطل إقامة سلامة في الكويت، فقد أُرسل لتلقي دورة أمنية في القاهرة عام 1968، وبعد عودته عمل نائبا لمفوض الرصد المركزي للحركة المختصة في رصد الاحتلال والتجسس عليه، واستقر في عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، وبقي فيها حتى خرج منها مع عرفات إثر معارك أيلول الأسود.
أحداث أيلول الأسود
حققت حركة فتح جنبا إلى جنب مع الجيش الأردني انتصارا كبيرا على إسرائيل في معركة الكرامة عام 1968، مما أدى إلى تنامي نفوذ الحركة في عمّان، إذ التحق بها العديد من شباب العراق ولبنان والأردن، ونتيجة لهذا التنامي أصبح القلق يراود صناع القرار في الأردن.
شنت السلطات الأردنية حملة مضايقات على حركة فتح والمقاومين، مما أدى إلى الصدامات التي بلغت ذروتها حين قرر النظام الأردني ضرب الحركة وطردها من البلاد في سبتمبر/أيلول 1970 في الأحداث التي عرفت إعلاميا بـ"أيلول الأسود"، والتي انتهت بطرد فتح تماما من الأردن إلى لبنان.
كان أبو حسن سلامة في هذه الفترة مرافقا لياسر عرفات ومسؤولا عن أمنه إلى أن غادرا معا إلى القاهرة لحضور حوار مشترك مع النظام الأردني، وانتهى الاتفاق بانسحاب الحركة من جميع مدن الأردن والتمركز على الحدود الأردنية الفلسطينية.
انطلاقة جديدة من لبنان
أصبح سلامة مسؤولا عن حماية عرفات منذ خروجهما من الأردن، وسعى إلى تطوير وزيادة احترافية الجهاز الأمني لحركة فتح، فأسس "قوات 17" التي كانت مسؤولة في بداياتها عن أمن عرفات.
أدى تراكم خبراته الأمنية بحكم تدريبه والمهمات التي أسندت إليه إلى جعل حربه مع إسرائيل حربا استخباراتية أمنية في المقام الأول، وقد كانت حربه على جبهتين، الأولى كشف وملاحقة عملاء جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد)، والأخرى تجنب ضربات هذا الجهاز.
ومنذ عام 1970 أصبح لبنان قاعدة للحرب الأمنية التي قادها سلامة ضد الموساد، فارتبط اسمه بالعديد من العمليات النوعية، مثل الطرود المفخخة التي كانت ترسل من أمستردام إلى عملاء الموساد في أوروبا، وكان أحد ضحايا تلك العمليات ضابط الموساد المقيم في لندن أمير شيشوري.
كما كثف سلامة جهوده لكشف شبكات التجسس التابعة للموساد، وتحديدا في لبنان الذي كان إحدى ساحات الصراع بعد تركز العمل الفدائي الفلسطيني فيه، وقد نجحت جهوده في كشف العديد من الجواسيس، أبرزهم أمينة المفتي التي كانت تتجسس على الفصائل الفلسطينية لصالح إسرائيل.
ارتبط اسم سلامة أيضا بمنظمة "أيلول الأسود" التي شنت عمليات عدة، أشهرها "عملية ميونخ"، حيث احتجز عدد من أفراد المنظمة أثناء دورة الألعاب الأولمبية عام 1972 عددا من الرياضيين الإسرائيليين، مطالبين بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وانتهت بمقتل الخاطفين والمختطفين، وقد ادعت إسرائيل لاحقا أن اغتيال سلامة يأتي ضمن حملتها لتصفية الضالعين في تلك العملية.
لكن الرواية الإسرائيلية نقضها عام 1999 محمد داود عودة -الذي عرف باسمه الحركي أبو داود، وهو من مؤسسي منظمة أيلول الأسود- إذ أكد في مذكراته أنه هو المسؤول عن العملية وليس حسن سلامة، وقال إن المخابرات الأردنية أجبرته حينها على تبني رواية كاذبة تعفيه من المسؤولية.
وبحسب عودة، فإن مدير المخابرات الأردنية الأسبق محمد رسول الكيلاني نصح ملك الأردن بالعفو عنه وعن فلسطينيين آخرين وقفوا معه لدحض الانتقادات التي تعرض لها الكيلاني إثر عملية ميونخ، ودفع عودة لقراءة بيان ينفي صلته بالعملية عبر راديو عمان.
أطلقت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير لقب "الأمير الأحمر" على سلامة وجعلته على رأس قائمة المطلوبين للاغتيال، وقد سعت إسرائيل مرارا لاغتياله وكانت "عملية ليلهامر" إحدى تلك المحاولات الفاشلة.
وبالإضافة إلى مهامه مسؤولا عن حماية ياسر عرفات وإدارة الملف الأمني للحركة فقد تولى مهام أخرى، من أهمها فتح قنوات للتواصل، سواء مع أطراف محلية أو دولية، ففي لبنان بدأ التوتر يتزايد خلال السبعينيات حتى انفجار الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، وكان سلامة ذا مواهب شخصية متعددة وعلى علاقة جيدة مع العديد من الفصائل والقوى على الساحة اللبنانية، ومنها الفصائل المسيحية، ثم أصبح أحد المسؤولين عن التفاوض مع تلك الفصائل خلال الحرب.
منظمة أيلول الأسود
دعا سلامة إلى تأسيس "منظمة أيلول الأسود" للثأر للشهداء و"قتل كل من خان الثورة"، ولإثبات أن انتقال النضال الفلسطيني إلى لبنان لا يحد آفاقه، بل يستطيع الوصول إلى أي مكان.
وتقول بعض الروايات إن هذه المنظمة كانت ترتيبا سريا لحركة فتح، ونفذت العديد من العمليات والاغتيالات، ومن أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأردني آنذاك وصفي التل في القاهرة وعملية ميونخ وهامبورغ.
طورت هذه المنظمة في وقت لاحق طرق عمل محترفة جدا مكنتها من أداء عملها باحترافية عالية بادية التميز عن عملها في الأردن حتى أصبحت بعد سنوات عدة لغزا محيرا ومخيفا ويرعب الرأي العام الإسرائيلي بسبب عملياتها المتتالية وبسبب الضباب الذي كان يحيط بها ويحجب حقيقتها.
كانت "منظمة أيلول الأسود" تسبب حرجا لحركة فتح بسبب التزاماتها في لبنان وعلاقاتها العامة، لكن هذا التنظيم السري كان يعفيها جزئيا من الإحراج عبر إنكارها الأمر وادعائها وجود تنظيمات خارجة عن السيطرة واتباع سياسة عدم الإعلان عن أي عملية حتى يعلن عنها الطرف الآخر.
محاولة اغتيال فاشلة
استيقظت النرويج يوم 21 يوليو/تموز 1973 على وقع خبر مقتل شاب مغربي يدعى أحمد بوشيخي كان يعمل نادلا في أحد مطاعم بلدة ليلهامر، ليتبين أن أحمد قُتل خطأ على يد عملاء جهاز الموساد، إذ ظنوا أنه القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة، وقد شكلت هذه العملية فضيحة مدوية للموساد، لكنها لم تكن سوى حلقة في صراع طاحن بين أبو حسن والموساد استمرت قرابة عقد من الزمن.
اتصالات سلامة بأجهزة المخابرات
لم يقتصر تواصل سلامة مع الفصائل في الساحة اللبنانية فحسب، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه فتح قنوات تواصل مع العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية، ومن ضمنها جهاز المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) منذ انتقاله إلى لبنان عام 1970.
فقد شكلت قناة تواصل سرية بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة، وساهمت هذه العلاقة في حماية المواطنين الأميركيين في بيروت وكشف عدد من عملاء الموساد، ويشير البعض إلى أن هدف إسرائيل لاغتيال سلامة لم يكن بدافع الانتقام من عملية ميونخ، بل لنجاحه في التواصل المباشر مع المخابرات الأميركية.
وممن تبنى وجهة النظر هذه كاي بيرد مؤلف سيرة حياة ضابط الاستخبارات الأميركية روبرت أيمز، والذي ربطته علاقة شخصية بسلامة، وقد أورد بيرد ذلك في كتابه "الجاسوس النبيل.. حياة روبرت أيمز وموته"، مستندا إلى شهادات مسؤولين سابقين في المخابرات المركزية الأميركية.
الاغتيال
استطاع الموساد الوصول إلى علي حسن سلامة عن طريق إحدى عميلاته، وهي البريطانية إيريكا تشامبرس التي انتقلت إلى الشرق الأوسط تحت غطاء العمل الإنساني في جمعية خيرية لدعم اللاجئين الفلسطينيين، وتمكنت من لقاء سلامة في بيروت ورصدت تحركاته.
وفي 22 يناير/كانون الثاني 1979 وبعد مغادرة سلامة منزل زوجته جورجينا في بيروت انفجرت سيارة فخخها عملاء الموساد في الطريق أثناء عبور سيارته، فأصيب إصابة بالغة نقل على إثرها إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث فارق الحياة، لتطوى بذلك مسيرة عقد من الصراع بين الموساد و"الأمير الأحمر".