جسر تشونغار "بوابة القرم" وشريان الإمدادات للجيش الروسي بأوكرانيا
أطلقت على جسر "تشونغار" تسمية "بوابة القرم" لأنه واحد من أقصر الطرق التي تربط بين شبه جزيرة القرم (التي ضمتها موسكو في 2014)، والجنوب الأوكراني الذي بات خط مواجهة أساسيا منذ إعلان روسيا حربها على أوكرانيا في 2022.
ومنذ بداية الحرب بات هذا الجسر طريقا أساسيا يستخدمه الروس للتنقل بين شبه الجزيرة والأراضي الأوكرانية التي دخلتها القوات الروسية، كما يستخدم -أيضا- معبرا أساسيا لتزويد القوات الروسية في جنوب أوكرانيا بالعتاد والذخيرة وغيرها من الإمدادات، وهو ما جعل الجسر على قائمة الأهداف العسكرية التي تستهدفها القوات الأوكرانية.
تاريخ جسر تشونغار
بعد أن ضمت الإمبراطورية الروسية شبه جزيرة القرم في 1783، بدأت سلسلة من مشروعات البنية التحتية التي تهدف إلى تحسين التنقلات في المنطقة، ومع بداية القرن 19 انتُهي من بناء جسر تشونغار، ليكون طريقا بريا ثانيا للوصول إلى شبه جزيرة القرم إلى جانب برزخ بيريكوب، الذي يربط ما بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا.
وخلال حرب القرم التي اندلعت في خمسينيات القرن 19 بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية، أصبح جسر تشونغار أكثر من مجرد جسر بري للوصول إلى شبه الجزيرة، فقد اكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للجيش الروسي، ووفّر ممرا حاسما للإمدادات.
وبسبب أهميته الإستراتيجية تلك، هاجم الجيش الأوكراني جسر تشونغار أثناء عملية القرم في الحرب الأوكرانية السوفياتية في 1918.
كما كانت للجسر أهمية إستراتيجية أيام الحرب السوفياتية الألمانية، فأنشأ السوفيات على جانبيه العديد من المواقع والمنشآت الدفاعية.
وعلى بعد بضعة كيلومترات غربا في منطقة سيفاش (التي سيطرت عليها روسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا في 2022) يوجد جسر للسكك الحديدية يطلق عليه -كذلك- اسم "جسر تشونغار"، وهو جسر ذو مسارين، ويتكون من هيكل ممتد شمال مضيق تشونغار، إضافة إلى سد يجتاز نهر سيفاش.
لكن منذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2014، أمرت الحكومة الأوكرانية بتعليق عمل السكك الحديدية على الجسر بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وقد تم بعد ذلك تفكيك السكة الحديدية ثم تغطيتها بالأسلاك الشائكة لمنع استخدامها من الروس، وبات يشار إلى هذه السكة الحديدية باسم "جسر تشونغار القديم".
أما جسر تشونغار الجديد فيقع شمال الجسر القديم على الطريق السريع الواقع في مضيق تشونغار، الذي يضم جسرا آخر مهما كذلك، هو جسر خيرسون (المدينة الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا).
ولم يكن إيقاف خط السكك الحديدية الإجراء الوحيد الذي اتخذته الحكومة الأوكرانية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، فقد وضعت -كذلك- ألغاما على الطرف الأوكراني للعديد من الجسور، التي تربط البر الرئيس لأوكرانيا بشبه جزيرة القرم، بما في ذلك جسر تشونغار. وقد نجحت هذه الإستراتيجية في منع القوات الروسية من الانتشار إلى ما وراء شبه جزيرة القرم.
الحرب الروسية على أوكرانيا
لم تقتصر عمليات تفخيخ جسر تشونغار بالألغام على 2014، فقد أعيدت الكرّة مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 25 أبريل/نيسان 2022، حيث أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية أن جسر تشونغار قد لُغّم، لا سيما بعد التقدم الروسي.
وعلى الرغم من انتشار مزاعم لاحقة أفادت بأنه قد تم تطهير الجسر من الألغام، فإن هيئة الأركان العامة نفت ذلك.
ومنذ بداية الحرب على أوكرانيا، شهد جسر تشونغار حوادث عدة كان أولها في 10 أغسطس/آب 2022، حيث اندلع حريق بالقرب من الطرف الجنوبي للجسر، وكان سببه انفجار في منطقة تشونغار القريبة.
كذلك وردت تقارير عن شن الجيش الأوكراني هجوما مضادا في المنطقة في 22 يونيو/حزيران 2023 وضربه الجسر بصواريخ "ستورم شادو" البريطانية. كما نقلت وسائل إعلام روسية عن محققين قولهم إن القوات الأوكرانية أطلقت 4 صواريخ على الجسر.
ونظرا لأن جسر تشونغار هو واحد من الروابط البرية القليلة مع أوكرانيا، إذ يربط شبه جزيرة القرم مع الأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في منطقة خيرسون الجنوبية، ومن ثم فقد شكل استهداف هذا الجسر تحديا كبيرا للعمليات اللوجستية للروس في الحرب.
استمرت الهجمات الأوكرانية على الجسر ونجح الجيش الأوكراني صباح 29 يوليو/تموز 2023 في مهاجمة المواقع الروسية بالقرب من الجسر، وعطل مرة أخرى العمليات اللوجستية الروسية،وخاصة نقل الأسلحة والمواد الغذائية.
وفي 6 أغسطس/آب 2023، استخدمت القوات الجوية الأوكرانية طائرات مقاتلة من طراز "24-سو" لإطلاق صواريخ ستورم شادو باتجاه جسري تشونغار وهينيتشيسك، مما أدى إلى تدمير شديد لكلا الجسرين.
كيف أثر الهجوم على تشونغار في الخدمات اللوجستية الروسية؟
وفقا لتقرير صادر عن المعهد الأميركي لدراسة الحرب، فإن الضربات على الجسور، التي تعدّ ضرورية لإمداد مجموعة القوات الروسية في الاتجاه الجنوبي، هي جزء من حملة الحصار الأوكراني التي تهدف إلى خلق شروط معينة لعمليات هجوم مضاد حاسمة. ومن هذا المنطلق كان جسر تشونغار هدفا أساسيا للأوكرانيين.
ووفقا للمتحدثة باسم قيادة عمليات الجنوب في الجيش الأوكراني، ناتاليا جومينيوك، فإن الضربات على الجسور في تشونغار وجينيشسك وشبه جزيرة القرم، أدت بالفعل إلى عدم قدرة روسيا على توفير الذخيرة والمعدات والقوى العاملة بشكل فعّال للمواقع القتالية، ومن ثم انعكس ذلك سلبا على عدد الهجمات التي استطاعت روسيا شنها على أوكرانيا.
ولفهم تأثير استهداف مواقع مثل جسر تشونغار، يجب أن نعلم أن روسيا تستخدم شبه جزيرة القرم قاعدة لتخزين ذخيرة رئيسة، ويعدّ الجسر شريانا لتزويد المواقع القتالية بالموارد على طول خط الاتصال بأكمله في جنوب أوكرانيا.