عبد الحميد شومان.. رائد الاقتصاد التحرري في فلسطين
اقتصادي فلسطيني ولد في القدس عام 1888، أسس البنك العربي وفتح فروعا له في مدن فلسطينية أخرى، إضافة إلى بلدان عربية وأجنبية، اعتقلته سلطات الانتداب البريطاني مرتين لانخراطه في أعمال وطنية، توفي عام 1974.
المولد والنشأة
وُلد عبد الحميد شومان عام 1888، في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى عبد الحميد شومان تعليمه الأولي في الكُتّاب، لكنه لم يكمله والتحق بالعمل في محاجر قريته.
التجربة العملية
بدأ شومان حياته العملية في استخراج قطع حجارة البناء من مقالعها في بيت حنينا، ونقلها على الدواب إلى القدس. ومن بين أهم إسهاماته في هذا الجانب مشاركته في أعمال بناء الكنيسة اللوثرية في القدس سنة 1898، الواقعة في حارة النصارى قرب كنيسة القيامة.
وكان فخورا بهذا العمل إذ قال عنه "كل حجر من حجارة هذه الكنيسة رفعته على ظهر البغال ونقلته من بيت حنينا إلى هنا، أنا من بنيت هذه الكنيسة".
عام 1911 هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية وعمل فيها بائعا متجولا، ثم افتتح محلا تجاريا صغيرا طوّره إلى مصنع للألبسة الجاهزة، يحمل اسمه في مدينة نيويورك.
التجربة السياسية
شارك في عضوية عدد من اللجان الوطنية والإسلامية والإنسانية في فلسطين، كاللجنة المركزية لإعانة المنكوبين في فلسطين التي شكلها المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في أعقاب ثورة البراق عام 1929. وقد كان أمينا للصندوق.
كما كان عضوا في لجنة القدس، التي تشكلت في أوائل مايو/أيار عام 1936، وإثر ذلك اعتقلته السلطات البريطانية رفقة عدد من السياسيين، واعتقل مرة ثانية بعد عام بمعتقل المزرعة في عكا وقبع في غرفة انفرادية ولقي من التعذيب أشده.
عام 1936 تأسست في القدس هيئة سياسية شعبية عرفت باسم "اللجنة القومية"، قادت الحركة الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية، وكان شومان من ضمن المندوبين الخمسة في "مؤتمر اللجان القومية"، الذي عقد في مدينة القدس بتاريخ 7 مايو/أيار من العام ذاته.
وتقرر الإعلان عن عدم دفع الضرائب إلى أن تغيّر الحكومة البريطانية سياستها المحابية للصهيونية. وانتخب عضوا في "لجنة التموين والمقاطعة"، التي تشكّلت لمساعدة المتضررين من الإضراب العام.
الإنجازات
أثناء سنوات إقامته في الولايات المتحدة شارك في أنشطة اجتماعية وخيرية وصحفية متعددة، فقد اشترى أرضا لتكون مقبرة للمسلمين في نيويورك، وقدم تسهيلات ومساعدات للطلاب العرب، ودعم الصحف التي تصدر باللغة العربية.
ويروي أنه كان "يحتفل بقدوم كل عربي سياسي مناضل يزور نيويورك، ويجمع المال من المهاجرين لأكثر من مشروع عربي". كما أصدر جريدة عربية باسم "الدبور"، وشارك بنشاط في جمع وإرسال التبرعات لدعم نضال الحركتين الوطنيتين في فلسطين وسوريا.
إنشاء البنك العربي
عاد إلى فلسطين في عام 1929، فوجد البلاد تفتقر إلى مصرف وطني، إذ كانت المصارف الموجودة آنذاك إما إنجليزية أو صهيونية، واقترح أن ينشئ العرب بنكا وطنيا خاصا بهم ليغنيهم عن المصارف الأخرى.
وتزامنت تطلعات شومان مع زيارة طلعت باشا من مصر إلى القدس لبحث إمكانية إنشاء فرع لبنك مصر في فلسطين، على أن يسهم أهل فلسطين بنحو نصف رأس المال، وقُبل الاقتراح بترحيب، ومع ذلك، بذل الصهاينة جهدهم لتعطيل هذا المشروع، وتمكنوا في النهاية من إحباطه.
أنشأ شومان "البنك العربي" في القدس برأس مال قدره 15 ألف جنيه فلسطيني، في شارع باب الخليل، وسجّل رسميا في 21 مايو/أيار 1930، وفتح أكثر من فرع له في فلسطين.
شاركه في تأسيس البنك العربي صهره أحمد حلمي عبد الباقي، الذي تركه عهدة بين يديه لما عاد إلى الولايات المتحدة، إلا أنه بعد عودة شومان من المهجر واستقراره نهائيا في وطنه، استقال عبد الباقي من عمله رئيسا لمجلس إدارة البنك العربي معلنا عن مشروع لتأسيس بنك زراعي.
وافتتح عبد الباقي فروعا للبنك الجديد في كل من طولكرم وغزة والرملة وطبريا وعكا وبيسان، غير أنه تراجع بسبب الحرب العالمية الثانية واضطر إلى تحويله لمصرف أطلق عليه "بنك الأمة العربية"، واشتهر باسم "بنك الأمة".
وعن اختيار شومان "البنك العربي" اسما للبنك قال "لمّا عزمت على تأسيس هذا البنك، لم أشأ أن أطلق عليه اسمي أو اسم قريتي بيت حنينا أو بلدي فلسطين… بل اسم الأمة العربية والوطن الكبير فسمّيته البنك العربي".
حاول الصهاينة منع تأسيس البنك، لكنهم فشلوا أمام إصرار شومان، ففي حديثه مع صديقه المؤرخ عجاج نويهض حول المحاولات الصهيونية منع مشروع طلعت حرب، وكذلك البنك العربي، قال: "لن أستسلم، انتظر قليلا وسوف تسمع الخبر الذي يعجبك. لن أعود إلى نيويورك قبل فتح مصرف وطني جديد".
وقبيل النكبة عام 1948، كان شومان قد نجح في إنشاء فروع للبنك العربي في بلدان عربية وأجنبية.
عقب النكبة نُقل المقر الرئيسي لـ"البنك العربي" إلى عمّان، واعتبر رسميا شركة مساهمة عامة. ونشط شومان وابنه عبد المجيد، الذي تسلم لاحقا رئاسة مجلس إدارة البنك العربي، من أجل إعادة تأسيس فروع البنك، سواء تلك التي أغلقت في فلسطين نتيجة النكبة، أو التي سقطت بسقوط المدن الفلسطينية الكبرى التي احتلتها العصابات الصهيونية.
مؤسسة عبد الحميد شومان
قبل وفاته، أوصى عبد الحميد شومان بإنشاء مؤسسة تُعنى بالشأن الثقافي وتسهم في تمويل الأبحاث والدراسات العلمية والفكرية والطبية والتكنولوجية، لخدمة الأقطار العربية.
واستجابة لهذه الوصية، أنشئت مؤسسة عبد الحميد شومان في عام 1978 في العاصمة الأردنية عمان، بمبادرة من ابنه عبد المجيد. ومن أبرز دوائر المؤسسة منتدى عبد الحميد شومان الثقافي والمكتبة العامة ونظام المعلومات ومكتبة الأطفال ودارة الفنون.
الوفاة
توفي عبد الحميد شومان في التاسع من سبتمبر/أيلول 1974، في مدينة كارلوفي فاري التشيكية، ونقل جثمانه إلى القدس ودفن بجوار المسجد الأقصى.