جبل موية.. إرث حضاري يواجه تحديات الصراع المسلح في السودان
جبل موية (أو مويا) منطقة أثرية تقع في الجزء الغربي من ولاية سنار في السودان، على بعد حوالي 250 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة الخرطوم، وتمتاز بتضاريسها الجبلية المكونة من مرتفعات صخرية وتلال جيرية.
وقد أظهرت الآثار المكتشفة في المنطقة أن البشر استوطنوها منذ آلاف السنين قبل الميلاد، إذ اكتشفت آثار تعود للعصر الحجري والإمبراطورية الكوشية، فضلا عن مدافن تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد.
وتشتهر المنطقة بإنتاج الذهب الذي اكتشف عام 1912، كما يعمل سكان المنطقة على إنتاج السمسم والدخن والحبوب الأخرى، إضافة إلى المشغولات اليدوية.
الموقع
تقع منطقة جبل موية في الجزء الغربي لولاية سنار، على بعد حوالي 250 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، وتعد نقطة تلاق لطرق نحو النيل الأزرق جنوبا والنيل الأبيض غربا والجزيرة شمالا.
سبب التسمية
تقول بعض الروايات إن تسمية المنطقة بجبل موية جاءت نسبة إلى الماء الموجود بكثرة في العيون فوق الجبل، وهناك روايات أخرى تؤكد أن المنطقة أخذت اسمها من الملك مويا، وهو أحد الملوك الذين حكموها في عهد مملكة كوش السودانية.
الجغرافيا
تبلغ مساحة منطقة جبل موية حوالي 12 كيلومترا مربعا، وتتكون من مجموعة من القرى التي تقع بمحاذاة السلسلة الجبلية من الجهة الشمالية.
والمنطقة عبارة عن كتلة صخرية تضم مرتفعات صخرية تتصل بتلال جيرية وبمجاري أودية نهرية في أسفل السهل، وتعد مصدرا للمياه الجوفية التي تتغذى باستمرار من نهري النيل الأبيض والأزرق.
ويبلغ متوسط ارتفاع المنطقة 1522 قدما عن مستوى سطح البحر، وفيها أراض زراعية خصبة، كما أن باطنها مملوء بخام الذهب. وفيها بعض المواقع والحفريات الأثرية التي لم تجد حظها من الاهتمام.
السكان
تتميز المنطقة بتنوعها القبلي، وتضم قرى عدة منها: حلة عوض الكريم، وحلة أولاد أبو رزق، وحلة أبو حواء.
وتنصهر في المنطقة مجموعة من القبائل السودانية، منها الفونج والعمارنة والجوامعة والعركيون والجعليون والفور والزغاوة والفلاتة وغيرهم. ويعمل سكانها في الزراعة والرعي والتجارة والتنقيب التقليدي عن الذهب.
التاريخ
كشفت الآثار التاريخية عن ظهور البشر في جبل موية منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وازدهرت المنطقة في العصر الحجري إلى عهد الدولة المهدية، مرورا بإمبراطورية كوش القديمة ومملكة سنار الإسلامية، وقد عُرف ساكنوها القدماء "بالعنوج" وكانوا طوال القامة.
وشهدت المنطقة أول المسوحات الأثرية عام 1911، وبدأت أولى عمليات التنقيب عن الذهب عام 1912 على يد المستكشف اليهودي الأميركي هنري ويلكم، غير أنها توقفت عقب وفاته لتعود مجددا بعد فترة من الزمن.
وقد كشفت عمليات التنقيب عن الذهب في جبل موية عن وجود أنشطة دفن بشري تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد، كما عُثر على مدافن ذات مساحات واسعة تغطي ما يقارب 25 فدانا، وتعد من أكبر المدافن في شمال شرقي أفريقيا.
ومن بين هذه الاكتشافات الأثرية أيضا مصنوعات يدوية مصرية وتمائم ومنحوتات آلهة وغيرها. وشهدت المنطقة حوادث تَعدٍّ على المواقع الأثرية عبر الحفر غير الرسمي وتمدد عمليات البناء.
ووصلت بعض من هذه الآثار إلى متحف السودان القومي، وهي عبارة عن أوان خزفية وبرونزية وأدوات للزينة، يشبه كثير منها الآثار التي عثر عليها في مناطق جبال النوبة.
وكانت المنطقة حصنا لمملكة سنار الإسلامية (1504-1820)، وحتى عندما وصل جنود حاكم مصر محمد علي باشا لغزو المملكة التي كانت تحت حكم الملك بادي السابع، رفض جيش سنار الاستسلام، مثلما فعل بادي السابع حينما سلم عاصمة مملكته مقابل الخروج الآمن.
وقد لجأ جيش سنار إلى جبل موية وظل يقاوم الغزاة 6 أعوام، حتى فشلوا في القضاء عليه رغم تفوقهم في العدة والعتاد، وفرض جنود مصر حصارا على الجيش الذي بلغ به الجوع في النهاية حد مقايضة جرة ذهب بالحبوب.
ما بعد الصراع المسلح 2023
شهد السودان صراعا مسلحا في 15 أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف ونزوح الملايين. وقد نالت منطقة جبل موية التي تعد منطقة إستراتيجية عسكرية نصيبها من هذا الصراع.
وعقب اشتباكات متواصلة بين الطرفين، أعلنت قوات الدعم السريع في 24 يونيو/حزيران 2024 سيطرتها على المنطقة الإستراتيجية الواقعة على امتداد الحدود بين ولايتي سنار والنيل الأبيض.
وقد سجل المركز العالمي لمسؤولية الحماية فرار عشرات الآلاف من الأشخاص من المنطقة إلى ولايات القضارف والنيل الأزرق والنيل الأبيض وكسلا شرقي السودان.
وبعد 3 أشهر من سيطرة الدعم السريع على المنطقة، أعلن الجيش السوداني في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024 استعادته السيطرة على جبل موية بعد معارك استمرت بضعة أيام.
الاقتصاد
يعد النشاط الزراعي في جبل موية من المدخلات الاقتصادية المهمة في المنطقة، إذ تشتهر بأنها من أكبر مناطق إنتاج السمسم في السودان، كما يزرع السكان الدخن وغيره من الحبوب.
ويربي سكان المنطقة أعدادا كبيرة من المواشي، منها الضأن والأبقار والماعز، إضافة إلى عملهم في الصناعات اليدوية، مثل صناعة أدوات الزراعة وأدوات قطع الأشجار والحصاد.
وتشتهر المنطقة بالتنقيب التقليدي عن الذهب، وقد أنشأ هنري ويلكم خط سكة حديدية داخل الجبل الذي يحتوي على مناجم ذهب ومغارات وكهوف أثرية.