وحدة شلداغ.. كوماندوز المهمات السرية في سلاح الجو الإسرائيلي
وحدة شلداغ -وتعرف أيضا بالوحدة 5101- هي وحدة الكوماندوز التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وتُعرف بكونها وحدة الاستطلاع والضرب التابعة له، وهي واحدة من 4 وحدات نخبوية في الجيش الإسرائيلي، أُسّست عام 1974، بهدف دعم عمليات القوات الجوية، وتنفيذ مهام سرية خاصة خلف خطوط العدو.
شاركت شلداغ في جميع حروب إسرائيل وعملياتها العسكرية، كما تنفذ عمليات منفردة، لا سيما في دول الجوار والضفة الغربية وقطاع غزة، وتشمل مهامها الرصد والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية في البيئات المعقدة، والقيام بعمليات هجومية وتنفيذ عمليات خطف واغتيالات.
أسهمت الوحدة بشكل فعال في العدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومن ذلك تحديد أهداف الضربات ودعم التوغلات البرية واقتحام المستشفيات، ومع ذلك مُنيت بإخفاقات في مهامها وخسائر في جنودها أكثر مما خسرته في جميع حروبها السابقة.
النشأة والتأسيس
أُسّست وحدة شلداغ أو ما يُعرف بالوحدة 5101 في عام 1974، على إثر الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إذ كشفت الحرب قصور وحدة الاستطلاع في هيئة الأركان العامة الإسرائيلية عن تلبية الاحتياجات الحربية داخل ساحات القتال، وافتقار الجيش الإسرائيلي إلى وحدة خاصة قادرة على العمل خلف خطوط العدو.
استدعت الضرورة العسكرية إنشاء وحدة نخبوية مؤهلة للتوغل في عمق أراضي القوى المعادية بسرية، وتحديد المواقع المستهدفة للقصف من قبل سلاح الجو، وتنفيذ عمليات معقدة في بيئات القتال المختلفة.
وكانت شلداغ في بداية نشأتها سَرية احتياط تابعة للواء الكوماندوز سييرت متكال، وتم تطويرها على مراحل دامت سنوات، حتى أصبحت في عام 1986 وحدة عمليات مستقلة، تابعة مباشرة لقيادة سلاح الجو الإسرائيلي.
وبقيت شلداغ وحدة سِرّية حتى عام 1984، حين كشفت وسائل الإعلام عنها، على خلفية إسهاماتها في "عملية موشي" لنقل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل، ومع ذلك حافظ جيش الاحتلال على تكتمه في ما يتعلق بمهام الوحدة وجنودها، ومنذ عام 2017 أصبحت أسماء قادة الوحدة من الأسرار العسكرية، وصار يُرمز إلى قائدها بالحرف الأول من اسمه.
وتتبع الوحدة الجناح السابع للقوات الخاصة في سلاح الجو الإسرائيلي، ويرأسها ضابط برتبة مقدم، وتتمركز في قاعدة بلماحيم الجوية العسكرية شمال شرقي مدينة أسدود.
وكلمة شلداغ لفظ عبري يعني طائر الرفراف (القاوند). وبحسب الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي، أُطلق على الوحدة هذا الاسم للتشابه بين العمليات المنوطة بالوحدة (التي تتضمن الخطف والاغتيالات) وطبيعة حياة الطائر الذي ينقضّ على الأسماك داخل المياه ويصطادها.
التدريب والعتاد
يجب على المرشح للالتحاق بوحدة شلداغ أن يجتاز يوم اختيار وحدات الكوماندوز الأولية، ثم تجربة اختيار الكوماندوز لمدة 5 أيام، وهذان الاختباران يخضع لهما جميع المرشحين لوحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، بعد التأكد من سلامة المرشح بالاطلاع على ملفه الطبي.
وينضم الجندي الذي يجتاز اختبارات النخب الأولية إلى دورة تدريبية طويلة تستمر 22 شهرا، يمر أثناءها بتدريبات قاسية، تشمل تدريبات المشاة الأساسية والمتقدمة لمدة 6 أشهر، ودورة المظليين، ودورة في الملاحة المتخصصة، والتدريب على مهام الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية والقنص وتنفيذ العمليات الجوية والتعاون الجوي الأرضي.
ويتلقى المرشحون دورة في مدرسة مكافحة الإرهاب (لوتار) ودورة إسعافات طبية، وتدريبات لمدة أسبوعين على التعامل مع حالات الأسر، ومجابهة التهديد والاستجواب والعنف الجسدي والإذلال.
ويلتزم جميع جنود الوحدة بالخدمة العسكرية سنة إضافية، فوق الخدمة الإلزامية التي تبلغ نحو 3 سنوات، ويؤدون واجبات الاحتياط القتالية في الوحدة حتى بلوغهم سن الـ34، ثم يشاركون في مهام التخطيط والقيادة والسيطرة والاستخبارات وأعمال التدريب.
ويستخدم أفراد الوحدة أسلحة متعددة مثل بنادق "إم 16" وبنادق "إم 4 إيه 1″ مزوّدة بقاذفة قنابل يدوية من طراز " إم 203″، وللمهام الخاصة يستخدم عناصر شلداغ أسلحة مثل مسدسات غلوك وبنادق القنص ماوزر.
وزُوّدت شلداغ بمعدات حربية متطورة، وتعتمد وسائل تكنولوجية متقدمة، وتستعين في تنفيذ مهامها بطائرات قتالية وروبوتات.
المهام والمسؤوليات
أُنشئت شلداغ بحيث تتمتع بالمرونة والجاهزية الدائمة لتنفيذ المهام، والقيام بعمليات خاصة ونوعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وتُعرف رسميا بأنها وحدة الاستطلاع والضرب التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
وتتسم عملياتها هذه الوحدة بالسرية، ولا تكشف السلطات الإسرائيلية عن مهامها وأنشطتها، كما يتطلب من عناصرها أن يقوموا بالمهام بدقة وسرية، وألا يتركوا في موقع العملية أدلة تُنبئ عن مسؤولية إسرائيل عن العملية.
وتتميز الوحدة بتنفيذ مهام يُطلق عليها "الحرب بين الحروب"، وهي سلسلة من العمليات غير البارزة، لكنها تقدم بمجملها فائدة كبيرة لإسرائيل على المستوى الأمني والعسكري.
وتعمل هذه الوحدة في زمن الحروب وظروف السلم الاعتيادية على حد سواء، وتتولى مهام ومسؤوليات عديدة، أبرزها:
- مراقبة الحركة الجوية والقيام بعمليات رصد واستطلاع.
- تنفذ مهام استخباراتية عسكرية وأمنية خاصة وسرية في البيئات المعادية في ظروف صعبة ومعقدة.
- تحديد الأهداف بدقة ونقل إحداثياتها للطائرات العسكرية والمروحيات المقاتلة.
- تنفيذ اقتحامات وعمليات هجومية.
- تنفيذ عمليات إنزال وخطف واغتيالات.
- البحث عن الجثث والمفقودين أثناء الحروب والعمليات العسكرية.
- تخليص الرهائن والأسرى.
- العمل ضمن الحروب غير النظامية.
- تنفيذ الاختراقات البعيدة المدى في عمق أراضي القوى المعادية.
- منع وصول شحنات السلاح إلى القوى المعادية وتعقب منصات إطلاق الصواريخ التابعة لها.
الحروب والعمليات
أسهمت شلداغ في جميع الحروب والعمليات التي خاضتها إسرائيل، كما تنفذ عمليات خاصة منفردة عسكرية أو مدنية، وتتميز بقدرتها على التعامل مع مراحل المهمة كافة، من جمع المعلومات الاستخباراتية والتخطيط العملياتي إلى التنفيذ.
ومن أبرز العمليات التي شاركت فيها أو نفذتها وحدة شلداغ:
- عملية موشي (عملية موسى): شاركت الوحدة في العملية التي أطلقتها إسرائيل عام 1984، وفق ما قيل إنه اتفاق سري مع الرئيس السوداني آنذاك جعفر النميري، سمح بموجبه بنقل 6 آلاف يهودي إثيوبي، موزعين على 12 رحلة سرية عبر الخرطوم، وتسبب الكشف عن الاتفاقية بموجة من الغضب في الدول العربية، أسفرت عن إيقافها. نقل رجال الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) العاملين في الخرطوم، بعد تولّي الرئيس السوداني السابق عمر البشير الحكم عام 1989 في الانقلاب العسكري الذي عرف "بثورة الإنقاذ".
- عملية شلومو (عملية سليمان): التي نقلت فيها الوحدة قرابة 14 ألفا و500 شخص من يهود الفلاشا جوا من أديس أبابا إلى إسرائيل ليلة 25 مايو/أيار 1991، على خلفية اضطرابات داخلية عمّت إثيوبيا في تلك الفترة.
- عملية تصفية الحساب: فقد شارك جنود شلداغ في الهجوم الذي شنته إسرائيل على لبنان عام 1993، واستمر 7 أيام.
- عملية عناقيد الغضب: كانت وحدة شلداغ ضمن القوات التي شنت هجوما على لبنان عام 1996، واستمر القصف نحو أسبوعين، وبلغ عدد الغارات أثناء العملية 139.
- ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية: أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وتنفيذ عدد من الاغتيالات في صفوفهم.
- حرب لبنان الثانية عام 2006: تكلفت الوحدة بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد أهداف الضربات الجوية، ونفذت 30 عملية داخل لبنان خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على مدى 34 يوما على لبنان. وقالت صحيفة إسرائيل اليوم إن قوات شلداغ نفذت في تلك الحرب مهام أكثر من جميع وحدات القوات الخاصة الأخرى مجتمعة. ولكنها أخفقت في بعض تلك العمليات، ومن ذلك هجوم بعض عناصرها على مستشفى الحكمة، واختطاف 3 مدنيين ظنا منهم أن أحدهم هو الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، وهو الأمر الذي عرض القيادات العسكرية والسياسية العليا لانتقادات شديدة.
- عملية البستان 2007: شاركت شلداغ في الهجوم على موقع في سوريا، يُعتقد أنه مفاعل نووي، وكانت مهمة الوحدة تحديد الهدف للمقاتلات الإسرائيلية التي قصفت الموقع ودمرته.
- عملية الجرف الصامد: نفذت عمليات خاصة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، ونفذت هجمات جوية على القطاع، ودعمت وحدات الجيش الأخرى، عبر الرصد والاستطلاع الجوي وتقديم المعلومات الاستخباراتية. وقدم قناصة الوحدة دعما مستمرا لقوات مشاة لواء ناحال في شمال قطاع غزة. ووفق الصحافة الإسرائيلية، استطاعت الوحدة الكشف عن بعض الأنفاق قرب حدود القطاع مع إسرائيل.
- تنفيذ غارة على منشأة في مدينة مصياف السورية: يُعتقد أنها تستخدم لإنتاج صواريخ لحزب الله، وفق ما نقله موقع أكسيوس الأميركي، إذ نزلت قوات خاصة إسرائيلية من طائرات هليكوبتر في سبتمبر/أيلول 2024، وزرعت متفجرات داخل المنشأة وفجرتها.
عملية السيوف الحديدية
شاركت قوات شلداغ في اشتباكات مع المقاومة في كيبوتسات مثل رعيم وعلوميم وبئيري أثناء معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي اليوم نفسه أطلقت إسرائيل عملية السيوف الحديدية، وشنت عدوانا على غزة. وكانت شلداغ، منذ اليوم الأول، من أبرز الوحدات الإسرائيلية المشاركة في حرب الإبادة، وعملت جنبا إلى جنب مع القوات الإسرائيلية المختلفة، وشاركت في التوغل البري في القطاع وضرب الأهداف المدنية واقتحام المستشفيات.
وقد مُنيت الوحدة في أثناء توغلها في القطاع بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وحسب الصحافة الإسرائيلية، فإنها خسرت من المقاتلين داخل قطاع غزة ما لم تخسره في جميع الحروب الإسرائيلية السابقة.
وقد قُتل داخل غزة الرائد يتسهار هوفمان، وهو أحد أبرز قادتها، ومؤسس إحدى المجموعات القتالية، والمطور لنظام مختص بالتعامل مع الأنفاق في القطاع، وكان قائدا لفرقة دهم أثناء حصار مستشفى الشفاء واقتحامه في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وفي يوليو/تموز 2024، انتقد تحقيق رسمي صدر عن الجيش الاسرائيلي أداء جنود شلداغ في معركة طوفان الأقصى في كيبوتس بئيري، ووصف قتالهم بأنه فاشل ولم يكن احترافيا، إذ توقفوا عن القتال وانسحبوا أثناء المعركة دون أوامر رسمية، وتركوا الاشتباك مع مقاتلي كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- الذين كانوا على مقربة منهم.
وكان الجيش الإسرائيلي وجه فرقة مكونة من 13 جنديا من شلداغ إلى كيبوتس بئيري لمواجهة المقاومة، ولكن الفريق تعرض لكمين، فانسحب إلى مدخل الكيبوتس بعد إصابة جندي ومقتل آخر، بحجة إنقاذ الجنود وحماية مدخل الكيبوتس.