عبد العزيز البابطين.. أديب كويتي نقل الثقافة العربية للعالم
عبد العزيز سعود البابطين شاعر وأديب ومؤلف ورجل مال وأعمال، من مواليد الكويت عام 1936، يصنف واحدا من رواد الثقافة والتنمية المعرفية في العالمين العربي والإسلامي، توفي في ديسمبر/كانون الأول 2023.
تجاوزت أنشطته التجارية دولة الكويت إلى آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، فاستغل مكانته المادية وأنفق بسخاء على المشاريع الخيرية والاجتماعية والإنسانية.
وطوال حياته ركز على إحياء الحضارة العربية ونقل معارفها نحو العالم، وأنشأ مؤسسات وجوائز عديدة لدعم المواهب العربية والإسلامية.
المولد والنشأة
ولد عبد العزيز سعود البابطين في الأول من يناير/كانون الثاني 1936 بالكويت، ونشأ في وسط ثقافي يهتم أبناؤه بحفظ الشعر ويعتبر القصيدة العربية عنوانا للإبداع.
تربى تحت عناية والده وأخيه الأكبر، فكان لهما دور كبير في التأثير على مستقبله، حيث غرسا فيه حب الثقافة والتطلع نحو النجاح.
وفي صغره كانت والدته تحفّظه من شعر عمها محمد بن لعبون، وكان أخوه الأكبر عبد اللطيف البابطين يجمع الشعراء النبطيين في رحاب منزل العائلة ويروون ما سمعوه من السابقين، ومن خلال مجالسته الشعراء استقرت نغمة الشعر في ذهنه وكبرت معه، ونظم أول قصيدة وعمره 11 سنة.
وفي مرحلة شبابه تأثر ببعض الوجوه الثقافية التي كانت تنشط في الساحة الأدبية في الكويت، مثل أحمد العدواني وعبد الرزاق البصير وغيرهما من أعيان الأدب والثقافة.
الدراسة والتكوين
تلقى عبد العزيز البابطين دراسته الابتدائية والثانوية في الكويت حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، وبعد ذلك سافر إلى إنجلترا عام 1961 والتحق بجامعة أكسفورد.
وبعد استثماره في الحقلين المعرفي والأكاديمي حصل على 14 شهادة دكتوراه فخرية من جامعات عربية وغربية.
وفي بداية مشواره التعليمي أتقن اللغة العربية بفنونها النحوية والصرفية، كما تعلم صناعة الشعر في بيت والده الذي كان عارفا بالثقافة العربية، ودرس اللغة الإنجليزية حتى صار ضليعا فيها.
التجربة الثقافية والأدبية
عام 1954 عين عبد العزيز البابطين أمينا لمكتبة ثانوية الشويخ، ففرضت عليه الوظيفة منادمة الجرائد والمجلات ومجالسة الكتب ومواكبة الإصدارات المعرفية الجديدة.
وكانت الكويت حينها تتطلع إلى البناء المعرفي وتستقبل البعثات المصرية لتكوين الأجيال الناشئة، فعايش عبد العزيز بحكم موقعه (أمين المكتبة) ذلك الحراك الثقافي وزاد شغفه بقيمة التعليم وأهمية رأس المال الثقافي.
وبعد سنتين من العمل في المدينة التعليمية توجه إلى العمل التجاري عام 1958، إذ فتح محلا تجاريا في مدينة حولّي بضاحية الكويت.
كانت بدايته من الصفر، لكنه كان متسلحا بالأفكار والنظريات المعرفية، وبسرعة فائقة حقق أرباحا وأصبح رقما معروفا في الأسواق المحلية.
وبعدما توسع في التجارة وأصبح من رجال المال والأعمال وصارت له أذرع اقتصادية في الشرق الأوسط وأوروبا والصين أدرك أن النهضة الشاملة لبلده لا يمكن أن تتحقق بدون العلم، وأن التنمية المعرفية ورأس المال الثقافي هما الطريق لبناء الدول، فتوجه نحو دعم العقول العربية والإسلامية.
اقتنع البابطين بأن وجود رجال المال والأعمال في الساحة الثقافية يعلي من شأنها ويساهم في اهتمام الأجيال بالمعرفة والإقبال على الدراسة، وكان يردد دائما أن الخليفة المأمون عندما أسس دار الحكمة أمر رجال الأعمال والأمراء والوزراء بأن يدخلوا الساحة الثقافية ويخصصوا جوائز للمبدعين.
وفي سنة 1974 أسس بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا بهدف تقديم منح للطلاب الذين ضاقت بهم سبل الحياة عن استكمال دراستهم.
ولاحقا، توسعت البعثة وأصبحت تقدم المنح للطلاب من مختلف أنحاء العالم، ووصلت منحها عام 2017 إلى 8 آلاف منحة، 500 من الممنوحين من دولة الكويت، والباقي من مختلف الدول العربية والإسلامية.
وفي عام 1989 أطلق من القاهرة أعمال مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية، وتفرعت منها مراكز متعددة تعنى بالشعر والثقافة وحوار الحضارات، وفتحت فروعا في 17 دولة من العالم، ولها فرع في الاتحاد الأوروبي.
ومن أهم إنجازات هذه المؤسسة معجم البابطين للشعراء العرب الذي يعتبر أهم سجل للشعراء العرب من مختلف أنحاء العالم.
وعبر مؤسساته الثقافية أبرم اتفاقيات شراكة مع الجمعية العامة للأمم المتحدة ومعهد السلام الدولي واللجنة الدولة للصليب الأحمر ومؤسسة كارنيغي.
تركزت هذه الشراكات حول تعزيز التعايش الثقافي والحوار الحضاري، ودعم المعرفة في المناطق الأقل حظا في التعليم.
وقد أشرف على إصدار قصيدة "ملحمة العرب"، والتي وصل عدد أبياتها إلى 400 بيت من الشعر العربي من بحر الرمل، وشارك في نظمها 113 شاعرا من مختلف الأدباء العرب.
والقصيدة عبارة عن مجموعة من القيم الإسلامية التي تدعو إلى التعاون ونبذ التفرقة والطائفية، وتمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية عام 2017.
وقد أسس البابطين مكتبة كبيرة في كلية الآداب بجامعة القدس، كما أسس جائزة خاصة للشعر العربي في فلسطين.
الوظائف والمسؤوليات
خلال مساره المشحون بالعمل تقلد عبد العزيز البابطين الكثير من الوظائف، أهمها:
- أمين مكتبة ثانوية الشويخ في الكويت عام 1954، وهي أول وظيفة يشغلها.
- مالك ورئيس مجموعة شركات سعود البابطين.
- أسس وترأس بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا 1974.
- رئيس مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية.
- عضو اللجنة الوطنية لدعم التعليم في الكويت.
- عضو رابطة الأدباء الكويتيين.
- عضو جمعية فاس سايس الثقافية في المغرب.
- رئيس مجلس أعضاء مؤسسة البابطين الثقافية بالاتحاد الأوروبي، ومقرها في روما.
- عضو مجلس أمناء كلية الآداب بجامعة الكويت.
- عضو مجلس أمناء المجمع الثقافي في بيروت.
- عضو مجلس المانحين في جامعة أكسفورد البريطانية.
- الرئيس الشرفي للأكاديمية العالمية للشعر.
- رئيس لجنة الوساطة بين الجزائر وإيران لاستعادة العلاقات في عهد بوتفليقة.
المؤلفات
يصنف عبد العزيز البابطين شاعرا ومتذوقا للشعر، وقد نظم الشعر وهو في الـ11 من العمر، وألّف دواوين وكتبا نشر منها:
- بوح البوادي، وهو ديوانه الأول وصدر عام 1995.
- مسافر في القفار، وهو ديوانه الثاني وصدر عام 2004.
- أغنيات الفيافي، وهو ثالث ديوان له ونشر عام 2017.
- تأملات من أجل السلام، وهو كتاب يتضمن قواعد السلام ووسائل تحقيق السلام، وصدر عام 2017 باللغتين العربية والإنجليزية.
الجوائز والأوسمة
تثمينا لدوره في النهوض بالتعليم والعمل على نهضة الحضارة العربية وسعيه لتوصيل المعارف إلى الفئات الهشة في العالم حصد الكثير من الجوائز والأوسمة من مختلف أنحاء العالم، ومنها:
- وسام الاستحقاق الثقافي من الصنف الأول، من رئيس الجمهورية التونسية (1996).
- وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من الملك الأردني (2001).
- جائزة الدولة التقديرية من الكويت (2002).
- وسام الاستحقاق المدني من ملك إسبانيا (2009).
- وسام فارس من الرئيس الإيطالي لجهوده في حوار الحضارات والثقافات (2009).
- وسام دولة فلسطين للثقافة والعلوم والفنون من الرئيس محمود عباس (2014).
- جائزة السلام العالمية من مؤسسة البحر الأبيض المتوسط (2015).
الوفاة
توفي عبد العزيز البابطين يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 في مزرعته بالشيط في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، ودفن في مقبرة الصليبخات بالكويت.