مارغريت الثانية ملكة حكمت الدانمارك نصف قرن
"مارغريت الثانية" ملكة الدانمارك، أطول ملوك أوروبا حكما، اعتلت عرش الدانمارك في 15 يناير/كانون الثاني 1972 وهي في الـ31 من عمرها . شعارها "عون الله، حب الشعب، قوة الدانمارك". وبعد أكثر من 5 عقود قضتها في الحكم، تنازلت في الذكرى الـ52 لصعودها العرش، لابنها "فريدريك العاشر" ليصبح ملكا خلفا لها.
المولد والنشأة
ولدت مارغريت ألكسندرين ثورهيلدور إنغريد (الملكة مارغريت الثانية) يوم 16 أبريل/نيسان 1940 في مدينة كوبنهاغن بالدانمارك، بعد أسبوع من الغزو الألماني للبلاد خلال الحرب العالمية الثانية.
كان والداها الملك "فريدريك التاسع" والملكة "إنغريد" عضوين في عائلتين ملكيتين؛ حيث كان والدها الابن الأكبر لملك الدانمارك "كريستيان العاشر" والملكة " ألكسندرين" (اللذين كانا ملوك أيسلندا -أيضا- حتى 1944)، وكانت والدتها الابنة الوحيدة للملك "غوستاف أدولف السادس"، ملك السويد والأميرة "مارغريت".
"مارغريت الثانية" هي الأخت الكبرى لشقيقتيها؛ الأميرة بنديكت (مواليد 1944) وملكة اليونان السابقة آن ماري (مواليد 1946). أخذت اسم جدتها لأمها ولية العهد الأميرة "مارغريت"، وجدتها لأبيها الملكة "ألكسندرين"، ووالدتها "إنغريد"، و"ثورهيلدور" هي إشارة إلى كون الملك كريستيان ملكا لأيسلندا.
وحينما ولدت، كان قانون الخلافة الدانماركي يمنع النساء من وراثة العرش؛ لكن هذا القانون تغير في 1953 بموجب استفتاء جرى تحت ضغط من الحكومات الدانماركية المتعاقبة.
في 10 يونيو/حزيران 1967، تزوجت من الكونت "هنري دي لابورد دي مونبيزات"، وهو دبلوماسي فرنسي، وحصل بعد ذلك على لقب الأمير هنريك. ولد طفلهما الأول، ولي العهد الأمير فريدريك، في 26 مايو/آيار 1968، وابنهما الثاني، الأمير يواكيم، في 7 يونيو/حزيران 1969.
الدراسة والتكوين العلمي
التحقت الملكة مارغريت بمدرسة "زالس سكول" بين 1946 و1955، وكانت تلميذة خاصة في أمالينبورغ بين 1946 و1949، وفي العام الدراسي 1955-1956 كانت تلميذة في نورث فورلاند لودج، وهي مدرسة للبنات في هامبشاير بإنجلترا.
وبعد أن تلقت دروسا خصوصية، تخرجت في "زالس سكول" بشهادة امتحان الثانوية العامة (مسار لغات) في 1959. وبين 1960 و1965، درست في جامعات في الدانمارك ودول أوروبية أخرى.
بعد اجتيازها امتحان الفلسفة في جامعة كوبنهاغن في 1960، درست علم الآثار في جامعة كامبريدج بإنجلترا في 1960-1961 وحصلت على دبلوم في "علم آثار ما قبل التاريخ". بعد ذلك، درست العلوم السياسية في جامعة آرهوس في 1961-1962، وفي جامعة السوربون بباريس في 1963 وفي كلية لندن للاقتصاد في 1965.
تتحدث الملكة مارغريت الثانية الفرنسية والسويدية والإنجليزية والألمانية، إضافة للغتها الأم الدانماركية.
أدّت الخدمة التطوعية مع سلاح الطيران النسائي (1958-1970)، وتلقت تدريبا شاملا برتبة عريف ثم رقيب ثم ملازم في القوات الجوية النسائية.
إضافة إلى علاقتها مع الدفاع الدانماركي، تتمتع بعلاقات خاصة مع وحدات معينة من الدفاع البريطاني، حيث عُينت عقيدا أعلى لفوج الملكة في 1972، وعقيدا أعلى لفوج أميرة ويلز الملكي في 1992.
تجربتها في الحكم
تُوجت مارغريت الثانية ملكة على عرش الدانمارك في 15 يناير/كانون الثاني 1972، بعد يوم من وفاة والدها الملك فريدريك التاسع بسبب المرض. وكان عمرها عند تتويجها 31 عاما، وأصبحت أول امرأة تتولى هذا المنصب في الدانمارك خلال العصر الحديث.
وفي أول خطاب لها إلى الدانماركيين قالت "والدي الحبيب، ملكنا، مات، المهمة التي حملها والدي لما يقرب من 25 عاما تقع الآن على كتفي، أدعو الله أن يمنحني العون والقوة لحمل هذا التراث الثقيل، ولتكن لي -أيضا- الثقة التي أعطيت لوالدي".
ولكون النظام السياسي في الدانمارك نظاما ملكيا دستوريا؛ فإن الملكة لا تعبّر عن أي آراء سياسية، ولا يمكنها القيام بأعمال سياسية بشكل مستقل، على الرغم من أنها توقّع على جميع قوانين البرلمان، إلا أنها لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد التوقيع عليها من وزير في مجلس الوزراء. ويقدم لها وزير الخارجية ورئيس الوزراء تقارير منتظمة لإطلاعها على آخر التطورات السياسية.
نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المؤرخ الدانماركي، لارس هوفيباكي سورنسن، قوله إن مارغريت "نجحت في أن تكون ملكة وحّدت الأمة الدانماركية في فترة تغييرات كبيرة… العولمة وظهور الدولة متعددة الثقافات، والأزمات الاقتصادية في السبعينيات والثمانينيات، ومرة أخرى في الفترة من 2008 إلى 2015، وفترة وباء كورونا (2022/2020)"، وأضاف أن "أساس شعبيتها هو أن الملكة غير سياسية على الإطلاق".
وأشار إلى أن الملكة -التي تطلق عليها عائلتها ورعاياها لقب "ديزي"- تمكنت من الحفاظ على النظام الملكي دون التقليل من مكانته. وبعد أن أصبحت أرملة في 2018، أصرت مرارا وتكرارا على أنها لن تتخلى عن مهامها أبدا، فقالت "سأبقى على العرش حتى أسقط".
أسهمت شعبية مارغريت الشخصية بشكل كبير في تحسين تصور الشعب الدانماركي عن النظام الملكي. فعندما أصبحت ملكة في 1972، كان حوالي 42% فقط من الدانماركيين الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون الاحتفاظ بالملكية، في حين اعتقدت النسبة الباقية أنه لا مكان للملكية في الديمقراطية الحديثة.
لكنها تمكنت خلال فترة حكمها من تحديث المؤسسة الملكية، مما سمح لابنيها بالزواج من عامة الناس. وبينما كانت تستعد للتنحي عن العرش أظهرت استطلاعات الرأي أن الملكية الدانماركية من أكثر الملكيات شعبية في العالم، وتتمتع بدعم أكثر من 80% من الدانماركيين.
موهبة فنية
كانت الملكة مارغريت مفتونة بالرسم منذ طفولتها وحافظت على اهتمامها طوال حياتها، حيث أصبح العمل الإبداعي نشاطا ذا أولوية في يوم ثابت من الأسبوع في برنامجها المزدحم.
أصبح العمل الفني للملكة معروفا علنا بعد أن صممت خاتم عيد الميلاد السنوي في 1970، وفي نهاية السبعينيات، أنتجت نماذج أولية من الرسوم التوضيحية لثلاثية تولكين "سيد الخواتم".
ومنذ ذلك الحين، نشطت باستمرار في مجموعة واسعة من المجالات الفنية؛ مثل: الرسم والألوان المائية، والتطريز ومنسوجات الكنيسة، وتصميم السينوغرافيا والأزياء لعروض الباليه والأفلام.
عُرض جزء كبير من أعمالها في معارض في الدانمارك وخارجها منذ منتصف الثمانينات. كما توجد أعمالها في متحف ستاتينز لكونست (المعرض الوطني الدانماركي)، ومتحف آروس آرهوس للفنون، ومجموعة رسم بمعرض كوجي للفنون (رسومات تخطيطية لمنسوجات الكنيسة).
تنحيها عن العرش
في 2023 خضعت الملكة مارغريت الثانية لعملية جراحية كبرى في الظهر تطلبت فترة طويلة من النقاهة وإعادة التأهيل. وفي أوائل يناير/كانون الثاني 2024، فاجأت المراقبين عندما أعلنت أنها ستتنازل عن العرش لصالح ولي العهد الأمير فريدريك في الذكرى الـ52 لصعودها إلى العرش. حيث كانت أطول ملوك أوروبا حكما، ومنذ 900 عام كانت هذه أول مرة تنازل فيها ملك، أو ملكة دانماركية عن العرش.
في يوم الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024، اعتلى الملك فريدريك العاشر عرش الدنمارك خلفا لوالدته، بينما تجمعت حشود كبيرة في العاصمة لمشاهدة الحدث التاريخي.
وقال القصر الملكي إن التنصيب أصبح رسميا بمجرد توقيع الملكة مارغريت على وثيقة تنازلها عن العرش خلال اجتماع لمجلس الدولة في البرلمان، حيث إن الدانمارك لديها واحد من أقدم الأنظمة الملكية في العالم، ولا تقيم مراسم تتويج.
وحضر الاجتماع ممثلو الحكومة والملكة مارغريت وفريدريك (55 عاما) وزوجته ماري المولودة في أستراليا (51 عاما)، التي أصبحت الآن الملكة، وابنهما الأكبر كريستيان (18 عاما) الوريث الجديد للعرش.