بلوشستان.. عرقية موزعة بين 3 دول
بلوشستان؛ موقع جغرافي تاريخي يقع جنوب وغرب آسيا ويشمل أجزاء من باكستان وإيران وأفغانستان، سكانه الأصليون من العرقية البلوشية ويتوزعون في الدول الثلاث.
أصبحت المنطقة في العقود الماضية ذات أهمية جغرافية وإستراتيجية كبيرة نظرا لربطها 3 دول ولإطلالها على بحر العرب وخليج عُمان بوصفه إحدى الطرق التجارية المهمة في مشروع الممر الاقتصادي المشترك بين الصين وباكستان، والمشاريع التجارية الأخرى التي تستهدف المنطقة.
الموقع
تقع بلوشستان في أقصى الجنوب الشرقي للهضبة الإيرانية وتحدها الصفيحة الهندية وساحل بحر العرب، وتضم مناطق من جنوب غرب باكستان فيما يعرف بإقليم بلوشستان الباكستاني، وعاصمته مدينة كويتا، وجنوب شرق إيران فيما يعرف بسيستان بلوشستان وعاصمته زاهدان، وأجزاء من جنوب أفغانستان بشكل رئيسي في مقاطعة نمروز وهلمند وقندهار.
السكان
وصل التعداد السكاني في إقليم بلوشستان الباكستاني عام 2023 إلى 21.9 مليون نسمة وفقا للإحصائيات الحكومية، ويشمل ذلك البلوش والبشتون، بينما يصل عدد سكان سيستان وبلوشستان الإيرانية إلى 2.7 مليون نسمة، وفقا لإحصائيات عام 2016. كما تقدر بعض الإحصاءات بأن عدد السكان البلوش في أفغانستان يزيد على 600 ألف نسمة.
التاريخ
يُعتقد أن اسم بلوشستان جاء نسبة إلى عرقية البلوش التي سكنت المنطقة قديما، وهم من المسلمين السنة ويتحدثون اللغة البلوشية والفارسية إلى حد كبير، ويرجع بعض المؤرخين الحضارة البلوشية إلى ما قبل 9 آلاف عام.
وتقول بعض الدراسات التاريخية إن البلوش هم السكان الأصليون لتلك المناطق منذ آلاف السنين، بينما يرى مؤرخون آخرون أن البلوش أصولهم عربية وانتقلوا للعيش في تلك المناطق قبل حوالي ألفي سنة.
ويُعتقد أيضا أن المنطقة كانت جزءا من الإمبراطورية الفارسية الأخمينية ثم الهندية، وخضعت أيضا إلى المقدونيين والغزنويين والسلاجقة والمغول، وقد مرّ الإسكندر الأكبر منها خلال عودته إلى بابل بعد حملته الهندية عبر صحاريها.
كما يُعتقد أنها كانت مأهولة بمزيج من الشعوب الإيرانية والهندية، واتبع الناس هناك في بعض العصور الديانات الهندوسية والبوذية والزرادشتية.
وخلال العصر الإسلامي كانت بلوشستان تخضع لسيطرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، ثم خضعت إلى سيطرة سلالة الراي في السند. ثم حقق المسلمون انتصارا على تلك السلالة عام 644 م في معركة راسيل وغزا مكران.
بعد غزو السلاجقة الأتراك بلاد فارس في القرن الـ11، هاجرت بعض القبائل البدوية من وسط إيران والمناطق الواقعة جنوب بحر قزوين إلى بلوشستان، كما هاجرت بشكل منفصل قبائل البراهوي من وسط الهند إلى المنطقة ونسجت علاقات قوية مع البلوش.
وفي القرن الـ16 انقسمت بلوشستان إلى مناطق سيطرة بين الإمبراطورية الفارسية الصفوية إلى الغرب وإمبراطورية المغول من الشرق، ووفقا لبعض المصادر فإن هذا ما يعكس تقريبا الحدود الإيرانية الباكستانية اليوم. وخلال عهد المغول كانت السيطرة لحاكم محلي في قلات، وهي منطقة في بلوشستان الباكستانية.
منح خان قلات عام 1783 السيادة على ميناء جوادر لرجل أصبح فيما بعد سلطان عُمان وقرر الاحتفاظ بها كجزء من مناطقه، واضطرت باكستان لشرائها من عُمان عام 1958.
وبعد انهيار الإمبراطورية الصفوية وانهيار إمبراطورية المغول، انقسمت بلوشستان إلى إمارات صغيرة وقع بعضها تحت سيطرة أفغانستان مع شيء من الاستقلالية، ومن هذه الإمارات قلات.
وبعد الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية هاجمها البريطانيون خلال غزوهم لأفغانستان، وبذلك وقعت أجزاء من بلوشستان تحت الحكم البريطاني.
وبقي الجزء الإيراني من بلوشستان تحت سيطرة الفارسيين في إيران، بينما كان الجزء الباكستاني تحت سيطرة بريطانيا، إذ رسّمت الحدود بين بريطانيا والإيرانيين عام 1871، ثم اعترف بها بين باكستان وإيران مع بعض التغيرات الطفيفة بين عامي 1958 و1959. وقد سميت سيستان بلوشستان بهذا الاسم بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
خلال العصر الحديث شكلت مناطق بلوشستان الباكستانية والإيرانية مناطق تحد لحكومات البلدين، حيث أصبحت مناطق صراع تنتشر فيها جماعات بلوشية تطالب باستقلال أكبر لهذه المنطقة.
الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية
ظلّت منطقة بلوشستان حتى القرن الماضي تفتقر للأهمية التاريخية والإستراتيجية، رغم أنها كانت تربط بين ثقافات وحضارات جنوب آسيا والشرق الأوسط.
لكن الأهمية الكبرى اكتسبتها المنطقة باعتبارها حلقة وصل للتجارة على مدار عقود، لأن جزءا كبيرا منها -يعرف بـ"مكران" وهي مناطق الشريط الساحلي الطويل- يطل على بحر العرب الذي يربط تلك المناطق بالخليج العربي ثم الشرق الأوسط.
وفي باكستان يعتبر ميناء جوادر في إقليم بلوشستان من أهم الموانئ في المنطقة، وهو درة التاج في مشروع الممر الاقتصادي بين باكستان والصين، والذي يخطط له أن يكون رابطا رئيسيا للتجارة الصينية مع العالم العربي.
وعلى الجانب الآخر يطل سيستان بلوشستان على خليج عُمان ويقع فيه ميناء تشابهار الإيراني، الذي لا تزال تسعى الهند لتطويره بهدف منافسة كل من باكستان والصين، والتأثير على أهمية ميناء جوادر.
وبغض النظر عن هذه المنافسة، إلا أن وجود هذه الموانئ الكبرى، إضافة إلى موانئ أخرى صغيرة، يرسم ملامح الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لتلك المناطق بالنسبة للدول المشاركة في المشاريع التجارية هناك.
وتعتبر الزراعة والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وإنتاج الموارد الطبيعية من المقومات الرئيسية للاقتصاد في إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تشكل الصناعة أهمية أقل بكثير من هذه المقومات.
وفي سيستان بلوشستان بإيران دخلت الصناعة إلى الإقليم مؤخرا بعد إدخال بعض الإصلاحات الاقتصادية المتعلقة بالضريبة والجمارك، ساهمت في زيادة الاستثمار الصناعي في المنطقة، حيث تم بناء مصانع للإسمنت والنسيج وصناعة شبكات الصيد.
وتعتبر منطقة بلوشستان من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والفحم والمعادن الطبيعية الأخرى مثل النحاس والذهب والفضة.
الصراع البلوشي
لا تزال المنطقة باختلاف مواقعها بين باكستان وإيران مناطق صراع، فبعض البلوش مثلا في باكستان يعتقدون أن حاكم قلات وافق قسرا على الانضمام إلى باكستان عند تأسيسها واستقلالها عن الهند عام 1947، ويتهمون الحكومة الباكستانية بأنها تسرق ثروات الإقليم ولا توزعها بشكل عادل، وهو ما كان سببا رئيسيا للتوتر المستمر حتى اليوم في الإقليم.
وقد مرّ الصراع في إقليم بلوشستان الباكستاني بعدة مراحل بدأت عام 1958 مع اكتشاف الغاز في المنطقة، واستمر التوتر حتى اليوم في مرحلته الخامسة.
ومن أبرز الجماعات الانفصالية البلوشية التي تقاتل ضد الدولة الباكستانية: جيش تحرير بلوشستان، وجيش بلوشستان الوطني، وجبهة تحرير بلوشستان.
وعلى الجانب الإيراني يُعتقد أن أسباب ظهور بعض حركات التمرد البلوشية هي نفسها التي ولّدت مثيلتها في باكستان، بالإضافة إلى بعض الخلفيات الطائفية.
ومن أبرز الجماعات التي تنشط في سيستان بلوشستان جماعة جند الله وجماعة جيش العدل، وهي حركات انفصالية ذات نزعة دينية سنية يعتقد البعض أنها على ارتباط بتنظيم القاعدة.