مارتن كوبر مخترع الهاتف المحمول
مارتن كوبر، مهندس ومخترع ورجل أعمال أميركي من أصل أوكراني من مواليد عام 1928، قاد عملية اختراع أول هاتف محمول في العالم، وأجرى أول مكالمة هاتفية به في التاريخ، وكانت بقصد إحراج الشركة المنافسة، وقد أحدث اختراعه ثورة كبيرة في مجال الاتصالات.
المولد والنشأة
ولد مارتن كوبر في 26 ديسمبر/كانون الأول 1928 في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأميركية، وهو الابن الأكبر لماري وآرثر كوبر اللذين هاجرا من أوكرانيا خلال فترة الكساد الاقتصادي الذي كانت تعيشه مدينة شيكاغو.
وقد جاء من عائلة متواضعة تكسب قوتها من بيع البضائع في البيوت، لكنها كانت تعطي أهمية كبرى للتعليم، وهو الأمر الذي ورثه كوبر من والديه وتأثر به منذ صغره وفي بقية حياته.
الدراسة والتكوين العلمي
بدأ كوبر مساره التعليمي في مدرسة "لوسون الابتدائية" (Lawson Elementary) في شيكاغو. ثم التحق بعد ذلك بثانوية "كرين التقنية" (Crane Technical) بالمدينة نفسها، وهناك التقى بمعلمين أصبحا مصدر إلهام كبير له في الحياة، وهما كيني وكوريجان اللذين دعماه بشكل كبير وعملا على إشباع فضوله الكبير للتعلم والمعرفة.
وبعد ذلك التحق بمعهد إلينوي للتكنولوجيا بشيكاغو لمتابعة دراسته الجامعية، وقرر أن يصبح فيزيائيا، وكاد أن يصبح كذلك، لولا مادة الكيمياء التي كان يجد صعوبة في استيعابها وفهمها، فاضطر إلى تغيير اختياره، فحينها كان كل من يريد أن يصبح فيزيائيا يجب عليه دراسة الكيمياء بشكل إلزامي.
وقرر كوبر دراسة الهندسة، واختص في علوم الهندسة الكهربائية (BSEE) مع تخصص ثانوي بمادة الرياضيات، ولتمويل تعليمه في المعهد انضم إلى فيلق تدريب ضباط الاحتياط بالجيش الأميركي، وحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة الكهربائية عام 1950 وواصل دراسته حتى حصل على شهادة الماجستير عام 1957.
وبعد سنوات حصل كوبر على شهادة براءة عن اختراعه نظام التلفون اللاسلكي. وعام 2004، حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في مجال الاتصالات اللاسلكية من المعهد نفسه.
التجربة العملية والمهنية
خلال خمسينيات القرن العشرين، انضم كوبر إلى معسكرات تدريب ضباط الاحتياط بالجيش الأميركي الذين شاركوا في الحرب الكورية بين "الشمالية" المدعومة من المعسكر الشرقي الشيوعي و"الجنوبية" المدعومة من الدول الرأسمالية، وتخصص في مدمرة بحرية تعمل على نسف خطوط السكة الحديدية على طول ساحل كوريا الشمالية، وحصل على وسام من الرئيس الكوري الجنوبي سينغ مان ري نظير خدماته.
وبعدها دخل كوبر مدرسة الغواصات في مدينة نيو لندن بولاية كونيتيكت، وتخرج منها حاصلا على المرتبة الثانية، وكمكافأة له تمت كتابتها على غواصة "يو إس إس" التي كانت تعد واحدة من أحدث الغواصات في ذلك الوقت.
ومع مرور الوقت، بدأ كوبر يفكر في البحث على عمل يخول له الاستقرار في الولايات المتحدة. لذلك، ترك البحرية بعد 3.5 سنوات من الخدمة، وانضم إلى "بيل سيستم" وهو قسم من المؤسسة العملاقة "إيه تي آند تي" (AT&T) التي كانت تستحوذ على سوق الاتصالات في البلاد.
وكانت مختبرات بيل التابعة لشركة "إيه تي آند تي" قد وضعت تصورا لمفهوم الهاتف الخلوي عام 1946، وكانت تتمتع باحتكار في مجال الاتصالات اللاسلكية.
ومع مرور الوقت أصبح كوبر غير مرتاح في عمله بسبب الإجراءات الصارمة التي وضعتها المؤسسة، خاصة على مستوى توقيت وطريقة العمل، فتركها وانضم إلى شركة "تيليتيب كوربوريشن" (Teletype Corporation) التابعة لـ "ويسترن إليكتريك" (Western Electric).
دخول التاريخ من باب موتورولا
أثناء عمله في "تيليتيب كوربوريشن" تلقى كوبر عرضا من شركة موتورولا (Motorola) في شاومبورغ بإلينوي، فالتحق بها عام 1954.
وكانت موتورولا آنذاك تبيع المنتجات والأجزاء المتعلقة بأجهزة الراديو، وكانت شركة صغيرة مقارنة بـ "إيه تي آند تي" لكنها كانت أكثر مرونة، حيث وجد فيها كوبر البيئة السليمة للعمل وتنفيذ أفكاره ومشاريعه، على عكس النظام الصارم لـ "إيه تي آند تي" التي غالبا ما كان يظل يعمل فيها على مشاريعه حتى بعد ساعات عمله.
وهذا النظام أتاح لكوبر إمكانية متابعة العمل والدراسة ليلا تحضيرا لدرجة الماجستير، بشكل لم يعِق عمله. وفي غضون عامين، حصل على براءة اختراعه الأولى لجهاز إشارات انتقائي، كما حصل على درجة الماجستير عام 1957.
والعام التالي، حصل كوبر على براءة اختراع لأول هاتف لاسلكي أوتوماتيكي يعمل على مستوى المناطق الريفية للولايات المتحدة. كما حصل أيضا على براءة اختراع لإدخال نظام إشارات المرور.
وإضافة إلى ذلك، ساعد كوبر موتورولا في إصلاح عيوب البلورة الخاصة بجهاز الراديو التي صنعتها، الأمر الذي دفع الشركة إلى إنتاج أولى بلورات كوارتز وبكميات كبيرة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1971، اقترحت "إيه تي آند تي" على لجنة الاتصالات الفدرالية (FCC) -هيئة حكومية تنظم الاتصالات بين الولايات وعلى المستوى الدولي- توفير "خدمة هاتف متنقل أرضية" وطلبت 30 ميغا هرتز من الطيف. وبما أن كل مدينة لديها 30 قناة فقط، فهذا يعني الاحتكار والسيطرة على سوق الاتصالات وإنهاء وجود موتورولا.
ولكن كوبر وجد رؤية "إيه تي آند تي" للهواتف الخلوية غير منطقية، فهي كانت تقتصر على "هواتف السيارة" التي توصل بلوحة القيادة، وكانت تتطلب عملية شحن كبيرة، فتستهلك بطارية السيارة. علاوة على ذلك، كانت التكلفة المقدرة عالية تتراوح ما بين 3 آلاف و5 آلاف دولار.
وكانت "إيه تي آند تي" تزعم أنها الشركة الوحيدة في العالم التي لديها القدرة الفنية والموارد المالية للقيام بذلك، أما كوبر فكان يؤمن أن لموتورولا القدرة على إنشاء مثل هذه التكنولوجيا، وأنها ستكون عملية أكثر.
ولكن ذلك لم يكن كافيا، نظرا لأن "إيه تي آند تي" كانت تتفوق على موتورولا من حيث الإمكانيات المادية والبشرية.
وحتى لو تمكنت موتورولا من تقديم نفس المنتج، يمكن لـ "إيه تي آند تي" بسهولة تجاوز منافستها بأسعار أرخص. لذلك، ادعى كوبر أنه يمكنهم إنشاء شيء أفضل، يمكن أن يتغلب على الشركة المنافسة بسهولة. وقال إنهم يستطيعون إنشاء هاتف محمول لاسلكي.
أول هاتف خليوي بالتاريخ
كانت الخطوة الأولى لموتورولا هي منع لجنة الاتصالات الفدرالية من الموافقة على اقتراح "إيه تي آند تي" لذلك بدأ فريقها القانوني يعمل على صياغة مقترح للجنة الاتصالات الفدرالية يقضي بالسماح للشركات الخاصة بتشغيل اتصالات الشبكة عبر ترددات الراديو.
وكانت هذه خطوة ضرورية لدخول سوق خدمة الهاتف المحمول ومنع استمرار احتكار "إيه تي آند تي" كما احتاجت موتورولا أيضا إلى إقناع الوكالة الحكومية بأن فكرة الهاتف المحمول قابلة للتنفيذ بالفعل من وجهة نظر عملية، على الرغم من مزاعم "إيه تي آند تي" بأن هواتف السيارات هي مستقبل الاتصالات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1972، سعى كوبر وفريقه لتحويل فكرتهم إلى اختراع. ونجحوا في إنشاء نموذج أولي للهاتف الخلوي خلال 90 يوما فقط، فنظم على الفور مسابقة داخل الشركة لإنشاء تصميم مناسب للهاتف الجديد، واختار خمسة منها وحدد الموعد النهائي في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه لإنجاز المشاركين للتصميم وحدد لهم مهلة شهرين.
وكان التصميم الأولي بطول بضع سنتيمترات فقط، ولكن عندما بدأ المهندسون في تجميع أجزائه ازداد طول الهاتف 3 مرات.
وسمي النموذج الأولي بـ "موتورولا داينا تاك" (Motorola DynaTAC) وكلف الشركة أموالا طائلة، وكان وزن الهاتف يقارب كيلوغراما واحدا، وطوله تقريبا 25 سنتيمترا بعمق 12 سنتيمترا وعرض يقارب 5 سنتيمترات، لكن بعد محاولات لاحقة خفض حجمه إلى حوالي النصف.
وكان يمكن استعمال هذا الهاتف المحمول لقرابة نصف ساعة بعد كل عملية شحن. وكانت إعادة شحنه تتطلب حوالي 10 ساعات.
وفي 3 أبريل/نيسان 1973 نظم مؤتمر صحفي في نيويورك للكشف عن الاختراع الجديد، وعندما كان كوبر في طريقه إلى المؤتمر خطرت على باله فكرة إحراج منافسه التجاري "إيه تي آند تي" ليبرهن أن واحدة من أكبر شركات الاتصالات اللاسلكية في العالم هزمتها شركة صغيرة.
وأثناء سير كوبر في شارع بالقرب من مانهاتن هيلتون، أخذ الهاتف واتصل برقم مختبر "بيل لابس" التابع لقسم "بيل سيستم" لشركة "إيه تي آند تي" وعندما وضع الهاتف على أذنه ازدادت دقات قلبه، خائفا من فشل التجربة رغم اختباره الجهاز رفقة فريقه عدة مرات.
وكان هنالك عدة صحفيين من بين القلائل الموجودين معه، مما يعني أن هامش الخطأ أو فشل المحاولة لم يكن مسموحا به، وخلال لحظات سمع كوبر نغمة الهاتف ترن على الطرف الآخر حيث يوجد مدير قسم "بيل لابس" جويل إنجل، الذي أجاب على الخط قائلا: مرحبا، فرد كوبر "مرحبا، جويل هذا أنا مارتي كوبر، أتصل بك من هاتف خلوي، هاتف خلوي حقيقي".
وسمح كوبر للصحفيين الذين حضروا المؤتمر الصحفي باستعمال الهاتف وتجربته، وأيضا منحهم الفرصة للاتصال وإجراء المكالمات مع من يريدون.
واليوم التالي، كانت عبارة "موتورولا تقدم هاتفا خلويا لاسلكيا" تتصدر العناوين الرئيسية بالصحافة الأميركية، وصنف كوبر حينها "أول مخترع لنظام الهاتف الخلوي". وفي يوليو/تموز 1973 ظهر هاتف "موتورولا دينا تاك" على غلاف مجلة "بوبيولار ساينس" (Popular Science).
مغادرة موتورولا
بعد إنفاق موتورولا ما يقارب 100 مليون دولار لتطويره، تلقى هاتفها "موتورولا دينا تاك" موافقة من لجنة الاتصالات الفدرالية في 21 سبتمبر/أيلول 1983 لبيعه للعموم.
ولإثبات عمل الهاتف للتجار بمحلات البيع، كان على موتورولا إرسال فريق مع الهاتف مكون من كوبر نفسه برفقته مهندس، حيث يعمل كوبر على تقديم الهاتف والمهندس على صيانته إذا تطلب الأمر لأنه يحتوي على أكثر من ألف قطعة.
وقد أدرك حينها كوبر الحاجة إلى نظام فوترة مناسب، وهو ما جعله يقرر مغادرة موتورولا وتأسيس شركته الخاصة رفقة زوجته أرلين جنوب كاليفورنيا لتوفير أنظمة الفواتير لمستعملي الهواتف الخلوية، وأسماها "أنظمة الأعمال الخلوية" (Cellular Business Systems).
وعام 1984، صنعت موتورولا أول هاتف خلوي متاح للعموم، وأطلقته تحت اسم "ديناتاك 8000 إكس" (DYNA Tac 8000x) ويمكن استعماله لمدة 30 دقيقة، وتبلغ تكلفته حوالي 3995 دولارا.
ورغم أن الهاتف الخلوي ذلك الوقت كان يعتبر ثورة بوسائل الاتصال، فإن الكثيرين لم يتمكنوا من شرائه، فقد كان من النادر العثور على هاتف خلوي عند عامة الناس، فالأثرياء فقط من كانوا قادرين على تحمل تكاليفه.
وآمن كوبر مع عدد قليل من أعضاء فريقه أن الطلب سيرتفع على الهواتف الخلوية نظرا للدور الذي ستحدثه في التواصل واختصار المسافات، وسرعان ما بدأ الناس في اقتنائها، وارتفع الطلب كثيرا لدرجة أنه في مرحلة ما كانت قوائم انتظار الهاتف بالآلاف، وأثبت كوبر حينها أنه على حق مرة أخرى.
وعام 1986، باع كوبر وزوجته شركتهما بحوالي 23 مليون دولار وأسسا شركة "دينا أل سي سي" وبعدها شركات أخرى مثل "سبسكرايب كومبيوتنغ" (Subscriber Computing Inc) و"شركة الهواتف الخليوية العمومية" (Cellular pay phone Inc) و"لاسلكي إس أو إس" (SOS wireless) وكانت "دينا" بمثابة منصة عمل لاحتضان وتطوير الأفكار الجديدة.
وبعد بضع سنوات، تلقى كوبر مكالمة من ريتشارد روي، الذي كان باحثا في جامعة ستانفورد، وكانت لديه فكرة لجعل الاتصالات عبر الهاتف المحمول أكثر كفاءة باستخدام اللاقط الهوائي الذكي (Smart antenna) ووافق كوبر على الأمر، وأدرك خلال بضعة أشهر مدى أهمية هذه التكنولوجيا الجديدة لمستقبل التواصل الشخصي.
وعام 1992 أسس كوبر رفقة ريتشارد روي وأرلين شركة "آراي كوم" (ArrayComm) وهي شركة برمجيات لاسلكية.
وعام 1995، حصل كوبر على جائزة "وارتون إنفوسيس لتحويل الأعمال" (Wharton Infosys Business Transformation) عن ابتكاراته التكنولوجية بمجال الاتصالات. كما حصل على جائزة "فريد لينك" من مؤسسة "راديو نادي أميركا". والسنوات الموالية، حصل كوبر على العديد من الجوائز الأخرى نظير إنجازاته في التكنولوجيا اللاسلكية.
قانون كوبر
عام 1997، صاغ مخترع المحمول "قانون كوبر" الذي ينص على أن عدد الإشارات اللاسلكية التي يُمكن بثها أو إرسالها في الوقت نفسه دون أن تتداخل فيما بينها يتضاعف كل 30 شهرا تقريبا.
وقد ذكر كوبر أن هذا القانون كان صحيحا منذ عام 1897 عندما حصل المخترع الإيطالي غوغليلمو ماركوني على براءة اختراع التلغراف اللاسلكي لأول مرة.
هاتف بجسم الإنسان
يعتقد كوبر أن التكنولوجيا اللاسلكية ما تزال في مهدها رغم تطورها الهائل منذ بداية الألفية، وأن الإمكانات التي تمتلكها لم تتحقق بالكامل بعد، ويعتقد أن الأجيال القادمة سيكون لديها ما تقدمه أكثر بكثير في مجال الهاتف الخلوي.
وقد أجاب كوبر عن الأسئلة الأكثر تكرارا حول التكنولوجيا اللاسلكية، في كتاب نُشر حديثا بعنوان "الجميع مخطئون" حيث يشارك رؤاه ويتحدث عن كيفية توقعه لتطور عالم الاتصال، ويعتقد أنه سيأتي يوم تركب فيه شرائح إلكترونية أو تزرع تحت جلد الإنسان عوضا عن الهواتف الخليوية.
ويتوقع كوبر أنه في غضون 15 إلى 20 عاما، سيكون لدى البشر أجهزة لاسلكية مضمنة في أجسادهم للمساعدة في تشخيص المرض وعلاجه.
وأكد أنه "يمكن أن تساعد الأجهزة اللاسلكية المضمنة أيضا في حل مشكلة استهلاك طاقة الهاتف" والتي قطعت شوطا طويلا العقود الثلاثة الماضية، ولكنها لا تزال تشكل تحديا لمستعملي الهواتف الخلوية.
ورغم إيمانه أن الإنسان هو من يقف عائقا أمام فكرة استخدام البشر لأجسادهم لشحن هواتفهم، قال كوبر إن الكثيرين كذلك كانوا مندهشين من رؤيته يتحدث بجهاز لاسلكي لأول مرة في زاوية شارع 56 وشارع ليكسينغتون في 3 أبريل/نيسان 1973.