أحمد تكودار.. ثالث سلاطين الدولة الإلخانية وأولهم إسلاما

السلطان أحمد تكودار هو ابن هولاكو الذي أسلم ولم يرض ذلك المغول فقتلوه (شترستوك)

نيكولاس تكودار خان، ابن هولاكو الذي تنصّر في طفولته، ونتيجة لكثرة احتكاكه بالمسلمين وعلاقته بكبار أئمتهم وعلمائهم أسلم وأعلن إسلامه، وسمي بالسلطان أحمد تكودار، وحكم خلفا لأخيه أباقا خان، فاستبشر المسلمون بإسلامه وحكمه.

حاول توطيد العلاقة مع جيرانه المسلمين، لكن ذلك لم يعجب أمراء المغول ومنافسه على الحكم ابن أخيه أرغون بن أباقا خان، فحاربوه وأعدموه في أغسطس/آب 1384.

المولد والنشأة

ولد أحمد تكودار في أربعينيات القرن الـ13 الميلادي، ولم تتفق المصادر على تاريخ ميلاده بالتحديد.

كان الابن السابع للقائد المغولي هولاكو خان مؤسس الدولة "الإلخانية" من زوجته قوتي خاتون، واسمه عند الولادة كان نيكولاس تكودار خان.

وكان تكودار في طفولته مسيحيا، يتبع كنيسة المشرق كأمه التي ترعرع على يدها.

وأثناء حملة أبيه على إيران والشام والعراق، كان تكودار في الصين ولم يذهب إلى إيران إلا في عهد أخيه أباقا خان.

ظروف تسلمه الحكم

كان هولاكو قد أسس دولة في إيران عرفت "بدولة إلخانات المغول في فارس"، وبعد وفاته عام 1265م تولى ابنه أباقا خان الحكم، وسار على خطى والده في العنف وسفك الدماء.

وكانت دولة المماليك في مصر والشام هدفا عند أباقا خان، واستمر صراعه معها طوال حكمه.

وهزم المماليك الدولة الإلخانية في معارك عدة، منها معركة البيرة ومعركة عين جالوت، بقيادة السلطان الظاهر بيبرس والسلطان المنصور قلاوون.

وكانت المسيحية منتشرة بين المغول قبل الإسلام، وأدت مصاهرة أباقا خان للإمبراطور البيزنطي إلى التحالف بهدف القضاء على المسلمين.

وبوفاة أباقا خان بدأ صراع بعده على العرش، فرأى البعض أن الحكم يكون لابنه، ورأى آخرون أن يكون الحكم لأكبر أفراد الأسرة، سيرا على قانون جنكيز خان.

تتويج تكودار وإسلامه

عقد أمراء المغول اجتماعا واختاروا السير على قانون جنكيز خان، فتوّج أحمد تكودار حاكما، وكان ذلك مبشرا للمسلمين تحت حكم المغول، ومسلمي دولة المماليك أيضا.

وبعد الاحتفال بتتويج تكودار، أمر بإحضار الخزائن التي كانت في مدينة شاهوتلة، ووزع الأموال والهدايا على الخواتين والأمراء وأنجالهم، كما أجزل العطاء لجنود الجيش والمحتاجين.

وأسلم تكودار بعد تسلمه الحكم، وكان بذلك أول حاكم إلخاني يسلم، ولمس المسلمون في إسلامه الصدق لا الطمع في المكاسب السياسية، وذلك لسلوكه الذي كان يظهر إخلاصا للإسلام وتمسكا به.

وبعد إسلامه حوّل الدولة الإلخانية إلى سلطنة، وعمل على توطيد العلاقة بالعالم الإسلامي وزعماء المسلمين، وأرسل كتبا إلى فقهاء بغداد ينبئهم بإسلامه وصدق رغبته في خدمة الإسلام والدفاع عنه، ففرحوا لذلك وعدّوه حامي الإسلام والمسلمين، ونعتوه "بناشر دين الله المبين" وأسلم بعد ذلك عدد من المغول على يديه.

وسعى لنشر الإسلام بين أمراء المغول، ولم تنجح محاولته نجاحا كبيرا، إلا أنه استطاع تأليف قلوب بعضهم بالمنح والهدايا والألقاب.

ورغب تكودار في السلم مع جيرانه المسلمين وإحلال السلم والصلح بينهم محل الحرب والصراع، فأرسل وفدا إلى السلطان المنصور قلاوون في مصر عام 1382، وكان من بين الوفد الشيخ كمال الدين عبد الرحمن الرافعي الذي قيل إن تكودار أسلم على يديه، والعلامة قطب الدين الشيرازي قاضي مدينة سيواس، وسلطان سلاجقة الروم بهاء الدين أتابك مسعود.

وكان إرسال الوفد إلى السلطان قلاوون لإبلاغه باعتناق تكودار للإسلام، ورغبته في عقد السلم مع المماليك وإقامة صداقة بين الدولتين.

وأطلع الوفد السلطان المملوكي على مبادرات السلطان أحمد تكودار لتطبيق الشريعة، ورعاية مصالح المسلمين، من شؤون الحجاج وإصلاحات نظام الأوقاف وغير ذلك، كما أبلغوا السلطان قلاوون برغبة تكودار في توحيد عمل الدولتين المملوكية والإلخانية لنشر الإسلام وإحيائه في المجتمع المغولي.

وأبلغوا السلطان قلاوون بإيقاف تكودار لقرار مجلس شورى المغول بشن حملة كبيرة على بلاد الشام، ردا على هزيمتهم أمام المماليك في معركة حمص الثانية التي كان أباقا خان قد قرر تجهيزها قبل وفاته.

وأتى رد السلطان قلاوون بعد 3 أشهر وفي العام نفسه، فكانت رسالته مهنئة للسلطان تكودار على إسلامه، ومثنية على جهوده في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وطلب منه التحالف بين الدولتين ضد الصليبيين.

وكان هذا الرد مع تخوف سلطان المماليك من غدر المغول، فلم يكن متيقنا من دعم أمراء المغول لتكودار، خاصة أن المماليك قد هزموهم في معارك سابقة.

أثر إسلامه على المسلمين

كان لوصول مسلم إلى الحكم في دولة المغول دور كبير في تقدم المسلمين، فكان لإسلام تكودار أثر قوي في إيران إذ قويت فيها شوكة المسلمين.

وتطلع سكان البلاد الأصليين من الفرس إلى الحكم مجددا، ووصل المسلمون إلى مناصب رئيسة في الدولة، وشغلوا مناصب إدارية في دولة المغول.

واستغل بعض الإلخانات الإسلام لتحقيق انتصارات عسكرية منافسة للمماليك، إلا أن كثيرا من المغول أسلموا بعد ذلك، وكان لتكودار دور مهم في ذلك.

موقف قادة المغول من إسلامه

كان أرغون بن أباقا خان في صراع مع عمه السلطان أحمد على الحكم، وكان معه جماعة من أمراء المغول، مطالبين بتسلمه العرش وتوليه القيادة.

وشكل إسلام تكودار عاملا مهما في تأسيس جبهة سياسية مضادة له، فثار عليه أرغون ومن معه وناهضوا حكمه، وانتقدوا رسالته إلى سلطان المماليك وعدّوها خروجا على قرار مجلس شورى المغول.

ترأس أرغون خان البوذي الحملة ضد تكودار، واتخذ من خراسان مركزا له، والتقى الطرفان في معركة طاحنة بتاريخ 21 أبريل/نيسان 1384، انتصر فيها تكودار على ابن أخيه أرغون ومن معه، وأَسَره.

نهاية حكمه ووفاته

لم ترض هزيمة أرغون أمراء المغول، فاجتمعوا وقرروا خلع تكودار من الحكم وفك أسر أرغون، واقترحوا تعيين هولاكو بن هولاكو إلخانا على إيران.

وتحققت الخطة في تخليص أرغون من الأسر؛ بمعركة صغيرة دارت بين قوات تكودار والمتآمرين ضده.

وقتل في تلك المعركة عدد من الأمراء الموالين لتكودار، وفرّ السلطان أحمد من خراسان إلى أذربيجان، لاستعادة قوة جيشه وجمع قواته لمعاودة القتال.

ولم يطبق مجلس شورى المغول ما اقترح بشأن تنصيب هولاكو، بل نصبوا أرغون بن أباقا إلخانا، وبعد تتويجه توجه إلى أذربيجان لقتال عمه تكودار.

وقبل وصوله إلى أذربيجان، قام جماعة من أتباع تكودار بتسليمه إلى أرغون، بعد شهودهم تنامي قوته وتكاثر أتباعه.

وأعدم أرغون عمه أحمد تكودار في العاشر من أغسطس/آب عام 1384، وبذلك يكون أول إلخان مغولي مسلم يقتله المغول.

المصدر : مواقع إلكترونية