صدع البحر الميت.. منطقة تنشط فيها زلازل مدمرة

البحر الميت
البحر الميت (الجزيرة)

فالق قاري تحويلي يشكل سلسلة طويلة من المنخفضات الجيومورفولوجية، نشأ نتيجة الانقسام الواقع بين قارتي آسيا وأفريقيا منذ بداية العصر الميوسيني، ويمتد من هضبة الأناضول الجنوبية الشرقية شمالا إلى شمال البحر الأحمر جنوبا.

ويعد صدع البحر الميت منطقة تنشط فيها الهزات الأرضية، وتحمل سجلا حافلا بالزلازل المتباينة الشدة منذ عصور ما قبل التاريخ، بعضها كان مدمرا.

الموقع والجغرافيا

صدع البحر الميت هو فالق قاري تحويلي يشكل سلسلة طويلة من المنخفضات الجيومورفولوجية (منخفضات تضاريسية) يُقدر طولها بحوالي ألف إلى 1100 كيلومتر، وتمتد من هضبة الأناضول الجنوبية الشرقية شمالا إلى شمال البحر الأحمر جنوبا.

ويبدأ الصدع من جبال طوروس شرق مدينة أنطاكيا في الجنوب التركي، مارا عبر سوريا ولبنان، ثم فاصلا بين فلسطين والأردن متجها إلى البحر الأحمر.

ويفصل بين الصفيحة العربية (الشرقية) والتي تضم سوريا والأردن وشبه الجزيرة العربية، والصفيحة الأفريقية (الغربية)، والتي تضم فلسطين وشبه جزيرة سيناء وأفريقيا.

ويشكل انتقالا فريدا بين البر والبحر على طول محوره، وتغطي المياه قسما وافرا منه، حيث يتكون الجزء الجنوبي منه من خليج إيلات، ويمثل بيئة بحرية، بينما تغطي أجزاء أخرى منه بحيرتين: البحر الميت شديد الملوحة وبحيرة طبريا ذات المياه العذبة.

التسمية

يشتهر الصدع باسم "صدع البحر الميت" أو "فالق البحر الميت"، وكذلك تطلق عليه أسماء عدة مثل "الصدع الأردني" و"صدع وادي عربة" و"صدع البحر الميت التحويلي"، بينما يفضل البعض أن يطلق عليه اسم "منظومة صدع بلاد الشام"، ليعبر عن كامل مجموعة الصدوع الفرعية المكونة للصدع الرئيس.

النشأة والأقسام

نشأت الجغرافيا الحالية لصدع البحر الميت نتيجة لعمليات الانقسام القاري بين آسيا وأفريقيا منذ بداية العصر الميوسيني، وهذا الانفصال عن الصفيحة الأفريقية، الذي ما زال فاعلا هو عمليات إزاحة رأسية تسببت في هبوط في الأرض ورفع الحواف لتكوين مرتفعات على الجانبين، كما يتأثر الصدع بإزاحة انزلاقية أفقية مستمرة.

ويتكون الصدع من سلسلة من الصدوع والفوالق الطبوغرافية التي تقسم إلى 3 أجزاء رئيسية:

  • القسم الجنوبي: ويبدأ من خليج إيلات مارا عبر وادي عربة والبحر الميت ووادي الأردن إلى بحيرة طبريا ثم حوض الحولة.
  • القسم الأوسط "منحنى التقييد اللبناني": ويشمل صدع اليمونة وصدع روم وصدوع راشيا وسرغايا.
  • القسم الشمالي: ويضم صدع مصياف وصدع الغاب ومنطقة صدع اللاذقية وينتهي بصدع كارسو.

الحركة التكتونية والصدوع

يمثل صدع البحر الميت بأحواضه الداخلية ومنحدراته المتعرجة المتصدعة مثالا للمراحل الأولى لتطور التفكك القاري والحواف القارية الناشئة.

ويعد صدعا تحويليا انزلاقيا توسعيا، حيث يرى الباحثون أن حركة أفقية على طول الصدع الرئيسي قد تشكلت بسبب الحركة التكتونية الانفراجية لاتساع أرضية البحر الأحمر في الجنوب، مصحوبة بإزاحة جانبية تقدر بحوالي 107 كيلومترات عبر ملايين السنين.

وحدثت هذه الحركة على مراحل نتيجة لانزلاق الصفيحة العربية باتجاه شمال- شمال شرق والمرتبطة بالحركة التصادمية المعقدة لصفيحة الأناضول شمالا.

وقد تكونت الصدوع العرضية نتيجة التضاغط للحركة الأفقية التي تتخذ اتجاه شرق غرب، وتظهر مثل هذه الصدوع في وادي خنزيرية في غور فيفا وشمال وجنوب تكوين اللسان في غور الحديثة، وتمثل الأودية الشرقية الرئيسية التي تصب في البحر الميت وتتبع للصدوع العرضية من جهة الشرق والغرب.

ويشكل الصدع حوضا خسفيا يتوسع تكتونيا ويمتلئ تباعا بالرواسب القادمة مع الفيضان عبر سلاسل الأودية الشرقية والغربية، وهذه العملية مستمرة منذ عشرات ملايين السنوات، وعمليات الحت والتعرية المستمرة تنحت صخور وجبال المدن والقرى، والتي تنقل مع السيول لتستقر في جسد الخسف.

كما يتأثر الصدع بموقعه المتوسط في ملتقى 3 صفائح تكتونية: الأفريقية والعربية والصفيحة الأوروآسيوية-الأناضولية الثانوية، حيث تتصادم هذه الصفائح مشكلة التراكيب التكتونية للمنطقة، بما في ذلك تكون صفيحة سيناء- فلسطين الثانوية.

وهذا يجعل المنطقة عرضة لمصادر من النشاط التكتوني المختلفة والمنتشرة على امتداد الصدع من خليج العقبة جنوبا حتى الحدود الشمالية للصفيحة العربية وصفيحة الأناضول الثانوية.

النشاط الزلزالي

يعدّ فالق البحر الميت نشاطا زلزاليا، إذ إن الحركة الانزلاقية للصفيحة العربية تتحرك مبتعدة عن الصفيحة الأفريقية بحركة إزاحة تعد بطيئة نسبيا، وتقدر ببضع مليمترات في السنة، ولكنها تتجمع كطاقة يمانعها احتكاك كتل الصخور في الأعماق، فتحصل الحركة فجأة وتتكسر الكتل الصخرية العملاقة منتجة طاقة زلزالية تتناسب بقوتها مع عمق بؤرة الزلزال ومقدار الطاقة المتحررة والإزاحة.

وكذلك الحركة التصادمية للصفيحة العربية مع الصفيحة "الأوروآسيوية- الأناضولية" في الشمال، والتي تنتج طاقة تتحرر أيضا على شكل زلازل.

ونتيجة لهذا الوضع التكتوني فإن للمنطقة سجلا حافلا بالزلازل المتباينة الشدة منذ عصور ما قبل التاريخ، وقد تأثرت بعدد من الزلازل المدمرة، ترتبط بشكل رئيس بحركة الصفيحة العربية باتجاه الشمال، وخلفت هذه الزلازل خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.

ولا تزال منطقة الصدع نشطة زلزاليا وتشير التسجيلات الزلزالية لمرصد الزلازل الأردني إلى أن خليج العقبة يشكل أكبر مصدر للنشاط التكتوني في منطقة الصدع، وتأكد ذلك بعد حدوث زلزال خليج العقبة 1995 بقوة 7.3 درجات على مقياس ريختر.

وبناء على السجلات الزلزالية المتراكمة  للمرصد منذ عام 1996، اتضح أن المنطقة تمر بحالة هدوء رغم حدوث بعض الزلازل متوسطة القوة، كما تشير إلى انتقال للنشاط الزلزالي باتجاه الشمال على امتداد صدع البحر الميت التحويلي مع بقائه ضمن المعدل المتوسط للقوة.

أشهر الزلازل في منطقة الصدع

ومن أقوى الزلازل التي تسببت بها حركة الصدع:

  • زلزال الأردن عام 363 م: زلزال مدمر امتدت آثاره من منطقة الجليل شمالا حتى خليج العقبة جنوبا، وتسبب بدمار معظم مدينة البتراء إضافة لأضرار كبيرة لعدد من المدن مثل جرش وأم قيس شمال الأردن والعديد من المدن الفلسطينية.
  • زلزال بيروت عام 551 م: وقع قرب مدينة بيروت وامتدت الأضرار من طرابلس شمال لبنان وحتى وادي الأردن ومدينة البتراء، إضافة إلى تَشكُّل أمواج المدّ البحري تسونامي على مناطق واسعة من الساحل اللبناني من طرابلس وحتى مدينة صور.
  • زلزال غور الأردن 749 م: هزة أرضية كارثية ضربت منطقة غور الأردن مدمرة كامل مدن طبريا وبيسان وأريحا وبيلّا "طبقة فحل" وجرش وعمّان.
  • زلزال غور الأردن 1033 م: هزات أرضية عنيفة وقوية متتالية كان مركزها غور الأردن وشعر بها الناس من جنوب تركيا إلى شمال مصر، أدت إلى دمار مدينة طبريا وأريحا بالكامل وتهدم أجزاء كبيرة من المسجد الأقصى وأسوار القدس.
  • زلزال العقبة عام 1068 م: زلزال مدمر وشديد ومركزه خليج العقبة وامتدت آثاره إلى فلسطين وسوريا والقاهرة والجزيرة العربية.
  • زلزال سوريا 1202 م: وقع هذا الزلزال جنوب غرب سوريا، ويعد الزلزال الأقوى على الإطلاق في المنطقة حيث شعر به الناس من إيران شرقا وحتى الأندلس غربا.
  • زلزال بعلبك وبيسان 1759 م: زلزال عنيف شمل جزءا كبيرا من بلاد الشام، وصنّف ثاني أكبر زلزال بالمنطقة بعد زلزال 1202.

التبنؤ بالزلازل في منطقة الصدع

تعدّ ظروف تكوين الزلازل شديدة التعقيد، وكثير منها تجري في أعماق الأرض السحيقة ويصعب رصدها وتتبعها، كما يصعب تحليلها وإعطاء صورة واضحة عنها لإصدار الإنذار في الوقت المناسب، فإنْ تنبأ العلماء بالمكان فلا يمكنهم التنبؤ بزمان الزلزال ودرجة قوته.

والدراسات الإحصائية إنما تحدد احتمالية الحدوث، عن طريق تعيين المناطق النشطة زلزاليا وتحديد نطاق زماني ومكاني على سبيل الاحتمال، ووفقا للسجل التاريخي للزلازل في المنطقة.

ويعد فالق البحر الميت ذا طابع زلزالي معتدل ويصنف من متوسط إلى خفيف، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال تعرضه لهزات نشطة، ولكن حركة الصفائح التكتونية في الصدع تباعدية لا حركة تصادمية بشكل عام، مما يجعلها أقل عرضة لمخاطر الزلازل.

ووفق الخبراء فإن الصدع يحتاج إلى عملية تفريغ للطاقة الكامنة بسبب الحركة التكتونية، وتساعد الزلازل الضعيفة التي تحدث بشكل متكرر على طول الصدع على منع حدوث زلزال مدمر، لأن الهزات الخفيفة تعمل على تفريغ هذه الطاقة، ولكن هذا لا يمنع من حدوث زلزال ذي شدة مرتفعة بشكل غير متوقع.

المصدر : مواقع إلكترونية