ريبيكا لي كرومبلر.. أول طبيبة أميركية من أصل أفريقي

Mary Eliza Mahoney (1845 - 1926)
ريبيكا لا توجد لها صور معروفة ويُعتقد أن الصورة المنشورة باسمها تعود لماري إليزا ماهوني أول ممرضة أميركية من أصل أفريقي (الجزيرة)

ريبيكا لي كرومبلر ممرضة وطبيبة أميركية، ولدت عام 1831 وتخرجت في كلية الطب في نيو إنغلاند، وكانت أول طبيبة من أصل أفريقي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، توفيت عام 1895.

ضمنت مكانها في السجل التاريخي من خلال كتابها المرجعي "كتاب الخطابات الطبية" الذي نُشر عام 1883، وقدمت به ملخصا موجزا ​​لمسارها المهني.

كانت من أوائل النساء اللواتي جمعن بين الممارسة الخاصة والخدمات المجتمعية، واهتمت في عملها برعاية الأميركيين من أصل أفريقي في جنوب الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب الأهلية، ونالت احترام كثيرين في مهنة الطب، رغم العنصرية والتمييز العرقي اللذين تعرضت لهما.

تغلبت على أقسى القيود المجتمعية باختيارها مهنة كانت بعيدة المنال "للسود" حينئذ، وكرست حياتها لدراسة وعلاج أمراض النساء والأطفال. وأدت نجاحاتها المبكرة إلى إنشاء مؤسسة باسمها لتعزيز وصول النساء من أصل أفريقي إلى مهنة الطب، وهو شرف قضى على النسيان الذي طال اسمها.

المولد والنشأة

وُلدت ريبيكا ديفيس لي كرومبلر في 8 فبراير/شباط 1831 في كريستيانا بولاية ديلاوير في الولايات المتحدة الأميركية، لوالدين من أصل أفريقي هما ماتيلدا ويبر وأبسولوم ديفس.

نشأت في ولاية بنسلفانيا، وتربت على يد عمتها التي كانت ترعى جيرانها المرضى بانتظام، فألهمتها هذه التجربة المبكرة دراسة الطب والبحث عن أي فرصة لتعمل على تخفيف معاناة الآخرين.

في عام 1852 أضافت الاسم الأخير لزوجها (وايت لي) إلى اسمها، وكانت مأساة وفاة ابنها ألبرت عن عمر ناهز 7 سنوات حافزا لدراسة التمريض.

وصفها زوجها الثاني آرثر بأنها كانت امرأة لطيفة وذكية، وعاملة لا تعرف الكلل، تحب الرياضة وتمارسها في المنزل.

لا توجد صور معروفة لريبيكا، ويُعتقد أن الصورة التي ترفق بالكتابات عنها تعود لماري إليزا ماهوني، أول ممرضة من أصل أفريقي في الولايات المتحدة. وما يعرف عن حياتها جاء من مقدمة كتابها فقط الذي قدمت فيه ملخصا لمسارها المهني.

الدراسة والتكوين العلمي

في عام 1852 درست ريبيكا في أوقات فراغها بمدرسة ويست نيوتن اللغة الإنجليزية والكلاسيكيات في ولاية ماساشوسيتس، وتميزت في الرياضيات.

ثم كرست وقتها للتدرب على التمريض تحت إشراف أطباء مختلفين على مدى 8 سنوات، وكانت قادرة على أداء هذا العمل من دون أي تعليم رسمي، إذ لم تكن هنالك أي مدرسة في هذا المجال آنذاك.

وبسبب الموهبة الفريدة التي أظهرتها أثناء تدريبها، قدم الطبيب المشرف عليها توصية لتدخل كلية نيو إنغلاند الطبية للإناث.

سجلت هيئة التدريس قبولها في الكلية بتردد، متعللة بأنها قد تظهر "تقدما بطيئا في التعلم"، لكن الهيئة رغم تحفظاتها أذعنت للجنة الأمناء، وبسبب إقناع الأطباء الذين عملت معهم ريبيكا، وأيضا الحاجة إلى العناية الطبية للمحاربين القدامى خلال الحرب الأهلية الأميركية.

في عام 1860 أصبحت ريبيكا أول امرأة من أصل أفريقي والوحيدة التي تدرس الطب، في الوقت الذي منعت فيه معظم كليات الطب الأميركيين الأفارقة من الالتحاق بها.

اضطرت إلى إيقاف دراستها لرعاية زوجها المريض، وبعد وفاته طلبت استئناف دراستها. ورغم امتعاض الأساتذة من عودتها، لقيت دعما كبيرا وحصلت على منحة دراسية من صندوق "وايد" للمنح الدراسية الذي أنشأه بنجامين وايد، مؤيد إلغاء عقوبة الإعدام في أوهايو.

ورغم صعوبة المناهج الدراسية، والوحدة التي شعرت بها باعتبارها الطالبة الأفريقية الوحيدة، عملت بجد خلال 3 سنوات، إذ كانت تحضر فصولا دراسية تحضيرية استمرت 17 أسبوعا، مع تدريب تحت إشراف طبيب في آخر عامين لها.

وتطلبت الدراسة 30 ساعة أسبوعيا، وتعليما جيدا للغة الإنجليزية، وإعداد أطروحة حول بعض المواد الطبية، مع دفع رسوم التخرج.

وفي 24 فبراير/شباط عام 1864 أدّت امتحاناتها النهائية بنجاح، وفي الأول من مارس/آذار منحتها لجنة الأمناء درجة الدكتوراه في الطب، وعرّفتها باسم "السيدة ريبيكا لي، زنجية"، وفق محضر الاجتماع الذي يحتفظ به ضمن أرشيف جامعة بوسطن.

عندما بلغت 33 عاما كانت أول أميركية من أصل أفريقي تحصل على هذه الشهادة، والوحيدة التي تخرجت في كلية الطب للإناث في نيو إنغلاند، التي أغلقت عام 1873 وأدُمجت مع كلية بوسطن للطب.

وبعد التخرج تدربت فترة قصيرة في الدومينيكان البريطاني، وتخصصت في طب النساء والأطفال.

الحياة المهنية

في العشرينيات من عمرها، بدأت ريبيكا حياتها المهنية ممرضة في مدينة تشارلز تاون بولاية ماساتشوستس بالقرب من كامبردج عام 1852.

وبدأت ممارسة الطب لأول مرة في بوسطن عام 1864، لتكون طبيبة من بين 54543 طبيبا في البلاد، 270 منهم من النساء و180 من الرجال الأميركيين من أصل أفريقي، وفق المؤرخة فانيسا نورثينغتون غامبل.

انتقلت ريبيكا بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1865 إلى ضاحية ريتشموند بولاية فرجينيا، للقيام بما عدّته "عملا تبشيريا حقيقيا". وانضمت إلى مكتب فريدمان الذي أنشأه الكونغرس عام 1865 لتوفير الطعام والمأوى والرعاية الطبية لنحو 4 ملايين من العبيد المحررين.

لم يرحب بها في البداية، وتعرضت للتمييز العنصري، وعاملها الأطباء الذكور بازدراء، ورفض الصيادلة صرف وصفاتها العلاجية، وتعرضت للسخرية، وقيل عن الطبيب المشرف عليها أنه لا يمثل أكثر من "سائق للبغل".

ورغم ذلك، أكدت أن هذا العمل قد فتح لها فرصا كثيرة لتصبح ملمّة بالأمراض التي تصيب النساء والأطفال، ففي الربع الأخير من عام 1866 كانت قد قدمت الرعاية الطبية لنحو 30 ألف شخص من "السود" رفض الأطباء "البيض" معالجتهم، وقالت عن التجربة لاحقا "كل ساعة قضيتها خلال وجودي هناك، جعلتني أتحسن أكثر في العمل".

وبحلول عام 1869 عادت ريبيكا إلى حي بيكون هيل (معظم سكانه من السود) في بوسطن، وأنشأت عيادة خاصة بها، واستمرت في علاج المرض لدى النساء والأطفال الفقراء. وفي عام 1880 انتقلت إلى هايد بارك في الجزء الجنوبي من بوسطن، وقيل إنها لم تمارس الطب في آخر سنوات حياتها.

a book of medical discourses
ريبيكا كرومبلر ألفت "كتاب الخطابات الطبية" وقدمت فيه ملخصا لمسارها المهني (الجزيرة)

أول منشور طبي

في عام 1883 نشرت ريبيكا كرومبلر كتابا مرجعيا بعنوان "كتاب الخطابات الطبية" (ABook of Medical Discourses)، في جزأين من الملاحظات السريرية التي اكتسبتها خلال مسيرتها الطبية.

ويعتقد المؤرخون أنه أول منشور طبي كتبه مؤلف أميركي من أصول أفريقية، ونسخه محفوظة في المكتبة الوطنية للطب في واشنطن وفي مكتبة كونتواي الطبية في كلية الطب بجامعة هارفارد.

ويغطي موضوعات لم تبحث بعمق في ذلك الوقت، إذ ركز القسم الأول على طرق العلاج والوقاية والشفاء من مشاكل الأمعاء عند الأطفال، التي يمكن أن تحدث في فترة ظهور الأسنان وحتى سن الخامسة. وركز القسم الثاني على الآثار الصحية للزواج المبكر، وكيفية الحفاظ على صحة المرأة قبل الولادة وأثناءها وبعدها.

لم تؤيد ريبيكا في كتابها طريقة العلاج التجانسي (مبدأ العلاج من أصل المسبب)، لكنها فضلت استخدام كمية معتدلة من الدواء المعتاد، وأوصت باستخدام العديد منها في مقالاتها.

والكتاب عموما مكرس لتجربتها المهنية، وضمنته بعض التفاصيل الشخصية عن حياتها، ووصفت التجارب التي قادتها لدراسة الطب ومزاولته.

دور ريبيكا الطبيبة لم يحظ باهتمام كبير، واستبعدت من معظم تاريخ الطب الأميركي، ولا توجد إلا معلومات قليلة في السجلات الرسمية المتاحة عنها، وبعد وفاتها بنحو 25 سنة كان هناك 65 طبيبة "سوداء" في الولايات المتحدة عام 1920.

الآثار والتكريمات

  • احتفلت مدينة بوسطن بيوم الدكتورة ريبيكا لي كرومبلر، في الذكرى 190 لميلادها عام 2021، وذلك لإنجازاتها الرائدة في الطب.
  • نصب شاهد لقبر ريبيكا تكريما لإرثها، بعد مرور 125 عاما على وفاتها عام 2020، بفضل أصدقاء "مكتبة فرع هايد بارك".
  • في عام 2019 أعلن حاكم ولاية فرجينيا رالف نورثهام يوم 30 مارس/آذار يوم الدكتورة ريبيكا لي كرومبلر (يوافق أيضا يوم الأطباء الوطني).
  • عام 1989 أسس أطباء مؤسسة باسم "ريبيكا لي" لتعزيز وصول النساء الأميركيات من أصل أفريقي إلى مهنة الطب.
  • نصبت لوحة تذكارية في منزلها الواقع بمحطة في طريق بوسطن للتراث النسائي.

الوفاة

توفيت ريبيكا بسبب أورام ليفية في 9 مارس/شباط 1895 عن عمر ناهز 64 عاما، ودُفنت في مقبرة فيرفيو في حي هايد بارك من دون شاهد قبر.

المصدر : مواقع إلكترونية