حلمي شعراوي.. جسر التواصل الثقافي العربي مع أفريقيا

حلمي شعراوي،
حلمي شعراوي كاتب ومفكر مصري اهتم بدراسة الشؤون العربية الأفريقية (من صفحة مؤتمر المخطوطات بالحرف العربي في أفريقيا على فيسبوك)

كاتب ومفكر مصري، اهتم بالشأن الأفريقي والعلاقات المصرية الأفريقية بشكل خاص في بواكير شبابه، وكان مناصرا لسياسة الرئيس جمال عبد الناصر، وتقلد مناصب عدة قبل أن يعيّن رئيسا لمركز البحوث العربية والأفريقية.

جال في أفريقيا وشارك في احتفالات تحرير بعض دولها، واهتم بالنقد والتحليل للعلاقة بين الثقافتين العربية والأفريقية، وقدم نقدا لمناهج المؤلفين العرب الدارسين لها، كما تبنّى مواقف فكرية وسياسية لافتة.

المولد والنشأة

ولد محمد حلمي شعراوي في محافظة الجيزة بمصر عام 1935.

وفي سن مبكرة أظهر اهتماما بالقارة الأفريقية، فذهب مع أحد رفاقه إلى اجتماع الرابطة الأفريقية في حي الزمالك بالقاهرة.

ثم انتقل إلى الإشراف على بيت ضيافة الأفارقة في القاهرة المعروف بـ"بيت شرق أفريقيا"، لكن اهتمامه توسع إلى كل جهاتها.

وتخرج في كلية الآداب بجامعة القاهرة بدرجة البكالوريوس في علم الاجتماع عام 1958.

وكان شعراوي يساريا تأثر في شبابه بسياسة جمال عبد الناصر ونشط فيها، كما يعد حلقة وصل بين الحكومة الناصرية ومختلف حركات التحرير الأفريقية التي أنشأت مكاتب في القاهرة في تلك المرحلة.

ونتج عن نشاط شعراوي السياسي واهتمامه الشخصي خارج الأكاديميات بالشؤون الأفريقية؛ دراسات نقدية للشؤون الأفريقية المصرية.

الاهتمام بالدراسات الأفريقية

اهتم حلمي شعراوي في مرحلة مبكرة بالدراسات الأفريقية في مصر، التي كانت تواجه عقبات في الأكاديميات إبان خمسينيات القرن العشرين وستينياته.

وكان شعراوي قد قدم اقتراحا قوبل بالسخرية من هيئة التدريس، وهو دراسة حركة التحرير في نيجيريا مشروعا للماجستير.

المفكر حلمي شعراوي خلال تكريمه في ختام فعاليات المدرسة الأفريقية ٢٠٦٣ في مصر ديسمبر/كانون الأول 2018 المصدر: وزارة الشباب والرياضة
حلمي شعراوي اهتم بالشأن الأفريقي مبكرا في خمسينيات القرن العشرين وستينياته (المصدر: وزارة الشباب والرياضة المصرية)

وتمكن شعراوي رغم ذلك من الانخراط في دراسة الفكر السياسي والاجتماعي الأفريقي الحديث، من خلال مشاركته مع الجمعية الأفريقية.

وكان توجه حلمي ناقدا للنماذج الاستعمارية العنصرية، وربط هذا النقد بالنقاشات حول العنصرية في المجتمع المصري.

واستطاع تطوير وتوسيع مجال اهتمامه بالتواصل مع الشخصيات التي تشاركه إياه، وكان منهم السفير المصري السابق في جنوب أفريقيا.

وكان السفير آنذاك يلقي محاضرات في الجمعية الأفريقية حول نظام الفصل العنصري، وحضرها بعض الأكاديميين مثل محمد رياض والشاطر البصيلي والصحفيين محمد حكي ورضا خليفة.

واجتمع أكاديميون لتحويل معهد الدراسات السودانية، المؤسس علم 1947 بجامعة القاهرة، إلى معهد للدراسات والبحوث الأفريقية عام 1958.

وكان حلمي شعراوي والشاعر عبده بدوي ممن يرون أن الاهتمام بالدراسات الأفريقية في مصر يتوافق مع إحياء حلم إمبراطورية مصرية.

النشاط البحثي والمهني

بداية النشاط المهني المهم لحلمي شعراوي في مجال الدراسات الأفريقية كانت بالتحاقه بدائرة الشؤون الأفريقية في عهد عبد الناصر عام 1959، وعيّن فيها باحثا مسؤولا عن متابعة دول شرق أفريقيا.

ثم عين شعراوي منسقا عاما لمكاتب التحرير الأفريقية في القاهرة، وكان عددها 23 مكتبا، فساعده ذلك على الاطلاع على تطورات معارك التحرير ضد الاستعمار.

ومنحه قربه من محمد فائق مدير مكتب الرئيس للشؤون الأفريقية فرصة التجوال في أفريقيا فيما بين 1959 و1975، فكان ضمن الوفد الحاضر لاحتفالات استقلال تنجانيقا (تنزانيا اليوم) عام 1961.

وعين حلمي شعراوي باحثا بمركز الفنون الشعبية، وباحثا في الشؤون الأفريقية حتى عام 1974.

أقيل من عمله في رئاسة الجمهورية في عهد أنور السادات الذي كانت له توجهات مختلفة عن سلفه عبد الناصر، منها التخلي عن الدائرة الأفريقية التي كانت تلقى اهتماما كبيرا في السياسات الخارجية المصرية، إذ كانت في المركز الثاني بعد الدائرة العربية.

المفكر حلمي شعراوي مع الباحثة نسرين الصباحي المتخصصة في الشؤون الإفريقية بالمركز المصري للدراسات الإستراتيجية. المصدر: مواقع التواصل
حلمي شعراوي كان باحثا بمركز الفنون الشعبية وباحثا في الشؤون الأفريقية (صفحة مركز البحوث العربية الأفريقية على فيسبوك)

ثم انتقل إلى تدريس العلوم السياسية بجامعة جوبا عام 1975، وكانت جوبا جزءا من السودان قبل انقسامه لتصبح عاصمة جنوب السودان.

وآخر محطاته كانت رئاسة مركز البحوث العربية والأفريقية في القاهرة، وبقي فيها حتى وفاته 2023.

مواقفه الفكرية

انتقد حلمي شعراوي فكرة سماها "السفسطة العربية"، وكان من أبرز المنتقدين للنموذج الذي سيطر على أبحاث اللغة العربية في الدراسات الأفريقية.

وانتقد المؤلفين العرب الذين بالغوا في تأكيد تأثير اللغة العربية في اللغات الأفريقية الأخرى، ورأى في ذلك حالة من فرض "العروبة" على اللغة السواحلية مثلا.

وجادل شعراوي حول "هوس" المؤلفين العرب بإثبات تأثير اللغة العربية في اللغات الأفريقية، ورأى أن ذلك قوّض إمكانية الدراسة العلمية للتفاعل بين اللغات.

وقال إن الباحثين العرب اقتصروا على "تأكيد وجود الأصول العربية للمصطلحات في بعض اللغات الأفريقية مثل السواحلية والهوسا وغيرها".

كما يرى شعراوي أن المؤرخين والباحثين العرب متمركزون حول تأثير الثقافة العربية والإسلامية في الثقافة الأفريقية، ويتجاهلون الدور المهم للأفارقة السود في تطوير العرب، وأنهم ميالون إلى تجاهل الثقافات الأفريقية ودورها في الثقافة العربية.

وعن سؤال "لماذا لا يعد المصريون أنفسهم أفارقة؟"، يرى شعراوي أن الإجابة تتطلب دراسة نقدية للعلاقة بين مصر والسودان، كما كتب عن "تكوين صورة السودانيين في مصر"، محللا كتابات المفكرين المصريين البارزين مثل رفاعة الطهطاوي، خلال الفترة التي تنامى فيها الوعي القومي المصري.

المفكر حلمي شعراوي خلال أحد لقاءاته مع الباحثين الأفارقة والمهتمين بالشأن الأفريقي
حلمي شعراوي خلال أحد لقاءاته مع الباحثين الأفارقة والمهتمين بالشأن الأفريقي (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويرى أن المجتمع المصري فشل في إظهار أي تطور حقيقي على مستوى ثقافته السياسية والدينية في ما يتعلق بأفريقيا، ولم يكن للخطاب المصري التقدمي تأثير في التعليم أو السينما على سبيل المثال.

وحتى في الفضاء الأكاديمي، لاحظ شعراوي أن معظم الأفارقة التقدميين عملوا خارج الأكاديميات، ويسند ذلك إلى نقص التنسيق بين الهيئات الحكومية المسؤولة عن صياغة وتنفيذ السياسة الأفريقية.

مواقفه السياسية

وصفت ميول حلمي شعراوي "بالمعارضة" للأنظمة الحاكمة التي تلت نظام جمال عبد الناصر.

ويرى أن فترة حكم السادات شهدت إهمالا على الصعيدين الثقافي والسياسي لعلاقة مصر بأفريقيا، كما شهدت فترة حكم حسني مبارك تدهورا كبيرا في علاقة القاهرة بدول القارة.

وبعد محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس بابا عام 1995واتهام السودان بالضلوع فيها، شهدت العلاقات المصرية الأفريقية تراجعا لافتا بلغ حد غياب مبارك عن كل القمم الأفريقية.

ولشعراوي رؤية مختلفة حول مشروع "سد النهضة" الذي يرى الأغلب أنه كان مفاجأة دهمت الإدارة المصرية، بينما يؤكد هو أن الأزمة لاحت ملامحها مبكرا وطرحت في مؤتمر المياه الدولي الذي انعقد في لاهاي سنة 2000.

ويرجع تمسك إثيوبيا بإعلان ووضع هياكل سد النهضة إلى افتقاد مصر لعناصر القوة في أفريقيا، التي كانت تتحلى بها من قبل، وضعف دورها الدولي بوجه عام أمام القوة الإثيوبية.

كتاب سيره مصريه
كتاب سيرة مصريه أفريقية يعدّ مذكرات لحلمي شعراوي دوّن فيها معظم أفكاره (الجزيرة)

مؤلفاته

أثرى المفكر حلمي شعراوي الدراسات الأكاديمية بمجموعة مؤلفات بين الترجمات والمراجعات والمقالات والكتب، ومنها:

  • أوباما وخطابه الأفريقي.
  • أجندة أفريقية للقمة العربية.
  • تشاد شأن عربي.
  • هل الصومال مسؤولية عربية "أيضا"؟
  • رؤية إستراتيجية للعلاقات العربية الأفريقية.
  • النيل وملحمة سيف بن ذي يزن.
  • أزمة مياه النيل وعولمة المشروعات المائية.
  • محاجّة حركات الإسلام السياسي.
  • الثقافة والمثقفون في أفريقيا.
  • سيرة مصرية أفريقية.

وفاته

توفي محمد حلمي شعراوي يوم الاثنين 20 مارس/آذار 2023، وشيّع جثمانه إلى مدافن البساتين بعد أن صلي عليه في مستشفى وادي النيل بالقبة.

المصدر : مواقع إلكترونية