بسمة قضماني.. باحثة وأكاديمية ومعارضة سورية

بسمة قضماني ولدت بعائلة منقسمة التوجهات السياسية بين مناصرين ومعارضين لحزب البعث (الفرنسية)

بسمة قضماني، باحثة وأكاديمية سورية وناشطة سياسية في المعارضة، ولدت في دمشق عام 1958. شغلت منصب أستاذ للعلوم السياسية في عدد من الجامعات الفرنسية وعملت في العديد من مراكز البحوث السياسية. توفيت عام 2023.

أسست مبادرة الإصلاح العربي، وشاركت في الحراك الشعبي، وكانت عضوا مؤسسا للمجلس الوطني السوري.

لها العديد من المؤلفات في التنمية السياسية والصراعات في المنطقة العربية، نالت وسام الشرف الفرنسي وحازت جوائز عالمية لجهودها البحثية والإبداع في العمل المجتمعي.

المولد والنشأة

ولدت بسمة ناظم قضماني في أبريل/نيسان 1958 بمدينة دمشق، وقد عاشت طفولتها في سوريا متأثرة بالبيئة المحيطة، إذ ولدت لعائلة برجوازية سنية ذات توجهات سياسية متباينة، تضم أنصارا لتيار البعث وآخرين تابعين للتيار المعارض له أو أتباعا للكتلة الوطنية، إلا أن التوجه العام في العائلة كان قوميا يؤمن بالوحدة العربية.

نشأت وترعرعت في عائلة تُعنى بالشأن العام، فجدها كان نقيبا للمحامين في سوريا، وكانت جميع نشاطات النقابة وانتخاباتها تجري في بيته، وكانت بسمة آنذاك طفلة تراقب ما يحدث عن كثب وتشارك في استضافة الزوار، مما أورثها اهتماما خاصا بالشأن الاجتماعي والسياسي العام.

وكان ناظم منغمسا في المُثل القومية العربية وأحد أعضاء حزب البعث، وعمل دبلوماسيا في وزارة الشؤون الخارجية السورية، وكانت والدتها تنتمي إلى عائلة جميل مردم بك، أحد اللاعبين الرئيسيين في النضال من أجل الاستقلال.

وقد كان وقع هزيمة عام 1967 أليما على عائلتها، إذ اضطروا لمغادرة سوريا والعيش في المنفى، على إثر مناوشة وقعت مع وزير الخارجية الأسبق إبراهيم ماخوس حين طالبه ناظم باستقالة الحكومة، فسجن 6 أشهر ثم نفي مع عائلته إلى لبنان، حيث عانوا من ظروف مادية صعبة، وكانت بسمة بالكاد بلغت العاشرة من عمرها. وعام 1971 انتقلوا إلى بريطانيا واستقروا فيها.

بسمة قضماني ترعرعت في عائلة تؤمن بالوحدة العربية فلم تستطع الاهتمام بشأن آخر خلال معيشتها في فرنسا (الفرنسية)

التجربة العملية والسياسية

سافرت بسمة إلى فرنسا والتحقت بمعهد الدراسات السياسية في باريس، حيث حازت درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، لكنها لم تستطع الانضمام إلى الحياة السياسية في فرنسا، لأن انتماءها كان عربيا، ومحور اهتمامها القضايا العربية، وكانت تصرح بأنها لم تشعر بالانتماء إلى أي مجتمع غربي عاشت فيه.

لذلك اتجهت إلى العمل الأكاديمي والبحثي في المجال السياسي، وعملت أستاذة للعلاقات الدولية في جامعات فرنسية وباحثة بالعديد من مراكز البحوث السياسية.

واستمرت في العمل الأكاديمي 30 عاما، انغمست فيها بالبحث والدراسة في الموضوعات المتعلقة بالأنظمة السياسية وعلاقة السلطة بالمجتمع وقضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والعلاقة بين الدين والسياسة بالعالم الإسلامي، وأولت اهتماما بالقضية الفلسطينية والصراعات في المنطقة العربية والتنمية السياسية بالوطن العربي.

وكانت مشاركتها السياسية بسبب إقامتها في المهجر تتجلى في تحليل القضايا السياسية في الوطن العربي، ومحاولة إيجاد حلول للصراعات من خلال فهم الطرف الآخر ومعرفة كيفية التعامل معه والتأثير في السياسات وفقا لذلك.

وعام 1981 أنشأت برنامج الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "إفري" في باريس، والذي استمر حتى عام 1998.

كما أسست مبادرة الإصلاح العربي عام 2005، وهي مؤسسة بحثية تعمل بالتعاون مع 20 مركزا بحثيا سياسيا في 10 دول عربية وبعض الدول الأوروبية وأميركا، وتقوم هذه المؤسسات بتقديم مواد تعريفية عن حكومات ومجتمعات المنطقة العربية، واقتراح برامج واقعية منبثقة عن المنطقة وفقا لأولويات المجتمعات العربية، من أجل تعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ثم بدأت العمل في مجال التعاون الدولي منذ عام 2007، فعملت مستشارة في المجلس الوطني للبحوث العلمية بفرنسا حتى عام 2011.

بسمة قضماني ونجيب الغضبان في 17 يوليو /تموز 2012 بمؤتمر صحفي في نيويورك (الفرنسية)

مشاركة بسمة قضماني في الثورة السورية

ومنذ عام 2011 طرأ تحول في مسارها العملي، فقد كان انطلاق الثورة السورية محفزا لها ودافعا للانخراط المباشر في العمل السياسي والمشاركة في الهم الوطني والحراك الشعبي.

ساهمت في تأسيس المجلس الوطني السوري في أكتوبر/تشرين الأول 2011، والذي كان يهدف إلى جمع مختلف أطياف المعارضة تحت مظلة واحدة، وتوحيد جهودها في العمل على دعم الشعب في ثورته ومساندة الحراك إعلاميا وسياسيا بالخارج.

ولم تكن ترى نفسها مناضلة في المعارضة الشعبية وإنما خبيرة سياسية ومفاوضة، فشاركت في اجتماعات المعارضة ونشاطاتها، وأصبحت عضو الوفد المفاوض للهيئة العليا للمفاوضات، وكانت مرارا في عداد الوفد المفاوض الذي شارك في محادثات غير مباشرة مع ممثلين عن الحكومة السورية بإشراف الأمم المتحدة بجنيف.

وكان مجال عملها البحث عن مساحة مشتركة بين الأطراف للعمل عليها وإيجاد مداخل يمكن الولوج من خلالها لحل الصراع، وذلك عبر المزج بين العمل المدني والسياسي، وهو العمل الذي كانت تجده ملائما لميولها وخبراتها.

وبصفتها عضوا مؤسسا في حوار "النساء صانعات الدستور" استفادت من خبرتها الواسعة للتأكيد على ضرورة مشاركة المرأة وتمثيلها في مفاوضات بناء السلام وعمليات وضع الدستور، وكانت تؤكد أن دور المرأة السياسي أساسي لجلب الدعم، ومشاركتها مهمة تظهر وجها آخر للثورة، وخاصة الجانب الإنساني لأن المرأة أقدر على إبرازه.

ولم يدم عملها في المجلس الوطني السوري طويلا، حيث قدمت استقالتها في 28 أغسطس/آب 2012، متهمة إيّاه بفقدان المصداقية والفشل في تحقيق مهمته، كما صرحت بأن هناك خلافات جوهرية بينها وبين أعضاء المجلس حول طريقة العمل والمنعطفات الأساسية في الثورة منها المنعطف العسكري، وأن التنافس الحزبي في المجلس قد أضعف العمل الوطني.

وعلى الرغم من ذلك ظلت تضطلع بدور ناشط في المعارضة، فأسست مع مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين جمعية "مبادرة من أجل سوريا جديدة" أول نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والتي تهدف إلى تعزيز العمل الإغاثي ودعم المجتمع المدني السوري.

كما دعمت الثورة إعلاميا عبر مقالاتها التي كانت تنشرها بانتظام في الصحف الأوروبية، تشجع فيها الدول على دعم مطالب الثورة، وتدين قمع النظام للحراك السلمي للانتفاضة السورية، بالإضافة إلى استضافتها في مقابلات صحفية ولقاءات تلفزيونية بوسائل الإعلام الغربية، وخاصة الناطقة بالفرنسية، وكذلك مشاركتها في محاضرات وندوات تنظمها مؤسسات أكاديمية ومنتديات سياسة عربية وأجنبية.

وأسست عدة مبادرات منها "المنتدى القانوني السوري" وبرنامج تحضير للتعليم الأكاديمي الافتراضي للشباب السوري، ومبادرة "كلنا سوريا" للشتات السوري، وكانت عضوا مؤسسا لمجموعة "موارد سوريا".

الوظائف والمسؤوليات

شغلت بسمة قضماني العديد من المناصب في المجال التعليمي والبحثي، وتبوأت مراكز سياسية قيادية في المعارضة السورية منها:

  • أسست وأدارت قسم دراسات الشرق الأوسط بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس ما بين عامي 1981 و1998.
  • انتقلت إلى القاهرة الفترة بين 1999 و2005 لتشغل منصب "رئيس برنامج الحوكمة والتعاون الدولي" في المكتب الإقليمي لمؤسسة فورد.
  • عملت أستاذة مشاركة للعلاقات الدولية بجامعتي السوربون و"باريس مارن لا فالي".
  • وعام 2005 شغلت منصب المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، وبقيت فيه حتى منتصف عام 2019.
  • عملت مستشارة لرئيس الأكاديمية الدبلوماسية الدولية للبرامج العلمية، وباحثة رئيسية زائرة بالمعهد القومي الفرنسي العامين 2005 و2006.
  • عملت باحثة رئيسية بمركز الدراسات والأبحاث الدولية في باريس العامين 2006 و2007.
  • أصبحت مستشارة خاصة لمدير العلاقات الدولية بالمركز القومي للبحوث في فرنسا الفترة بين عام 2007 و2009.
  • وبعد اندلاع الثورة أصبحت عضوا بالمكتب التنفيذي وعضو الهيئة المصغرة في اللجنة الدستورية ورئيسة مكتب العلاقات الخارجية والناطقة الرسمية للمجلس الوطني السوري، إلى أن قدمت استقالتها عام 2012.
  • وكانت لسنوات عديدة عضوا بالمجلس الاستشاري للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، وشغلت منصب نائب رئيس مجلس الإدارة بين عامي 2015 و2017.
  • كما أصبحت عضوا بالمجلس الاستشاري لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط، وعضوا في مجلس أمناء المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والمؤسسة الأورومتوسطية لدعم ناشطي حقوق الإنسان.
  • وعام 2021 انضمت للعمل باحثة رئيسية بمعهد مونتين في فرنسا.

المؤلفات والإنجازات

نشرت بسمة مجموعة من الكتب بالفرنسية والإنجليزية، انفردت بتأليف بعضها بينما شاركت في تصنيف بعضها مع كتاب آخرين، كما لها العديد من الدراسات المنشورة بدوريات محكمة متخصصة ومقالات صحفية في الصحف العربية والدولية.

قضماني شاركت مع الوفد المفاوض في محادثات مع ممثلين عن الحكومة السورية بإشراف الأمم المتحدة بجنيف (الفرنسية)

ومن أشهر كتبها بالفرنسية:

  • كتاب "الشتات الفلسطيني" (La Diaspora Palestinienne)
  • كتاب "لبنان أو انجرافات عملية السلام" (Le Liban ou les Dérives du processus de paix)
  • كتاب "أي أمن للخليج؟" (?Quelle Sécurité Pour Le Golfe)

ومن الكتب التي شاركت في تأليفها بالإنجليزية: 

  • كتاب "تمهيد الطريق للسلام في سوريا" (Setting the stage for peace in Syria)
  • كتاب "أجندة الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة" (The agenda for the EU-US strategic partnership)
  • كتاب "مخاطر الإقصاء السياسي: مشكلة الإسلاميين في مصر" (The dangers of political exclusion : Egypt’s Islamist problem)
  • كتاب "تصورات الأمن والإستراتيجيات الوطنية في الشرق الأوسط" (Perceptions de sécurité et stratégies nationales au Moyen-Orient)

أما التي شاركت بتأليفها بالفرنسية فمنها:

  • كتاب "لبنان أمال وحقائق" (Liban–Espoirs Et Réalités)
  • كتاب "المغرب العربي سنوات الانتقال (Maghreb, les annees de transition)
  • كتاب "هدم الجدران" (Abattre les murs)

الجوائز والأوسمة 

حصلت على جائزة جمعية فرنسا-فلسطين عام 1998 عن كتابها "الشتات الفلسطيني" وجائزة "ريمون جوريس" للإبداع بالعمل المجتمعي عام 2011 لدورها في تأسيس مبادرة الإصلاح العربي، والمساهمة في دعم الديمقراطية بالمجتمعات العربية، كما نالت وسام الشرف الفرنسي عام 2012.

الوفاة

بعد صراع طويل دام سنوات مع مرض السرطان، توفيت قضماني يوم 2 مارس/آذار 2023 بالعاصمة الفرنسية عن عمر ناهز 65 عاما.

المصدر : مواقع إلكترونية