قلعة غازي عنتاب.. صمدت في وجه الإمبراطوريات والحروب والطاعون وهزمها زلزال كهرمان مرعش

قلعة غازي عنتاب الأثرية (الجزيرة)
قلعة غازي عنتاب الأثرية دخلها المسلمون في 661م (الجزيرة)

قلعة بُنيت قبل أكثر من 2000 سنة على تلة في قلب بلاد الأناضول، وحملت أعلام الحيثيين والفرس والمقدونيين والرومان، ودخلها المسلمون عام 661م، وشهدت قيام إمبراطوريات وأفولها، وعرفت الحروب والطاعون، قبل أن يهدم أجزاءً منها زلزال ضرب منطقة كهرمان مرعش (جنوبي تركيا) في السادس من فبراير/شباط 2023.

البناء والتسمية

قلعة غازي عنتاب قلعة حجرية بُنيت في الفترة الحيثية قبل الميلاد، على مساحة 1200 متر، ويُعتقد أنها أقيمت في مدينة هيلنيستك التي بناها قدامى الإغريق، وعرفت بعد ذلك باسم عنتاب، قبل أن يقرّ البرلمان التركي إضافة كلمة "غازي" على اسم المدينة سنة 1921.

جزء من الدمار الذي أحدثه الزلزال في قلعة غازي عنتاب (الأناضول)

الفترة الحيثية

مثلت القلعة نقطة المراقبة الأهم لجيش الحيثيين؛ تحت حكم الإمبراطور سوبيلوليوما الأول الذي ضمّ الأناضول كلّها وأجزاء من شمال بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين تحت سيطرته.

حقق الحيثيون انتصارات كبيرة بسبب قوتهم وإستراتيجيتهم العسكرية التي اعتمدت على العربات الحربية في الهجوم وعلى القلاع المحصنة للدفاع، وكانت قلعة عنتاب أحد الحصون التي أسهمت في تراجع أعدائهم.

بقيت القلعة صامدة مع تعاقب العديد من الإمبراطوريات على بلاد الأناضول، لتشهد على مرور الفرس والمقدونيين والإغريق، وصولا إلى حكم الرومان.

الفترة الرومانية

في عهد الإمبراطورية الرومانية التي بسطت سيطرتها على بلاد الأناضول في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد خضعت القلعة لمزيد من التوسع والتجديد، وفي عهد الإمبراطور جستينيان الأول في فترة ما بين 527 و565 بعد الميلاد أصبح محيط القلعة مستديرا بـ12 برجا، مع المحافظة على جدرانها المبنية من الحجر؛ لتستعمل في المهمة الأولى التي بُنيت لأجلها.

مع تولي جستينيان الأول مقاليد الحكم، لم تكن الإمبراطورية قد تغلبت على الأزمات الكبرى التي تعرضت لها منذ آواخر القرن الخامس؛ ففي الأشهر الأخيرة من حكمه جدد الفرس الحرب ضد الإمبراطورية، وهكذا أصبح الجزء الأكبر من الجيش البيزنطي منشغلا في الشرق، وفي الداخل كانت الفوضى تعم القسطنطينية بسبب ثورة "حزبي الزرق والخضر"، وهما في الأصل فرقتان رياضيتان تطورتا إلى حزبين سياسيين في القسطنطينية.

تمكنت الثورة من التغلب على بعض القوات الحكومية، لكنها فشلت في دكّ أبراج القلعة التي تحصّن فيها جنود الإمبراطور، إلى أن جاءهم المدد من القائد الشهير بليزاريوس ورجاله، وتمكن هذا القائد من إخماد الثورة بعد مقتل 30 ألف روماني.

بعد تفشي الطاعون في أرجاء الإمبراطورية البيزنطية، حاول جستينيان حماية عاصمته القسطنطينية وعدة مدن أخرى من خلال سنّ مجموعة من القوانين التي تهدف إلى عزل كل شخص قادم من أماكن تفشي الوباء، كما يتم تنظيفهم في مراكز خاصة حتى يتم التقليل من احتمال نقل المرض، وكانت القلعة بمثابة مبنى للحجر الصحي، حتى انتهى الوباء.

الفترة الحديثة

فُتحت مدينة عنتاب على يد العرب الأمويين في 661م، ثم آلت للعباسيين في 750م، وبقيت تحت حكمهم حتى تفككت دولتهم، فتداول السيطرة عليها الطولونيون والإخشيديون والحمدانيون، إلى أن وقعت بيد الاحتلال البيزنطي عام 962م، وكانت قلعة عنتاب في كل تلك المحطات حاضرة لتحصين الجيوش ومنطلقا لمعاركهم، إلى أن استعاد الأتراك السلاجقة المسلمون المدينة عام 1067م.

ثم وقعت بأيدي الصليبيين عام 1098، فاسترجعها السلاجقة مجددا في 1150، وتعاقب على حكمها الأرمن وأسرة زنكي والأيوبيون والمماليك، ثم بسط العثمانيون سيطرتهم عليها بعد معركة مرج دابق عام 1516 في عهد السلطان سليم الأول.

يذكر المؤرخون أن قلعة المدينة كانت أول المباني التي حرص جيش السلطان سليم الأول على دخولها ورفع أعلامه على أسوارها.

وبقيت مفاتيح باب القلعة في يد العثمانيين حتى سقوط إمبراطوريتهم وقيام الجمهورية التركية الحديثة سنة 1924.

تم تجديد القلعة عدة مرات واتخذت شكلها النهائي عام 2000، لتصبح متحفا بانوراميا يوثّق بطولات الدفاع عن المدينة ضد القوات الفرنسية الغازية بعد سقوط الدولة العثمانية.

صُنفت القلعة تراثا عالميا لدى اليونسكو في قائمة المدن الإبداعية، وعُدّت من أهم المواقع الأثرية في تركيا.

أضرار الزلزال

في صباح السادس من فبراير/شباط 2023 ضرب زلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر جنوب تركيا وشمال سوريا، مما عرّض قلاعا تاريخية وأبنية أثرية في البلدين إلى أضرار كبيرة.

وصل تأثير الزلزال إلى قلعة غازي عنتاب وتهدمت أجزاء منها، بسبب وقوعها قرب منطقة بازارجيك في كهرمان مرعش؛ أكثر المدن تضررا من الزلزال.

ووصف المختصون الزلزال بأنه الأكبر في تاريخ المنطقة، ولا يقترب منه في القوة سوى زلزال أرزينجان الذي حدث في شمال شرقي تركيا عام 1939، الذي تسبب في أضرار كبيرة في ذلك الوقت.

المصدر : الجزيرة