مفهوم البلوتوقراطية.. ما أصله؟ وماذا يعني؟

البلوتوقراطية تعني سلطة المال (غيتي)

البلوتوقراطية مفهوم نظري يعني سيطرة الأثرياء على السلطة وتحكّمهم في قرارات الدولة والتأثير عليها، وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح بازدراء لوصف حالة غير مرغوب فيها أو انتقاد ما يعدّ نظاما غير عادل، وهو حجة في النقاش السياسي أكثر من كونه نظاما سياسيا رسميا بالمعنى الدقيق للكلمة.

أصل المصطلح

ينقسم مصطلح البلوتوقراطية إلى كلمتين "البلوتو" (ploutos) وتعني الثروة، و"قراطية" (kratos) وتعني السلطة باللغة اليونانية القديمة. وينتشر هذا المفهوم للدلالة على الحكومات التي تكون فيها جماعات الضغط تتمتع بنفوذ كبير، سواء الجماعات المالية أو النفطية أو الدينية، وغيرها.

ويكون هذا النفوذ على مستوى سلطة اتخاذ القرارات الكبرى والحاسمة عبر المؤسسات الديمقراطية، وهو ما يجعل هذا الشكل من الحكم، المتمركز في أيدي الطبقة الاجتماعية الأكثر ثراء، أرضية خصبة للتفاوتات الطبقية بين مختلف فئات المجتمع.

الفرق بين البلوتوقراطية والأوليغارشية

الأوليغارشية نوع من الحكم، تكون فيه البلاد تحت سيطرة مجموعة صغيرة من الناس، يتم اختيارهم أو يفرضون أنفسهم بناء على معايير تميزهم عن غيرهم من المواطنين، مثل التعليم والتكوين أو السجل العسكري أو الوضع الاجتماعي أو الدين أو الثروة.

أما في البلوتوقراطية فالأثرياء هم من يحكمون ويسيّرون البلاد فحسب، إما بشكل مباشر من خلال تولي مناصب حساسة، أو عبر تعيين أو وضع أو حتى فرض أشخاص آخرين في مواقع رسمية بجهاز الدولة، يكونون في خدمتهم ويحافظون على مصالحهم الخاصة.

ويعني هذا المفهوم استخدام الأثرياء ثرواتهم للتأثير على المسؤولين "المنتخبين" عبر الوسائل القانونية وحتى غير القانونية، من قبيل الضغط والرشوة والمساهمات المالية الكبيرة في الحملات الانتخابية.

وعمليا، تمثل كل من البلوتوقراطية والأوليغارشية صوت أقلية المجتمع التي تهتم بنفسها أولا. ونتيجة لذلك، يتم استخدام كلا المصطلحين بشكل سلبي للتعبير عن الخوف من أن تضع الأقلية الحاكمة مصالحها وأولوياتها فوق مصالح وأولويات الدولة. وفي كلتا الحالتين يعاني الناس من الاضطهاد والتمييز وانعدام المساواة.

البلوتوقراطيون

البلوتوقراطيون جماعة الأثرياء الذين يؤثرون في صناعة القرار السياسي، عبر وضع سياسات عامة توفر امتيازات مباشرة لهم ولكل ذوي الدخل المرتفع، ويطمحون بذلك إلى الحفاظ على ثرواتهم ومراكمتها على حساب ثروات الدولة وحاجات مواطنيها.

ولهذا فـ "البلوتوقراطيون" اصطلاحا لا يشير إلى الأشخاص الذين لهم سلطة سياسية فحسب، وإنما يخص الذين يجمعون بين السلطة والمال، سواء أكانوا أفرادا أو جماعة من الناس.

أمثلة على البلوتوقراطية

ظهرت البلوتوقراطية منذ العصور القديمة، فتعدّ الإمبراطورية الرومانية شكلاً من أشكال البلوتوقراطية، إذ يتمتع فيها مجلس الشيوخ المكون من الطبقة الأرستقراطية الثرية بسلطة انتخاب مسؤولي الإدارة المحلية واقتراح البرامج والسياسات العمومية.

كما أن جمهوريات التجار الإيطالية في البندقية وفلورنسا وجنوة تمثّل بدورها أحد أشكال البلوتوقراطية، إضافة إلى حضارة قرطاج في العصور القديمة، وجمهورية أبي رقراق التي أنشأها قراصنة في مدينة سلا بالمغرب خلال القرن الـ 17، وإمبراطورية اليابان قبل الحرب العالمية الثانية، التي كانت هي الأخرى تحت سيطرة ذوي النفوذ المالي.

ويقع حي "دو سكوير ميل" في لندن القديمة تحت حكم الأثرياء، ويتمتع بنظام انتخابي مختلف عن إدارته المحلية ومنفصل عن المدينة نفسها، فأكثر من ثلثي الناخبين غير مقيمين فيها، بل هم ممثلون لمختلف الشركات والهيئات الموجودة بالمدينة والتابعة لشركة "سيتي أوف لندن كوبوريشن" (City of London Corporation) التي تقدم الخدمات العمومية للندن، وبالتالي تمتلك نسبة تصويت تفوق على نحو كبير عدد سكان المدينة.

ويُنظر إلى الولايات المتحدة الأميركية العصر الحالي على أنها مثال للدولة التي يمكن عدّ نظامها السياسي خاضعا لمفهوم البلوتوقراطية، وذلك بسبب التأثير القوي الذي يمارسه الأثرياء في الانتخابات، وأيضا في عملية صنع القرار.

ففي أوائل القرن الـ 20 تأثرت أميركا ونظامها السياسي على نحو كبير بمجموعة صغيرة من الأثرياء المتمركزين، في مدينة نيويورك، والذين ظهر تأثيرهم في عملية صنع القرار، وقد اتضح الأمر بعد التحقيق به من قبل "لجنة بوجو" (The Pujo Committee) وهي لجنة تابعة للكونغرس تشكّلت سنة 1912 للتحقيق بما يسمى "ثقة الأموال".

ومن بين الأسماء المعروفة الآن في أميركا، ولديها سيطرة شبه احتكارية على النظام المالي الأميركي: "جيه بي مورغان" (J P Morgan) و"جون دي روكفلر" (John D Rockefeller) وآخرون.

عوامل ظهور البلوتوقراطية

تقول الدراسات التاريخية إن أول استخدام لمصطلح البلوتوقراطية باللغة الإنجليزية يعود إلى عام 1631، لكن قبل هذا التاريخ كان هذا المفهوم موجودا منذ العصور القديمة.

فمجلس شيوخ الإمبراطورية الرومانية كان تحت سيطرة مجموعة من الأرستقراطيين الذين منحتهم ثروتهم القدرة على انتخاب مسؤولي الحكومة المحلية، وإملاء سياسات اجتماعية تخدم مصالحهم.

وتبقى أسباب تطور البلوتوقراطية في بعض المناطق من العالم معقدة نوعا ما. لكن هناك سمات بارزة تتميز بها البلوتوقراطية، تتمثل بدرجة أولى في كثرة سَن السياسات الحكومية التي تخدم مصالح الأثرياء على حساب الطبقات الدنيا من المجتمع في معظم الأحيان.

ويعدّ الآتي من أهم العوامل المرتبطة بتطور البلوتوقراطيات:

  • الظروف الاقتصادية: تظهر البلوتوقراطية معظم الأحيان في بلدان تعاني من تفاوت كبير في الدخل بين الأغنياء والفقراء.
  • تاريخ حكم الأوليغارشية: الدول التي لها تاريخ من حكم الأوليغارشية (الحكم من قِبل الأقلية) هي أكثر عرضة للبلوتوقراطية.
  • ثقافة عدم المساواة الاجتماعية: المجتمعات التي تعاني من ثقافة عدم المساواة ولها تاريخ كبير في دعم فئة ما على حساب الفئات الأخرى بشكل غير عادل، عبر سَن سياسات عمومية لهذا الغرض، يمكنها أن تخلف بيئة سياسية مهيأة لحكم الأثرياء.
  • الفساد: الأنظمة السياسية التي لها تاريخ في الفساد، يمكنها أن تكون أكثر ميلا لتطوير البلوتوقراطية. والحكومات التي يراكم فيها المسؤولون السياسيون الفاسدون ثروات شخصية من خلال اختلاس ثروات البلاد، يمكن أن تؤدي إلى إنشاء أنظمة سياسية بعقلية بلوتوقراطية.

وتبقى لهذه العوامل نتائج وتداعيات سلبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

  • سياسيا: يمكن إضعاف منسوب الديمقراطية عند عدم اتخاذ قرارات شرعية تستمد قوتها من دعم المواطنين ومساندتهم، وتهدف لخدمة مصالحهم.
  • اقتصاديا: في معظم الأحيان تُستغل الموارد الرئيسية للدولة، لا سيما الموارد النادرة على نحو غير عقلاني ويفتقد للحكمة اللازمة، مما يؤدي إلى استنفادها، وهذا يمكن أن يضعف اقتصاد الأمة.
  • مجتمعيا: عندما تستمر فجوة التوزيع غير العادل للثروة لفترة زمنية طويلة، وتتسع الفوارق الاجتماعية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات اجتماعية.
  • نفسيا: غالبا ما يصبح للأثرياء الذين يستولون على السلطة إحساس بأحقيتهم من الاستفادة من ثروات البلاد على حساب الآخرين، ويمكن أن يؤدي بهم ذلك إلى عدم التعاطف معهم، الأمر الذي يدفعهم إلى فرض سياسات حكومية تهدف بشكل متزايد إلى توجيه ثروات البلاد ومواردها نحو خدمة أهدافهم (الأثرياء) مع إقصاء المحتاجين.

وعلى مر التاريخ، أدان الفلاسفة والمفكرون السياسيون هؤلاء الأثرياء نظرا لتجاهلهم مسؤولياتهم الاجتماعية، واستخدام سلطتهم لخدمة أغراضهم الخاصة، مما ينعكس على المجتمع بزيادة الفقر وتغذية الصراع الطبقي ونشر الفساد.

كما يمكن القول إن البلوتوقراطية تكثر في المجتمعات التي لا تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مثل الدول ذات نظام الحكم الشمولي والسلطوي.

البلوتوقراطية الأميركية

أدى تأثير عدم المساواة على مستوى الدخل وتأثير المال في السياسة بالولايات المتحدة الأميركية، خلال العقود الأخيرة، إلى اعتقاد بعض الاقتصاديين بأن أميركا أصبحت أو تتجه لتصبح دولة بلوتوقراطية، في حين يرى آخرون أنها على الأقل دولة تؤسس لمفهوم احتكار الثروة من طرف الأقلية (plutonomy) أي أن أقلية ثرية أصبحت تتحكم في النمو الاقتصادي للبلاد.

وقد أكد الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بمقال له سنة 2011، أن التأثير على الحكومة من قبل الأغنياء في أميركا آخذ في الازدياد، وهو مؤشر قوي من مؤشرات البلوتوقراطية.

كما خلصت دراسة، أجراها عالما السياسة مارتن جيلينز وبنجامين بيج عام 2014، إلى أن معظم الأميركيين الآن ليس لديهم تأثير يذكر على السياسات التي تتبناها الحكومة الأميركية.

لكن من جهة أخرى، يشير بعض الاقتصاديين الأميركيين إلى أن تأثير عدم المساواة في الدخل بين المواطنين على الحكومة الأميركية لا يزداد بالطريقة التي ذكرها ستيغليتز.

وفي هذا السياق، ضرب الخبير الاقتصادي ستيفن هورويتز مثالا على أن التكلفة الفعلية للمعيشة بالولايات المتحدة كانت تنخفض باستمرار منذ عقود بالنسبة لجميع المواطنين.

كما لاحظ هورويتز، الفترة ما بين 1975 و1991، أن القدرة الشرائية لـ 20% من ذوي الدخل المحدود، ارتفعت بنسبة أكبر مقارنة مع 20% من الأغنياء. وهو ما جعل هورويتز يقول: إن شعار الغني يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا ليس واقعيا.

وبتجاوز مسألة عدم المساواة في الدخل، فإن عددا من علماء السياسة بأميركا أشاروا إلى أن قرار المحكمة العليا للولايات المتحدة ضد لجنة الانتخابات الفدرالية عام 2010 دليل على اتجاه البلاد نحو البلوتوقراطية.

وكان هذا القرار التاريخي قد قضى بأن الحكومة الفدرالية الأميركية لا تستطيع تقييد الشركات أو النقابات من المساهمة بالمال للتأثير على نتيجة الانتخابات. ومنح هذا القرار الشركات والنقابات الأميركية نفس حقوق التعبير السياسي التي يتمتع بها الأفراد.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية