نادي باريس.. قبضة الدول الكبرى على الاقتصاد العالمي

نادي باريس، هو مجموعة من الدول المتقدمة الدائنة، ويتمثل دوره في إيجاد حلول منسقة ومستدامة لصعوبات الدفع التي تواجهها البلدان المدينة، بينما تقوم هذه الأخيرة بإصلاحات لتحقيق الاستقرار واستعادة وضعها الاقتصادي والمالي.

ويقدّم الدائنون في نادي باريس معاملة مناسبة للديون، تتمثل في شكل إعادة الجدولة، عن طريق تخفيف الديون عبر تأجيلها، أو تخفيض التزامات خدمة الديون خلال فترة محددة، أو اعتبارا من تاريخ محدد، وذلك في حالة إعادة الجدولة الميسرة.

النشأة والتأسيس

تولدت فكرة نادي باريس من المحادثات التي عقدت في فرنسا عام 1956 لمناقشة الأزمة بين الأرجنتين ودائنيها المختلفين، وهو مجموعة من الدول الدائنة ليس لها وضع قانوني أو تنظيمي ثابت، تجتمع في باريس شهريا تقريبا (باستثناء شهري فبراير/شباط وأغسطس/آب) لمناقشة وضع الديون الخارجية، وإعادة جدولتها أو تخفيضها في بعض الحالات.

بعد الإطاحة برئيس الأرجنتين الأسبق خوان بيرون، عقدت البلاد اجتماعا مع دائنيها الرئيسيين في 16 مايو/أيار 1956 بالعاصمة الفرنسية باريس، بدعوة من وزير الاقتصاد الفرنسي، وكان هذا الأمر بمثابة انطلاق غير رسمي لكيان نادي باريس.

في عام 1962، أصبح نادي باريس -إلى جانب صندوق النقد والبنك الدوليين- بمثابة أداة إستراتيجية للدول المتقدمة، كي تكون لها قبضة على الاقتصاد العالمي. فمنذ ذلك العام تمَّ إبرام 433 اتفاقية تتعلق بـ90 بلدا مدينا، وبلغت قيمة الاتفاقيات المبرمة منذ عام 1983 حوالي 583 مليار دولار أميركي.

وتشكل نادي باريس -الذي ينعقد في مقره الموجود بوزارة الاقتصاد الفرنسية في باريس- من 11 دولة متقدمة في بادئ الأمر، وارتفع العدد بعد ذلك إلى 19 دولة، ثم انضمت البرازيل وكوريا الجنوبية وإسرائيل ليصبح عدد الدول الأعضاء الدائمة 22 دولة.

المقرّ

يقع المقرّ الدائم لنادي باريس في شارع بيرسي بالعاصمة الفرنسية باريس، ولكن أعضاء النادي قد يختارون -من وقت لآخر- أن يجتمعوا في البلدان المدينة، التي تكون أوضاع ديونها على جدول أعمال النادي.

الأهداف

يتمثل الهدف العام المعلن لنادي باريس في مساعدة الدول المدينة على سداد ديونها، والخروج من أزماتها المالية، وتحسين أحوالها الاقتصادية والحيلولة دون إفلاسها.

وتتم جدولة ديون تلك الدول من قبل النادي بتوصية ضرورية من صندوق النقد الدولي، ولا بد أن تكون الدولة عضوا في الصندوق، وأن تكون قد أبرمت اتفاقا معه، وقبل جدولة ديونها، وتكون مجبرة على العديد من الإجراءات التقشفية وبعض الإصلاحات الأخرى.

ويقدّم نادي باريس توصيات للتعامل مع الأزمات. ففي عام 1999، توجّه وفد من النادي إلى كوبا لبحث ديونها المقدرة بـ11.2 مليار دولار. وأبرم النادي اتفاقا في أبريل/نيسان 2003 مع إندونيسيا لإعادة جدولة ديون بقيمة 5.4 مليارات دولار، كما أعاد جدولة ديون بقيمة 12.5 مليار دولار مع باكستان في 2001 على مدى فترة تمتد 38 عاما.

وفي عام 2001 أيضا، تمت جدولة ديون ليوغوسلافيا بقيمة 3 مليارات دولار، ويُحدد جدول السداد بحسب قدرات تلك الدولة وإمكاناتها الاقتصادية بناء على توصيات صندوق النقد الدولي.

ومنذ عام 1956، أبرم "نادي باريس" مئات الاتفاقيات مع عشرات الدول المدينة حول العالم، من دول أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، وتجاوزت الديون التي تم التفاوض عليها نصف تريليون دولار حتى تاريخه. ويتم اللجوء لنادي باريس لإعادة جدولة الديون، أو شطب جزء منها، أو إلغائها بالكامل كملاذ أخير قبل التعثر في السداد.

ويقدّم نادي باريس تسهيلات مالية للبلدان المتضررة من الزلازل والكوارث الطبيعية من أجل سداد التزاماتها المالية، على غرار ما حدث بعد زلزال تسونامي في المحيط الهندي عام 2004.

الهيكلة

الرئيس: يرأس نادي باريس تقليديا مسؤول كبير في وزارة الخزانة الفرنسية، وترأسه المدير العام للخزانة الفرنسية إيمانويل مولين عام 2020.

نواب الرئيس: يعمل نوابه في المديرية العامة للخزانة الفرنسية كرئيس مشارك ونائب رئيس.

السكرتارية العامة: تم إنشاء سكرتارية دائمة في نهاية السبعينيات، عندما بدأ نشاط نادي باريس يزداد كثافة عما كان عليه في العقود السابقة.

اجتماعات نادي باريس

تجتمع الدول الدائنة في نادي باريس شهريا بالعاصمة الفرنسية، وتتضمن كل جلسة شهرية اجتماعا مدته يوم واحد يسمى "جولة الأفق"، حيث يناقش دائنو نادي باريس فيما بينهم حالة الديون الخارجية للبلدان المقترضة، أو القضايا المنهجية المتعلقة بديون البلدان النامية، وقد تتضمن الجلسة أيضا اجتماعات تفاوض مع دولة أو أكثر من البلدان المقترضة التي استوفت جميع شروط التفاوض.

يُدعى البلد المقترض إلى اجتماع تفاوضي مع دائنيه في نادي باريس، وعادة ما يمثل البلدَ المقترضَ وزيرُ المالية، ويرأس وفدا يتألف من مسؤولين من وزارة المالية والبنك المركزي، وذلك عندما يكون قد أنهى برنامجا مناسبا مع صندوق النقد الدولي، ويوضح البلد أنه غير قادر على الوفاء بالتزامات ديونه الخارجية، ومن ثم يحتاج إلى ترتيب دفع جديد مع الدائنين الخارجيين.

يربط دائنو نادي باريس إعادة هيكلة الديون ببرنامج صندوق النقد الدولي، لأن إصلاحات السياسة الاقتصادية تهدف إلى استعادة إطار اقتصادي كليّ سليم، من شأنه أن يقلل من احتمال حدوث صعوبات مالية في المستقبل.

يجوز للأعضاء الدائمين المشاركة في اجتماعات التفاوض بصفتهم دائنين مشاركين إذا كانت لديهم مطالبات تجاه البلد المقترض المدعو، أو كمراقبين إذا لم يكونوا دائنين. وقد تتم دعوة الدائنين الآخرين لحضور اجتماعات التفاوض، بشرط موافقة الأعضاء الدائمين والدولة المقترضة. كما يحضر ممثلو المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الإقليمي المعني بصفة مراقب.

الأعضاء الدائمون في نادي باريس

  • الولايات المتحدة الأميركية.
  • المملكة المتحدة.
  • فرنسا.
  • ألمانيا.
  • سويسرا.
  • أستراليا.
  • النمسا.
  • بلجيكا.
  • كندا.
  • الدانمارك.
  • فنلندا.
  • أيرلندا.
  • إيطاليا.
  • اليابان.
  • هولندا.
  • النرويج.
  • روسيا.
  • إسبانيا.
  • السويد.
  • البرازيل.
  • كوريا الجنوبية.

المشاركون المخصصون في نادي باريس

كما يمكن للدائنين الرسميين الآخرين المشاركة في جلسات التفاوض، شرط موافقة الأعضاء الدائمين والبلد المدين. وأبرز هؤلاء المشاركين المخصصين:

  • الإمارات العربية المتحدة.
  • الأرجنتين.
  • الصين.
  • التشيك.
  • الهند.
  • الكويت.
  • المكسيك.
  • المغرب.
  • نيوزيلندا.
  • البرتغال.
  • المملكة العربية السعودية.
  • جنوب أفريقيا.
  • ترينداد وتوباغو.
  • تركيا

المراقبون في نادي باريس

يحضر المراقبون اجتماع التفاوض، ولكنهم لا يشاركون في المفاوضات، ولا يوقعون على الاتفاقية التي تضفي الطابع الرسمي على نتيجة المفاوضات، وهناك 3 فئات من المراقبين:

  • ممثلو المؤسسات الدولية: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والأونكتاد (مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) والمفوضية الأوروبية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنك التنمية للبلدان الأميركية.
  • ممثلو الأعضاء الدائمين في نادي باريس: الذين ليس لديهم مطالبات معنية بمعاملة الديون، أو الذين ليسوا دائنين للبلد المدين المعني، ولكنهم مع ذلك يرغبون في حضور المفاوضات.
  • ممثلو الدول غير الأعضاء في نادي باريس: التي لديها مطالبات على البلد المدين المعني، ولكنها ليست في وضع يسمح لها بالتوقيع على اتفاقية نادي باريس كمشاركين مؤقتين، بشرط موافقة الأعضاء الدائمين والبلد المدين على حضورهم.

التمويل وآلية العمل في نادي باريس

عندما تتقدم دولة مدينة بطلب لجدولة ديونها أو شطب البعض منها كملاذ أخير، يُرسل صندوق النقد الدولي برنامجه وشروطه التي اتفق عليها مع تلك الدولة لنادي باريس، لمراجعتها ومعرفة مدى التزام تلك الدول بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

ويتم عقد مناقشات بين مسؤولي النادي ومندوب الدولة المدينة، لبحث كيفية الخروج من أزمتها والحيلولة دون إفلاسها، وفي هذه الأثناء، تتم جلسة هي أشبه باستجواب للدولة المدينة، وهنا تكمن قوة الدول الأعضاء.

ثم يخرج مندوب الدولة المدينة من الاجتماع، وتنعقد جلسة مغلقة للأعضاء الدائمين لبحث كيفية جدولة ديون هذه الدولة وإخراجها من أزمتها ومدى إمكانية شطب ديونها، وبعد التوصل إلى اتفاق مشترك، تبلغ المقترحات للمدينين لبحثها مجددا. ويرى بعض الخبراء أن وجود دولة مدينة في مناقشات مع النادي هو أشبه بالخضوع لاستجواب.

ويتفاوض نادي باريس فقط على إعادة هيكلة الديون مع البلدان المدينة التي هي بحاجة لتخفيف ديونها، على أن تقدم وصفا دقيقا لوضعها الاقتصادي والمالي، أو أولئك الذين نفذوا ويلتزمون بتنفيذ إصلاحات لاستعادة أوضاعهم الاقتصادية والمالية، أو من يكون له "سجل حافل" في تنفيذ الإصلاحات في إطار برنامج صندوق النقد الدولي.

بعض أهم المحطات التاريخية لنادي باريس

  • 1956: اتفاقية نادي باريس الأولى في الأرجنتين.
  • 1966: أول اتفاقية لنادي باريس مع دولة آسيوية، وهي إندونيسيا.
  • 1976: أول اتفاقية لنادي باريس مع دولة أفريقية، وهي زائير (الكونغو الديمقراطية).
  • 1981: أول اتفاقية لنادي باريس مع دولة أوروبية، وهي بولندا.
  • 1988: أول اتفاق لنادي باريس يطبق شروط تورنتو مع مالي.
  • 1990: أول اتفاقية لنادي باريس تطبق شروط هيوستن مع المغرب.
  • 1992: أول اتفاقية لنادي باريس مع روسيا.
  • 1996: مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
  • 1997: روسيا تنضم إلى نادي باريس، وأول عملية سداد مبكر من الأرجنتين.
  • 2000: أوغندا هي أول بلد مؤهل من البلدان الفقيرة المثقلة بالديون يصل إلى نقطة الإنجاز المحسنة لمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
  • 2003: دائنو نادي باريس يوافقون على نهج إيفيان.
  • 2004: أول معاملة للديون بموجب نهج إيفيان مع كينيا، وعلاج الخروج المرحلي الممنوح للعراق.
  • 2005: منح معاملة استثنائية للبلدان التي ضربها تسونامي، وهي إندونيسيا وسريلانكا، وعلاج الخروج يمنح لنيجيريا.
  • 2006: الذكرى الخمسون لتأسيس نادي باريس.
المصدر : مواقع إلكترونية