"لواء خُلد تلاتيلولكو".. خرجوا من أنقاض زلزال المكسيك وانطلقوا لإنقاذ الأرواح في العالم

"لواء خُلد تلاتيلولكو" فرقة إنقاذ مستقلّة، ظهرت بعد زلزال 1985 في المكسيك، يُسافر أعضاؤها على نفقتهم الخاصة إلى بؤر الكوارث، وساهموا في إنقاذ آلاف الأرواح بأكثر من 22 دولة.
أصل التسمية
صباح 19 سبتمبر/أيلول 1985، ضرب زلزال بقوة 8 درجات على سلم ريختر منطقة مكسيكو سيتي الكبرى، مما أدّى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف شخص وفق الرواية الرسمية وعشرات الآلاف وفق تقارير غير رسمية، وتعرّضت المدينة لأضرار جسيمة بسبب ضخامة حجمها، حيث تم تسجيل انهيار 412 مبنى وتضرر أكثر من 3 آلاف بناية.
من بين التجمعات السكنية التي طالها الدمار، مجمعان سكنيان وسط المدينة يطلق عليهما اسم "تلاتيلولكو" يقعان على تماس مع مركز تاريخي ضخم بالقرب من مترو سنترو ميديكو.
تضمّ هذه المجمعات السكنية -الممتدة على مساحة حوالي كيلومترين- 30 ألف وحدة سكنية، مجتمعة في 102 بناية مع 7 منشآت طبية و22 مدرسة وحوالي 500 شركة صغيرة، يشتغل بها أكثر من 80 ألف شخص.
على إثر الزلزال، انهارت اثنتان من الوحدات الثلاث للمبنى والمسماة "نويفو ليون" بارتفاع 13 طابقا، بينما تعرضت الأخرى لأضرار بالغة، لتحاصر أكوام الركام آلاف السكان.

كان مستشفى "خواريز" المقابل للتجمع محاصرا أيضا بالطوابق المنهارة، حيث عجزت الآليات الثقيلة عن الوصول إلى المحاصرين.
وذكرت مجلة "بروكسو" المحلية وقتها أنه مع صعوبة وصول آليات الإنقاذ إلى المنطقة، فضّل أرباب الشركات وملّاكها إنقاذ ماكيناتهم بدل البحث عن ناجين أو انتشال جثث حوالي 150 عاملا من تحت الأنقاض.
ولم يكن لدى الحكومة فرق إنقاذ مدربة، ورفضت في البداية عرضا بالمساعدة من الولايات المتحدة، قبل أن تقبل متأخرة دخول فرق إنقاذ أجنبية.
وأمام هذا الوضع المأساوي والمتردّي، والفشل الحكومي الذريع في احتواء الأزمة، نظّم المواطنون المدنيون كتائب وفرقا للمساعدة في جهود الإنقاذ وتوفير المأكل والملبس والدعم النفسي للمشردين.
وكان في مقدّمة هذا النشاط المدني العفوي مجموعة من الشباب، جميعهم من الطبقة العاملة في حي "تلاتيلولكو" أطلقوا على أنفسهم اسم "توبوس دي تلاتيلولكو" نسبة إلى حيوان الخُلْد الحفّار.
التأسيس
الساعات والأيام القليلة التي أعقبت الصدمة الأولى للزلزال، انتشر "فريق الخُلد" عبر بنايات المدينة المنكوبة، وبأيد عزلاء ووسائل محدودة، شرعوا في الحفر والتنقيب عن ناجين، واستطاعوا في وقت قصير إحداث الفارق في عمليات الإنقاذ.
وكان أول أهدافهم انتشال أحياء من ركام مبنى مجمعهم السكني في "تلاتيلولكو". لكن ملحمتهم الكبرى صنعوها في مستشفى "خواريز" المقابل، حيث ساهموا بشكل فعّال في إنقاذ جميع الأطفال حديثي الولادة الذين كانوا بالحضانة داخل المستشفى.
وعثر على الرضع بعد 7 أيام من وقوع الزلزال، وأصبحوا يُعرفون باسم "الأطفال المعجزة" بعد أن نجوا من دون تغذية أو ماء أو دفء أو اتصال بشري خلال تلك الفترة.
وساهم فريق "تلاتيلولكو" أيضا في إنقاذ أكثر من 4 آلاف شخص من تحت الركام.
وبعد أشهر من الكارثة، وبعد ارتفاع صيتهم بسبب بطولتهم، حاولت جهات رسمية تبنّي "فريق الخُلْد" لكنهم فضّلوا التكتّل بشكل غير رسمي، حيث قرر هؤلاء الشباب أن يتحدوا معا رسميا في فبراير/شباط 1986 ليشكّلوا "لواء خُلد تلاتيلولكو" ويتحوّلوا إلى متخصصين مدربين تدريبا عاليا أوقات الكوارث، ولديهم فروع في أجزاء أخرى من المكسيك.

المهارات
في البداية، لم تكن لدى المجموعة مؤهلات علمية للبحث والإنقاذ، لكن بعد سنوات من التجربة، أصبحت لديهم طريقتهم الخاصة، وتطوّر لديهم برنامج تدريب في مجالات مثل إستراتيجيات الإنقاذ وإدارة الهياكل المنهارة وإدارة المخاطر.
وبمساعدة وكالة الحماية المدنية في المكسيك، ترعى "فرقة الخُلد" أيضا الدرجات الفنية في المجالات المتعلقة بالمجال، وتصدر الشهادات.
وهذا الفريق المتخصص بالزلازل والانهيارات الأرضية لديه أيضا خبرة في الإنقاذ الرأسي، والإنقاذ داخل المياه والانهيارات الأرضية وحالات الطوارئ الطبية والحرائق والفيضانات.
وهم يملكون درجة عالية من الخبرة في تحديد مكان الضحايا وفرزهم وتنظيف الأنقاض والجثث والمساعدة في تطوير خطط التعافي طويلة الأجل، كما يشاركون في برامج التدريب الدولية في حالات الكوارث.
الإنجازات
يسافر "فريق الخلد" بشكل خفيف للالتزام بقيود الأمتعة، وتتشكل غالبية معداتهم من الأدوات البسيطة مثل الحبال والمسامير والمجارف والمطارق والفؤوس والمناشير الكهربائية.
وتساعد الفريق أيضا كلاب البحث والإنقاذ، التي تم تدريبها بمساعدة فيلق الإسعاف في مكسيكو سيتي والصليب الأحمر المكسيكي.
وبصفتهم جمعية أهلية غير ربحية، يتلقى الفريق القليل من الدعم الحكومي، ويجمع معظم أمواله من خلال جمع التبرعات، كما طوروا أيضا جهاز إرسال إحداثيات جغرافية للضحايا المدفونين تحت الأنقاض، حيث تساعد المبيعات في تمويل التدريب ورحلات الإنقاذ المستقبلية للمتطوعين بالخارج.

المحطّات
عمل الفريق في مواقع الكوارث بجميع أنحاء العالم، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر/أيلول2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وكان له دور كبير في إجلاء ضحايا تسونامي عام 2004 في إندونيسيا، وسافر لمواجهة الكوارث في هاييتي ونيبال والفلبين.
كما كان في الصفوف الأولى لمواجهة إعصار إيرما، ووصل إلى تركيا للمساهمة في جهود الإنقاذ في زلزال فبراير/شباط 2023.
وعمل "فريق الخُلد" فيما لا يقل عن 22 دولة، وعلى الرغم من المجازفة بحياتهم بانتظام لإنقاذ الآخرين، لم يُقتل أي عضو في الفريق أثناء الخدمة.
وقد عرّف أحد مؤسسي المجموعة الأصليين واسمه "هيكتور" -في تصريح صحفي "مجموعة الخلد"- بالقول إن لديهم الاستعداد "للذهاب إلى حيث لا يريد أي شخص آخر".
ويقول أوسكار جيفارا الطبيب المنضم إلى المجموعة عام 2010 "العاطفة الشديدة للعثور على شخص على قيد الحياة هي كل الحافز الذي يحتاجه الخُلد".