مصطلح الفيل الأبيض.. معناه ومدلولاته الاقتصادية

مبنى إمباير ستيت بنيويورك تحول إلى "فيل أبيض" لعقدين من الزمن بعد الكساد الكبير (غيتي)

"الفيل الأبيض" حيوان نادر ومقدس في الشرق الأقصى، ويرمز في بعض الثقافات إلى الفأل الحسن، لكنه يشير إلى دلالات مختلفة في عالم الاقتصاد، فعندما نصف ملكية أو استثمارا بأنه "فيل أبيض" فهذا يعني أنه يجلب الخسائر والإرهاق لصاحبه. 

معنى الفيل الأبيض في عالم الاقتصاد

يشير مصطلح "الفيل الأبيض" إلى أي استثمار أو عقار ذي تكلفة صيانة مرتفعة، ولا يحقق في المقابل أي فائدة أو أرباح مادية تذكر، فمن منظور اقتصادي يعدّ "الفيل الأبيض" مكلفا للغاية من ناحية التشغيل والصيانة، ويصعب تحقيق الربح منه ويشكل عالة على مالكه.

في الغالب تكون "الفيلة البيضاء" أصولا غير سائلة، بمعنى أنه يصعب استبدالها أو بيعها نقدا من دون التعرض لخسائر كبيرة، وبات مصطلح "الفيل الأبيض" يستخدم اليوم للإشارة إلى أي عقار غير مربح بغض النظر عن نوعه.

أصل التسمية

تعود جذور التسمية إلى آسيا، وتحديدا إلى "سيام" المعروفة اليوم بتايلند، إذ كانت الفيلة البيضاء النادرة مقدسة في تلك البلاد في العصور القديمة.

وقد اعتاد ملوك سيام الماكرون إهداء الفيلة البيضاء لرجال الحاشية المكروهين، إذ إن الفيل الأبيض مقدس في تلك البلاد، فهو بالتالي ممنوع من العمل ولا يحق لصاحبه الاستفادة منه بأي طريقة، فضلا عن ذلك يجب تدليله بمنحه أرضا خاصة وتقديم طعام خاص له ومنحه مستوى معينا من الرعاية التي لا تحظى بها الفيلة الملونة. ومن ثم يكلف هذا الفيل صاحبه ثروة من ناحية، ولا يستطيع الاستفادة منه بأي شكل من ناحية أخرى.

الفيل الأبيض حيوان مقدس في الشرق الأقصى لكنه أصبح رمزا لأي استثمار أو عقار ذي تكلفة صيانة مرتفعة (الفرنسية)

تحوّل الاستثمار إلى فيل أبيض

تستثمر كثير من الشركات أموالها في الممتلكات والمنشآت والمعدات بهدف استخدام هذه الأصول الثابتة لتحسين أرباح الشركة في المستقبل، لكن تغيّر الظروف الاقتصادية في البلد، يمكن أن يحوّل هذه الأصول إلى "فيلة بيضاء".

فإذا قررت شركة ما أن تبني مصنعا لتلبية احتياجات السوق لمنتج معين، ثم فشلت في الترويج له، أو انخفض الطلب عليه لسبب ما، سيصبح المصنع عالة على الشركة، إذ إنه لا يحقق إيرادات كافية لتغطية تكلفة صيانته، بمعنى آخر سيتحول هذا المصنع إلى "فيل أبيض".

كذلك ارتبط مصطلح الفيل الأبيض بالمشاريع التنموية التي تمولها الحكومات بهدف تحقيق نمو اقتصادي سريع عن طريق تخصيص كثير من الأموال لمشاريع البناء ومشاريع البنى التحتية.

وتكمن المشكلة في هذه المشاريع في أنها تُصمم بناء على آراء السياسيين والمسؤولين الحكوميين وتفضيلاتهم لخدمة مصالحهم المادية في معظم الأحيان، فتكون النتيجة مشاريع سيئة التصميم والتنفيذ، لا تلبث أن تتحول إلى "فيلة بيضاء" تستهلك الأموال من دون أرباح مادية مرجوة للدولة.

أمثلة على الفيلة البيضاء

ومن أشهر الأمثلة على الفيلة البيضاء حول العالم:

مبنى "إمباير ستيت"

يعدّ مبنى إمباير ستيت (Empire State Building) من أشهر معالم مدينة نيويورك في الولايات المتحدة في العصر الحديث، وقد كان يمثل "فيلا أبيض" لمدة عقدين من الزمن قبل أن تتغير أوضاعه نتيجة لتغير الوضع الاقتصادي.

بني مبنى إمباير ستيت عام 1930 على هيئة ناطحة سحاب عملاقة، بمخطط استثماري يهدف لأن يكون مجموعة من المكاتب تدرّ أرباحا هائلة لصاحبها، لكن على خلفية الكساد الكبير فشل المخطط وبقي المبنى "فيلا أبيض" هائلا لمدة 20 عاما قبل أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة ويبدأ يدر الأرباح في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.

المبنى اليوم ملك لصندوق استثمار عقاري، ويولد أرباحا ضخمة من عقود إيجار المكاتب ومساحات البيع بالتجزئة، إذ يوجد في المبنى حوالي ألف مكتب ويعمل فيه أكثر من 21 ألف موظف. كما يستفيد ملاك المبنى من إيرادات محطات البث التلفزيوني والإذاعي الموجودة فيه.

مبنى "فندق العذاب"

يقع فندق العذاب في بيونغ يانغ في كوريا الشمالية، وصُمّم ليكون ناطحة سحاب على شكل هرم بارتفاع 105 طوابق، وخُطِّطَ ليحتوي على 5 مطاعم وأكثر من 3 آلاف غرفة فندقية.

بدأ المهندسون بتصميم هذا الفندق عام 1987 بوصفه أطول مبنى في كوريا الشمالية، لكن أُوقِف البناء في وقت لاحق عام 1992 بسبب نقص التمويل الناتج عن أزمة اقتصادية عصفت بكوريا الشمالية.

استؤنف بناء الفندق عام 2008، وكان من المخطط افتتاحه عام 2012 في الذكرى المئوية لميلاد رئيس كوريا الشمالية السابق كيم إل سونغ. لكن ذلك لم يحدث، وبقي البناء غير مكتمل، مما منحه لقب "فندق العذاب" (Ryugyong) ومثّل لأصحابه "فيلا أبيض" طوال السنوات الماضية.

صورة خارجية لملعب أرينا دا أمازونيا التقطت عام 2014 (وكالة الأنباء الأوروبية)

الملاعب المهجورة

في الدول التي استضافت المونديال عبر الزمن، نجد عددا من الملاعب المهجورة التي تحولت بعد انتهاء فعاليات المونديال إلى "فيلة بيضاء".

فقد بنت بعض الدول ملاعب ضخمة بقدرة استيعابية هائلة خصيصا لاستضافة المونديال، لكن بعد انتهائه باتت هذه الملاعب شبه مهجورة لا يزورها سوى بضع مئات من متابعي كرة القدم، ولا تدر أي أرباح تذكر للدولة، في حين أن تكلفة صيانتها وتشغيلها عالية جدا.

ومن الأمثلة هذه الملاعب ملعب "أرينا دا أمازونيا" (Arena da Amazonia) في ماناوس في البرازيل، الذي بني خصيصا عندما استضافت البلاد بطولة كأس العالم عام 2014.

استغرق بناء الملعب 4 سنوات، وكلف الحكومة البرازيلية ما بين 220 و300 مليون دولار، وهو واحد من 12 ملعبا آخر شيدتها البرازيل لاستضافة كأس العالم.

استخدم هذا الملعب خلال المونديال في 4 مباريات فقط، كما استُخدم في عدد قليل من المباريات خلال أولمبياد 2016. واليوم تحوّل إلى "فيل أبيض" هائل لا يستقطب سوى مئات المتفرجين في المباريات، في حين أن قدرته الاستيعابية تصل إلى قرابة 40 ألف متفرج.

كذلك عندما استضافت اليونان دورة الألعاب الأولمبية عام 2004 بتكلفة هائلة بلغت قرابة 9 مليارات يورو، خُصِّصت لبناء ملاعب مبهرة شكلت مصدر فخر لليونانيين في ذلك الوقت، لكن بعد انتهاء المونديال هُجرت جميع تلك الملاعب الضخمة، وتحولت إلى فيلة بيضاء شكلت عبئاً على الحكومة التي لم تستطع الاستفادة منها، مما أجج غضب اليونانيين، لا سيما وأن المبالغ التي أنفقتها الحكومة على هذه الفيلة كانت سببا رئيسيا في مرور البلاد بأزمة اقتصادية وكساد استمر 6 سنوات عانى خلاله اليونانيون من مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة.

قطر تحل أزمة الفيلة البيضاء بعد المونديال

استضافت قطر المونديال عام 2022، وقامت الحكومة القطرية ببناء 7 ملاعب جديدة قدرت تكلفتها بنحو 7 مليارات دولار، فضلاً عن تطوير ملعب خليفة وزيادة قدرته الاستيعابية.

وعلى غرار ما حدث في البرازيل واليونان، كان من الممكن أن تتحول هذه الملاعب أيضا إلى "فيلة بيضاء" تثقل كاهل الحكومة بتكاليف الصيانة والتشغيل ولا تدر عليها في المقابل أي أرباح تذكر.

لكن الحكومة القطرية فكرت في ذلك قبل البدء ببناء الملاعب، فصُمِّمت جميعها لتكون قابلة للتفكيك وإعادة الاستخدام في مجالات أخرى، فعلى سبيل المثال، صنع ملعب 974  بالكامل من حاويات الشحن المعاد تدويرها، وركبت على نحو يسهل معه تفكيكها لتعود مرة أخرى إلى الاستخدام في مجال التجارة والملاحة البحرية، ومن الممكن أن تستخدم الأسقف وبعض الحاملات المعدنية في مشاريع أخرى داخل قطر.

كما أنه من المخطط أن يتحول ملعب المدينة التعليمية إلى مركز ترفيهي ورياضي لمنتسبي المدينة التعليمية، مع خفض مساحته إلى النصف والتبرع بـ20 ألف مقعد من مقاعده لدول نامية. أما ملعب البيت فقد صمِّم ليعاد تفكيكه بعد المونديال، وتحويله إلى فندق 5 نجوم ومركز تسوق ومستشفى.

ثم إن الخطة المستدامة التي عملت عليها الحكومة القطرية تتضمن تفكيك معظم مقاعد ملعب لوسيل لإعادة استخدامها في أماكن مختلفة، وتحويل الملعب إلى وجهة مجتمعية تخدم مدينة لوسيل.

وكذلك الحال مع معظم الملاعب، إذ تستهدف الخطة التبرع بالمقاعد والشاشات والأجهزة الصوتية وغرف اللاعبين وغيرها إلى الدول النامية، وبذلك تحقق تنمية مستدامة مع استبعاد كلي لحصول مشكلة "الفيلة البيضاء".

المصدر : مواقع إلكترونية