سعد زغلول.. زعيم مصري نشأ فلاحا وأسس حزب الوفد وترأّس البرلمان

سعد زغلول رجل دولة وسياسي مصري ومؤسس حزب الوفد، يعدّ أحد أبرز الزعماء المصريين في بدايات القرن العشرين. عمل موظفا حكوميا ومحاميا وقاضيا، ثم وزيرا للتعليم ووزيرا للعدل، وكان نائبا وزعيما للمعارضة، ثم ترأس البرلمان، وتزعم الوفد المفاوض على استقلال مصر عن بريطانيا، نشأ فلاحا ودخل الكتاب والأزهر، وعاش ثورتين، واختلفت حوله آراء المؤرخين والباحثين. 

المولد والنشأة

وُلد سعد زغلول في قرية إبيانة التابعة إداريا لمديرية الغربية (محافظة كفر الشيخ حاليا) في مصر، إبان حكم الخديوي سعيد للبلاد، وكانت القرية في القرن الـ15 مقاما للقناصل الأجانب، ولا يزال بعض عائلته يعيش فيها حتى الآن.

اختلف المؤرخون في سنة مولده، وكان الأرجح من الأقوال أنه ولد في يوليو/تموز 1858م، كما صرح بنفسه لسكرتيره، بينما قال ابن شقيقته فتح الله بركات، إن ميلاده يوافق نوفمبر/تشرين الثاني 1856م، قياسا على تاريخ ميلاد ابن عمه، إذ ولدا في أسبوع واحد.

وهناك تقدير آخر للكاتب كريم ثابت يأخذ به محمود عباس العقاد أيضا، يرجح مولده في الأول من يونيو/حزيران 1860م، وفق سجلات شهادته التي حصل عليها في الحقوق من باريس.

Photographic portrait of Saad Zaghloul (1859-1927) an Egyptian revolutionary, statesman, leader of Egypt's nationalist Wafd Party and Prime Minister of Egypt. Dated 20th century. (Photo by: Universal History Archive/Universal Images Group via Getty Images)
سعد زغلول نشأ في عائلة ريفية وكان أبوه عمدة القرية وكانت أمه من أسرة عبده بركات العريقة (غيتي)

سُمي الصبي باسم أول رجل من أسرة زغلول ظهر في أبيانة، ورجح مؤلف كتاب "سعد في حياته" أن هذا الرجل ربما لم يكن خليقا بهذا الاسم، لذلك كان سعد يبدى عدم ارتياحه لاسمه، وكان يتضايق منه في شبابه.

تحدث العقاد، في ترجمته لسيرة سعد زغلول، عن تضارب الآراء حول أصوله، فقيل، إنها بدوية، وقيل، إنها تركية، وكثيرون قالوا، إن أهله جاؤوا من المغرب، أما سعد فكان يقول، إنه "فلاح مصري".

نشأ سعد في عائلة ريفية، إذ كان أبوه إبراهيم عمدة القرية ويمتلك حوالي 200 فدان، وأمه من أسرة عبده بركات العريقة. وأصبح يتيما، وهو لم يناهز السادسة من عمره، وعُنِيَ بتربيته أخوه الأكبر وخاله، وكان له أخوان شقيقان وأخت من أبيه وأمه، و6 إخوة آخرون لأبيه من غير أمه.

تميز سعد من إخوته بقامة طويلة وجسم نحيل، وأطلق عليه أترابه لقب "الخيبة" في طفولته لعدم مهارته باللعب. ووُصف بالذكاء والفصاحة، والعناد والاقتناع الشديد بأنه دائما على حق، والاندفاع خلف أفكاره دون حساب العواقب، والصراحة إلى حد التورط في أقوال يأخذ بها خصومه.

كان مالكيا كما سكان قريته، لكنه تحول إلى المذهب الشافعي في فترة دراسته بالأزهر، على الرغم من أن أستاذه ومرشده محمد عبده كان على المذهب الحنفي.

في الـ35 من عمره تزوج ابن العمدة، ابنة رئيس الوزراء مصطفى فهمي، وكانت في الـ18 من عمرها، ولم يرزقا بأبناء، وتبنيا طفلين؛ هما: رتيبة وسعيد.

سعد زغلول (يسار) مع أعضاء من حزب الوفد أثناء حضورهم إحدى جلسات البرلمان (الفرنسية)

من يومياته

كتب سعد زغلول يومياته على مدى 20 عاما، ونُشرت لأول مرة في 1985، وتشمل 53 كراسا و3018 صفحة، تضمنت في كثير منها اعترافات يدين فيها نفسه في بعض المسائل الخاصة، ووردت بها عبارة "ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكرات".

ومما تكشفه المذكرات إدمان سعد للقمار ومعاشرة مدمنيه، وفي ذلك يقول "لم أقدر على أن أمنع نفسي من التردد على النادي ومن اللعب، وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود وخسرت فيه مبلغا طائلا".

ولعن هذه العادة الذميمة و"الرذيلة الشنيعة" في 12 موضعا من هذه الكراسات، وقال، إن القمار "يحطّ من شأني ويضيع مالي ويفسد صحتي ويقلق راحتي ويكدر زوجتي ويسيئ إلى ذوي رحمي ويشمت بي الأعداء". وجاء في إحدى فقرات يومياته، أنه لم يهنأ له عيش بعد أن أضاع مال زوجته في القمار، وجعلها أقل من إخوتها مالا وأكثرهن حزنا.

كما كتب عن علاقته باللورد البريطاني كرومر قائلا "كان يجلس معي الساعة والساعتين، ويُحدِّثني في مسائل شتى لكي أتنور منها في حياتي السياسية"، وفى منفاه بجزيرة مالطا كتب في مذكراته "إن أعمال العنف في ثورة 1919 أمور تضر بقضيتنا".

بينما حكى خادمه الذي رافقه إلى القاهرة عندما كان يمارس المحاماة، أنه كان يُفْرط في التدخين، وأوقفه لما أثبت الأطباء ضرره على قلبه، حيث كان يحظر على زواره التدخين في مكتبه.

ولما أعياه الجهد والسن والمرض في السنوات الأخيرة من حياته، كان يعتكف في ضاحية تدعى مسجد وصيف.

تعلم زغلول الألمانية بمساعدة فريدا كابي الألمانية التي عاشت في منزله مترجمة ووصيفة لزوجته (غيتي)

الدراسة والتكوين العلمي

كان من نصيب سعد الالتحاق بالأزهر لأنه الولد الأكبر، وفقا لتقاليد الأسر القديمة في الأرياف. فكانت أولى خطواته إلى التعليم الديني، في الكُتَّاب الوحيد الذي كان موجودا في أبيانة، وتلقى به خلال 5 سنوات مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.

وامتاز الناشئ الصغير وهو في السادسة من عمره، وفق إفادة زميله أحمد زيدان، بذكائه ونجابته وقوة ذاكرته، إذ إن "لوحته" لم تكن تمرُّ على "الفقيه" إلا مرة واحدة ليصححها.

في 1870، التحق بالجامع الدسوقي -التابع للأزهر-، وتعلم أصول تجويد القرآن على يد المقرئ عبد الله عبد العظيم.

ولما بلغ 16 عاما، انتقل إلى القاهرة للدراسة بالجامع الأزهر، وظل 5 أعوام يقرأ الدروس المقررة ويتابع ما يلقى فيه من محاضرات لنخبة من كبار العلماء آنذاك. ودرس على يد محمد عبده، وقادته هذه التلمذة إلى دروس جمال الدين الأفغاني.

تميز الفتى سعد من أقرانه بنشاطه وإقباله على الدرس والتحصيل، لكنه غادر الأزهر في عام التخرج قبل أداء امتحان العالِمية.

بقي الطالب الأزهري مواظبا على حضور ندوات أستاذه محمد عبده بعد عودته من منفاه، وكانت مؤهلاته العلمية في ذلك الحين هي دراسته الشرعية وخبرته العملية في المحاماة.

سافر إلى باريس -وهو قاضٍ في الاستئناف حينئذ- حيث تعلم اللغة الفرنسية والعلوم التشريعية خلال 3 سنوات، وتقدم لامتحان الحقوق في باريس فنال الليسانس (البكالوريوس) بتفوق. ويؤخذ من شهادة تخرجه أن نتيجة امتحانه أعلنت يوم 9 يوليو/تموز 1897، وكان في الـ37 من عمره يومئذ.

تلخّص مشروع سعد زغلول في الاستفادة والتعلم من الاستعمار، ثم التفاوض معه والحلول محله، والضغط عليه في سبيل إتمام ذلك إن لزم الأمر
في يوم 28 يناير/كانون الثاني 1924 تولى سعد زغلول رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية (مواقع التواصل الاجتماعي)

في العقد السادس من عمره، تَعلَّم مبادئ اللغة الإنجليزية بما يكفيه لمطالعة الجرائد -كما قال- حين كان في المنفى. ثم تعلم الألمانية بمساعدة فريدا كابي الألمانية التي عاشت في منزله مترجمة ووصيفة لزوجته. وكان يقرأ عليها ما يطالعه من الكتب في هاتين اللغتين، فتصحح له لفظها، وتفسّر ما أشكل عليه فهمه.

عرف بضعف جودة خطه باللغة العربية، الذي لم يكن يتضح منه غير إمضائه، حتى إن محقق مذكراته، قال، إنه أمضى 13 ساعة في قراءة 5 كلمات من يومياته.

الحياة المهنية

نشط الطالب الأزهري في الكتابة في صحف ذلك العهد؛ مثل: جريدة مصر والتجارة، كما كان يوافي بكتاباته صحف المحروسة والبرهان، وألف كتابا بعنوان "في فقه الشافعية"، نفدت طبعته الأولى.

في أول مسيرته المهنية، عُيِّن في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1880 محررا بالقسم الأدبي في جريدة الوقائع المصرية الحكومية، مع أستاذه محمد عبده، الذي كان رئيس تحريرها، واستمر فيها 18 شهرا.

وبرز اسمه من بين كبار محرري الوقائع، إذ بدأ براتب شهري قدره 800 قرش وارتفع إلى 933 قرشا، ولم يقتصر عمله على كتابة المقالات ومراجعتها، بل كان يدرس أحكام المجالس الملغاة، وينبه إلى ما بها من أخطاء، ويكتب نقدا لها ويلخص معانيها، كما قال.

الأزهر الشريف56
كان من نصيب سعد زغلول الالتحاق بالأزهر لأنه الولد الأكبر وفقا لتقاليد الأسر القديمة بالأرياف (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلع ابن الأزهر (الجبة والقفطان والعمامة) وأصبح أفنديا بالزي الإفرنجي، حين وقع عليه الاختيار لوظيفة معاون بقلم تحرير الوقائع الرسمية في وزارة الداخلية، يوم 3 مايو/أيار 1882، براتب 15 جنيها في الشهر.

وفي 6 سبتمبر/أيلول 1882، عُيّن ناظرا لقلم قضايا مديرية الجيزة، وكان من وظائفه أن يصدر الأحكام في كثير من المواد الجزئية، كما قال، ثم فُصل من وظيفته، وصدر بحقه قرار الحرمان المدني لاعتقاله في الثورة العرابية.

اتجه إلى العمل الحر، فاشتغل محاميا وافتتح "مكتبا للدعاوى" مع صديق له يدعى حسين صقر في 1883، إذ لم تكن مهنة المحاماة تشترط لمن يمارسها -في ذلك الوقت- الحصول على أي مؤهلات، وكان حينها في الـ22 من عمره، كما روى في خطبة له يوم 15 أبريل/نيسان 1921.

عندما أصدر الاحتلال "جريدة المقطم" في 1888، تقدم لامتحان مهنة الصحافة واستصدر رخصة لجريدة باسم العدالة، لكن انخراطه في سلك القضاء في ذلك الحين منعه من أن ينفذ هذا العمل، كما جاء في كتاب "الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الإنجليزي".

ظل يمارس مهنة المحاماة نحو 10 سنوات وأصبح محاميا بارزا، فعُين نائب قاض بمحكمة الاستئناف الأهلية في 27 يونيو/حزيران 1892 براتب 45 جنيها في الشهر.

زعيم المصري سعد زغلول - الجزيرة الوثائقية
سعد زغلول تولى وزارة "العدل" في وزارة محمد سعيد باشا يوم 23 فبراير/شباط 1910 (الجزيرة)

بعد ذلك عُين قاضيا في 1898، وكان أول محام يُسند إليه ذلك المنصب، وانتخب عضوا في لجنة إصلاح قانون العقوبات وبسبب شهرته اختارته الأميرة نازلي وكيلا لأعمالها.

مكث في سلك القضاء 14 عاما، أحرز خلالها وسام "المتمايز" و"النوط المجيدي الثالث"، وارتقى إلى درجة مستشار، وجلس عضوا رئيسا في كل من دائرة الجنايات والجنح المستأنفة، وفي دائرة الجنايات الكبرى.

ثم عُين وزيرا للمعارف (التعليم) في وزارة مصطفى فهمي يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 1906، ثم في وزارة بطرس غالي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1908.

وتولى وزارة الحقانية "العدل" في وزارة محمد سعيد باشا يوم 23 فبراير/شباط 1910، وعندما سقطت في 1913، اعتزل المناصب الحكومية لـمدة 11 عاما.

وفي يوم 28 يناير/كانون الثاني 1924، تولى رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، عقب تصدّر حزبه أول انتخابات تشريعية، ومن 1926 إلى 1927 ترأس مجلس البرلمان.

وخلال مدة انشغاله بالسياسة، كان ينشر بغير إمضاء أو باسم مستعار مقالات في مجلة "القضاء الشرعي" و"البلاغ" و"كوكب الشرق"، وقليل منها كان يترجمه عن كتب أجنبية. ومقالات أخرى كان يوحي بفكرتها إلى سكرتيره محمد إبراهيم الجزيري ويراجعها قبل نشرها.

التكوين السياسي

تشكل الوعي السياسي للطالب الشاب، حين تشبّع بفكر جمال الدين الأفغاني، وأستاذه محمد عبده، الذي خاطبه في إحدى رسائله بعبارة "مولاي الأفضل ووالدي الأكمل"، وكان يصف نفسه بأنه "خريج حكم الأستاذ الإمام"، ويعترف بأن طريقة الأزهر في التعليم هي التي كونت شخصيته الاستقلالية.

وأصبح واحدا من دعاة الإصلاح بنشاطه وخطاباته في المجامع، وفي ثورته المبكرة التي أذكى روحها الأفغاني والإمام، فشبّ متمردا على الفساد والاستبداد، وتبدى ذلك في كل ما كان يكتبه، وهو طالب أزهري في مستهل صباه.

وساعدت حوادث عدة على بلورة شخصيته وصقل تجربته السياسية؛ ومن أهمها: هزيمة ثورة عرابي باشا في 1881، وما أعقبها من أمر اعتقاله، ثم اتُهم بتشكيل جمعية باسم "الانتقام" وسجن لفترة قصيرة، وبعدها دخل في مرحلة كمون سياسي.

إذ كان من نتائج إخفاق الثورة ظهور واقع سياسي جديد اصطلح عليه في ذلك الوقت "ازدواج السلطة"، سلطة شرعية شكلية، وأخرى فعلية ممثلة للاحتلال البريطاني، الذي بدأ في مصر في 1882.

كما كان للتحولات التي عرفها المجتمع المصري في النصف الثاني من القرن الـ 19، عظيم الأثر في تطوره السياسي، وكان منها ظهور ونشأة طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية التي انتمى إليها سعد المحامي، حين بادرت إلى شراء أراضي الدولة.

كان ترقي سعد زغلول في مناصب سلك القضاء مقدمة لدخوله في أوساط الطبقة الحاكمة (مواقع التواصل الاجتماعي)

الطريق إلى الطبقة الحاكمة

بدأت المرحلة الأولى في مسار سعد السياسي منذ 1883 وحتى 1906 مع مزاولته مهنة المحاماة، إذ كان ترقيه في مناصب سلك القضاء مقدمة لدخوله في أوساط الطبقة الحاكمة المصرية، وذلك حين توثقت صلته بصالون الأميرة نازلي فاضل، إذ تعرف إلى كثير من الأعيان وكبار الموظفين الإنجليز.

وبزواجه من ابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء الأسبق في عهد الإنجليز؛ كسر الحاجز الاجتماعي الذي كان يحول بينه وبين الاختلاط بالطبقة الأرستقراطية.

أما المرحلة الثانية فكانت من 1906 حتى 1913 وذلك مع توليه وزارتي المعارف والحقانية تحت إشراف الاحتلال، بعد الإشادة به من المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر، وكان بعض المصريين يرى في تحمله هذه المسؤوليات الرسمية خيانة للثورة العرابية ولدماء رفاقه.

وبمرور السنوات تموضع الوزير داخل البرجوازية المصرية المُعادية للخديوي والمتحالفة مع كرومر تحالفا مرحليا، وتوطّدت علاقته بالإنجليز، حتى وصفه حينئذ الصحفي البريطاني هولمي بيمان بأنه "ربما أفضل متعاون حصل عليه كل من كرومر وغورست".

وفي المرحلة الثالثة، كان من مقومات شعبيته أنه كان يفخر بأصوله الريفية على الرغم من اكتسابه ميزة الانتماء إلى الطبقة الحاكمة، وبهذا دخل انتخابات الجمعية التشريعية، وهي هيئة نيابية، وانتخب وكيلا "برلمانيا" في 1914، وأصبح زعيما للمعارضة، فقاد مجموعة أطلق عليها وصف "الدستوريين الوطنيين"، وتكونت من بعض المحامين والأعيان النواب.

زعيم الثورة

في يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، قابل وفد ثلاثي بزعامة سعد، المندوب السامي البريطاني لدى مصر "ريجلند ونجت"، لتبليغه مطالب حق مصر في الاستقلال، ثم أصبح الوفد هيئة تسمى "الوفد المصري" تشكلت من أعضاء الجمعية التشريعية، ويمثل أكثرهم طبقة كبار الملاك.

وحصلت الهيئة على توكيلات لهيئات نيابية ومواطنين من الشعب تخولها صفة المتحدث باسمها، ثم طلب زعيمها سعد من المندوب، ترخيص السفر إلى لندن للتباحث مع المسؤولين حول الاستقلال.

وفي مواجهة رفض الحكومة البريطانية، اتخذ يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، قرار حضور "مؤتمر الصلح" في باريس عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وبادر إلى إرسال برقية بذلك إلى رئيس الوزارة البريطانية.

في يوم 8 مارس/آذار 1919 أُلقي القبض على أعضاء الوفد ونُفوا إلى جزيرة مالطة، مما أدى إلى اندلاع الثورة في جميع أنحاء البلاد، فأُفرج عنهم وسمح لهم بحضور المؤتمر، لكنهم صدموا باعترافه بالحماية البريطانية على مصر.

ومن هناك توجه الوفد إلى لندن في يونيو/حزيران 1920، وخاض مفاوضات طويلة لم تسفر عن نتيجة. وتشكل وفد رسمي وزاري لقيادة مفاوضات أخرى، وعدّ الإنجليز أن نشاط سعد المستمر في تحريض الرأي العام ضد الحكومة وسلطات الاحتلال تسبب في إخفاقها.

حين رفض اعتزال العمل السياسي، نُفِيَ مع 4 من قادة الوفد مرة ثانية في ديسمبر/كانون الأول 1921، إلى سيشل في المحيط الهندي، ثم نقل بعد ذلك إلى جبل طارق لظروفه الصحية، ولم يُفرج عنه حتى 27 مارس/آذار 1923.

خلال فترة نفيه، صدر تصريح 28 فبراير/شباط 1922 بإلغاء الحماية من دون توقيع معاهدة تنص على الاستقلال التام لمصر (لم يرحل آخر جندي عن مصر حتى 1956).

وفي 12 يوليو/تموز 1924، نجا من محاولة اغتيال في طريق سفره في محطة قطار القاهرة إلى لندن، حين أخطأته رصاصات شاب مصري غاضب من مفاوضة الإنجليز على استقلال مصر.

الوزارة الأولى و الأخيرة

تولى سعد رئاسة الوزارة مرة واحدة في الفترة ما بين 28 يناير/كانون الثاني 1924 إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها، وذلك بعد أول انتخابات برلمانية جرت على أساس دستور 1923.

لكن حكومته لم تصمد طويلا، واستقال في 24 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، احتجاجا على إنذار بريطانيا له عقب مقتل السير "لي ستاك" السردار الإنجليزي بالسودان، وبذلك انتهى فعليا دور سعد السياسي الرسمي.

وتبعا لذلك، حلّ البرلمان وأجريت انتخابات جديدة، وفي أولى جلساته يوم 23 مارس/آذار 1925، فاز سعد بالرئاسة بشكل مفاجئ، مما أدى إلى استقالة الحكومة الجديدة، قبل أن تنجح الأحزاب في الائتلاف في 1926، وبمقتضاه تولى سعد رئاسة البرلمان حتى وفاته.

صورة2 البرلمان يسن تشريع لفصل الموظف الإرهابي-مجلس النواب المصري- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة (2)
حكومة سعد زغلول لم تصمد طويلا واستقال في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1924 (الجزيرة)

ومن المؤاخذات على وزارته -وفق الكاتب المصري عبد الرحمن الرافعي- أنها "كانت تضيق صدرا بالمعارضة سواء داخل البرلمان أو خارجه"، كما تعقبت صحف المعارضة بالتحقيق والمحاكمة.

وانتقد أحمد شفيق في حولياته سعد زغلول لأنه "لم يستأصل داء المحسوبية في تولي المناصب، وكان يجاهر بجعل الحكومة زغلولية، اسما ومعنى، كما ناقض كثيرا من آرائه التي صرح بها قبل أن يتولى رئاسة الحكومة، وارتضى لنفسه ما عارض فيه خصومه بشأن مواقفهم في مفاوضة الحكومة البريطانية".

وكان من المؤاخذات عليه بشكل خاص -حسب المؤرخين والباحثين- أنه دافع عن "قانون المطبوعات" الذي يضيّق ويَحُدّ من حريّة الصحافة، وعن مدّ امتياز قناة السويس لمدة 40 سنة جديدة، فيما يتفق مع الخط السياسي العام للحكومة في ذلك الوقت.

الوفاة

تُوفي سعد زغلول في 23 أغسطس/آب 1927 في القاهرة عن سن يناهز 68 عاما، وشُيع جثمانه بعد ظهر يوم 24 أغسطس/آب إلى قبره بالإمام الشافعي.

وبعد نحو 9 سنوات نقل جثمانه إلى ضريح سمي باسمه إلى جوار بيته الذي تحوّل إلى متحف "بيت الأمة"، وشُيّعت جنازته للمرة الثانية يوم 19 يونيو/حزيران 1936م.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان