الشهيد سامر أبو دقة.. مصور الجزيرة الذي اغتالته إسرائيل في غزة
سامر أبو دقة صحفي مصور وفني مونتاج في قناة الجزيرة بغزة، من مواليد عام 1978، عاش وترعرع في خان يونس، ورفض الخروج منها رغم تلقيه عروض عمل في الخارج، فبقي مرابطا في الميدان ينقل الحقيقة والخبر، ويوثق انتهاكات الاحتلال لأهله وبلده، حتى صار أحد أثمان عدوان "السيوف الحديدية" وأحد شهدائه، وبقي ينزف 6 ساعات دون تمكن سيارات الإسعاف من الوصول له، فارتقى شهيدا يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2023.
عرف بين زملائه بابتسامته التي لم تفارق وجهه، وبتفاؤله المستمر، وبشخصيته المحبوبة بين الجميع، وبطبيعته المرحة، بالإضافة إلى أدائه الإبداعي والمميز في الوسط المهني، وبرسالته الصحفية التي تمسك بها حتى آخر نفس، وكان دائما هو من يدفع الزملاء نحو إكمال إيصال الرسالة عند تعبهم من تغطية الأحداث.
المولد والنشأة
ولد سامر أبو دقة والملقب "أبو يزن" جنوب قطاع غزة عام 1978، وعاش وسكن بلدة عبسان الكبيرة قرب خان يونس التي استشهد فيها. له 3 أبناء وبنت يقيمون في بلجيكا بعيدا عن أبيهم الذي اختار البقاء للعمل الميداني في غزة.
وقبل أشهر من وفاته، زار أبو دقة عائلته في بلجيكا مخططا معهم أن يلم شملهم في غزة ويعودوا لأرض الوطن، ورغم محاولة إقناعه بالخروج منها في وضع الحرب الإسرائيلية عليها التي بدأت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنه رفض رغم الإقامة الأجنبية التي بحوزته وقال "لن أغادر"، وآثر الاستمرار في التغطية مؤكدا ذلك قبل استشهاده بيومين.
التجربة الصحفية
التحق بالجزيرة في يونيو/حزيران 2004، وعمل مصورا وفني مونتاج، ويعد من النواة الأولى التي أسهمت في تأسيس مكتب الجزيرة في فلسطين، وقاد الفريق التقني في مكتب الجزيرة في غزة، وتجاوزت مدة عمله في الجزيرة 20 عاما.
عمل معه الزميل تامر المسحال 8 سنوات في غزة، ورافقه في مهمات وعمليات صحفية خارج فلسطين، وغطيا سويا الأحداث في سوريا ومصر وغيرهما. ويقول عنه المسحال إنه جمع بين مهارتي التصوير والمونتاج، وكان متميزا جدا في التصوير، وبقي يغطي في الميدان طوال تجربته الصحفية بشجاعة فلا يخاف ولا يهاب حاملا على عاتقه مسؤولية نقل الحقيقة.
تميز بعدسته التي أخرجت صورا مميزة، وصوّرت تقارير إنسانية وأفلاما وغيرها من الإنتاجات الإعلامية لمنصات الجزيرة المختلفة، وكان يتابع ويشرف على الإخراج الفني لتقارير الجزيرة.
وأثناء تغطيته العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي بدأ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سامر أبو دقة لا يتوقف عن العمل، وكان حريصا على تغطية الأحداث طوال الوقت، فيحمل كاميراته بيده ويهرع لمكان الحدث، ويوثق الشهداء والانتهاكات من وسط الاستهدافات.
الاستشهاد
استشهد الزميل أبو دقة يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد أن ظل ملقى على الأرض ينزف ومحاصرا في محيط مدرسة فرحانة لـ6 ساعات، حيث لم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه إثر إصابته إلى جانب الزميل وائل الدحدوح خلال تغطيتهما قصفا إسرائيليا على المدرسة.
وووري الثرى صباح يوم السبت 16 ديسمبر/كانون الأول 2023 في خان يونس، وشيع جثمان أبو دقة أفراد من عائلته وزملاؤه ومحبوه في قطاع غزة.
واستهدف أبو دقة مع وائل الدحدوح أثناء مرافقتهما سيارة إسعاف كان لديها تنسيق لإجلاء عائلة محاصرة، وكان والزميل سامر يصوران حالة الدمار الكبيرة التي خلفها القصف الإسرائيلي، وتمكنت عدستهم من الوصول إلى مناطق لم تصلها أي عدسة كاميرا من قبل، وحتى الطوارئ والإسعاف لم يصلوا إليها.
وبعد انتهائهما من التصوير عاد أبو دقة والفريق الذي معه سيرا على الأقدام، لوعورة المنطقة التي لا يمكن للسيارات أن تسلكها، حتى باغتهم صاروخ مفاجئ، وتناثرت معداتهم وأصيبوا بشظايا، وبينما تمكن الدحدوح من السير مصابا لنهاية شارع بقي زميله سامر ينزف ملقى على الأرض، ولم تستطع سيارات الإسعاف الوصول إليه إذ استهدفتها قوات الاحتلال.
واستطاع أبو دقة التحرك لمكان آخر بعد إصابته الأولى، قبل أن تستهدفه طائرة استطلاع إسرائيلية للمرة الثانية فقتلته مباشرة مع عدد من المدنيين و3 من رجال الدفاع المدني.
وقال مكتب الإعلام الحكومي بغزة إن "جيش الاحتلال استهدف بشكل متعمد طاقم قناة الجزيرة للمرة الرابعة على التوالي في جريمة مكتملة الأركان ومخالفة للقانون الدولي"، داعيا الاتحادات الصحفية والهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية إلى إدانة هذه الجريمة.
وأضاف المكتب -في بيان- أن استهداف طاقم الجزيرة يأتي في إطار "ترهيب وتخويف الصحفيين"، واعتبره محاولة فاشلة لطمس الحقيقة ومنعهم من التغطية الإعلامية"، مؤكدا أن جيش الاحتلال قتل خلال الحرب على غزة 89 صحفيا واعتقل 8 آخرين وأصاب العديد منهم.
قالوا عنه
وعلى قبر أبو دقة، أدلى المراسل وائل الدحدوح بشهادة مؤثرة عن مسيرته، قائلا إنه كان من أكثر الزملاء إخلاصا لمهنته وللجزيرة "وفقدناه في فعل همجي (رغم أننا) كنا في مهمة رسمية موافق عليها وبتنسيق مباشر".
وقال الدحدوح إن العزاء الوحيد في رحيل المصور أبو دقة هو وجود زملاء له يحملون رسالته النبيلة ويستمرون في أداء الواجب بمهنية وشفافية.
وكتبت وزيرة الدولة للتعاون الدولي بالخارجية القطرية لولوة الخاطر، على حسابها في موقع إكس "صحفي آخر يُقتل وصوت آخر يُسكت"، مضيفة أن هذا هو أكبر عدد من الصحفيين الذين يقتلون في أي نزاع مسلح خلال هذا الوقت القصير.
وذكرت المسؤولة القطرية بأنه "عندما وقع الهجوم على (المجلة الفرنسية الساخرة) شارلي إيبدو احتشد زعماء العالم من أجل حرية التعبير "لكن من الواضح أنه لا يولد الصحفيون متساوين.. عزيزي سامر نعتذر لأننا لم نتمكن من حمياتك وتركناك وحدك تواجه ترسانتهم العسكرية الوحشية بكاميرتك فقط.. لقد خدعونا وأخبرونا أن الكلمات أقوى من البنادق، وقد كانت حياتك وحياة عشرات الصحفيين ثمنا لندرك أن هذا مجرد كذبة.. لترقد روحك في سلام".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مصور يعمل لصالحها في غزة عبارات إطراء للزميل الشهيد حيث قال "اقتربت خلال الحرب من أبو دقة، وكنا نمضي وقتا معا في مستشفى الناصر، هو دائم الابتسام والجميع يحبه".