الأسير محمود العارضة.. قائد عملية الهروب الكبير

محمود العارضة أمير أسرى حركة الجهاد الإسلامي في سجون الاحتلال، وهو بطل عملية "نفق الحرية". ولد عام 1975، واعتقل مرتين، وفي المرة الثانية حكم عليه بالسجن المؤبد و15 عاما، وحاول الهروب من سجنه عدة مرات، كانت آخرها في سبتمبر/أيلول 2021.

أُعيد اعتقاله بعد 4 أيام من الهروب، وتعرض لتحقيق شديد اعترف فيه بمسؤوليته الكاملة عن التخطيط وتنفيذ العملية من دون دعم خارجي. وتمت محاكمته وأضيفت لسنوات اعتقاله 5 سنوات أخرى.

المولد والنشأة

ولد محمود عبد الله علي العارضة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 1975 في بلدة عرابة شمال مدينة جنين، التي تقع في أقصى شمال الضفة الغربية في فلسطين، لأبوين فقيرين، ونشأ مناضلا منذ صغره كما وصفته والدته فتحية العارضة.

وينحدر محمود من عائلة مناضلة، فشقيقه أحمد اعتقل 21 عاما، وشقيقه رداد اعتقل مدة 19 عاما، وشقيقه شداد أمضى بضع سنوات داخل السجون، فضلا عن شقيقته هدى، الأسيرة المحررة التي تعيش في غزة، وتقول والدته فتحية إن منزلهم كان مأوى وملاذا للمقاومين الفلسطينيين إبان الانتفاضة الأولى.

وكان العارضة طيبا، حسن الخلق ومحبا للجميع، ومقبلا بنهم على المطالعة والبحث، كما وصفته عائلته وأقرانه. لكن نشأته في ظل الاحتلال الإسرائيلي لبلده قد رسمت له مسارا آخر لا يشبه بحال حياة أبناء جيله في بلدان مستقرة أخرى.

الدراسة والتكوين العلمي

لم تثْنِ فترةُ السجن والاعتقال الشاب الثائر عن مواصلة دراسته وتحصيله الأكاديمي، فقد تقدم العارضة لامتحانات الثانوية العامة أثناء سجنه واجتازها بنجاح، ثم تفرغ لدراسته الجامعية، وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص التربية الإسلامية، ووصفه رفاقه في السجن بأنه كان قارئا نهما، ومثقفا واسع الاطلاع.

جدارية للأسيرين محمود العارضة وزكريا الزبيدي (الجزيرة)

وفي فترة سجنه أيضا أتم حفظ القرآن الكريم كاملا، وكان مواظبا على العبادات اليومية، ومتعاونا مع رفاقه في السجن على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، وصاحب نخوة يفزع إلى قضاء حاجات إخوانه في السجن. وكان قائدا وحدويا، مترفعا عن القضايا الحزبية والفئوية الضيقة، ويولي السجناء الأشبال عناية خاصة على الرغم من فارق السن.

وكان إلى هذا كله خفيف الظل طيب العِشْرة مرحا، ورياضيا متمرسا، وذا همة ثابتة تسعى إلى الحرية دون كلل، ترك لروحه التواقة للانطلاق فرصة التحليق في فضاءات الحرية.

الاعتقال

تعرض العارضة للاعتقال يافعا، إذ اندلعت في فترة صباه أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان من المشاركين بفعالية في كل يومياتها، فرمى الحجارة والعبوات الحارقة "المولوتوف"، وأقام الحواجز وأشعل الإطارات، إلى أن اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى عام 1991، وحكمت عليه بالسجن 4 سنوات، على الرغم من طفولته.

ممكن تبدؤوا بكومبوا للأسرى الأربعة الذين تم القبض عليهم(زكريا الزبيدي ومحمد العارضة ومحمود العارضة ويعقوب قادري
من اليمين الأسرى: زكريا الزبيدي ومحمد العارضة ومحمود العارضة ويعقوب قادري (مواقع التواصل)

أُفرج عنه أواخر عام 1994، بعد أن أمضى 44 شهرا في سجون الاحتلال، وعلى الرغم من سجنه لم يغير خط سيره المقاوم، فانضم إلى حركة الجهاد الإسلامي، ومن خلالها نفذ عدة هجمات ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، أسفرت إحداها عن مقتل مستوطن.

وقُبِض عليه مجددا عام 1996 وقُدم للمحاكمة، فحُكم عليه بالسجن المؤبد، إضافة إلى 15 سنة أخرى. وفي هذه الفترة تبلورت شخصيته القيادية وانتماؤه التنظيمي، فبات محمود العارضة أحد أبرز قيادات أسرى حركة الجهاد الإسلامي، وانتخب عضوا في الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة، ونائبا للأمين العام للهيئة.

الهروب الكبير

حاول محمود الهرب مرتين عام 2014 عندما كان مسجونا في سجن "شطة"، القريب من سجن "جلبوع"، لكن المحاولتين اكتشِف أمرهما، وعوقب العارضة بالعزل الانفرادي لأكثر من عام بعد الأخيرة منهما.

أما عملية "الهروب الكبير" من سجن "جلبوع" شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد حدثت في السادس من سبتمبر/أيلول 2021، ونفذها محمود العارضة مع 5 من رفاقه.

ويعدّ سجن جلبوع الذي هربوا منه أكثر المنشآت تأمينا، وتسميه الشرطة الإسرائيلية "الخزنة"، لشدة تحصينه وحراسته البشرية والإلكترونية.

والمناضلون الستة الذين نجحوا في اجتياز "نفق الحرية" هم: محمود العارضة وقريبه محمد قاسم العارضة وأيهم نايف كممجي ويعقوب قادري ومناضل نفيعات وهم من حركة الجهاد الإسلامي، ويضاف إليهم زكريا الزبيدي القيادي في كتائب الأقصى التابعة لحركة التحرير الفلسطيني (فتح).

وفي تفاصيل هذه العملية المعقدة، فقد حفر المقاومون، باستخدام أدوات معدنية بسيطة حفرة في أرضية زنزانتهم، أفضت إلى تجويف أسفل السجن بين أعمدة الأساسات الخرسانية، وقاموا بإكمال حفره أفقيا ليتجاوز جدار السجن السميك، إلى طريق ترابي خارج سياج السجن، بجانب أحد أبراج المراقبة.

ولم تنطلق صفارات الإنذار في السجن، ولا علمت الشرطة بالنقص في عدد السجناء إلا بعد أن تلقت شكاوى متعددة من سكان المناطق المجاورة للسجن، تفيد بوجود أشخاص غرباء ومشبوهين في الحقول المجاورة، أطلقت بعده الشرطة وقوات حرس الحدود الإسرائيلية حملات تفتيش مكثفة للإمساك بالسجناء الفارين.

وبعد اجتيازهم النفق تجمع المناضلون في مسجد قرية الناعورة، قبل أن يتفرقوا من بعده في الحقول المجاورة، وقد جاء على لسان محمود العارضة، الذي أعيد اعتقاله وزميله محمود قادري بعد 4 أيام من رحلة الحرية المضنية، أنهما لم يتمكنا من دخول أراضي الضفة الغربية لوجود تعزيزات أمنية غير اعتيادية على جميع المعابر، وأن أمرهما اكتشف صدفة من قبل دورية شرطة.

إعادة الاعتقال والمحاكمة

تعرض الأسير محمود العارضة لأبشع صنوف البطش والتنكيل والتعذيب بعد إعادة اعتقاله في 10 سبتمبر/أيلول 2021، وعمل المحققون على تعذيبه نفسيا وجسديا من أجل الحصول على اعترافات عن عملية الهروب، ومن خطط لها أو قدم دعما لوجستيا لأبطال نفق الحرية.

وجاءت اعترافات العارضة- بحسب عدد من المحامين- أنه هو صاحب فكرة النفق، ولم يتلق أي دعم من خارج السجن، أو حتى من نزلاء الزنازين الأخرى، وأضاف أنه هو وزملاؤه طلابُ حرية من سجون احتلال غير شرعي، وأنهم فخورون بما قاموا به وغير نادمين، ونفى التهم التي واجهته بها المحكمة.

وجاءت تصريحات العارضة في قاعة المحكمة في الناصرة في أبريل/نيسان 2022 صادمة وواضحة، وعلى الرغم من محاولات الشرطة إسكاته بكل الطرق، وتشتيت وسائل الإعلام عن الاستماع لما يقول، فإنه نجح في إيصال صوته للعالم.

ومما قاله محمود العارضة "أردنا أن نقول للعالم إن هذا الوحش هو وهم من غبار"، وأضاف "فخور بما عملت لأنني إنسان، والإنسان دون حرية ليس إنسانا، أنا تحت الاحتلال، ومن حقي أن أتحرر بكل الطرق، وأنتم محتلون لأرضنا ومقدساتنا، ومن حقنا كشعب أن نكون أحرارا".

محمود العارضة وشيرين أبو عاقلة

جاءت جلسة النطق بالحكم فيا 22 مايو/أيار 2022، وحُكم على محمود العارضة بـ5 سنوات جديدة، تضاف إلى 99 عاما كان محكوما بها سابقا. وجاءت هذه الجلسة بعد 11 يوما من اغتيال صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي.

وفي قاعة المحكمة، وعندما رأى العارضة طاقم الجزيرة طلب منهم إرسال رسالة تأبين لذوي شيرين بعنوان "شيرين هي النص المكتوب أمام زيفهم المكذوب".

وكانت الفقيدة شيرين أبو عاقلة زارت منزل الأسير العارضة بعد إعادة اعتقاله، وقدمت لوالدته "مرطبانا" من العسل قالت إنه هدية لها من محمود، ولا تزال أم محمود تحتفظ بالعسل، الذي يذكرها بابنها وبالفقيدة شيرين.

ولا يزال الزائرون لمنزل محمود العارضة يحرصون على تقديم العسل فقط، هدية لوالدة السجين، المحرومة من رؤيته.

المؤلفات والإنجازات

على الرغم من تنقله بين عدة سجون صهيونية، وخضوعه للعزل الانفرادي فترات طويلة أثناء سجنه، وحرمانه من الزيارات العائلية، ومنْع إدخال الكتب والأوراق والأقلام إلى زنزانته مرات متكررة، فإنه كان دائم المطالعة والدراسة، حريصا على تثقيف نفسه وصقل أفكاره، فأثمرت جهوده عددا من الأعمال الفكرية والأدبية، وهي:

  • كتاب فقه الجهاد.
  • كتاب تأثير الشيخ الغزالي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، منهجا وفكرا.
  • رواية "الرواحل".
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان