العشائر العربية في منطقة دير الزور وما حولها
العشائر العربية في منطقة دير الزور وما حولها هي قبائل تسكن مناطق مختلفة من الجزيرة الفراتية، وتتوزع في مناطق مختلفة منها، ويعود تاريخها هناك إلى عصور قديمة، وهاجرت من اليمن والجزيرة العربية وانتشرت في العراق وسوريا حول نهر الفرات.
كان لهذه القبائل دور سياسي كبير في المنطقة نتيجة لسيطرتها عليها وامتدادها فيها وموالاتها للحكومات التي تعاقبت على المنطقة. ومن أهم هذه العشائر العقيدات والبكارة وشمر وطيّئ.
الموقع والجغرافيا
تقع محافظة دير الزور على حدود شرق سوريا، ويقسمها نهر الفرات إلى قسمين قبل دخوله الأراضي العراقية، وتعد جزءا من الجزيرة الفراتية التي يطلق عليها اسم "الجزيرة"، وهي تشمل محافظات الشمال الشرقي السوري الرقة ودير الزور والحسكة، إضافة إلى مناطق في شمال غرب العراق وجنوب شرقي تركيا.
وتنقسم محافظة دير الزور إلى 3 مناطق إدارية هي دير الزور والميادين والبوكمال. وهذه المناطق مقسمة إلى 14 ناحية و25 بلدة و76 قرية. ويعيش غالبية السكان في مناطق الأراضي الزراعية الخصبة على ضفاف نهري الفرات والخابور.
التاريخ
يعود وجود العنصر العربي في منطقة "الجزيرة" إلى عصور قديمة، حين هاجرت إليها قبائل عربية من اليمن وجنوب الجزيرة العربية وانتشرت في العراق وبلاد الشام، فيما وعبرت مجموعات منها صحراء سيناء باتجاه الشمال الأفريقي.
وهاجرت قبائل من بكر وربيعة ومضر وتلتها قبائل من تغلب ونمر وبعض قبائل قضاعة وتميم. وكانت أسباب الهجرات في غالبها بحثا عن الكلأ والماء وهربا من قسوة الصحراء؛ إذ آثرت المجموعات المهاجرة حياة الاستقرار الوادعة في هذه الحواضر ووسائل الكسب التجاري والزراعي على حياة الترحال والرعي والصيد والغزو.
ثم تطورت أسباب الهجرات وتغيرت التراكيب الاجتماعية في منطقة "الجزيرة" تبعا للممالك التي حكمتها، ففي الجاهلية قبل ظهور الإسلام، وفي العهدين الراشدي والأموي من صدر الإسلام كان العنصر العربي أشد سطوعا في هذه المناطق. وفي أواخر الدولة العباسية دخل العنصر الفارسي، ثم التركمان والأكراد والأرمن والشركس في أيام الدولة العثمانية.
وكانت علاقة القبائل العربية بالدولة العثمانية علاقة منفعة متبادلة، فقد أوكلت الدولة إلى القبائل تأمين الصحراء مقابل دعم يقدم عبر طريقتين الأولى مادية بالمال والهدايا والثانية معنوية من خلال صنع رموز من بعض الأفراد بالقبائل. إلا أن قسما كبيرا من هذه القبائل دعمت جهود "الثورة العربية" ضد الدولة العثمانية.
وبعد سقوط الخلافة العثمانية وسيطرة الاستعمار الفرنسي على سوريا زادت العلاقة النفعية بين القبائل والسلطة. فركز الانتداب الفرنسي على شراء الولاءات مقابل امتيازات يقدمها لشيوخ القبائل، منها تسجيل أراض واسعة بأسمائهم بهدف توطينهم.
ثم عمد إلى تغيير تصنيف القبائل العربية إلى قبائل رحّل يسمح لها بحمل السلاح، وقبائل شبه رحّل لا يسمح لها بالتسلّح.
وبذلك وقفت القبائل على الحياد ولم تقاوم الانتداب، باستثناء بعض المحاولات القليلة. مما سبب عدم رضى أبناء المدن عن القبائل وفعلها. ودفع البرلمان السوري إلى إلغاء قانون العشائر الذي وضعه الفرنسيون ويهدف لإقامة دولة بدوية داخل الدولة السورية. كما عمل البرلمان على إصدار مرسوم سُمّي مرسوم العشائر يهدف إلى تحويل البدو الرحل إلى مجتمع مستقر.
وقد كرس الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر خلال فترة الوحدة مع سوريا فكرة إلغاء الهوية القبلية المستقلة. فأصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 عام 1958، الذي حدد الحد الأعلى لملكية الأراضي.
كما أصدر قوانين أخرى تنظم حياة الفلاحين وأصحاب الأراضي. وأُنشئت الجمعيات الزراعية وانضم إليها الفلاحون. ثم صدر تعديل للقانون بالمرسوم رقم 88 عام 1963، وكان التعديل يتضمن تغيير الحد الأعلى للملكية من مكان إلى آخر.
وأسهم هذا كله في تحجيم سلطة شيوخ القبائل، مما دفعهم إلى الهجرة خارج سوريا، وزاد الأمر بعد وصول حزب البعث إلى الحكم؛ إذ نفذ الحزب إصلاحا زراعيا جرد فيه شيوخ القبائل من ممتلكاتهم، فزادت الهجرات، إضافة إلى محاولات الحزب للقضاء على كل مظهر قبلي من خلال إصدار قانون يمنع لبس العقال، ويرسخ النظر إلى القبيلة على أنها بنية متخلفة ينبغي تفتيت رموزها.
وعند وصول حافظ الأسد إلى لحكم غير منهجية التعامل مع القبيلة، فأعاد للرموز القبلية بعض احترامها ومكانتها، ومنح شيخ العقيدات وشيخ البكارة وشيوخا آخرين مقاعد في البرلمان، واعتمد عليهم في مواجهة الإسلاميين، وشكل منهم فصائل مسلحة ووعدهم بمراجعة القرارات المتعلقة بالزراعة.
كما حاول الأسد تغيير ديمغرافية بعض المناطق التي يمثل الأكراد المكون الأكبر فيها من خلال توطين عشائر في المكان ذاته. مثل توطين عشائر "البوشعبان" في قرى يمثل الأكراد فيها نسبة واسعة، وبعد عام 1982 زادت نسبة أبناء القبائل في البرلمان السوري لتصل إلى 10%، كما زاد وجودهم في الوزارات والداخلية والفروع الأمنية.
وفي عهد بشار الأسد أصبح رجال الأمن الذين ينتمون للقبائل يفاخرون بانتمائهم، وحاولوا من خلال مناصبهم توطيد علاقة مجتمعاتهم القبلية بالنظام. واعتمد عليهم النظام في قمع انتفاضة الأكراد عام 2004، لكن السياسات المتبعة أضرت بمجتمع القبائل في شرق سوريا، إذ ضرب الجفاف المنطقة عامي 2007 و2008، وفشلت سياسات ترشيد الري وسمح بالاستثمار الزراعي من دون حد لملكية الأراضي، كما سمح لشركات من جنسيات أخرى بالمشاركة في صناعة المواد الغذائية، وقد أدى إلى تصنيف منطقة الجزيرة عام 2010 أفقر منطقة في البلاد، وزعزع هذا الوضع علاقة القبائل بالنظام.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 تباينت مواقف القبائل بين مؤيد للثورة ومعارض لها. وانضم قسم من القبائل إلى الثورة ودعمها، في حين تبنى قسم آخر موقف النظام وسمى ما حدث مؤامرة وأجندات خارجية.
وقد بدت في كل قبيلة 4 مواقف هي: الولاء للنظام، والولاء لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، والولاء للجيش الوطني والولاء لهيئة تحرير الشام. وفي كل منطقة نفوذ قبلي توجد مجالس للعشائر تحتكم إلى شيوخ العشائر، ولكل قبيلة مجلس خاص بها.
ولكن معظم شيوخ العشائر أعطوا ولاءهم للنظام ما عدا شيخ قبيلة شمر الموالي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" وشيخ العكيدات الذي اتخذ موقفا حياديا من الجميع، ثم في وقت لاحق صرح بعداوته لـ"قوات سوريا الديمقراطية". وعلى الرغم من مشاركة أبناء القبائل الفاعلة في الثورة ضد نظام الأسد، فإن تلك المشاركة أتت من دوافع شخصية بعيدة عن الموقف الرسمي للعشائر.
القبائل والعشائر العربية
ومن أهم القبائل العربية التي تسكن منطقة دير الزور، وتنتشر في باقي مناطق الجزيرة الفراتية بتركيز متفاوت:
قبيلة العقيدات (العكيدات)
تعدّ قبيلة العقيدات من أكبر وأهم القبائل في منطقة شرق الفرات، وهي الكبرى في محافظة دير الزور، وتنتشر على ضفتي نهر الفرات وصولا إلى البوكمال، ومن البصيرة حتى مركدة على ضفتي نهر الخابور.
وتتفرع القبيلة إلى 3 فروع هي بو جامل "كامل" وبو جمال "كمال" والزامل "شعيطات"، وتربطها ببعض القبائل علاقات قرابة مثل قبائل البوليل والبوحردان.
وينحدر بيت المشيخة لقبيلة العكيدات من البوجامل، وتتكون القبيلة من عدد من العشائر منها البكير وعشائر الثلث والبورحمة والقرعان والبوحسن.
والعقيدات من أولى القبائل التي ثارت في وجه النظام بشكل جماعي، من دون أن يعني ذلك عدم وجود جماعات موالية له، ولا سيما أن عددا كبيرا من أفراد القبيلة يعملون في المجال العسكري في الدولة.
وأدّت القبيلة خلال الثورة أدوارا عسكرية وسياسية مختلفة، وشكلت مجموعة كبيرة من الفصائل، انضم كثير منها إلى الجيش السوري الحر (الموالي للثورة)، وقد قتل كثير من أبناء دير الزور في مذابح بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقد عانت القبيلة شتى أنواع التهجير خلال الثورة بأيدي النظام السوري، ثم تنظيم الدولة الإسلامية وأخيرا "قوات سوريا الديمقراطية"، كما نجحت هذه القوات وكذا قوات النظام في استقطاب عدد كبير منهم على خلفية المجازر التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في حق عشيرة الشعيطات إحدى أبرز عشائر العقيدات.
ومن عشائر العقيدات عشيرة البوسرايا، وتنتشر على الجانب الأيمن لنهر الفرات بين مدينة دير الزور وبلدة التبني، وفي بلدات وقرى شرقي مدينة دير الزور، مثل قرية بقرص التي تبعد 10 كيلومترات غرب الميادين و30 كيلومترا جنوب شرق مدينة دير الزور، وقد استقر قسم كبير من العشيرة واستقر في محافظة الرقة، حيث مركز المدينة وحي الخربة.
قبيلة البقارة (البكارة)
البقارة عشيرة عربية معروفة تنتشر في معظم أنحاء سوريا، وتعتبر منطقة دير الزور مركز ثقلها، وتنقسم إلى قسمين أساسيين: بقارة الزور وتقطن على ضفاف الفرات من الجهة الشرقية، وبقارة الجبل وتسكن جبل عبد العزيز في محافظة الحسكة، وللقبيلة انتشار في مناطق رأس العين وتل أبيض وتل تمر والحسكة.
وكما فعل معظم القبائل أيّد قسم من أبناء القبيلة الثورة، ووقف قسم كبير منهم إلى جانب النظام، وانضوى قسم آخر منهم تحت سلطة الحركات المسلحة الكردية.
قبيلة شمر
وتعد من أهم القبائل التي أدت أدوارا سياسة مهمة في منطقة الجزيرة الفراتية في مراحل مختلفة منذ العهد العثماني، وهي من آخر القبائل عهدا بالبداوة، كنظيرتها عنزة، قبل أن تتحول كلتاهما إلى الاستقرار الزراعي في الثلاثينيات من القرن المنصرم. وقد هاجرت قبيلة شمر من نجد في أواسط القرن السابع عشر بدءا من سنة 1640.
تنتشر قبيلة شمر في محافظة الحسكة بشكل رئيسي، وتحديدا مناطق ناحية اليعربية التابعة لمنطقة المالكية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، وقبيلة شمر اليوم قليلة العدد مقارنة بباقي القبائل، لكنها تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة وخارجها.
قبيلة طيّئ (طي)
ويتركز وجود قبيلة طيّئ اليوم في منطقة القامشلي وريفها الشرقي والجنوبي، وقسم منها في ناحية الشيوخ التابعة لعين العرب.
وتتشكل طيّئ من حلف قبلي يضم عشائر العساف والحريث واليسار والجوالة والراشد وبني سبعة وحرب والغنامة والبوعاصي، إضافة إلى فرع من المعامرة وكذلك فرع من البقارة.
وهنالك قبائل وعشائر أخرى تقطن في منطقة الجزيرة الفراتية الشاسعة بأعداد متفاوتة، ويصعب حصرها بسبب تشعّبها وتداخلها، مثل: قبيلة المَشاهدة، والمَجاودة، والجبور، والمعامرة والنعيم والخرشان.
المكونات القومية والعِرقية الأخرى
يتركز الأكراد في أقصى الشمال الشرقي من سوريا في 3 مناطق ضمن الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق من أهمها منطقة الجزيرة بمحافظة الحسكة، وعفرين بشمال حلب، وعين العرب (منطقة كوباني).
وتوجد في منطقة الجزيرة نسبة لا بأس بها من الأرمن والشركس، وقد نزحوا إلى منطقة الجزيرة الفراتية إبان حكم العثمانيين. وهنالك أيضا نسبة من المسيحيين العرب، إضافة إلى أقليات من الآشوريين والكلدان والإيزيديين والتركمان.
صور التعايش وجذور الصراع
يمكن القول إن مكونات مجتمع "الجزيرة" الفراتية، كانت إلى عهد قريب تعيش حالة من التراضي والعيش المشترك، واستمر ذلك الوضع عموما حتى تفككت الدولة العثمانية، وقُسِّمت المنطقة إلى دويلات حديثة بموجب معاهدات المحتلين. ومنذ ذلك الحين أخذ الصراع منحى طائفيا وعرقيا.
والحقيقة أن هذا الغطاء العرقي جاء ليخفي وراءه الوجهَ القبيح للسياسة الإمبريالية، التي تهدف إلى السيطرة على الأرض والموارد والثروات، والتحكم في طرق الإمداد العالمية في هذه البقعة الإستراتيجية بين شرق الكوكب وغربه.
تغير موقف العشائر
بعد أن كانت العشائر في حالة تحالف مع "قوات سوريا الديمقراطية" انقلب التحالف إلى قتال مسلح في نهاية أغسطس/آب 2023 بسبب اعتقال قوات سوريا الديمقراطية قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، فبدأ المقاتلون الموالون له شنّ هجمات على قوات سوريا الديمقراطية، وأدى ذلك إلى اشتباكات اشتركت فيها العشائر العربية.
وكان التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قد أشرف على إنشاء وتسليح "قوات سوريا الديمقراطية"، وأشرفت هي كذلك على تجنيد عناصر تابعة لعشائر عربية في الريف الشرقي من محافظة دير الزور.
كما أن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع استغلال التركيبة العشائرية في محافظة دير الزور لمصلحته، واستفاد من الخلافات بين العشائر على النفط والنفوذ، ومن نهج بعض العشائر التي توالي الأقوى. واستمال قسما آخر يتمتع بنفوذ في المنطقة، كان يرفض نهج التنظيم وسلوكياته.
وتمكن التنظيم، مستفيدًا من الانتصارات التي حققها في العراق بالتنسيق مع العشائر العراقية، من فرض سيطرته شبه المطلقة على دير الزور، خصوصا أن هناك تداخلا بين عشائر محافظة دير الزور وعشائر العراق.
هذا الإضافة إلى ما خلفته سياسة التنظيم من سحب لسلاح العشائر وتهجير لشبابها الثائر نحو إدلب وحلب، وقد اتُّهم التنظيم بارتكاب مجازر في حق أبناء العشائر، ولا سيما أبناء عشيرة "الشعيطات" أحد أفخاذ العكيدات بشرق دير الزور.
الموقف الإقليمي والدولي
لا تخفي مجمل القوى الحاضرة في المشهد السوري اهتمامَها الكبير بثروات منطقة "الجزيرة" من النفط والغاز والمنتوجات الزراعية، ولا تُغفِل هذه القوى الموقع الجيوسياسي المؤثر لهذه المنطقة، الواقع بين أهم القوى الإقليمية ممثَّلة بتركيا وإيران. ويمكن إيجاز مواقف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في منطقة الجزيرة الفراتية السورية كما يلي:
- موقف أميركا والتحالف الدولي الذي يهدف إلى كسر شوكة "التنظيمات الإرهابية" وفي مقدمتها تنظيم الدولة، ويعمد في سبيل ذلك إلى تقوية العنصر الكردي ذي النزعة الانفصالية، واستمالة بعض الأطراف العربية ذات التوجهات الرأسمالية.
- موقف روسيا وإيران والنظام السوري، وهؤلاء يحاولون استمالة التجمعات العربية المحافِظة، من أجل التصدّي "للمشروع الإمبريالي الأميركي" في المنطقة.
- موقف تركيا: تَعتَبِر تركيا "قواتِ سوريا الديمقراطية" بمنزلة امتداد طبيعي لحزب العمال الكردستاني، عدوِّ تركيا اللدود، ومن ثم فإن الدولة التركية تعدّ النفوذ الكردي مصدر تهديد حيوي لها، وتدفع لأجل ذلك باتجاه تقوية التجمعات العربية، ومساعدتها لوجستيا وعسكريا للحد من خطر القوات الكردية في الشمال السوري.