الحكم الشمولي.. نظام سياسي لا يقبل وجود معارضة للحكومة وتسيطر فيه الدولة على كل جوانب الحياة

الشمولية أو الحكم الشمولي هو نظام سياسي يرتكز على وجود حكم الحزب الواحد ولا يقبل وجود معارضة سياسية في البلاد، وتكون فيه للدولة سلطة كاملة على المجتمع وتسعى للسيطرة على جميع جوانب الحياة العامة، والخاصة أيضا إذا دعت "الضرورة" إلى ذلك.
وظهر مفهوم الشمولية لأول مرة بمعناه "الإيجابي" خلال عشرينيات القرن الـ21 من قِبل الفاشيين، وأصبح متداولا بشكل كبير في الخطاب السياسي الغربي المناهض للشيوعية خلال حقبة الحرب الباردة لتسليط الضوء على أوجه التشابه بين ألمانيا النازية والأنظمة الفاشية من جهة، والشيوعية السوفياتية من جهة أخرى.
السياق التاريخي
مفهوم الشمولية أو السلطة السياسية "الكلية" للدولة، هو مصطلح سياسي صاغه الصحافي والسياسي الإيطالي "جيوفاني أمندولا" (Giovanni Amendola) عام 1923، ووصف به النظام السياسي للفاشية الإيطالية، الذي يختلف اختلافا جوهريا عن نظام الدكتاتوريات التقليدي.
وتم تداول المصطلح لاحقا بمعنى إيجابي في كتابات الفيلسوف الإيطالي "جيوفاني جنتيلي" (Giovanni Gentile)، المنظر الرائد للفاشية، حيث استخدم مصطلح "totalitario" (شمولي) للإشارة إلى هيكل وأهداف الدولة الجديدة، وكانت الدولة الجديدة في منظوره "ضمان التمثيل الكلي للأمة والتوجيه الكامل للأهداف الوطنية".
ووصف "جنتيلي" الشمولية بأنها مجتمع تكون فيه أيديولوجية الدولة مؤثرة على أغلب مواطنيها، ووفق الزعيم السياسي الإيطالي بينيتو موسوليني فإن هذا النظام يُسيّس كل شيء روحيا وبشريا، وهو القائل "كل شيء مع الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة".
الفرق بين الشمولية والسلطوية
هناك فرق بين مفهومي الشمولية والسلطوية، أو بين النظامين الشمولي والسلطوي، على الرغم من كونهما معا يشكلان نوعا من أشكال الاستبداد، فالشمولية هي نسخة متطرفة من السلطوية، حيث إن النظام الشمولي يهدف إلى السيطرة فعليا على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك التعليم والفن والحياة الخاصة للناس.
كما أن الأيديولوجية السياسية للنظام الشمولي تسعى إلى التغلغل داخل البنية المجتمعية، وتسمح بذلك للدولة بالتحكم الكامل في أنشطة المواطنين، ومن ثم توجيه أفكارهم.
أما النظام السلطوي فيعني أن الدولة يكون فيها صاحب السلطة الوحيد فردا دكتاتورا، أو طغمة عسكرية أو مجموعة صغيرة من النخبة السياسية تحتكر السلطة في البلاد، لكنه يتميز عن النظام الشمولي من خلال وجود مؤسسات اجتماعية واقتصادية لا تخضع بالضرورة لسيطرة الحكومة.

أيديولوجية الأنظمة الشمولية
خلال الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ظهرت أنظمة سياسية جديدة في كل من إيطاليا وألمانيا والاتحاد السوفياتي، ففي إيطاليا تولى موسوليني السلطة في سنة 1922.
وفي الاتحاد السوفياتي بعد وفاة "فلاديمير لينين" (Vladimir Lenin) في يناير/كانون الثاني 1924، تولى الحكم "جوزيف ستالين" (Joseph Stalin)، الذي قضى حينها على جميع خصومه المحتملين، وأصبح بلا منازع سيد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية سنة 1928.
وفي ألمانيا -التي كانت آنذاك تعاني من كساد عظيم جراء مخلفات الحرب العالمية الأولى- مكنت الدفعة الانتخابية القوية زعيم الحزب النازي، "أدولف هتلر" (Adolf Hitler)، بتعيينه مستشارا للجمهورية الألمانية، في 30 يناير/كانون الثاني 1933 من قبل الرئيس السابق "بول فون هيندنبورغ" (Paul von Hindenburg).
هؤلاء الرؤساء الثلاثة فرضوا نظاما سياسيا شموليا على بلدانهم، وأصبحت هذه الدول تهدف إلى مطالبة المواطنين بالطاعة الكاملة والتحكم في حياتهم الخاصة وتوجيه أفكارهم من أجل تشكيل مجتمع جديد.
وقد عملت هذه الأنظمة الثلاثة على تبني أيديولوجية سياسية معينة، لتبرير طريقتها الشمولية في ممارسة الحكم.
الفاشية.. أيديولوجية الدولة والأمة
الفاشية هي نظام سياسي استبدادي يوحد الشعبوية والقومية والشمولية في خدمة الأهداف العامة للدولة، وكان هذا النظام دائما مهووسا بأسطورة الأمة الموحدة، مع الحنين إلى إيطاليا العظيمة والرغبة في إحياء الإمبراطورية الرومانية.
وكانت فاشية إيطاليا تهدف إلى جعل الدولة مسيطرة على جميع أنشطة البلد والأفراد. ووجدت الفاشية في الظروف الاقتصادية والتاريخية بعد الحرب العالمية الأولى الإطار المناسب الذي سمح لها بالصعود إلى السلطة، تحت قيادة موسوليني في عشرينيات القرن الـ20.
وتبرر الفاشية عنف الدولة ضد المعارضين، وتعارض في نفس الوقت النزعة الفردية وترفض الأيديولوجية الديمقراطية باسم الجماهير، إضافة إلى ذلك تنتهج الدولة الفاشية سياسة اقتصادية تدخلية من خلال التحكم في السوق وامتلاك وسائل الإنتاج.
وفي أوسع استخدام لها، تُستعمل عبارة الفاشية لوصف اليمين المتطرف، إضافة إلى ذلك، تُواصل بعض حركات اليمين المتطرف (الفاشية الجديدة) الترويج للفاشية تحت راية "فاشيو الألفية الثالثة".

النازية.. أيديولوجية العرق
تعد الأيديولوجية النازية عنصرية في الأساس بالنسبة للنازيين، فالشعب الألماني -وفق هذه الأيديولوجية- يُعد من العرق الآري المتفوق، الذي يجب "الدفاع عنه" ضد العناصر التي تعد دخيلة ودونية كاليهود والغجر وشعوب أوروبا الشرقية.
ويعد "حزب العمال الاشتراكي الوطني" (Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei)، حزبا سياسيا يمينيا متطرفا تأسس في ألمانيا في عام 1920 بقيادة أدولف هتلر، وارتبط بـ"الحركة الاشتراكية الوطنية" (Nationalsozialismus) ويتم اختصارها بشكل أكثر شيوعا باسم النازية.
وتفترض هذه الأيديولوجية تسلسلا هرميا داخل الجنس البشري مقسما إلى أعراق، مع وجود العرق الآري في القمة فوق باقي الأعراق كاليهود والعبيد والغجر.
كما يشير مصطلح النازية أيضا إلى النظام السياسي القائم على هذه الأيديولوجية، والذي قاده أدولف هتلر من عام 1933 إلى عام 1945، وكان يُعرف أيضا باسم الرايخ الثالث أو ألمانيا النازية.
الستالينية.. أيديولوجية الطبقة
يشير مصطلح الستالينية إلى الأيديولوجيا والممارسات السياسية للأحزاب الشيوعية التي تبنت الخط الذي وضعه أنصار جوزيف ستالين، الأمين العام آنذاك للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي.
وتقول الأيديولوجية الماركسية اللينينية، إنه يجب على الحزب الشيوعي أن يقوي دكتاتورية البروليتاريا من أجل القضاء أو التفوق على العالم البرجوازي بشكل نهائي.
ووفقا لستالين فإن "بناء الاشتراكية في بلد ما" يمر بالضرورة عبر تطوير الصناعة، التي تبقى وسيلة لتأكيد القوة السوفياتية في مواجهة العالم الرأسمالي.
وفي هذا الإطار الفكري تمت إعادة توجيه نشاط الأحزاب الشيوعية الأوروبية نحو الدعم غير المشروط لـ"وطن الاشتراكية"، وتعد المركزية والتخويف واستخدام القوة شكلا من أشكال الحكم، وإحدى سمات النظام الستاليني.
الاقتصاد في الأنظمة الشمولية
يتميز الاقتصاد في الأنظمة الشمولية، بكونه يخضع لتدخل الدولة، أي أن هذه الأخيرة تسيطر على السياسة الاقتصادية للبلاد من خلال تدخلها في السوق وامتلاكها لوسائل الإنتاج، وإن كانت تسمح بهامش من الحرية فيما يتعلق بالتوظيف والاستهلاك على مستوى معين.
إضافة إلى ذلك يقوم النظام الشمولي بتخطيط مركز حول طبيعة المواد والسلع التي ينبغي إنتاجها، وأيضا طريقة إنتاجها، وكذا تحديد المستهلك المستهدف من إنتاج هذه المواد والسلع، أي أن صانعي القرار في البلاد هم من يقرر ما ينبغي على المنتج من الشركات إنتاجه تماشيا مع الأهداف الوطنية والاجتماعية.
والاقتصادات في الأنظمة الشمولية تعتمد على التخطيط الاقتصادي المركزي للدولة التي تسيطر على كل القطاعات الاقتصادية الرئيسية، والتي تتخذ أيضا كل القرارات المتعلقة بالموارد المستخدمة في عملية الإنتاج.
وعلى النقيض تماما تكون الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على قانون السوق وحرية الأسعار، وتخضع لقانون العرض والطلب من حيث الإنتاج والتوزيع والتسعير.
البروباغندا في الأنظمة الشمولية
يقوم النظام الشمولي على التحكم الكامل في جميع مناحي الحياة العامة والخاصة أيضا للمواطنين، ومن ضمن ذلك التحكم في وصولهم إلى المعلومة.
ويبقى تنظيم الدعاية هو السمة البارزة والمشتركة لجميع الأنظمة الشمولية، فقد شدد لينين على أهمية نشر الأيديولوجية عبر البروباغندا للاستيلاء على السلطة، قبل إطلاقه لدعاية التحريض في السنوات الأولى من الثورة الروسية.
وركز على خنق وسائل الإعلام، واستخدام لغة الخشب، والشعارات الرنانة، باعتبارها أدوات فعالة لسيطرة الدولة على العقول.
وفي ألمانيا كان وزير الدعاية والإعلام "بول جوزيف غوبلز" (Paul Joseph Goebbels) العقل المدبر لتحكم الدولة في المعلومة مستخدما في ذلك جميع وسائل الاتصال.
وقال غوبلز في 1933 "يجب أن يبدأ الناس في التفكير بطريقة موحدة، وأن يتفاعلوا بطريقة موحدة، وأن يضعوا أنفسهم تحت تصرف الحكومة من كل قلوبهم".

وفي الاتحاد السوفياتي كان التركيز على "الواقعية الاشتراكية"، التي تم تطويرها في بداية ثلاثينيات القرن الـ20 لتضم جميع أشكال التعبير الفني أو الأدبي، والتي تتميز أيضا بالتصوير المبجل لقيم ومبادئ الشيوعية.
وكان "أندريه جدانوف" (Andrei Zhdanov)، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي رقيبا أيديولوجيا لهذه "الواقعية" حتى وفاته عام 1948.
وترك بعده مصطلح "الجدانوفية" (jedanovism) رمزا لسياسة الخضوع الكامل للحياة الفكرية والفنية لأوامر الحزب الشيوعي.
خصائص النظام الشمولي
في عام 1956 توصل عالما السياسة، الألماني-الأميركي "كارل يواشين فريدريش" (Carl Joachin Friedrich)، والبولندي الأميركي "زبيغنيو بريجنسكي" (Zbigniew Brzezinski)، إلى قائمة تضم 6 خصائص تحدد مفهوم الشمولية:
- أيديولوجية موجهة تركز بشكل خاص على مسألة الوطنية والولاء الكامل للدولة قبل كل شيء.
- الحزب السياسي الواحد، وعادة ما يقوده دكتاتور.
- استخدام أساليب الترهيب كالعنف والشرطة السرية للسيطرة على المواطنين.
- سيطرة الحكومة على السلاح والجيش.
- سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام وتشديد الرقابة عليها.
- تدخل الدولة في الاقتصاد.
وفي عام 1968، وضع المحلل والفيلسوف الفرنسي "ريموند آرون" (Raymond Aron) قائمته الخاصة، التي تضم 5 خصائص:
- دولة الحزب الواحد الذي يحتكر النشاط السياسي.
- أيديولوجية الدولة التي تعتبرها الحكومة السلطة الوحيدة.
- التحكم في المعلومة والسيطرة على جميع وسائل الإعلام.
- سيطرة الدولة على الاقتصاد من خلال امتلاكها معظم الوحدات الاقتصادية الكبرى.
- آلة ترهيبية تعمل من خلالها الدولة الشمولية على تجريم بعض النشاطات الاقتصادية أو المهنية للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.