تاريخ وجذور الصراع بين قوميتي "قيمنت" و"أمهرة" في إثيوبيا

الصراع في إثيوبيا بين قوميتي "أمهرة" و"قيمنت" بدأ بعد تجربة الحكم الفدرالي (الفرنسية)

تعود أسباب الصراع بين أقلية "قيمنت" وقومية "أمهرة" في إقليم أمهرة شمال إثيوبيا، إلى تجربة الحكم الفدرالي الإثني الذي ابتدعه تحالف الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا بقيادة جبهة تحرير تيغراي، منذ توليها الحكم في عام 1991، حيث غيرت طبيعة الصراع إلى سياسات الهوية بين العديد من القوميات، ولم يكن صراع قبيلتي "قيمنت" و"أمهرة" استثناء عنه.

"قيمنت" الأصول والتاريخ

"قيمنت" (Qemant) مجموعة عرقية صغيرة في شمال غرب إثيوبيا، ضمن القوميات التي تقطن إقليم "أمهرة"، ترتبط في اللغة والأرض والثقافة مع قومية "أمهرة"، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، إذ تمثلان 27% من سكان البلاد البالغ نحو 120 مليون نسمة.

وتتحدث قومية "أمهرة" اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية لإثيوبيا، وتعود أصولها إلى سام؛ الابن الأكبر لنبي الله نوح، الذي وردت قصته في العهد القديم وفق المعتقد التقليدي لهذه القومية.

في حين تعود أصول أقلية "قيمنت"، إلى شعب الـ"أغو" في إثيوبيا، وتمارس تقليديا الديانة اليهودية، لكن معظم أعضائها اعتنقوا المسيحية الأرثوذكسية الإثيوبية، حيث ترتبط الجماعة تاريخيا بمجموعات اليهود الفلاشا الإثيوبيين.

ووفق "فريدريك سي جامست"، عالم الأنثروبولوجيا الأميركي الذي نشر أطروحته عن الـ"قيمنت"، فإن "ثقافتهم الدينية قد تضررت خلال فترة حكم الإمبراطور يوهانس الرابع".

ولا توجد إحصائية حول التعداد السكاني لعرقية الـ"قيمنت"، سوى ما جاء في آخر إحصائية للعام 1994، والتي قدرت عددهم بنحو 172 ألف نسمة، وينتشرون في بلدات "قوارا، شيلقا، أرمتشهو، دينبيا، متما، غوندر، زوريا".

العلاقة بين "قيمنت" و"أمهرة"

وعلى الرغم من الصراع الذي ظهر مؤخرا بين أقلية "قيمنت" وشعب "أمهرة"، إلا أنهما يشتركان في اللغة والدين والثقافة وغيرها، ويرى الكثيرون أنهما في الواقع وجهان لعملة واحدة ويتشابهان بنسبة 99% مقارنة بالآخرين.

ويؤكد الباحثون أن شعبي "أمهرة" و"قيمنت" لم يحدث بينهما أي صراع؛ بل عاشا لوقت طويل في وئام، وكان الزواج متعدد الأعراق شائعا بين المجموعتين، مما قوّى علاقاتهما رغم وجود بعض التقسيمات الطبقية.

وتشترك المجموعتان في القيم وأساليب الحياة، وتقتسمان الموارد والأرض بشكل عادل منذ عهد الإمبراطور يوهانس الرابع، الذي أصدر إعلان المعمودية في 1872.

ولا تزال المجموعتان تحتفلان بعيد "الغطاس أكبر"، وأهم الأعياد المسيحية الأرثوذكسية في منطقة غوندر، فضلا عن اشتراكهما في مراسم الزواج وتقاليد الطعام، وحتى في الطقوس الجنائزية لا يمكن التمييز بين الجماعتين.

وللجماعتين شراكات في المسار السياسي، حيث تصدى شعبا "أمهرة" و"قيمنت" للنظام العسكري الذي قاده منقيستوهايلي ماريام (1974-1991)، قبل أن يطيح به تحالف الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا بقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي التي استمرت في الحكم نحو 27 عاما.

بداية الصراع

شكلت تجربة الحكم الفدرالي الإثني الذي ابتدعه تحالف الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا بقيادة جبهة تحرير تيغراي، منذ توليها الحكم في العام 1991، تغييرا في طبيعة الصراع، وتحول إلى مجال الهوية.

ونتيجة لذلك بدأت تتشكل العلاقة العدائية بين المجموعتين العرقيتين علانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عندما حددت "قيمنت" الإدارة الذاتية الخاصة ومناطق حكم خاصة تابعة لها في منطقة غوندر الوسطى.

وبدأت أقلية "قيمنت" تشتكي من التهميش وتطالب بالحكم الذاتي الإقليمي، مما جعلها على خلاف مع عرقية "أمهرة"، التي تشاركها السكن في المنطقة نفسها، وتتقاسم معها العديد من الروابط الاجتماعية والثقافية وحتى المسار التاريخي.

ثم تحولت مطالب "قيمنت" بالمساواة في التوظيف وحكم المحليات بإقليم "أمهرة" إلى صراع، قبل أن تتولد عنه حركة مسلحة لـ"قيمنت" تنشط في مناطق وسط وغرب منطقة "غوندر" بإقليم أمهرة، إثر خلافها مع حكومة الإقليم لمطالبتها بما تسميه الحقوق الثقافية والاجتماعية.

ولكون عرقية "قيمنت" تصنف على أنها أقلية عرقية في الإقليم، فإن سلطات المنطقة تتدخل في شؤونها، ونتجت عن ذلك دوامة من العنف أسفرت عن نزوح 19 ألف شخص، وفق بيانات رسمية.

حركة مسلحة غير معلنة

لم تكن لـ"قيمنت" حركة مسلحة معلن عن تأسيسها ونشأتها بصورة رسمية، لكنها ظهرت في شكل مليشيات يعتقد أنها نشأت نتيجة الصراع الذي تولد خلال مطالبة الجماعة بحكم ذاتي في مناطقها.

والمعلومات حول وجود حركة مسلحة باسم قيمنت شحيحة وغير متوفرة، سوى تصريحات حكومة إقليم أمهرة من وقت لآخر، والتي تتهم فيها جبهة تحرير تيغراي بدعم حركات "قيمنت" العرقية بتوفير "الأسلحة والمال" .

وتؤكد الحكومة الإثيوبية أن قواتها موجودة في المنطقة للبحث عن متمردي "قيمنت" المشتبه بهم، وتأمين حدود البلاد من المتسللين المحتملين عبر الحدود السودانية.

مراحل تطور مطالب "قيمنت"

يرى العديد من المراقبين، أن الجدل حول مكانة شعب "قيمنت" بإقليم أمهرة شمال إثيوبيا هو جزء من صراع سياسي بين زعماء إقليمي أمهرة وتيغراي، ويعتبر هؤلاء قضية "قيمنت" ورقة ضغط سياسية وليست بحثا عن هوية، مقابل من يرى أن لـ"قيمنت" مطالب فعلية بسبب تهميشها.

وتمكنت الجماعة المشمولة ضمن إقليم أمهرة في النظام الفدرالي الإثيوبي من إنشاء منطقة حكم ذاتي وفقا لاستفتاء في 2017، ومنحت حكومة إقليم أمهرة حكما ذاتيا لـ"قيمنت" في 69 بلدة، لكنها حجبته في 3 مناطق أخرى، مبررة ذلك بأنها مناطق غير مناسبة لإدارة "قيمنت"، ولأنها ليست متجاورة مع المناطق الأخرى.

وكان ذلك قبل أن يتحول الأمر إلى نزاع مناطقي أدى لاشتباكات متكررة بين "قيمنت" وبين قومية "أمهرة" المسيطرة.

ويرى زعماء "أمهرة" أن مسعى أقلية "قيمنت" للحكم الذاتي قد أذكاه متمردو تيغراي إلى حد كبير، ويزعمون أنهم يخوضون حربا بالوكالة من خلال دعم الجماعة، في حين تتهم مجموعات "قيمنت" حركات "أمهرة" الإثنية القومية الشبابية مثل "فانون" بارتكاب العنف في حق عائلات "قيمنت" خلال فترات عدم الاستقرار، حيث تصاعد العنف بشكل كبير منذ الإطاحة بجبهة تحرير تيغراي من السلطة في عام 2018.

وفي انتكاسة لموقف "قيمنت" في 2018 صوتت 7 من أصل 8 بلدات مدرجة في استفتاء لتحديد الاختصاص الإداري لشعب "قيمنت" على البقاء تحت إقليم أمهرة، محطمة الآمال في تحقيق وضع منطقة خاصة في ذلك الوقت.

وأخذت الخلافات تشتعل بين "قيمنت" و"أمهرة"، وصولا لما عرف بأحداث "المتمة" الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والتي تسببت في نزوح عدد كبير من أبناء "قيمنت" إلى السودان عقب الاعتداء عليهم من قبل مسلحين في إقليم أمهرة.

وفي الوقت نفسه أقامت مليشيا تابعة لـ"قيمنت" نقطة تفتيش للبحث عن الأسلحة النارية في منطقة "ميقا"، بينما كان الناس يمرون عبر منطقة نفوذها، وأدى ذلك إلى اشتباك شمل المناطق المحيطة في بلدات تشيلجا، وجندا وها وشينفا التابعة لأقلية "قيمنت".

وآنذاك قال الكاهن ييرغا تشاغر، عضو "لجنة حملة تقرير المصير لشعب قيمنت" "نحن نحترم قرار سكان نيجادي باهر، لكننا كنا نخشى أن ينشأ الصراع عندما يمر مزارعو أمهرة المسلحون عبر مقاطعاتنا".

وتجددت مطالب أقلية "قيمنت" مرة أخرى في مطلع 2019، ما خلف اشتباكات أسفرت عن حرق عدد من القرى التابعة لكلا القوميتين (أمهرة وقيمنت) في مختلف مناطق الإقليم.

واتهمت جهات في المنطقة الحكومة الفدرالية بعدم التدخل لحل المشكلة، وترك حكومة إقليم أمهرة تدير الأزمة بمفردها ما أدى إلى تصعيد الصراع.

وتقدر منظمة العفو الدولية عدد القتلى في أعمال العنف الطائفية من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2019 بنحو 130 شخصا، مما أدى أيضا إلى نزوح الآلاف.

وفي أبريل/نيسان 2021 تحول اجتماع مجلس بلدة أيكل إلى أعمال عنف، ما دفع القوات الفدرالية إلى إنشاء موقع قيادة عسكرية في منطقة الأحداث والمناطق المحيطة بمدينة غوندر.

وبالتوازي مع تلك الأحداث أعلن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، أن الانتخابات العامة السادسة التي جرت في 21 يونيو/حزيران 2021، لن تشمل مناطق "شيلقا 1 و2″ و"ليا أرميشاهو".

وفي الرابع من سبتمبر/أيلول من العام نفسه، شهدت بلدة جوباي مواجهات وقصفا دمر عشرات المنازل ونحو 12 مبنى آخر في ضواحيها، قبل أن تندلع فيها أحداث عنف في أواخر الشهر نفسه.

حراك "قيمنت"

بدأ حراك شعب "قيمنت" بتحركات سياسية شعبية في المنطقة، تمثلت في "لجنة قيمنت لتقرير المصير والهوية"، و"حزب قيمنت الديمقراطي"، ودعت هذه التحركات إلى أن يكون لشعب "قيمنت" حكم ذاتي في مناطقه داخل إقليم أمهرة شمال إثيوبيا، قبل أن تتطور هذه المطالب إلى تشكيلات عسكرية ومليشيات مسلحة.

ونظرا لأن العرق هو أساس الحكم الإقليمي والتنظيم السياسي في ظل النظام الإثيوبي الفدرالي لعام 1995، فإن هذه الحركات السياسية تنادي بأن يكون للمناطق التي تسكنها قومية "قيمنت" وضع المنطقة الخاصة داخل إقليم أمهرة.

وفي تطور إيجابي ضمن سياق السلام الذي شهدته إثيوبيا، خاصة بعد اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الفدرالية وجبهة تيغراي في جنوب أفريقيا، أعلنت حكومة إقليم أمهرة أن "حركة قيمنت المسلحة، التي تقاتل في إقليم أمهرة سلّمت أسلحتها وعتادها لحكومة الإقليم"، وذلك في إطار جهود المصالحة والسلام التي قادها رجال الدين والشيوخ بالمنطقة، وفق بيان لحكومة الإقليم في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وقال رئيس قطاع الأمن والسلام بالإقليم ديسالين تسيوي، إن 300 من عناصر الحركة سلموا أنفسهم وأسلحتهم طواعية، مشيرا إلى أنهم سيخضعون لعمليات تأهيل وتدريب قبل دمجهم في المجتمع.

وأكد المسؤول الإثيوبي المحلي استعداد الحكومة لاستيعاب كافة المسلحين بهدف تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية