جمع القرآن ووضع التاريخ الهجري.. عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين

الفاروق عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب من كبار الصحابة، ومستشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخليفة أبي بكر الصديق، أسلم بعد 40 رجلا. هاجر من مكة إلى المدينة وشارك في كل الغزوات والمعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف عن أي منها، وكان معظما لشعائر الله يخشى حدوده، استلم الخلافة بعد أبي بكر الصديق وحكم 10 سنوات، وتوسعت البلاد الإسلامية في عهده، واستشهد سنة 23 للهجرة.

اسمه ونسبه

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (وهو قريش) بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي. وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهاشم هو ذو الرمحين.

ولُقّب بالفاروق لأن الله فرّق به بين الحق والباطل. وكان والده الخطاب من كبار رجال قريش، كما كانت لجده نفيل مكانة كبيرة؛ إذ كانت تتحاكم إليه القبيلة.

زوجاته

  • أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وله منها عبيد الله وزيد الأصغر.
  • وقريبة بنت أبي أمية المخزومية.

وقد تزوجهما عمر بن الخطاب في الجاهلية وطلقهما عام الحديبية مشركتين عند نزول الآية "ولا تمسكوا بعصم الكوافر".

  • زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشية الجمحية، أخت عثمان بن مظعون. قيل إنها رافقته في هجرته إلى المدينة، وقيل إنها ماتت في مكة قبل الهجرة. أبناؤه منها عبد الله وعبد الرحمن، وأم المؤمنين حفصة.
مدونات - عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب من كبار الصحابة، ومستشار رسول الله وخليفة أبي بكر الصديق (وسائل التواصل)
  • جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية وله منها عاصم، وهي أخت عاصم أمير سرية الرجيع، تزوجها عمر في السنة السابعة للهجرة ثم طلقها، فتزوجت من زيد بن حارثة.
  • ابنة حفص بن المغيرة، تزوجها عمر وطلقها لأنها عاقر.
  • عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي، أسلمت وهاجرت، وكانت زوج عبد الله بن أبي بكر الصديق، وقد أعطاها قسما من أمواله على ألا تتزوج من بعده، فلما مات أرسل إليها عمر بن الخطاب وكان خليفة للمسلمين حينها وطلب منها رد المال إلى أهل زوجها السابق حتى تحلّ له، ففعلت فتزوجها، وأنجبت له عياضا، وزينب.
  • أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية وكانت متزوجة من خالد بن سعيد بن العاص، فلما استشهد في معركة مرج الصفر تزوجها عمر بن الخطاب، أي بعد سنة 13 للهجرة. وأنجبت له فاطمة. وقيل إنه طلقها.
  • أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، حفيدة رسول الله من ابنته فاطمة، ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر سنة 17 للهجرة وله منها زيد الأكبر ورقية، وتوفيت هي وابنها زيد في وقت واحد.
  • فاطمة بنت الوليد بن المغيرة وكانت متزوجة من الحارث بن هشام لكنه توفي بطاعون عمواس سنة 18 للهجرة، فتزوجها عمر بن الخطاب وعمل على تربية ابنها عبد الرحمن.
  • "لهية أمّ ولد"، وله منها عبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الأصغر وعائشة.
  • فكيهة سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو الأنصارية وله منها عبد الله الأصغر.

وقيل إن لهية وفكيهة كانتا أَمتين. ولم يجمع عمر بين أكثر من 4 نساء في آن واحد.

مسجد عمر بن الخطاب في فلسطين (الجزيرة الوثائقية)

نشأته

اختلفت روايات المؤرخين في تاريخ ميلاده، فقيل إنه ولد بعد عام الفيل بـ13 عاما، وقيل إنه ولد قبل حرب الفجار بـ4 أعوام، أو بعدها بـ4 أعوام، وكانت ولادته في دار أبيه الخطاب.

نشأ عمر في مكة المكرمة، وفيها كبر وترعرع بين أبناء عشيرته من بني عدي بن كعب وغيرهم من فتيان قريش، وعاش في صغره في ضيق العيش وذاق الفقر الشديد، فعمل مع أخيه برعي الإبل مقابل دراهم يأخذانها، ولما كبر عمل بالتجارة فأصبح صاحب ثروة عظيمة عند هجرته.

صفاته

كان عمر رجلا طويلا، ضخم الجسم، أصلع الرأس له حفافان، جميل ملامح الوجه، في عينيه حور، كثيف اللحية، عريض الكتفين، غليظ القدمين والكفين، قوي البنية، يميل إلى السمرة، أعسر، إذا مشى كأنه راكب، جهوري الصوت، إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وإذا غضب فتل شاربه ونفخ.

عُرف بزهده في الدنيا وما فيها، وصبره، وهيبته وشدّته في الدين، وغيرته على محارم الله، وأدائه للفرائض والحرص على تطبيق حدود الله، وشديد التحرّز في الدين وترك الشبهات.

وكان حريصا على الحق وتبيينه والعودة إليه، وعدم الإصرار على الخطأ والتعصب للرأي، يحتكم للحق والصواب، رقيق القلب، خاشع كثير الدمع، يحب الذكر وسماع الموعظة، سريع البكاء من خشية الله، يكره المدح والثناء، وكان متواضعا لين الجانب، سخيا كثير الإنفاق في سبيل الله، شجاعا لا يعرف الخوف.

حياته في الجاهلية وموقفه من الإسلام

عُرف عمر بمكانته في قريش كأبيه وجده، بسبب صفاته الخلقية وقوته وشدته وشجاعته وصلابته، فكان مهابا يخشاه أعداؤه، وقد كان سفير قريش للقبائل عند وقوع الحرب أو الخلاف، لرجاحة عقله وصواب رأيه.

إلا أنه مثل قومه كان متمسكا بدين الوثنية وعبادة الأصنام، رافضا الإسلام والتوحيد، فقاوم انتشار الدين، وآذى من أسلم مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعذّب الضعفاء وبعض الجواري الذين آمنوا.

إسلامه وهجرته

سبقت إسلام عمر مواقف جعلت دين الله يقع في قلبه، من ذلك ما رُوي عنه أنه قال "خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إنّه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون}، فقلت: كاهن، فقال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكّرون تنزيل من ربّ العالمين، ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع".

ويذكر عمر عن نفسه أنه كان صاحب خمر وله جلساؤه، فخرج ذات مرة يريد الجلوس معهم وشرب الخمر فلم يجدهم، فذهب إلى الكعبة ليطوف بالبيت فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قائما هناك يصلي، فجلس عمر يستمع إلى القرآن ووقع في قلبه وتأثر به وبكى.

مدونات - قائد تاريخ حرب أمة قريش إسلام مسلمين
صورة تعبيرية من مسلسل تلفزيوني عن عمر بن الخطاب (مواقع التواصل الاجتماعي)

أما إسلامه فيُروى عن أنس بن مالك أنه قال "خرج عمر متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّدا، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه.

فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خبّاب، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرؤون (طه) فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟

فوثب عليه عمر فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة، فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟! أتشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمدا رسول الله؟

فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: وكان عمر يقرأ الكتب. فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر ثم أخذ الكتاب، فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله: {إنّني أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري}. فقال: دلوني على محمد.

فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا.

مدونات - تاريخ قافلة مكة قريش
صورة ترمز لإحدى القوافل العربية (مواقع التواصل الاجتماعي)

فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة، وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة وَجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيرا يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن غير ذلك يكن قتله علينا هينا، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يومئ إليه.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف فقال: "أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله.

ثم أعلن عمر إسلامه أمام قريش فقاموا إليه يضربونه ويضربهم حتى تعب عمر فتركهم وقال لهم افعلوا ما بدا لكم.

وكان إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة من البعثة بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة. بعد إسلام 40 رجلا. وقد أعز الله بإسلامه المسلمين، فبعد إسلامه استطاع المسلمون الخروج إلى البيت الحرام والطواف به والصلاة عنده.

ولما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة كان عمر من أوائل المهاجرين، والرواية الشائعة أنه هاجر جهرا على عكس المسلمين في تلك الفترة، إذ إنه لما نوى الهجرة تقلد سيفه وقصد البيت فطاف وصلى، ثم صدح بأعلى صوته "من أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي"، فلم يتبعه أحد من قريش. وذُكرت روايات أخرى عن هجرته سرا كباقي المسلمين.

دوره في الإسلام

كان عمر من الصحابة المقربين، الذين شُهد لهم بقوة الإيمان واليقين والرضا بالقضاء والقدر، كما عُرف عنه اجتهاده في الطاعات وكثرة الصلاة والصيام والذكر والصدقات وقيام الليل، وكان صاحب علم وفقه، ومن أهل الفتوى.

وكان لعمر مكانة عند رسول الله، إذ كان مستشارا له عليه الصلاة والسلام، وكان ممن يثق بهم فجعله من جباة الزكاة واستأمنه على أموال المسلمين، وكان من كتّاب الوحي، وشارك في بناء مسجد قباء.

Muslims gather in front of Quba Mosque during the week of Eid Mawlid al-Nabawi, or the birth of Prophet Mohammad, north of the holy city of Medina January 19, 2014. The foundation stone of the Quba Mosque, one of the oldest mosques in the world, was positioned by the Islamic prophet Muhammad during his journey from Mecca to Medina. Muslims marked the birth of Prophet Mohammad on January 14. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (SAUDI ARABIA - Tags: RELIGION)
مسجد قباء ساهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بنائه (رويترز)

وشارك في الغزوات والمعارك، فشهد بدرا الكبرى وبعد انتصار المسلمين وأسر 70 رجلا من الكفار استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر بما يفعله بالمشركين، فكان رأي أبي بكر أخذ الفدية، وكان رأي عمر قتلهم، فرغب عليه السلام برأي أبي بكر، وفي اليوم التالي نزلت آية قرآنية تؤيد موقف عمر بن الخطاب، وهي قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم).

وفي غزوة أحد كان عمر من الذين ثبتوا حول النبي صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة الخندق كان يقاتل المشركين حتى فاتته صلاة العصر فلعن الكفار والمشركين وصلاها قضاء مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي غزوة بني المصطلق كان له موقف حازم مع المنافقين، فطلب من النبي أن يسمح له بقطع عنق عبد الله بن أبي بن سلول بسبب الفتنة التي أوقدها بين المسلمين، ولم يسمح له النبي حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه.

ويوم الحديبية كان موقفه من الصلح واضحا، إذ كان رافضا للمكاسب التي أعطيت للمشركين حينها، وكان يرى أن المسلمين على حق والكافرين على باطل، وتساءل لماذا يعطي المسلمون الدنية في دينهم؟! إلا أنه انقاد لتعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونفذ أوامره.

وشارك في غزوة خيبر، وأرسله الرسول عليه الصلاة والسلام بعد خيبر بسرية إلى هوازن فبلغهم الخبر قبل وصوله فهربوا، ولما وصل عمر وسريته لم يجد منهم أحدا فعاد إلى المدينة.

وشارك عمر بمعركة ذات السلاسل تحت إمرة عمرو بن العاص، وسرية الخبط تحت إمرة أبي عبيدة بن الجراح، وكان أميرا على حرس النبي صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة، وأمره النبي يوم الفتح أن يدخل الكعبة فيمحو كل صورة فيها.

كما شارك في غزوة حنين، وكان من ضمن القلة الذين ثبتوا حول النبي صلى الله عليه وسلم في بداية المعركة حين غُدر بهم. كما شهد غزوة تبوك وانتدبه النبي صلى الله عليه وسلم ليكون مع جيش أسامة بن زيد.

دوره في خلافة أبي بكر الصديق

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حدث خلاف بين المهاجرين والأنصار فيمن تكون الخلافة، وأشار الأنصار بوجود خليفتين، إلا أن عمر بن الخطاب طلب من أبي بكر الصديق مد يده لمبايعته فكان أول من بايعه ثم تبعه الصحابة المهاجرون ثم الأنصار، وفي هذا تذكير بفضل أبي بكر ومكانته وأحقيته بالخلافة، وخشيته من حدوث شقاق بين المسلمين.

وعند حدوث الردة ومنع الزكاة كان عمر مخالفا لأبي بكر في رأيه، ثم عاد بعد أن بيّن له أبو بكر الصواب، فكان نصيره ومعينه في حروبه.

وقد أشار عمر على أبي بكر بجمع القرآن بعد معركة اليمامة واستشهاد ما بين 600 و700 من المسلمين بينهم عدد كبير من الحفظة، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمع القرآن فتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، وجمع الصحف كلها عند أبي بكر حتى توفاه الله.

وكان عمر مستشارا لأبي بكر يعينه في إدارة الدولة، وتنظيم شؤون الرعية وأمور القضاء، واستخلفه أبو بكر على المدينة حين خرج معتمرا، وحج عمر بالناس في خلافة أبي بكر، كما صلى بهم في غياب أبي بكر.

خلافته

استخلف أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب على المسلمين قبل وفاته بعد أن استشار كبار المهاجرين والأنصار، وكتب عثمان بن عفان بأمر من أبي بكر وصية الاستخلاف، وتولى عمر بن الخطاب ولاية المسلمين الثلاثاء 22 جمادى الآخرة سنة 13 للهجرة.

وطلب عمر من الرعية طاعته وطاعة ولاته، وبيّن لهم أن صلاح الحاكم من صلاح رعيته، ونبههم على أهمية توجيه النصيحة له، وكان يحب من يخبره بعيوبه، ويفرح إن وضح له أحد خطأه فيقوم بتصحيح موقفه.

وكان عمر حريصا على رعيته يخاف الله فيهم، ويتفقد أحوالهم، وكان الناس يثنون على عدله وحسن إمارته وأدائه لحقوق رعيته، وكان حريصا على سماع شكاوى الناس وحل أمورهم، وإطعام محتاجهم، ومواساة فقرائهم، ومساعدتهم في قضاء حوائجهم، وكان يكرم أهل الفضل ويقرب منه أهل الصلاح والتقوى ويستشيرهم في أمور الرعية.

وحرص عمر في تولية الولاة على المناطق أن يكونوا من خير الرعية متصفين بالصلاح والتقوى ومعروفين بالاستقامة، وأن يكونوا من صحابة رسول الله، وألا يكونوا من قومه فكان يجنب أقاربه وأبناءه الولاية، وأن يكونوا من ذوي الخبرة والدراية في إدارة أمور الرعية وفي السياسة، وأصحاب فطنة وذكاء ورحمة ومودة وشفقة على المسلمين ولديهم زهد بالدنيا ومتاعها.

وعزل من قصّر بأمر رعيته، أو شكته رعيته إلى عمر وتثبت من الشكوى وصحتها، أو من لم يمتثل لأوامر الخليفة.

وفي عهده كتب القرآن في مصحف واحد، وأشرف على ذلك نفر من الصحابة وبرواية سعيد بن العاص، وكتبه زيد بن ثابت بخطه، وكان يحرص أن يكون من يعلم القرآن متقنا له ولقراءته وترتيله.

وكان مهتما بإقامة شعائر الدين، لا سيما الصلاة وأداءها، والاهتمام بالمساجد وأئمتها، وكان يحث رعيته على اتباع الشعائر والاتيان بها من صلاة وصيام وحج، كما اهتم عمر بالعلم والعلماء ورفع مكانتهم، وعني بالشعر والشعراء وتعلم الأخبار، وكان يرسل الفقهاء ليعلموا الأمصار أمور دينهم.

ويعد عمر بن الخطاب أول من وضع التأريخ الهجري.

الفتوحات في عهده

فتح المسلمون دمشق في عهد عمر بن الخطاب، وقاد الجيش آنذاك خالد بن الوليد قبل عزله، وكان قائد الروم باهان، وبعد قتال شديد انسحب جيش الروم إلى دمشق وأغلقوا الأبواب فتسلل بعض الصحابة وفتحوا الباب للجيش ودخل المسلمون دمشق وكُتب صلح بينهم وبين الروم.

كما فتحت القدس في عهده بعد حصار دام 4 أشهر، إذ اجتمعت الجيوش بقيادة عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح فيها، فاستسلم أهلها، وجاء عمر إليها وتسلم مفاتيحها من الروم.

وفتحت المدائن في عهد عمر بن الخطاب ونهاوند والأهواز. وساعد على هذه الفتوحات اهتمام عمر بالقدرة القتالية وتهيئة الجيش والقوة البدنية للجند وتعلمهم المهارات القتالية المختلفة ورفع لياقتهم، والخوف على الجيش والجند والحرص على حياتهم والاعتراف بفضلهم ومكانتهم.

وحرص عمر على تجهيز الجيوش تجهيزا جيدا وإعدادها وإمدادها الدائم بالعدة والعتاد. وكان يحث الجند دائما وقادة الجيوش على الصبر والتوكل على الله وعدم اليأس واليقين بالفرج، والشجاعة والاستبسال.

ويعد عمر أول من أنشأ ديوان الجند بدعوة من الصحابة لضمان حقوق الجند ولتوزيع الفيء وإعطاء الناس بالعدل.

استشهاده

كان عمر بن الخطاب يؤم المسلمين في صلاة الفجر فطعنه أبو لؤلؤة المجوسي بسكين مسموم، وطعن 13 رجلا من المسلمين وهو يحاول الفرار واستشهد منهم 7، ثم قتل نفسه بعد أن حوصر. وطلب عمر استدعاء طبيب ليرى جرحه، فأتى الطبيب وسقى عمر نبيذا فخرج من الجرح واشتبه على الطبيب لون النبيذ بالدم، فجاء طبيب آخر وسقى عمر لبنا فخرج من مكان الجرح لونه أبيض، وطلب الطبيب من عمر أن يعهد لأن أجله اقترب.

ورشح عمر 6 من الصحابة للخلافة هم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد، وأوصاهم بتقوى الله وطلب منهم مبايعة من يبايعه عبد الرحمن بن عوف، ومن يأبى يُضرب عنقه، وأمر عمر ابنه عبد الله أن يسد دينه، ويستأذن عائشة ليدفن في بيتها بجوار صاحبيه؛ النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق.

ورويت عدة أقوال في تاريخ وفاته، تراوحت تواريخها جميعا ما بين نهاية ذي الحجة وبداية محرم، سنة 23 للهجرة، وغسّله ابنه عبد الله وكفنه، وصلى عليه الصحابة الكرام صلاة الجنازة، ودفن في حجرة عائشة بجانب صاحبيه. وكانت مدة خلافته 10 سنوات و5 أشهر و21 ليلة، رضي الله عنه وأرضاه.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية