"بئر السبع".. أكبر معارك الثورة الفلسطينية الكبرى
منطقة بئر السبع جنوب فلسطين كانت مسرحا لأبرز معارك الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين، وسياساته في الهجرة اليهودية المفتوحة، وفي ظهر التاسع من سبتمبر/أيلول 1938، باغت الفلسطينيون وثوار عرب الجنود البريطانيين في عملية سرية، نتج عنها تحرير بئر السبع من قبضة الاحتلال البريطاني.
التاريخ
في أكتوبر/تشرين الأول عام 1917، احتل البريطانيون بئر السبع (مع الصحراء الفلسطينية) فكانت أول مدينة فلسطينية تحتلها القوات البريطانية، وعُدّت المدينة البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر، لذلك كانت محط أنظار الجيوش، خصوصا في أثناء الحروب العربية الإسرائيلية.
إبّان حكم الانتداب البريطاني، نظّم الفلسطينيون أطول إضراب في التاريخ، شمل جميع المدن والبلدات، واستمر لمدّة 6 أشهر بغرض تحقيق مطالب سياسية ووطنية تتعلق بمستقبل البلاد.
بدأ الإضراب في 19 أبريل/نيسان 1926، واستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وتطوّرت به أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت في يونيو/حزيران 1916، واستمرت حتى أكتوبر/تشرين الأول 1918.
مارس البريطانيون سياسات ترهيبية في محاولة لإخضاع الفلسطينيين وإيقاف الدعم الشعبي للثورة، ورغم ذلك ظنوا أنها لن تصل منطقة بئر السبع في الجنوب لبعدها عن منطقة اندلاع الثورة ولقلة المستوطنين الموجودين فيها.
إلا أن ما حدث كان غير ما توقعه الإنجليز، فالمجاهدون بعد انتصارهم بقيادة قائد منطقة الخليل، عبد الحليم الجولاني (الملقب بالشلِّف)، بمعركة الخليل في 22 أغسطس/آب 1938، قرروا تنفيذ عملية في مدينة "بئر السبع" وتحريرها من الوجود البريطاني.
بداية المعركة
رصد المجاهدون حركة الجيش البريطاني لفترة طويلة بسرية، بمساعدة المدرسين الفلسطينيين في المنطقة، حيث عقدوا اجتماعات سرية معهم، وخططوا للعملية.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 1938، جهز الجولاني 60 رجلا انضم لهم في ما بعد مجاهدون من غزة، ونقلتهم 4 شاحنات من الخليل باتجاه بئر السبع.
وزع الجولاني المجاهدين لمجموعتين، جعل الأولى تتمركز على طريق القدس، والثانية تحرس المنطقة الجنوبية وتقطع طريق غزة، وأمر بتطويق المدينة من جهاتها الأربع، لضمان قطع الطرق أمام الدعم البريطاني من الدخول للمنطقة في أثناء العملية.
أهم المحطات
دخل فصيل القيادة من المجاهدين إلى مخازن السلاح في ثكنة عسكرية موجودة داخل المنطقة، واستطاعوا خلال نصف ساعة الاستيلاء على 250 بندقية، و50 مسدسا ومثله من صناديق الذخيرة، مع 200 قنبلة، و100 بندقية قديمة الطراز، مما مكن من تسليح أكبر عدد من المجاهدين، كما فتحوا أبواب السجن وحرروا الأسرى العرب المحتجزين قبل أن يسلحوهم أيضا.
وبدأ المجاهدون مع الأسرى المحررين، بتفتيش الدوائر الحكومية والاستيلاء على ما وجدوه مفيدا، ثم أشعلوا فيها النيران، وواجهوا في أثناء ذلك قوات الإنجليز المكونة من 5 شرطيين وضباط وبعض أفراد الشرطة العرب.
استطاع المجاهدون قتل قائد الشرطة البريطانية، وأصابوا عددا من الجنود الإنجليز، قبل أن ينسحبوا في صباح اليوم التالي، معلنين أول وأضخم معركة يشهدها جنوب فلسطين.
الخسائر
لم تقع أي خسائر في الجانب الفلسطيني على غرار الجانب البريطاني، حيث قتل الثوار قائد الشرطة البريطاني، وأصابوا العشرات من الجنود البريطانيين، كما أحرقوا مركز الشرطة والدوائر الحكومية، بعد مصادرتهم وثائق رسمية مهمة.
النتائج
أسهمت هذه المعركة في إطلاق سراح العديد من الأسرى العرب، وغنم الفلسطينيون في هذه المعركة 250 بندقية، و50 صندوق ذخيرة، و50 مسدسا ونحو 200 قنبلة، و100 بندقية من طراز قديم، غير الخوذات والألبسة ورشاش سريع الطلقات الذي كان السبب في إسقاط الطائرتين الإنجليزيتين في معركة "جورة بحلص" التي وقعت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 وقادها الجولاني أيضا.
بعد تسليح المجاهدين بذخيرة كافية، استطاع الجولاني تسليح بعض أفراد الشعب أيضا، مما مكنه من التفرغ للعمليات الحربية بصورة أكثر تنظيما.