تتجه إليها الأنظار خلال الأزمات.. ما المحكمة الاتحادية في العراق وما آثارها السياسية؟

جلسة عدم دستورية قانون النفط والفاز في كردستان (مواقع التواصل)
إحدى جلسات المحكمة الاتحادية العليا في العراق (مواقع التواصل)

بغداد- في كلّ أزمة سياسية تطفو على المشهد العام في العراق، تتجه الأنظار بسرعة البرق إلى المحكمة الاتحادية العليا، دون أن تخلو تلك الأنظار من انتقاد لدورها وقراراتها وتفسيراتها، لأنها تنطوي على تبعات سياسية وإن كانت تستند في ذلك على مواد دستورية.

وأسهمت بعض تفسيرات المحكمة الاتحادية، بالإضافة إلى جملة من قرارات أصدرتها في فترات متفاوتة، في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد إلى حد ما، ومن أبرزها تفسيرها للكتلة الأكبر بعد إعلان نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية في العراق عام 2010 بأنها "التي تتشكل داخل البرلمان، وليس التي تفوز في الانتخابات".

ومهد قرار المحكمة الطريق لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لتشكيل الحكومة لولاية ثانية (2010-2014) رغم أنه جاء ثانيا بالانتخابات بـ89 مقعدًا، بعد أن فاز زعيم ائتلاف "قائمة العراقية" إياد علاوي بالمرتبة الأولى بـ91 مقعدًا.

وتقرر إنشاء المحكمة الاتحادية العليا وتحديد اختصاصاتها بقانون رقم 30 لسنة 2005 وهذا ما نصت عليه المادة (44) منه، وحرص دستور العراق لسنة 2005 على تحديد اختصاصات المحكمة بالمواد (93) و(52/ثانيا) و(61/سادسا/ب) منه.

وعند إنعام النظر في نصوص دستور العراق لسنة 2005، نجد أنه نص في المادة (47) منه على أنه (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وحددت المادة (89) من الدستور أن السلطة القضائية الاتحادية تتكون من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقا للقانون.

النشأة والصلاحيات

وأنشأت المحكمة الاتحادية العليا وهي مؤسسة دستورية بموجب المادة 93 من الدستور العراقي لعام 2005، وقرر مجلس الوزراء -آنذاك- تشكيلها، ويكون مقرها في بغداد تُمارس مهامها بشكل مستقلّ لا سلطان عليها غير القانون، وهي مستقلة ماليا وإداريا.

وتتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس و7 أعضاء أصليين يتم اختيارهم من بين قضاة الصنف الأول المستمرين بالخدمة ممن لا تقل خدمتهم الفعلية في القضاء عن 15 سنة. وللمحكمة 4 أعضاء احتياط غير متفرغين يتم اختيارهم من بين قضاة الصنف الأول المستمرين بالخدمة ممن لا تقل خدمتهم الفعلية في القضاء عن 15 سنة.

ويتولى رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس جهاز الإشراف القضائي اختيار رئيس المحكمة ونائبه، والأعضاء من بين القضاة المرشحين مع تمثيل الأقاليم في تكوين المحكمة، وترفع أسماؤهم إلى رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم الجمهوري بالتعيين خلال مدة أقصاها 15 يوما من تاريخ اختيارهم.

ويتقاضى رئيس المحكمة الاتحادية العليا وأعضاؤها راتب ومخصصات وزير، ويحال إلى التقاعد بمرسوم جمهوري الرئيس ونائبه وأعضاء المحكمة من القضاة بعد إكمال 72 سنة من العمر استثناء من أحكام قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل وأحكام قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 المعدل أو أي قانون يحل محلهما.

وتختص المحكمة الاتحادية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون لكل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة، والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.

ومن صلاحيات المحكمة الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم أو المحافظات، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم.

أبرز القرارات والتفسيرات

وقد أدى غموض بعض مواد الدستور العراقي وكونه حمال أوجه للتفسير إلى وضع المحكمة الاتحادية في مواقف محرج عدة مرات، ولعل أبرز القرارات والتفسيرات التي أصدرتها المحكمة تلك التي جاءت بُعيد انتخابات الدورة الرابعة التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولا سيما تلك المتعلقة بمسائل إشكالية بين الواقع السياسي والنصّ الدستوري، في ضوء المشاكل والطعون المقدمة.

ففي تفسيرات المحكمة الاتحادية للطعون أو الإجراءات ما بعد انتخابات الدورة الرابعة للبرلمان، قضت المحكمة برد الطعون التي قدمتها قوى الإطار التنسيقي الشيعي الخاصة برفض نتائج الانتخابات.

وأيضًا بعد انعقاد أول جلسة لمجلس النواب الحالي، حدث اضطراب داخل المجلس مما دعا إلى نقل رئيس السن محمود المشهداني إلى المستشفى، وبعد بيان رأي الهيئة القانونية النيابية أكمل الاحتياط الأول لرئيس السن الجلسة، وانتخب رئيس مجلس النواب ونائباه، مما دعا أطرافا عديدة مقربة من الإطار التنسيقي، ومنه المشهداني ذاته إلى رفع دعوى إلى المحكمة الاتحادية ترفض انتخاب الرئيس ونائبيه بعد غياب رئيس السن لدواع صحية، حسب الدعوى.

وأصدرت المحكمة الاتحادية قرارها في 25 يناير/كانون الثاني 2022 بإيقاف كافة الإجراءات التي اتخذها ويتخذها مجلس النواب ورئيس المجلس ونائباه.

وكذلك الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية في 15 فبراير/شباط 2022 بعدم دستورية قانون النفط والغاز الصادر عن حكومة إقليم كردستان، وإلزامها حكومة الإقليم بتسليم النفط إلى الحكومة الاتحادية.

إلا أن أبرز قرارات المحكمة والتي كانت بمثابة الخطوة الأولى لإبطال مشروع التحالف الثلاثي بين مقتدى الصدر ومحمد الحلبوسي ومسعود البارزاني كان إيقاف ترشيح مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري مؤقتا من لدن المحكمة الاتحادية عقب شكوى مُقدّمة من نواب من الاتحاد الوطني الكردستاني أمام المحكمة ضد ترشيح زيباري.

وفي 13 فبراير/شباط 2022، قضت المحكمة برفض ترشيح زيباري لمنصب رئيس الجمهورية لضلوعه في أعمال فساد عندما كان وزيرا.

ومن بين أكثر قرارات المحكمة الاتحادية التي زادت من سخونة المشهد السياسي في البلاد وغضب مقتدى الصدر على حدّ سواء هو تفسيرها لنصاب انتخاب رئيس الجمهورية، والقاضي بانعقاد مجلس النواب بثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وهذا ما دفع أنصار الصدر للاعتصام أمام مجلس القضاء الأعلى خلال الأسبوع الماضي قبل أن ينسحبوا بعد ساعات.

هل كانت أداة سياسية؟

يقول الكاتب والصحفي العراقي سامان نوح في تصريح للجزيرة نت إن المحكمة الاتحادية لم تتحوّل إلى أداةٍ سياسية بيد طرف ضد آخر، إلا أنه يقر بأنها كانت متأثرة ببعض الأطراف، مضيفا أن طبيعة المحكمة وتشكيلتها موزعة على عدة قوى، لأن الكتل السياسية هي التي تُرشح أعضاءها.

الكاتب والمحلل السياسي الكردي سامان نوح الجزيرة 1
سامان نوح: التأثير السياسي على المحكمة الاتحادية موجود ولكن لا يمكن القول إنها تستخدم أداةً سياسيةً (الجزيرة)

إذ إن اتفاق بعض الكتل السياسية على أي أمر قد يعني أن الأغلبية في المحكمة الاتحادية ستذهب باتخاذ قرار باتجاه محدد، وفقًا لتصريح نوح، والذي يُشير إلى أن التأثير السياسي موجود، لكن لا يمكن القول إن المحكمة الاتحادية استخدمت أداة سياسية لهذا الطرف أو ذاك.

ويرى المتحدث نفسه أن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارات كانت في بعض الأحيان لمصلحة طرف ما، وفي أحيانٍ أخرى ضد مصلحة الطرف نفسه، مستشهدا بالتيار الصدري وكيف كان يرحب بعدة قرارات للمحكمة ولا سيما في الفترة التي تبعت الانتخابات الأخيرة، إلا أن التيار أصبح ينتقد في الفترة الأخيرة بعض قرارات المحكمة.

ويقول نوح إن كل طرف ينظر إلى قرارات المحكمة الاتحادية من منظوره، ومدى استفادته منها لدعم سياسته، لكن المحكمة عموما مُشكّلة من ترشيحات لكتل سياسية، وبالتالي هي على أرض الواقع تمثل آراء مختلف القوى السياسية، ولكن المحكمة بالنتيجة لا تستطيع أن تصدر قرارا خارج الدستور أو القوانين السائدة في العراق، لأنها في النهاية تلتزم بالدستور والقوانين.

المصدر : الجزيرة