اتفاقية الجزائر.. معاهدة ترسيم الحدود بين العراق وإيران
"اتفاق الجزائر" أو "إعلان الجزائر" هو اتفاق تم توقيعه في السادس من مارس/آذار 1975 بين إيران والعراق، بمبادرة من الرئيس الجزائري هواري بومدين، وتم بموجب الاتفاق تسوية النزاعات الحدودية المشتركة بين البلدين، مثل النزاع على شط العرب، المعروف إيرانيا باسم "أرفاند رود".
الخلفية التاريخية
كانت مسألة ترسيم الحدود بين العراق وإيران تمثل دوما نقطة خلاف بين البلدين، مما أثار الكثير من النزاعات عبر التاريخ.
ففي عام 1830 إثر سلسلة من الحوادث الحدودية دفعت إيران والعراق -الذي كان جزءا من الدولة العثمانية- إلى حافة الحرب، ووقتها عرضت بريطانيا والإمبراطورية الروسية وساطتهما، وتم توقيع معاهدة أرضروم الثانية مايو/أيار 1847.
وقسمت هذه المعاهدة المنطقة المتنازع عليها بين إيران والدولة العثمانية، ونصت على تشكيل لجنة حدود لترسيم كامل الحدود بين الدولتين، إلا أن عمل هذه اللجنة صادفه العديد من الانتكاسات السياسية.
بعد ظهور النفط مطلع القرن العشرين، زادت الخلافات الحدودية بين البلدين، وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1913، بعد مفاوضات طويلة، تم توقيع بروتوكول الأستانة لترسيم الحدود بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الفارسية، وغدا خط الحدود يمر من منتصف شط العرب لمسافة 4 أميال، أي 7 كلم تقريبا.
ويتكون شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة شمال البصرة، لينتهي عند مصبه في الخليج العربي، أقصى نقطة جنوبي العراق.
وحينذاك، اعتبر خط القعر في شط العرب هو الحدود البحرية الرسمية مع إيران، ونقطة خط القعر هي أعمق النقاط في وسط شط العرب.
بروتوكول الأستانة
بعد توقيع بروتوكول الأستانة، تشكلت اللجنة الرباعية التي أنهت أعمالها يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1914، وسُجلت في محاضر تفصيلية للجلسات بلغت 87 محضرا، ورسمت 18 خريطة تفصيلية للحدود بين الدولتين، وثبتت 233 دعامة حدودية بين الجانبين.
وبموجب بروتوكول الأستانة، ومعاهدة أرضروم الثانية عام 1847 أصبحت الحدود تسير مع الضفة اليسرى لنهر شط العرب، بعد أن كان النهر بكلتا ضفتيه يخضع للسيادة العثمانية.
ومن أبرز ما نص عليه بروتوكول الأستانة:
- تنازل الدولة العثمانية عن كثير من الجزر الصغيرة الموجودة في المنطقة، أو التي تنشأ في ما بعد.
- تنازل الدولة العثمانية عن جزء من الإقليم العربي في شط العرب أمام ميناء المحمرة، ولمسافة 4 أميال فأصبح خط الحدود في تلك المنطقة يمر في منتصف شط العرب أمام ميناء المحمرة، ومن ثم يعود ليسير مع الضفة الشرقية للنهر حتى البحر تاركًا مجموعة من الجزر بحوزة الدولة الفارسية.
- الاعتراف بتبعية شط العرب للدولة العثمانية.
- تعهد الحكومة الفارسية رسميًا بألا تتدخل في سيادة الدولة العثمانية كما تنازلت عما لها من مطالب في مدينة السليمانية.
معاهدة الحدود 1937
بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، تفككت الدولة العثمانية، وخضع العراق للانتداب البريطاني، وتصاعدت مشاكل الحدود مع إيران عندما قام الشاه رضا بهلوي يوم 20 أبريل/نيسان 1925 باحتلال محافظة عربستان (تطلق عليها إيران خوزستان) الحدودية جنوب غربي إيران ومركزها مدينة الأحواز.
وعام 1937، عندما كان العراق تحت الهيمنة البريطانية، تم توقيع اتفاق يرى أن نقطة معينة في شط العرب غير خط القعر هي الحدود البحرية بين البلدين.
وبموجب المعاهدة، وافق العراق أن يمر خط الحدود بطول 7.75 كلم من شط العرب أمام عبدان، مع السماح للسفن الحربية للبلدين بالدخول والخروج عبر مصب شط العرب إلى موانيه.
لكن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت هذا الترسيم الحدودي واعتبرته "صنيعة إمبريالية"، وعدّت نقطة خط القعر في شط العرب، التي كان متفقا عليها عام 1913، الأساس في رسم الحدود بين البلدين.
ومع سيطرة حزب البعث على الحكومة العراقية عام 1968، طالبت بغداد بالسيطرة الكاملة على شط العرب.
وفي 19 أبريل/نيسان 1969، أعلنت إيران إلغاء معاهدة الحدود لعام 1937 من طرف واحد، ثم أخذت تهدد باللجوء للقوة إن لم تتحقق مطالبها، في حين أبلغ العراق حكومة طهران أن كامل شط العرب مياه عراقية، وأنه لا يعترف بفكرة خط القعر.
زادت حدة الخلافات بين البلدين، فدعمت إيران الأكراد ضد الحكومة العراقية، في المقابل كانت بغداد تثير عرب منطقة عربستان (خوزستان) ضد الحكومة الإيرانية.
أدت الخلافات إلى قيام حرب استنزاف بين الطرفين على طول خط الحدود بدأت منذ إلغاء اتفاقية 1937، وازدادت الصدامات، والتوترات بين العراق وإيران عام 1972 بعد احتلال إيران للجزر العربية (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) عام 1971.
استمرت الصدامات والتوترات والاشتباكات بين الدولتين، وفي 22 فبراير/شباط 1974، قدم العراق عبر مندوبه الدائم في الأمم المتحدة تقريرا يلفت نظر مجلس الأمن الدولي إلى خطورة الوضع القائم على طول الحدود بين الدولتين، وأعرب العراق عن رغبته في إجراء مفاوضات لحل الخلافات سلميًا.
اتفاق الجزائر 1975
في السادس من مارس/آذار 1975، في أثناء انعقاد مؤتمر القمة للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" (Opec)، قام الرئيس الجزائري هواري بومدين بمبادرة ناجحة لحل الخلافات العراقية الإيرانية، حيث جمع بين صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وتم الاتفاق على أن تجري المباحثات بشأن قضيتين أساسيتين، هما:
- إنهاء المساعدة الإيرانية للأكراد.
- تخطيط الحدود البرية والنهرية للبلدين بشكل نهائي.
وقّع الاتفاق عن الجانب العراقي نائب الرئيس آنذاك صدام حسين وعن الجانب الإيراني شاه إيران محمد رضا بهلوي، وبإشراف رئيس الجزائر حينذاك هواري بومدين.
كان الاتفاق بمنزلة أساس للمعاهدات الثنائية الموقعة في 13 يونيو/حزيران، و26 ديسمبر/كانون الأول 1975، فضلا عن 3 بروتوكولات ملحقة بها خاصة بالحدود البرية والنهرية وأمن الحدود.
أهداف الاتفاقية
كان الهدف الرئيسي من الاتفاقية إنهاء الخلافات الحدودية بين العراق وإيران على الممر المائي لشط العرب وفي محافظة خوزستان.
إلا أن العراق كان يرغب أيضًا -عبر هذه الاتفاقية- في إنهاء التمرد الكردي المتصاعد في حقبة الستينيات من القرن الماضي على الحدود بقيادة مصطفى البارزاني، الذي كان مدعوما من إيران.
أبرز البنود
ومن أبرز ما تنص عليه اتفاقية الجزائر:
- تعهد الطرفين بممارسة رقابة صارمة وفعالة على الحدود، لوقف كل تسلل ذي طابع تخريبي.
- إجراء تخطيط نهائي للحدود البرية بناء على "بروتوكول القسطنطينيـة" لسنة 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914.
- يتبع خط الحدود في شط العرب (التالوك) أي خط وسط المجرى الرئيسي الصالح للملاحة عند أخفض منسوب لقابلية الملاحة، ابتداءً من المنطقة التي تنزل فيها الحدود البرية بين البلدين في شط العرب حتى البحر.
- تتمتع السفن التجارية والحكومية والعسكرية للطرفين المتعاقدين بحرية الملاحة في شط العرب.
- أكدت المعاهدة أن خط الحدود البري والنهري مما لا يجوز المساس به، وأنه دائم ونهائي.
- حل الخلافات عن طريق المفاوضات أو اللجوء إلى التحكيم الدولي في حال الاختلاف في التفسيرات حول خط الحدود، إذا تعذر الاتفاق بين الطرفين، أو عند اللجوء إلى دولة أخرى كوسيط بينهما، وفق أطر زمنية حددها الاتفاق ويكون حكم المحاكم ملزما للطرفين.
أنهت اتفاقية الجزائر حالة النزاع بين العراق وإيران، حيث توقفت طهران عن دعم الأكراد، كما توقفت بغداد عن إثارة الاضطرابات في عربستان، بعدها بدأ الجانب الإيراني باستثمار البند الخاص بشط العرب، فتشكلت لجان مشتركة لوضع دعامات الحدود بين البلدين، وقطع الطرفان أشواطًا في العمل حتى أواخر عام 1978.
حرب الخليج الأولى
وفي 17 سبتمبر/أيلول 1980، وبعد أقل من 6 سنوات من التوقيع، ألغى العراق المعاهدة من طرف واحد بعد سلسلة من الاشتباكات الحدودية بين البلدين واندلعت الحرب بين البلدين، التي استمرت قرابة 8 سنوات.
ويعد إلغاء اتفاق الجزائر واحدا من أسباب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى)، وتحشيد قوات عسكرية عراقية على الحدود مع إيران، ومن ثم البدء بعمليات عسكرية داخل الحدود الإيرانية في 22 سبتمبر/أيلول 1980.
وفي الثامن من أغسطس/آب 1988، بعد وقف إطلاق النار بين البلدين، وافق العراق بموجب قرار مجلس الأمن الصادر في 28 أغسطس/آب 1980 على العودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاقية جديدة تنظم العلاقة الحدودية والأمنية مع إيران.
بعد غزوه الكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990، عاد صدام للاعتراف باتفاقية الجزائر على أمل ضمان ألا تقف إيران مع أميركا في مساعيها لإخراج قواته من الكويت.
كان صدام يرغب أيضا في تأمين الحدود مع إيران لضمان عدم السماح لمسلحي المعارضة المقيمين في إيران بالدخول إلى العراق عبر الحدود، مستغلين انشغال بغداد بالحرب المتوقعة مع واشنطن والعواصم الحليفة لها.
ومارس/آذار 2019، أعلن البلدان، في بيان مشترك أعقب زيارة الرئيس الإيراني حينها حسن روحاني إلى بغداد، "عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بين العراق وإيران لعام 1975 (اتفاقية الجزائر)".