كالينينغراد.. مقاطعة روسية وسط أوروبا
كالينينغراد مقاطعة إدارية تابعة لروسيا، لا تربطها أي حدود برية بها، حيث تطل على بحر البلطيق وتقع بين دولتي ليتوانيا وبولندا في القارة الأوروبية، لكنها اعتبرت طوال تاريخها مدينة عسكرية، فإطلالتها على بحر البلطيق جعلت منها خيارا ممتازا لإقامة قواعد عسكرية.
سميت المدينة "كونيغسبرغ" سابقا عندما كانت عاصمة لبروسيا، وذلك الاسم يعني "جبل الملك"، وذلك قبل أن يتغير اسمها بعد سقوطها بأيدي الاتحاد السوفياتي إبان الحرب العالمية الثانية عام 1946.
ظهرت أهمية كالينينغراد عسكريا قبل 4 قرون عندما بدأ الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر ببناء أسطول بحر البلطيق، وتعدها روسيا اليوم منطقة عسكرية مهمة بسبب موقعها الإستراتيجي بوسط أوروبا وإطلالتها على بحر البلطيق.
بعد الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا فبراير/شباط 2022، أصبحت كالينينغراد بؤرة لأحداث مهمة، عقب إعلان ليتوانيا عزمها عدم السماح للسكك الحديدية الروسية بنقل المواد والبضائع عبر أراضيها إلى المقاطعة.
الموقع الإستراتيجي
رغم أن كالينينغراد مقاطعة إدارية روسية، فلا تربطها بروسيا أي حدود برية، وتبعد عن التراب الروسي من الغرب 300 كيلومتر.
وتطل كالينينغراد على بحر البلطيق وتقع في قلب دول حلف الشمال الأطلسي (ناتو) بين ليتوانيا شمالا وشرقا وبولندا جنوبا. وتعد أحد الأقاليم الروسية البالغ عددها 46 إقليما.
تبلغ مساحتها 15 ألف كيلومتر مربع، وتعد ثاني أكبر مدينة في المنطقة الفدرالية الشمالية الغربية، بعد سان بطرسبورغ. وتستغرق الرحلة إليها 20 ساعة بالقطار من موسكو.
وتتميز المدينة بوجود منحدرات وتلال ومستنقعات منخفضة، وتتكون غاباتها من شجر البلوط والصنوبر والتنوب والزان الذي يستعمل خشبه في صناعة الأثاث.
وكالينينغراد من المناطق المهمة لروسيا عسكريا وجغرافيا وسياسيا، خاصة بعد تصاعد التوتر بين روسيا ودول حلف الناتو، الذي تتهمه روسيا بالتوسع في اتجاه حدودها وترى ذلك تهديدا أمنيا لها.
واعتُبرت كالينينغراد مدينة عسكرية طوال تاريخها بداية من بروسيا وألمانيا وصولا للاتحاد السوفياتي، فإطلالتها على بحر البلطيق جعلت منها خيارا ممتازا لإقامة قواعد عسكرية للدفاع عن الحدود الشرقية.
السكان
يقدر عدد سكان كالينينغراد بنحو مليون نسمة، 80% منهم أصولهم روسية، وهجّر الألمان منها أو خرجوا بعد استيلاء الاتحاد السوفياتي عليها عام 1946.
التاريخ
كانت المدينة سابقا عاصمة لدولة الفرسان التيوتونيين (فرسان المعبد)، ثم مقاطعة في دولة "بروسيا الشرقية" إلى أن أصبحت عام 1946 تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي، وتنازل الألمان عنها بموجب اتفاقية بوتسدام عام 1945.
ونشأت كونيغسبرغ، اسمها القديم، حول قلعة بناها الفرسان التيوتونيون على تلة عام 1255 بطلب من ملك بوهيميا، الذي سميت المدينة باسمه وقتها. وكان مكانها سابقا قريبا من منطقة "ستيندام" الموجودة في ألمانيا حاليا. لكن بعدما دمرت من قبل البروسيين عام 1263 أعيد بناؤها ضمن حدود المدينة الحالية.
تعرضت تجارة المنطقة لكثير من العراقيل بسبب التغير المستمر للسيطرة عليها، وبسبب التدمير الشديد الذي لحق بها بعد الحرب الشمالية الأولى التي كانت بين عامي 1655 و1660، حتى تعافت نهاية القرن الـ17. وخلال حرب السنوات السبع (1756-1763) اعتبرت المنطقة جزءا من روسيا لأول مرة سنة 1758، لكن عام 1762 أعيدت إلى مملكة بروسيا.
خلال القرن الـ19، نشطت التجارة في المنطقة بعد افتتاح السكك الحديدية في بروسيا، فأصبحت المنفذ الأول للمواد الغذائية الروسية كالحبوب والبذور والكتان.
خلال الحرب العالمية الأولى حوصرت المدينة لكن السوفيات فشلوا في الاستيلاء عليها، غير أنهم عادوا وحاصروها في أثناء الحرب العالمية الثانية لأكثر من شهرين.
دمرت الحرب العالمية الثانية معظم المدينة وأهم معالمها، منها كاتدرائية كونيغسبرغ التاريخية التي تعود للقرن الـ14، وقلعة الفرسان التيوتونيين، وجامعة ألبرت الأول التي تأسست عام 1544.
وبعد أن هيمن الاتحاد السوفياتي عليها، أعيد بناؤها وغيّر ميخائيل إيفانوفيتش اسمها إلى كالينينغراد عام 1946، وأصبحت مركزا صناعيا وتجاريا رئيسيا في المنطقة.
في سنة 1947 أُجلي جميع السكان الألمان منها، واستقروا في ألمانيا الغربية والشرقية، وعوِّضوا بسكان من روسيا وبيلاروسيا، للعيش فيها.
ولفترة طويلة كانت كالينينغراد مدينة مغلقة بسبب موقعها الإستراتيجي، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي، تغير كل شيء، وتغيرت وضعية المنطقة البالغ مساحتها 200 كيلومتر مربع بعد إعلان ليتوانيا استقلالها عام 1990.
وكان الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين طالب قبل ذلك -خلال مؤتمر طهران عام 1934- بنقل كونيغسبرغ وشرق بروسيا إلى الاتحاد السوفياتي، لأنه لم يكن لدى البلاد ما يكفي من الموانئ الخالية من الجليد على بحر البلطيق.
بعد الحرب الروسية على أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022، قامت ليتوانيا بتقييد عمليات النقل الروسية بالسكك الحديدية إلى منطقة كالينينغراد، وحظرت نقل البضائع الخاضعة للعقوبات إلى الإقليم الإستراتيجي معتمدة على عقوبات الاتحاد الأوروبي.
ويشمل هذا المنع المنتجات المصنوعة من الحديد والصلب وبعض المعادن الأخرى، وكذلك الكافيار والكحول والأسمدة والأخشاب والبضائع المصنوعة من الخشب والأوعية الزجاجية والإسمنت.
وكانت روسيا هددت بولندا ودول البلطيق مرارا بعمل عسكري منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا. واتهم المسؤولون الإستونيون روسيا بإجراء محاكاة هجوم صاروخي على بلادهم وانتهاك مجالها الجوي بطائرة مروحية في 18 يونيو/حزيران 2022، وهي المرة الأولى التي تقتحم فيها مروحية روسية المجال الجوي الإستوني.
المعالم
تتميز كالينينغراد -التي تسمى أيضا مدينة أحجار الكهرمان- بهندستها المعمارية المتأثرة بالتاريخ الأوروبي العريق، وتحديدا في فترة خضوعها للسيطرة الألمانية ثم السوفياتية بعد ذلك.
من أهم معالمها كاتدرائية كونيغسبرغ، الكنيسة المسيحية التي بنيت على الطراز القوطي، وفيها ضريح الفيلسوف إيمانويل كانط، وتعرضت هذه الكنيسة للتدمير الشامل في أثناء الحرب العالمية الثانية، وتمت إعادة بنائها بعد سيطرة السوفيات. وتعد الآن متحفا يضم قطعا أثرية كثيرة، كالأزرار والعملات المعدنية والمفاتيح والكتب وغيرها.
ثاني أبرز معالمها "بوابة الملك"، وهي إحدى البوابات السبع الباقية في المدينة عندما كانت تحت الحكم الألماني. بنيت أغسطس/آب 1843، بمشاركة نبلاء المدينة وملك بروسيا وقتها، وتم الانتهاء من بنائها عام 1850، وكان الغرض منها تحصين المدينة ببناء أسوار بجانبها، لكن بسبب التغيرات العسكرية فقدت وظيفتها بداية القرن الـ20.
الاقتصاد
وتعد كالينينغراد محورا رئيسيا للنقل في روسيا، بسبب الشبكة الكبيرة والمتطورة للسكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ البحرية والنهرية ومطار "خرابروفو" الدولي، كما يقع فيها مقر أسطول بحر البلطيق التابع للبحرية الروسية في كالينينغراد.
تعتمد الصناعة فيها على الهندسة وتشغيل المعادن وصناعة الورق، وإنتاج العنبر، ويعتبر الصيد على الساحل من المهن الأساسية فيها. وتركز الزراعة في المدينة على الحبوب والبطاطا وحلب الأبقار.
الأعلام
اشتهرت المدينة بشخصيات برزت في عدة مجالات؛ ففي المجال السياسي، ظهر اسم فريدرش دوق ساكسونيا الأستاذ الأكبر الـ36 لفرسان التيوتونيين، ولد عام 1474وحكم بين 1498 إلى 1510 حتى توفي عام 1510.
وفي المجال العلمي، اشتهر العالم فيليب يوهان فرديناند شور العالم في النبات والصيدلة والكيمياء، أصله نمساوي، لكنه ولد في كونيغسبرغ وقت حكم الألمان للمنطقة عام 1799، وتوفي عام 1878.
ومن أبرز أعلامها في الفلسفة آنذاك إيمانويل كانط المولود في كونيغسبرغ 22 أبريل/نيسان 1724، والذي ألّف ثلاثيته النقدية "نقد العقل الخالص"، و"نقد العقل العملي"، و"نقد ملكة الحكم"، وتوفي يوم 12 فبراير/شباط 1804 ويقع قبره بالكاتدرائية التي بنيت في القرن الـ14.