منطقة "مسافر يطا".. قرى فلسطينية يهددها كابوس التهجير القسري منذ عقود
تجمع من 12 قرية فلسطينية، يقع في مدينة "يطا" جنوب الضفة الغربية. يعاني سكانها من خطر التهجير القسري الدائم منذ عقود بسبب إقامة سلطة الاحتلال 10 مستوطنات وبؤر ومناطق "إطلاق نار (918)" للتدريب العسكري.
تكبد الفلسطينيون في المنطقة أضرارا تهدد أمن معيشتهم باستمرار، بسبب تعدي المستوطنات بشكل يخالف القانون الدولي الإنساني (المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة) التي تحظر نقل السكان المدنيين التابعين للسلطة الإسرائيلية إلى الأراضي المحتلة.
ويتعرض الفلسطينيون في هذه القرى للضرب بالعصي وإلقاء الحجارة من طرف المستوطنين، وترويع ماشيتهم وتفريقها عن طريق امتطاء الخيول أو المركبات الجبلية لإخافة القطعان، وإطلاق كلاب تهاجم الرعاة وأغنامهم. ويتعرضون لإضرام النار في حقولهم وقطع أشجارهم.
ويحظر الوصول إلى مناطق "إطلاق النار" على أبناء التجمعات السكنية المهجرة من المنطقة، في وقت لا تجرى فيه التدريبات العسكرية، ويستثنى من ذلك زراعة الأراضي ورعي المواشي في عطلات نهاية الأسبوع أو خلال الأعياد اليهودية لمدة شهر واحد فقط سنويا.
الموقع:
تقع منطقة "مسافر يطا" في مدينة يطا بين 14 و24 كيلومترا جنوب شرق محافظة الخليل، وتعد ثانية أكبر مدنها سكانا ومساحة، ضمن مساحة 35 ألف كيلومتر مربع. وتقع التجمعات المهددة بالتهجير القسري جنوب شرق "المسافر" على مساحة 32 ألف كيلومتر مربع.
وخلال العقد الثامن من القرن الماضي صنف جيش الاحتلال 30 كيلومترا مربعا من مساحة "مسافر يطا" مع "خربة أم فجارة" باعتبارها "مناطق إطلاق نار" لغايات التدريب العسكري، مع 13 تجمعا سكنيا آخر، يأوي 3 آلاف نسمة.
وخصصت سلطات الاحتلال مناطق عسكرية يطلق عليها منطقة "إطلاق النار" (918) لمعظم الأراضي السكانية في المنطقة مع 14 تجمعا للفلسطينيين من أصل 38 تجمعا عام 1999، وذلك لأغراض التدريب العسكري.
السكان:
يوجد ما لا يقل عن 3 آلاف فلسطيني في منطقة "مسافر يطا" على تلال جنوب الخليل حسب إحصاءات محلية ودولية، بعضها أعده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا" (OCHA-OPT).
ويعيش فلسطينيو المنطقة ظروفا معيشية صعبة، ويقطنون عادة في كهوف تحت الأرض، بسب عدم حصولهم على تصاريح بناء قانونية، فلا يمكنهم صيانة منازلهم ولا توسيعها.
ومنذ بدايات 2000 بدؤوا بناء أكواخ من الصفيح وغرف صغيرة فوق الأرض. لكن تحول معظمها إلى حطام بعد تدخل قوات الاحتلال بالجرافات لإزالتها.
ويبلغ عدد السكان المهددين بالتهجير القسري عقب قرار المحكمة الإسرائيلية 1200 فلسطيني بينهم 500 طفل، بعد معركة قانونية استمرت عقودا وانتهت مايو/أيار 2022 بالمحكمة العليا الإسرائيلية.
وتعد التجمعات السكنية الـ 38 في منطقة "مسافر يطا" من أضعف التجمعات في الضفة الغربية، فخدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء لديهم محدودة.
التاريخ:
منذ سبعينيات القرن الماضي صنفت إسرائيل مساحات كبيرة من أراضي "مسافر يطا" باعتبارها مستوطنات، وتوسع المشروع شمال المنطقة وشرقها وجنوبها الشرقي، مما حدّ من حرية الفلسطينيين في التنقل والمساحة المتاحة لهم لرعي مواشيهم التي تشكل مصدر دخلهم الرئيسي. فتسبب ذلك باعتماد الرعاة على العلف واضطرارهم لشرائه بالدين.
وتعرض الفلسطينيون في "مسافر يطا" لخطر التهجير القسري سنة 1999، بعد أن طرد جيش الاحتلال 14 تجمعا سكنيا من المنطقة، ودمر وصادر معظم منازل السكان بحجة أن المناطق هذه تابعة لـ "منطقة إطلاق النار" وأن سكانها لم يستوفوا شروط "الإقامة الدائمة" رغم أن الأسر كانت بحوزتها وثائق تثبت ملكيتها للأرض ويعود تاريخها إلى ما قبل عام 1967.
وقد هجر الاحتلال أواخر 1999 نحو 700 مواطن فلسطيني بالقوة من 12 قرية وخربة، ولكن السكان عادوا بعد 4 أشهر من جديد بموجب التماس قدم للمحكمة الإسرائيلية، فأصدرت محكمة العدل العليا ردا على التماسين قدمهما السكان، وسمحت لهم بأمر احترازي مؤقت بالعودة إلى المنطقة حتى وقت إصدار قرار نهائي بالقضية.
ورغم ذلك، صرحت وزارة دفاع الاحتلال عام 2012 بوجوب إخلاء 8 تجمعات سكنية، والسماح لهم بوصول محدود للأراضي من أجل فلاحتها، علما بأن الإدارة المدنية الإسرائيلية حاولت نقلهم إلى أماكن أخرى لكن السكان رفضوا ذلك.
ويعاني الفلسطينيون من أعمال عنف مستمرة، ففي عام 2006 قتل المستوطنون 100 رأس غنم لمحمود حمامدة أحد سكان المنطقة، وفي 28 سبتمبر/أيلول 2021 أصيب 9 فلسطينيين بعدما هاجم التجمعات السكنية إسرائيليون من بؤرتي أفيغايل ومزرعة ماعون الاستيطانيتين، وأصيب على إثرها حفيد محمود ذو الـ 3 أعوام بحجر في رأسه وهو في سريره.
وقد وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2021 نحو 500 هجمة شنها مستوطنون بالمنطقة، مما تسبب باستشهاد 4 فلسطينيين وإصابة 175 آخرين، وألحقت أضرار كبيرة بممتلكاتهم.
وذكر المكتب الأممي أن هذه الهجمات قد زادت بنسبة 40% و50% مقارنة بسنتي 2019 و2020 على التوالي، وتعتبر هجمات 2021 أعلى نسبة يسجلها المكتب منذ بداية توثيقه أعمال العنف للمستوطنين سنة 2005.
ووفقا لمنظمة "يش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فإن شرطة الاحتلال لم تحقق سوى بـ 38 من أصل 60 حادثا، ولم توجَّه أي لوائح اتهام. وحكم على مستوطن بالسجن لمدة 20 شهرًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بسبب إلقائه قنبلة صوتية على منزل فلسطيني، مما أدى لإصابة فلسطينييْن وإلحاق أضرار جسيمة بالمنزل.
وبين عامي 2011 و2021 هدمت أو صادرات القوات الإسرائيلية 20 مبنى بالمنطقة، وأبرزها حادث عام 2011 عندما هُجر 8 فلسطينيين مع 30 طفلا، هُدم فيها مسجد المنطقة ودُمرت مضخات المياه ومولد الكهرباء للسكان.
وهناك مساع إنسانية لتقديم مساعدات لأبناء التجمعات السكانية في "مسافر يطا" لتوفير احتياجاتهم الأساسية والوقوف ضد ترحيلهم القسري عنها. لكن سلطات الاحتلال تصدر أوامر هدم أو وقف عمل للعديد من المواد المقدمة، مع مصادرة المركبات والمعدات وعرقلة إمكانية وصول العاملين بالمجال الإنساني.
وقال مكتب "أوتشا" الأممي إنه قد صدرت أوامر هدم للعام 2022 بانتظار تنفيذها باستهداف المدارس والمراكز الطبية الأربعة بالمنطقة المشيدة بدعم من المجتمع الدولي. ورفضت الإدارة المدنية الإسرائيلية مخططا لتشييد البنية التحتية لمنطقة (ج) "خربة أم فجارة" من "مسافر يطا".
وقد رفع طعن على فض المخطط، وما يزال السكان بانتظار البت فيه أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية.
وقد رفضت المحكمة الإسرائيلية في 4 مايو/أيار 2022 الاستئنافات ضد أوامر الإخلاء الصادرة بحق السكان الفلسطينيين في "مسافر يطا" التي تصنف كموقع تدريب عسكري مغلق بحيث ينهي قرار المحكمة فعليا الإجراءات القانونية التي استمرت لأكثر من عقدين، مما يسمح لقوات الاحتلال "بتطهير" المنطقة من السكان واستخدامها للتدريب العسكري.
وحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، هدمت سلطات الاحتلال أو صادرت 217 مبنى فلسطينيا في تلك المناطق منذ عام 2011، وهجرت بذلك 608 فلسطينيين.
الاقتصاد:
يعاني سكان منطقة "مسافر يطا" من تردي الوضع المعيشي، فتجمعاتهم السكنية غير مربوطة بشبكة الكهرباء الإسرائيلية، وبالتالي يعتمد سكانها على منظومات الألواح الشمسية التي تقدمها الجهات المانحة الدولية لتأمين الكهرباء.
غير أن سلطة الاحتلال أصدرت للعام 2013 -وفق "أوتشا"- أوامر هدم 6 ألواح شمسية و30 بئر مياه ولمحركات تعمل بطاقة الهواء تمتلكها المجتمعات.
وأدى ذلك لإجبار العديد من الأسر في المنطقة على شراء صهاريج المياه من القطاع الخاص بأسعار تزيد 5 أضعاف عن سعر المياه المنقولة بالأنابيب.
ويحظر نظام التخطيط الإسرائيلي حصول الفلسطينيين على رخص بناء في "خربة أم فجارة" التي تقع بالمنطقة (ج) المصنف 30% منها ضمن "مناطق إطلاق النار" داخل "مسافر يطا" مما يعيق إقامة المساكن والبنى التحتية وأسس العيش اللائقة.
ويعتبر الفلسطينيون الموجودون بالمنطقة (ج) عرضة لانعدام الأمن الغذائي، لاعتمادهم على تربية المواشي كمصدر رئيسي للدخل، ولا يستطيعون إطعام ماشيتهم لصعوبة وصولهم إلى مناطق الرعي وتهديدات المستوطنين وجيش الاحتلال.
على إثر ذلك انخفض دخل السكان في المنطقة، وزادت نسبة الفقر بينهم، وأصبحوا يعتمدون على المساعدات الغذائية من المنظمات الإنسانية.