من المجلس الأكبر إلى مجلس النواب.. محطات في تاريخ المؤسسة التشريعية التونسية

مجلس النواب التونسي يرجئ انتخاب رئيس له
مجلس النواب التونسي أول مؤسسة تشريعية في تونس وبدأ باسم "المجلس الأكبر" وكان يتكون من 60 شخصا (الجزيرة)

مجلس النواب التونسي أول مؤسسة تشريعية في البلاد، وأفرزتها أعمال المجلس القومي التأسيسي التي انطلقت في الثامن من أبريل/نيسان 1956، بناء على أمر من محمد الأمين باي، وانتهت بالمصادقة على الدستور في الأول من يونيو/حزيران 1959 الذي رسم منطلق البلاد نحو الديمقراطية وحدد آلياتها.

المقر

يقع مجلس النواب التونسي في ضاحية باردو (غرب العاصمة تونس)، ومقره "قصر باردو" الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن 16، وكان في الماضي مقر إقامة "البايات" الذين حكموا تونس قبل عام 1956.

البداية بالمجلس الأكبر

حدد أول دستور عربي صدر في تونس سنة 1861 في فترة حكم محمد الصادق باي ملامح مشهد برلماني تونسي، ويتضمن هذا الدستور تنظيم الحياة السياسية بالبلاد التونسية، والفصل بين السلطات الثلاث، والحد من سلطة الباي وإقرار مسؤوليته أمام المجلس الأكبر.

ومن أهم بنود هذا الدستور الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإنشاء المجلس الأكبر المكون من 60 عضوا المعيّنين لمدة 5 سنوات.

ومن مهامه وضع القوانين وتنقيحها وشرحها وتأويلها والموافقة على الموازنات، ومراقبة الوزراء ودراسة مشروع الميزانية بطلب من الملك.

ورغم الطابع الريادي الذي اكتسبه "المجلس الأكبر"، فإن دوره اقتصر على تقديم استشارات للملك، الذي أصبح بقدوم المستعمر في 1881 يتمتع ظاهريا بصلاحية التشريع وسن القوانين اعتمادا على الأوامر العليّة التي كان يصدرها.

وعمليا، كان تسيير الشأن العام التونسي بيد المقيم العام الفرنسي الذي يعد القوانين ويحررها ثم يحيلها على الباي لختمها وإكسابها شرعية شكلية تجعلها قابلة للنشر والتنفيذ.

إعلان

وفي التاسع من أبريل/نيسان 1938، وبعد تأزم الأوضاع السياسية بين حركة التحرر الوطني وسلطة الاحتلال؛ خرج الشعب التونسي في مظاهرات ضد المستعمر الفرنسي مطالبا ببرلمان تونسي يتمتع بصلاحيات التشريع بوصفه خطوة نحو الاستقلال.

استشهد خلال تلك المظاهرات 22 مناضلا وطنيا برصاص الجيش وقوات الأمن الفرنسية، وبعد الاستقلال دأبت الدولة التونسية على إحياء هذه الذكرى بعنوان "عيد الشهداء"، وهم شهداء حركة التحرر الوطني وشهداء المطالبة ببرلمان تونسي.

محطات تاريخية

يعدّ مجلس الأمة (التسمية الأولى لمجلس النواب) أول مؤسسة تشريعية للبلاد وُلدت من رحم المجلس القومي التأسيسي الذي تولى سن دستور البلاد بعد الاستقلال في 1956.

وهذا المجلس انبثق عن الانتخابات التشريعية التي أقيمت في نوفمبر/تشرين الثاني 1959.

وفي عام 1959، شغل نواب الحزب الحر الدستوري الجديد بزعامة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة كامل مقاعد المجلس التسعين، رغم تقدم الحزب الشيوعي للمنافسة في الانتخابات.

ولم يخرج البرلمان التونسي من تحت عباءة الحزب الحاكم بزعامة بورقيبة، الذي لم يكن يخشى فقط من بروز أحزاب معارضة لسياساته، بل امتد تخوفه وشكوكه إلى المنتمين أيضا لحزبه.

ولذلك أدرج في القانون الانتخابي في الثامن من أبريل/نيسان 1968 الفصل 109، الذي ينص على أن كل عضو من أعضاء مجلس الأمة تم طرده لأي سبب من الأسباب من الحزب أو المنظمة التي زكت ترشحه ينتهي انتسابه لمجلس الأمة.

كان هذا الفصل سيفا سُلط على رقاب النواب حتى لا تخامرهم فكرة معارضة حكومة الحزب الحاكم.

ثم حُذف هذا الفصل سنة 1971 عندما بدأ الحزب الحاكم تسويق صورة تحررية بحجة مخالفته الفصل 25 من الدستور الذي ينص على أن النائب بمجلس الأمة هو نائب عن الأمة جمعاء.

ثم أعيد تفعيله مرة أخرى سنة 1973، ثم ألغي من جديد سنة 1981 عندما قبِل الرئيس الحبيب بورقيبة وجود أحزاب أخرى غير الحزب الاشتراكي الدستوري (الحزب الحر الدستوري الجديد سابقا).

إعلان

وطوال فترة حكم بورقيبة لم تتمكن الأحزاب المعارضة من دخول البرلمان التونسي، لأنه عرف تبعية مطلقة للسلطة الحاكمة التي أدارت -من خلال وزارة الداخلية، وعلى امتداد 31 عاما- الانتخابات التشريعية وفرز الأصوات وإعلان النتائج.

ومع تسلم زين العابدين بن علي السلطة في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987 بدأت بعض بوادر الانفتاح السياسي تلقي بظلالها على المشهد العام في تونس، وأرسلت إشارات توحي بتغير جذري في العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إضافة إلى مختلف مكونات الحراك الاجتماعي والمدني.

ثم عمد بن علي إلى إطلاق سراح مئات الطلبة الذين أجبروا على القيام بالخدمة العسكرية في الصحراء جنوبي البلاد، عقابا على مشاركتهم في احتجاجات شتاء وربيع 1987.

ومنح الاتحاد العام التونسي للطلبة والاتحاد العام لطلبة تونس رخصة للعمل القانوني، وازدهرت الصحف الحرة، وسُمح للإسلاميين بالنشاط السياسي من دون أن يعطى لحركة "النهضة" تأشيرة عمل قانوني.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1988، وقّعت 6 أحزاب معارضة على "ميثاق وطني" مع حكومة بن علي، وبذلك تمكن 350 مرشحا من دخول غمار المنافسة على 141 مقعدا برلمانيا.

ورغم هذه المبادرات المطمئنة من الحزب الحاكم، فإن النظام الرئاسي الذي أرساه بورقيبة استنسخ نفسه من جديد مع بن علي، وأفرز تبعية برلمانية للحزب الحاكم مثل سابقيه.

فكان البرلمان التونسي مرآة عاكسة لتوجهات السلطة التنفيذية، عن طريق سيطرة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بزعامة زين العابدين بن علي على المجلس لمدة 24 عاما.

ويذكر أن بن علي قام بتعديل دستوري في الأول من يونيو/حزيران 2002 على مكونات السلطة التشريعية، وذلك بإحداث مجلس المستشارين عام 2005 ليكون كفة موازية للبرلمان، ويتم تعيين أعضائه من الجماعات المحلية التابعة للحزب الحاكم ومن المنتمين للمنظمات المهنية.

إعلان

عرف البرلمان التونسي بعد انطلاقة جديدة سقوط نظام بن علي في 15 يناير/كانون الأول 2011 وانتهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي في 26 يناير/كانون الثاني 2014 بإعلان دستور للبلاد.

وتغيّر التمثيل الحزبي داخل جدران "قصر باردو" لتسيطر حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي على أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي في 2011، الذي عرف منذ ذلك التاريخ كرا وفرا بين نواب الكتل الحزبية المتعددة.

وعرف البرلمان التونسي في هذه الفترة نبضا سياسيا مغايرا تماما لما عايشه طيلة 55 سنة، وتواصل إلى السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2019 حيث تم الإعلان عن التركيبة الحزبية للمجلس حسب دستور 2014.

حل المجلس

عرف مجلس النواب التونسي منذ إنشائه الحل في 3 مناسبات:

  • الأولى في التاسع من سبتمبر/أيلول 1981، حيث أصدر الحبيب بورقيبة القرار الدستوري عدد 81-78 القاضي بحل مجلس النواب المنتخب في 1979.

وجاء هذا القرار بعد سلسلة من الأزمات التي عاشتها تونس، والتي تمثلت في ما سمي "محاولة زعزعة البلاد" في 26 يناير/كانون الثاني 1980 عن طريق تسرب فرقة من القوات الخاصة من الأراضي الليبية في محاولة للسيطرة على محافظة قفصة (جنوبي البلاد).

بالإضافة إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية جراء ارتفاع قيمة الدولار وتراجع سعر الفوسفات والمحروقات.

  • والمناسبة الثانية كانت في الثاني من مارس/آذار 1989، إذ أعلن بن علي -الذي تولى السلطة في 1987- حل البرلمان المنتخب في 1986، ودعا إلى انتخابات تشريعية ورئاسية أقيمت في التاسع من أبريل/نيسان 1989.
  • والمناسبة الثالثة كانت في 30 مارس/آذار 2022 عندما أعلن الرئيس قيس سعيّد حل البرلمان، وأصدر قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي بدأها في 25 يوليو/تموز 2021.

وطالب سعيّد السلطة القضائية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد النواب الذين شاركوا في جلسة افتراضية عقدها البرلمان (الذي كان قيس سعيد قد جمده)، عدّ هذه الجلسة "انقلابا على الشرعية".

إعلان
المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان