فيليس ويتلي أول شاعرة وأديبة أميركية من أصول أفريقية

رسم يحاكي الشاعرة الأميركية من أصول أفريقية فيليس ويتلي (شترستوك)

فيليس ويتلي، أول شاعرة وأديبة أميركية من أصول أفريقية، حققت شهرة في القرن الـ 18، وعلى الرغم من استعبادها منذ طفولتها بولاية بوسطن الأميركية؛ فإنها استطاعت إبهار الجميع بنبوغها المبكر في نظم الشعر والنصوص الأدبية.

نشرت أولى قصائدها وعمرها 14 عاما، وكتبت طوال مسيرتها الأدبية حوالي 148 قصيدة في مواضيع مختلفة، كما كتبت عن جورج واشنطن عندما كان قائدا للجيش فترة الثورات الأميركية (1775-1783) للإشادة بالثورة وإرادة التحرر والانعتاق والحرية، وقد أصبح لاحقا من أشد المعجبين بكتاباتها، وتوفيت عام 1784.

المولد والنشأة

ولدت فيليس سنة 1753، واختلف المؤرخون في تحديد بلدها الأصلي، ولكن الثابت أن سفينة "فيليس" القادمة من إحدى مستعمرات غرب أفريقيا رست في مدينة ماساتشوستس بولاية بوسطن في أغسطس/آب 1761 آنذاك، وقد كانت الطفلة على متن هذه السفينة، وسميت باسمها إلى آخر عمرها.

أُسرت وهي في السابعة من عمرها، وخاضت رحلة بحرية مضنية قطعت بها المحيط الأطلنطي، إلى أن حطّت السفينة رحالها في ميناء بوسطن مع شحنة من العبيد رفضت المستعمرات البريطانية والإسبانية شراءهم لضعف بنيتهم الجسدية وعدم تحملهم الأعمال الشاقة الموكلة لأمثالهم.

اعتقد قبطان السفينة أن الطفلة توشك على الموت بعد أن أنهكتها الرحلة وفقدت أسنانها، فأراد تحقيق ربح من بيعها وإن كان ضئيلا، فباعها بثمن بخس إلى سوزانا ويلتي (زوجة جون ويلتي صانع الملابس المعروف في بوسطن تلك الفترة) والتي كانت تبحث عن خادمة منزلية.

تمثال فيليس ويتلي وأبيجيل آدامز بالنصب التذكاري للمرأة في بوسطن في باك باي (شترستوك)

الدراسة والأبيات الأولى

لم تعفها عائلتها الجديدة من الأعمال المنزلية؛ ولكن ابني جون ويتلي "ناتانيال وماري" قرّرا تعليمها القراءة والكتابة، وبذلك انغمست فيليس في اكتشاف الإنجيل وعلم الفلك والجغرافيا والتاريخ والأدب البريطاني، وتأثرت على نحو خاص بالشاعرين الإنجليزيين جون ميلتون وألكسندر بوب، إضافة إلى تأثرها بالكلاسيكيات اليونانية.

إعلان

كتبت فيليس أولى تجاربها الشعرية سنة 1767، وهي في سن الـ 14 تقريبا ونشرتها "صحيفة نيو بورت ميركوري" (Newport Mercury) إلا أن مرثية "القس جورج وايتفيلد" -التي نشرت سنة 1771- تعدّ العمل الشعري الذي بفضله بدأ تداول اسمها على الصعيد الوطني الأميركي، لا سيما وأنها لاقت إعجاب قراء الصحيفة.

وجد هذا الرثاء المؤثر جمهورا في كل من الولايات المتحدة وإنجلترا، ولأن المرثية نُشرت مصحوبة بالتعريف بالمؤلف على أنها امرأة مستعبدة ففُتِن عدد من القراء بالشاعرة والقصيدة معا.

دعمت عائلة ويتلي هذه الطفلة ومنحتها لقبها فأصبح اسمها "فيليس ويتلي" ومع بلوغها سن 18 سنة كان مجموع ما كتبته 28 قصيدة.

شاعرة سوداء وسط البيض

لاقت فيليس صعوبات في النشر نظرا لعدم قبول الناشرين لفكرة دعم مبدع فكري من ذوي البشرة السوداء، لذا قرّرت يوم 8 مايو/أيار 1771 التوجه إلى لندن للبحث عن ناشر لديوانها الشعري، وذلك بعد مشورة عائلتها.

بمجرد وصولها إلى لندن اتصلت بـ "كونتيسة هانتينغتون سيلينا هاستيغ" المتبنية لقضية إلغاء تجارة الرق والعبودية، والمنتمية إلى كنيسة "القس وايتفيلد" وسلمتها مرثيتها التي كتبتها.

أُعْجِبت الكونتيسة بالمرثية، وكلّفت الناشر "أرشيبالد بال" بالتواصل مع فيليس والتحضير لنشر مجموعتها الشعرية.

لقطة مقربة لتمثال في شارع الكومنولث يصور ويتلي أول شاعرة أميركية من أصل أفريقي (شترستوك)

تعرضت فيليس لحملة انتقادات لاعتقاد عدد من الأميركيين البيض أن أصحاب البشرة السوداء غير مؤهلين للعمل الذهني والإبداعي، حتى إن "توماس جيفرسون" رأى أن كتاباتها لا ترقى لأن تُسمّى شعرا، لكن الكثير من القراء كانوا معجبين بأعمالها، بما في ذلك كُتّاب وسياسيون أوروبيون.

اضطرت عام 1772 إلى الدفاع عن نفسها أمام محكمة مكونة من 18 قاضيا إثر تشكيك بعض السكان البيض في حقيقة ملكيتها الأدبية لقصائد نسبوها للشاعرين "فيرجيل" و"ميلتون" وشُكِّلَت لجنة لفحص كتاباتها واستجوابها، إلا أنه تمّ الإقرار نهاية المحاكمة بملكيتها لجميع النصوص الشعرية.

إعلان

سنة 1773 طبعت أوّل مجموعة شعرية لفيليس بعنوان "أشعار في مواضيع مختلفة.. في الدين والأخلاق".

التجربة الشعرية

كشفت قصائد فيليس ونصوصها الشعرية في كتابها "أشعار في مواضيع مختلفة.. في الدين والأخلاق" ميلها للأبيات الشعرية الموزونة ذات القافية الموحّدة، وتأثرها بفكرتي الموت والفراق.

امتلأت كتاباتها بالتأملات العميقة في الحياة والموت والدين، بالإضافة إلى الإشارات الإنجيلية والكلاسيكية، ففي قصيدة "ترنيمة للإنسانية" ربطت فيليس هذه الموضوعات بنموها الإبداعي، وتصور نفسها ملهمة بابتسامة الأجساد السماوية.

احتوى ثلث الكتاب على مرثيات لشخصيات وأصدقاء وبعض الغرباء الذين وظّفتهم عائلة ويتلي، بينما خصصت البقية للاحتفاء بالولايات المتحدة وتمجيدها، لاسيما وأنها بادرت بمراسلة جورج واشنطن أول رئيس للبلاد.

نصب بوسطن للمرأة في شارع كومنولث أفينيو مول والتمثال يمين الصورة يمثل الشاعرة ويلتي (شترستوك)

كانت فيليس من أشد المؤيدين للاستقلال الأميركي، إذ أوضحت أن حبها للحرية جاء من التجارب المبكرة للاختطاف والعبودية والانفصال عن والديها، وغالبا ما تستحضر صورا لسلسلة حديدية، وتقارن افتقارها إلى الحرية بافتقار أميركا إلى الاستقلال، ملمّحة بمهارة لظروفها الخاصة.

وقد انتقدت العبودية وظروف عيش العبيد بأسلوب فيه الكثير من المحاكاة للرمزية المستعملة في النصوص الإنجيلية، إضافة إلى مراوحتها بين أساليب الأدب الكلاسيكي والأدب الكلاسيكي الحديث.

كما دافعت فيليس في كتاباتها عن حق السود والعرقيات المختلفة التي تكوّن المجتمع الأميركي في اعتناق الديانة المسيحية أو أي ديانة أخرى.

وبعد وفاة جون ويتلي، أُطْلِقَ سراح فيليس بشكل قانوني من العبودية، وتزوجت عام 1778 من رجل يدعى جون بيترز، وأنجبت 3 أطفال فقدتهم جميعا خلال حياتها.

إعلان

المؤلفات

بعد منحها حريتها، عانت فيليس من الظروف المعيشية السيئة، وبسبب الصعوبات المادية التي واجهتها لم يُنشر ديوانها الشعري الثاني المكون من 33 قصيدة و13 رسالة، وبعد القبض على زوجها بسبب دين مالي، اضطرت فيليس للعمل خادمة في غسل الأطباق لإعالة ابنها الرضيع، لذلك لم ينشر لها سوى كتابها الأول "مواضيع مختلفة.. في الأخلاق و الدين".

الوفاة

توفيت فيليس عن عمر ناهز 31 عاما، في 5 ديسمبر/كانون الأول 1784. وفي عام 2002، أُدرج اسمها بوصفها واحدة من أعظم 100 أميركي من أصل أفريقي.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان