"الجهاد المقدس".. هكذا تأسس أول جيش لمواجهة احتلال وتقسيم فلسطين
جيش "الجهاد المقدس" الفلسطيني، جرى تشكيله على مرحلتين عامي 1939 و1947، بهدف مواجهة المخططات اليهودية المدعومة من بريطانيا، ولمقاومة نوايا تقسيم فلسطين بين العرب واليهود.
النشأة والتأسيس
يُؤرخ لتأسيس جيش "الجهاد المقدس" بيوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1947، لكن بوادر تأسيسه لمقاومة نوايا بريطانيا وحمايتها للعصابات اليهودية بدأت عام 1936.
ففي 5 مايو/أيار 1936 أذاعت "منظمة الجيش الإسلامي المقدس" أول بيان أعلنت فيه "الثورة على الأعداء" وبالفعل أطلق قائدها عبد القادر الحسيني يوم 7 مايو/أيار الإشارة الأولى إيذانا ببدء الثورة، وهاجم مقاتلوه ثكنة للجيش البريطاني في القدس. وفي غضون أشهر قليلة سيطر الجيش على الريف الفلسطيني وعدد من المدن ومنها القدس القديمة.
ونفذ الجيش الإسلامي عشرات العمليات ضد أهداف بريطانية ويهودية، بما في ذلك سكك الحديد وخطوط الهاتف والجسور، وخاض معارك بينها معركة الخضر غربي بيت لحم في أكتوبر/تشرين الأول 1936، بمشاركة عشرات الثوار، تمكن أغلبهم من الانسحاب، ضد مئات الجنود البريطانيين.
وقاد الجيش في هذه المرحلة ابن القدس (الحسيني) لكنه أصيب في معركة الخضر وغادر البلاد للعلاج في الخارج، واستمر في المنفى نحو 10 سنوات، قبل أن يعود في ديسمبر/كانون الأول 1947 ويقود الجهاد المقدس مجددا.
وانتهت المرحلة الأولى من عمل هذا الجيش مع نهاية الثورة الفلسطينية عام 1939، بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبعض التدخلات العربية.
وعندما أصدرت لجنة تحقيق أممية (تشكلت في 15 مايو/أيار 1947) قرار تقسيم فلسطين، أصدرت الهيئة الإسلامية العليا بيانا رفضت فيه التوصية، كما رفضت قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947.
وسارعت إلى الانعقاد برئاسة المفتي أمين الحسيني، وقررت مواجهة الخطط الاستعمارية بالقوة المسلحة وإنشاء "جيش فلسطين" لممارسة الجهاد الفعلي، واختير المفتي قائدا أعلى لهذا الجيش، وأعاد تموين منظمة "الجهاد المقدس".
لم تدم قيادة المفتي للجيش طويلا، إذ تحول إلى جيش "الجهاد المقدس" الفلسطيني وأحيلت قيادته إلى الحسيني، وتحدد هدفه بـ "تحرير فلسطين والمحافظة على وحدة أراضيها، والإبقاء على عروبتها".
وعقد قائد الجيش الجديد أول اجتماع له مع أركان قيادته في قرية صوريف غربي مدينة الخليل جنوبي الضفة، يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1947.
وشكلت الدول العربية "الهيئة العربية العليا لفلسطين" عام 1945، لتضع حدا للانقسامات بين الأحزاب الفلسطينية آنذاك.
وضم هذا الجيش مقاتلين من مختلف المشارب والخلفيات الأيديولوجية والسياسية، ومن فلسطين وخارجها.
عمليات جيش "الجهاد المقدس" وتشكيلاته
بدأ الجيش عملياته ومعاركه من القدس بمهاجمة ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات البريطانية، ثم اتسعت دائرة العمليات، وزاد الملتحقون به من الدول العربية المجاورة.
وتوزع إلى قطاعات، وأوكلت له مهمة مهاجمة أهداف يهودية وبريطانية من جهة، والدفاع عن المدن والقرى الفلسطينية من جهة أخرى، وخاض معارك عدة انتهت بانتصاره في معظمها.
وصلت عمليات "الجيش المقدس" إلى حد تحرير مدن من اليهود وسلطة الانتداب، واغتيال مسؤولين كبار وعملاء، مسنودة ببعد وحراك شعبي على الأرض شاركت فيه مختلف فئات الشعب الفلسطيني، فما كان من بريطانيا إلا أن ردت بإعلان حالة الطوارئ منتهجة أسلوب المجازر والتدمير.
الأعلام والرموز
لا يمكن الفصل بين جيش "الجهاد المقدس" وأحد أبرز أعلام فلسطين في حينه الحسيني الذي كان قائد لواء القدس حتى استشهاده في 8 أبريل/نيسان 1948، كما يعد الحسيني أبرز رموز الجيش باعتباره مؤسسه وقائده في المرحلتين.
ومن رموز هذا الجيش أيضا نائبه من القدس كامل عريقات الذي أصبح فيما بعد رئيسا لمجلس النواب الأردني، وكذلك أمين سر قيادة الجيش قاسم الريماوي الذي تولى لاحقا عدة مناصب سياسية بالأردن.
ومنهم أيضا مفتش الشؤون الإدارية داود الحسيني الذي تولى عدة مناصب سياسية في الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ومن أعلام ورموز جيش "الجهاد المقدس" إبراهيم أبو دية الغنيمات، قائد سرايا العمليات الحربية الذي استشهد في بيروت متأثرا بجراح أصيب بها خلال المعارك.
سلاح "الجيش المقدس" وعتاده
لم تكن أعداد المجاهدين أو رواتبهم ثابتة، بل متغيرة تبعا للظروف والأحوال المادية. ومن المشاكل الرئيسة التي كانت تعانيها القوات مسألة التسلح.
وحاول هذا الجيش الحصول على أسلحة من الخارج، وكان على وشك إبرام صفقة مع التشيك باسم الحكومة السورية، تشمل نحو 8 آلاف بندقية و7 ملايين طلقة و200 مسدس، لكن هذه الجهود فشلت بعد تدخل اليهود.
وحاول جيش "الجهاد المقدس" الحصول على سلاح من الدول العربية والغربية، وأوفدت الهيئة العربية العليا مبعوثين إلى لبنان وسوريا وليبيا فرنسا وسويسرا، دون أن تحرز تغيرا نوعيا.
واضطر هذا الجيش إلى استجلاب وإصلاح أسلحة استخدمت في الحرب العالمية الثانية، وأقام لهذا الغرض ورشات في مصر وسوريا.
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الهيئة العربية العليا وفّرت بطرق مختلفة، ومنها السرية، لقوات "الجهاد المقدس" -خلال عامي 1947/1948- قرابة 5400 بندقية، و500 مدفع رشاش، ومئات المسدسات وأكثر من 100 ألف قنبلة ولغم، إضافة إلى ما يلزم من التجهيزات العسكرية مثل الملابس وغيرها.
وتنقل الموسوعة الفلسطينية -عن منير أبو فاضل مفتش الشؤون العسكرية في قوات "الجهاد المقدس"- قوله "إن الدول العربية لم تلتزم بتنفيذ توصية اللجنة العسكرية العربية عام 1947، والتي أوصت بتوفير ما لا يقل عن 10 آلاف بندقية ورشاشات وقنابل ومتفجرات".
وبعد مقتل الحسيني، اجتمع قادة سرايا قوات "الجهاد المقدس" في القدس مجددا وأسندت القيادة إلى خالد الحسيني.
حـل جيش "الجهاد المقدس"
حقق جيش "الجهاد المقدس" إنجازات على الأرض ضد القوات البريطانية والعصابات اليهودية، لكن ظروفا عديدة اجتمعت وانتهت بحله قبيل النكبة عام 1948.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1948، أصدرت السلطات الأردنية أمرا بحل قوات "الجهاد المقدس" لكن القوات ظلت قائمة بمراكزها إلى أن أصدرت الهيئة العربية العليا قرارا بحلها عام 1949.
وعندما توقف القتال إثر الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل، عملت الأردن والدول العربية على استيعاب مقاتلي الجيش، وتولى عدد من قادته مناصب سياسية وإدارية وعسكرية خاصة في الأردن.