أندريس إسكوبار.. اللاعب الكولومبي الذي دفع حياته ثمنا لهدف قاتل

أندريس إسكوبار سالدارياغا (Andrés Escobar Saldarriaga) أو أندريس إسكوبار، كان لاعبا في المنتخب الكولومبي لكرة القدم، وكان يشغل مركز مدافع أوسط. لعب لنادي "أتلتيكو ناسيونال" (Atlético Nacional) الكولومبي، ونادي "بي إس سي يونغ بويز" (BSC Young Boys) السويسري.

تعرض للاغتيال بعد أن سجل هدفا في مرمى فريقه عن طريق الخطأ، أدى إلى إقصاء بلاده من الدور الأول لمونديال الولايات المتحدة الأميركية سنة 1994. وكان يلقب باللاعب الأنيق، نظرا لأسلوبه الأنيق في اللعب وهدوئه على أرضية الملعب.

الهدف القاتل الذي سجله أندريس إسكوبار سالدارياغا في مرمى فريقه في مونديال 1994 (الفرنسية-أرشيف)

المولد والنشأة

ولد أندريس إسكوبار في مدينة ميديلين في 13 مارس/آذار سنة 1967 بكولومبيا، ونشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة.

التحق بمدرسة "كوليجيو كالاسانز" (Colegio Calasanz)، وتخرج في معهد "كونرادو غونزاليس" (Conrado González).

لعب كرة القدم في سن مبكرة، على مستوى الفرق المدرسية، قبل أن يصبح في سن الـ18 لاعب كرة قدم محترفا بنادي "أتلتيكو ناسيونال" (Atlético Nacional) الكولومبي سنة 1985.

والده هو داريو إسكوبار (Darío Escobar)، عمل مصرفيا في إحدى المؤسسات البنكية بكولومبيا، وأسس جمعية رياضية لتشجيع الشباب على ممارسة كرة القدم وإنقاذهم من التشرد والضياع في شوارع المدينة.

كان لداريو ابن ثان يسمى سانتياغو، لعب أيضا كرة القدم إلى جانب أندريس في نادي "أتلتيكو ناسيونال" الكولومبي.

جمهور كولومبيا يرفع صورة أندريس إسكوبار سالدارياغا في إحدى مباريات مونديال 1998 بفرنسا (الفرنسية-أرشيف)

مسيرته الرياضية

بدأ أندريس إسكوبار مسيرته الاحترافية في نادي "أتلتيكو ناسيونال" الكولومبي سنة 1985، وفاز معه بلقب كأس "ليبرتادوريس" (Copa Libertadores) سنة 1989، قبل أن يذهب في رحلة احترافية قصيرة إلى نادي "بي إس سي يونغ بويز" السويسري، لمدة سنة واحدة، وعاد بعد ذلك إلى ناديه الأم (أتلتيكو ناسيونال) سنة 1990، واستمر معه حتى سنة 1994.

وكانت تقارير صحفية قد نقلت عن والده قوله إن أندريس كان قريبا من إمضاء عقد احترافي مع نادي "إيه سي ميلان" (AC Milan) الإيطالي، مباشرة بعد مونديال أميركا، لكن الاغتيال خطفه قبل ذلك وحرمه من مواصلة مسيرته الرياضية.

ظهر أندريس إسكوبار أول مرة مع منتخب كولومبيا -الذي خاض معه 50 مباراة طوال مسيرته- في 30 مارس/آذار سنة 1988 وعمره لا يتجاوز آنذاك 21 سنة.

وكان ذلك في المباراة الودية التي جمعت المنتخب الكولومبي بالمنتخب الكندي، والتي انتهت بفوز كولومبيا (3-0). أما على مستوى المسابقات الدولية، فكانت أول مشاركة لأندريس مع منتخب بلاده في مسابقة كأس روس (Rous Cup) سنة 1988، وهي المسابقة التي سجل فيها أندريس هدفه الوحيد في مسيرته لمصلحة المنتخب، وذلك في المباراة التي واجه فيها منتخب إنجلترا، والتي انتهت بنتيجة التعادل (1-1).

وفي سنة 1989 لعب أندريس إسكوبار مع منتخب بلاده 4 مباريات في "كوبا أميركا"، التي استضافتها البرازيل آنذاك، وعمره 22 عاما، وأقصي المنتخب الكولومبي من الدور الأول للبطولة، بعدما جاء ثالثا في ترتيب المجموعة الأولى التي ضمت البرازيل والباراغواي وكولومبيا والبيرو وفنزويلا.

وفي السنة نفسها لعب إسكوبار مع منتخب بلاده في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 1990، التي أقيمت في إيطاليا.

وكان المنتخب الكولومبي هو الأول في ترتيب المجموعة الثانية، لكن كان عليه أن يلعب في مباراة "كونميبول" (CONMEBOL) الفاصلة، حيث فازت كولومبيا (1-0) في مجموع المباراتين ضد إسرائيل، وتأهلت بذلك لنهائيات كأس العالم 1990 في إيطاليا.

لعب إسكوبار جميع المباريات التي خاضها منتخب كولومبيا خلال الدور الأول، وتأهل معه إلى دور الـ16، قبل إقصاء منتخب الكاميرون له بعدما فاز عليه بنتيجة (2-1).

وبعد كأس العالم لسنة 1990، استدعي إسكوبار للمنتخب الكولومبي لخوض نهائيات كوبا أميركا سنة 1991 التي احتضنتها دولة تشيلي، حيث شارك في 7 مباريات، واحتلت كولومبيا المركز الرابع، خلف الأرجنتين بطلة المسابقة والبرازيل وصيفة البطل وتشيلي مستضيفة الدورة.

وعلى مستوى تصفيات كأس العالم 1994، لم يشارك إسكوبار في أي مباراة مع منتخب بلاده، لكنه استدعي لخوض نهائيات كأس العالم التي احتضنتها أميركا، وخرجت كولومبيا من الدور الأول لهذه المسابقة، بعد هزيمتين مفاجئتين أمام كل من رومانيا (3-1) وأميركا (2-1) وفوز أمام سويسرا (1-2).

أندريس إسكوبار سالدارياغا قبيل مباراة منتخب كولومبيا مع سويسرا في مونديال 1994 (الفرنسية)

لعب وسط الرعب والخوف

"الحياة لا تنتهي عند هذا الحد، علينا أن نواصل الرحلة؛ لا يمكن أن تنتهي الحياة هنا. مهما كانت الصعوبة، علينا النهوض، لدينا خياران فقط: إما أن ندع الغضب يشلّنا ويستمر العنف، وإما أن نتغلب عليه بمساعدة بعضنا بعضا بأفضل ما نستطيع. الأمر متروك لنا للاختيار، من فضلكم يجب أن نتحلى بالاحترام. أقبلكم جميعا، لقد كانت رحلة رائعة وتجربة لم تتح لي الفرصة من قبل كي أعيشها، أراكم قريبا لأن الحياة لا تتوقف عند هذا الحد".

هذه الكلمات كانت لأندريس إسكوبار، قائد المنتخب الكولومبي لكرة القدم، بعد خروج بلاده من كأس العالم سنة 1994.

كان إسكوبار وراء تسجيل الهدف "القاتل" في مرمى فريقه خلال المباراة التي جمعته بالولايات المتحدة الأميركية عن المجموعة الأولى في مدينة باسادينا الملقبة بمدينة الورود.

هذا الخطأ القاتل أدى إلى إقصاء مفاجئ لمنتخب كولومبيا القوي من الدور الأول لنهائيات كأس العالم، وكانت رسالة اللاعب هذه تنذر بحالة من الخوف كانت تحيط بمكونات المنتخب الكولومبي.

أندريس إسكوبار البالغ من العمر حينئذ 27 عاما كان في قمة مستواه، وكان أحد الركائز الأساسية للمنتخب الكولومبي الذي كان يصنع الحدث قبيل انطلاق مسابقة كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، بعد النتائج الباهرة التي كان يحققها آنذاك تحت قيادة المدرب الشهير "فرانسيسكو ماتورانا" (Francisco Maturana).

وكان من أكبر المنتخبات المرشحة للذهاب بعيدا في تلك النسخة من مسابقة كأس العالم، كما كان من بين المنتخبات التي اختارها النجم البرازيلي السابق بيليه، كي تبصم على مشاركة قوية، خاصة بعدما أنهى منتخب "الألوان الثلاثة" (Tricolor) تأهله لكأس العالم بفوز كاسح على أرجنتين مارادونا في العاصمة الأرجنتينية (بوينس آيرس) بنتيجة (5-0)، فضلا عن أن منتخب كولومبيا لم يهزم قبل ذهابه إلى كأس العالم بأميركا إلا مرة واحدة خلال 26 مباراة.

هذا التوهج الكبير للمنتخب الكولومبي صاحبته ظروف اقتصادية وسياسية صعبة عاشتها البلاد في ذلك الوقت، بخاصة بعد مقتل زعيم مافيا المخدرات الشهير "بابلو إسكوبار" (Pablo Escobar) في ديسمبر/كانون الأول سنة 1993، إذ كانت لهذا الاغتيال عواقب وخيمة، خاصة بعد خروج الجرائم عن السيطرة في شوارع ميديلين، والتي أثرت على محيط منتخب "الألوان الثلاثة" الذي كان يتأهب لخوض مغامرة عظيمة في الولايات المتحدة.

كان بابلو إسكوبار "ملك الكوكايين" آنذاك هو مالك نادي "أتلتيكو ناسيونال" الذي كان وسيلة مناسبة له لغسل أمواله التي كان يجنيها من تجارة المخدرات. وبدعم مالي من إسكوبار، فاز النادي بكأس "ليبرتادوريس" عام 1989، وكان حينئذ يضم مجموعة من النجوم من بينهم المدافع أندريس إسكوبار.

في ظل هذا السياق الصعب الذي كانت تعيشه كولومبيا، بدأ لاعبو منتخب "الكافيتيروس" (Cafeteros) بالاستعداد للمحفل العالمي في ميشيغان، وكلهم أمل في تحقيق نتائج جيدة من شأنها أن ترفع الروح المعنوية للشعب الكولومبي الذي يتنفس عشق كرة القدم. ومع اقتراب موعد مباراتهم الأولى ضد منتخب رومانيا، بدأ رجال ماتورانا يشعرون بضغط كبير خوفا من الهزيمة.

وهكذا استهلّ فريق "الألوان الثلاثة" المسابقة بخسارة كبيرة أمام منتخب رومانيا الذي كان بدوره يضم في صفوفه نجوما كبارا من طينة "جورج هاجي" (Gheorghe Hagi)، و"فلورين رادوتشيو" (Florin Raducioiu)، و"جورج بوبيسكو" (Gheorghe Popescu)، و"دان بيتريسكو" (Dan Petrescu)، وغيرهم.

حطم هاجي ورادوتشيو دفاع كولومبيا وانتصروا عليهم (3-1)، هذه النتيجة جعلت كولومبيا تبدأ المنافسة بشكل سيئ للغاية وأثارت غضب أنصارها والمراهنين الذين خسروا مبالغ طائلة من المال في مسابقات الرهان.

وتراجعت معنويات اللاعبين بشكل أكبر عندما فقد المدافع "لويس هيريرا" (Luis Herrerra) شقيقه أثناء كأس العالم في حادث مأساوي بسيارته بعد مدة وجيزة من الهزيمة أمام رومانيا، وقد كان أيضا ضحية اختطاف ابنه قبل كأس العالم.

أندريس إسكوبار سالدارياغا أثناء مباراة بلاده مع الولايات المتحدة في مونديال 1994 (الفرنسية-أرشيف)

هدف قاتل

وقبل مباراتهم الثانية ضد البلد المضيف الولايات المتحدة الأميركية، كان اللاعبون الكولومبيون قد أصيبوا بالانهيار بسبب الخوف والذعر الذي كانوا يعيشونه بعد سلسلة من التهديدات الآتية من البلاد، والتي تتوعدهم بالتصفية الجسدية إذا لم يحققوا نتيجة الفوز.

أما مدينة "ميديلين" (Medellín) الكولومبية فكانت تعيش على إيقاع الفوضى والرعب، والعداد لا يتوقف عن تسجيل القتلى الذين يسقطون كل يوم. وكان اللاعبون يعرفون جيدا أن رسائل التخويف هذه لا ينبغي الاستخفاف بها.

حتى إن المدرب ماتورانا أصيب بالاكتئاب خلال اجتماع الفريق، حينما تلقى الفريق بأكمله تهديدات بالموت إذا أدخل اللاعب "غابريال باراباس غوميز" (Gabriel ‘Barrabas’ Gómez) ضمن التشكيلة الرسمية ضد الولايات المتحدة، علما بأن باراباس كان عنصرا أساسيا في منظومة ماتورانا، لكن كان من الضروري الاستسلام للضغط واستبعاده من القائمة الرئيسة للمنتخب.

وفي يوم المباراة تسرب الخوف إلى نفوس اللاعبين، وبدا ذلك واضحا منذ الدقائق الأولى للمباراة. وفي الدقيقة 35 أرسل اللاعب الأميركي "جون هاركس" (John Harkes) كرة عرضية داخل مربع عمليات المنتخب الكولومبي، حاول أندريس إسكوبار اعتراض التمريرة وإخراجها إلى الزاوية، لكنه قام بتحويلها عن طريق الخطأ داخل مرمى فريقه على يمين الحارس الكولومبي "أوسكار كوردوبا" (Óscar Córdoba).

كان هذا الهدف "القاتل" هو آخر هدف يسجله أندريس إسكوبار الذي كان يعرف بلا شك في تلك اللحظة ماذا سيعني هذا الهدف إذا فشل في استدراك الخطأ وقلب النتيجة لمصلحة المنتخب الكولومبي.

وكان زملاؤه يعرفون ذلك أيضا، لكنهم لم يتمكنوا من العودة في المباراة، والأسوأ أن الولايات المتحدة عمقت الفارق بهدف آخر في الشوط الثاني عن طريق "إرني ستيوارت" (Ernie Stewart).

وقلص بعدها اللاعب الكولومبي "أدولفو فالنسيا" (Adolfo Valencia) الفارق بهدف في الدقائق الأخيرة، لكنه لم يكن كافيا لتفادي الهزيمة الثانية، والتي تعني الخروج من الدور الأول للمسابقة.

وكان زملاء إسكوبار في المنتخب يدركون جيدا خطورة الموقف. وفاز المنتخب الكولومبي في المباراة الثالثة والأخيرة أمام منتخب سويسرا (2-1)، لكنه فوز بلا طعم بعد الخروج المبكر من نهائيات كأس العالم.

أندريس إسكوبار سالدارياغا في مونديال أميركا 1994 (غيتي)

مواجهة الموت

بعد العودة إلى كولومبيا كان أندريس إسكوبار متذمرا بشكل كبير بسبب هذا الإقصاء المر، وبسبب خطئه الذي أسهم في ذلك. وقرر المكوث في بيته وإحاطة نفسه بعائلته وأصدقائه.

وبعد نحو 9 أيام على عودة المنتخب الكولومبي من أميركا، قرر إسكوبار المتردد، ذات مساء، الخروج للشارع وملاقاة الناس. وعلى الرغم من نصيحة أقاربه ومدربه ماتورانا، أصر الدولي الكولومبي على الخروج و"إظهار وجهه" للشعب، لكن لسوء الحظ، أفضى هذا الإصرار إلى نهاية حياته.

وفي الثاني من يوليو/تموز 1994، وبينما كان إسكوبار يستمتع بأمسية مع أصدقائه في ملهى "الإنديو" (El Indio Bar) الليلي في مدينة ميديلين، نادى عليه مجموعة من الرجال، وكان من بينهم الأخوان "غالون" (Gallón) المعروفان بانتمائهما لعصابات المافيا بالمدينة، وأمطروه بوابل من السب والشتم والكلام المهين.

وعندما همّ إسكوبار بمغادرة الملهى في ساعات الصباح الأولى، تبعته المجموعة نفسها وواصلت شتمه وإهانته، مرددين عبارة "ضد مرماك.. أيها الخائن". وعندما واجههم للدفاع عن نفسه وعن فريقه، أطلق النار عليه السائق الخاص للأخوين "غالون"، والذي يدعى "هامبرتو مونوز كاسترو" (Humberto Muñoz Castro)، بـ6 طلقات في الظهر، وكان يصرخ مع كل طلقة "GOAL" (هدف).

وكرر العملية 6 مرات، وهو عدد الصيحات التي أطلقها معلق المباراة التي سجل خلالها أندريس الهدف العكسي ضد مرماه. ثم ابتعدت المجموعة في سيارتها الخاصة، تاركة إسكوبار ينزف حتى الموت، ونقل على وجه السرعة إلى المستشفى، لكنه توفي بعد 45 دقيقة.

ألقي القبض على القاتل في الليلة نفسها، وأدين سنة 1995 بـ43 سنة سجنا نافذا، لكنه لم يقض منها سوى 11 سنة وأطلق سراحه سنة 2005، مستفيدا من "حسن السلوك"، الأمر الذي لم تستسغه أسرة الراحل وعدّته "عارا على كولومبيا"، وما زالت تدافع عن حق ابنها وتطالب بالتعويض عن هذا الظلم.

وقد أقيمت جنازة ضخمة للمدافع الكولومبي حضرها ما يقرب من 100 ألف شخص في ميديلين، عبروا عن حزنهم لفقدان الرجل الذي كان من أكثر المشاهير المحبوبين في البلاد، بحيث كان يجوب بسيارته شوارع المدينة ليلة الاحتفال بأعياد الميلاد من كل سنة، ويوزع الهدايا على أطفال المدينة المحرومين.

وتشهد كولومبيا إحياء ذكرى وفاة أندريس إسكوبار كل عام، وفي عام 2002 أقامت مدينة ميديلين تمثالا له وأطلقت عليه لقب "الخالد"، رغبة في تخليد اسمه إلى الأبد في تاريخ كرة القدم الكولومبية.

الجوائز والألقاب

  • التأهل إلى ثمن نهائي كأس العالم 1990، مع المنتخب الكولومبي.
  • احتلال المركز الرابع في بطولة كوبا أميركا 1991، مع المنتخب الكولومبي.
  • كأس "ليبرتادوريس" عام 1989، مع نادي "أتلتيكو ناسيونال" الكولومبي.
  • كأس أميركا الجنوبية عام 1990، مع نادي "أتلتيكو ناسيونال" الكولومبي.
  • بطولة كولومبيا عامي 1991 و1994، مع نادي "أتلتيكو ناسيونال" الكولومبي.
المصدر : مواقع إلكترونية