برتراند راسل.. أرستقراطي الفلسفة التحليلية ومؤسس حملة نزع السلاح النووي

برتراند راسل حائز على جائزة نوبل للآداب عام 1950 (غيتي)

برتراند راسل مؤسس الفلسفة التحليلية، ومن أهم مناطقة القرن العشرين، وحاز على جائزة نوبل للآداب سنة 1950 تقديرا لجهوده في مجال الفلسفة والفكر، كتب مع ألبرت أينشتاين (بيان راسل-أينشتاين) سنة 1955 الداعي للحد من الأسلحة النووية في العالم، وكان الرئيس المؤسس لحملة نزع السلاح النووي سنة 1958، وتعرض للسجن بسبب مواقفه وقناعاته، وهو القائل "الشيء الوحيد القادر على إنقاذ البشرية هو التعاون".

النشأة والتكوين

ولد برتراند آرثر وليام راسل يوم 18 مايو/أيار 1872، في بلدة ونماوثشاير في ويلز، لأسرة ليبرالية أرستقراطية، شغل جده اللورد جون راسل دوق بيدفورد السادس منصب رئيس الوزراء مرتين؛ الأولى بين 1846 و1852)، والثانية  بين 1865 و1866 في عهد الملكة فيكتوريا.

وتعدّ عائلة راسل من الأسر التي وصلت إلى السلطة بداية مع صعود سلالة التيودور في القرن 16، وذلك من خلال مشاركتهم في الأحداث المهمة كافة التي مرت بها بريطانيا الحديثة، بدءا بحلّ الأديرة (1536-1540) مرورا بالثورة (1688-1689) وصولا إلى قانون الإصلاح العظيم سنة 1832. ووالدته كاثرين ابنة البارون الثاني ستانلي.

يؤمن والداه بالمبدأ الفلسفي اللاأدري، ويتبنّيان أفكارا مختلفة عما اعتاد عليه الناس في عصرهما، لا سيما مناصرتهما فكرة تحديد النسل، التي كانت موضوعا شائكا آنذاك، وتوفيت والدته سنة 1874 ثم لحقها والده سنة 1876. وعلى الرغم من وجود سجل بالمحكمة يقر فيه والده بمنح حضانة برتراند وشقيقه فرانك إلى صديقين ملحدين؛ فإن جديّ راسل بفضل سلطتهما تمكّنا من قلب الوصية، فنشأ راسل وأخوه في بيت جده الأرستقراطي اللورد جون راسل وجدته الكونتيسة فرانسيس إليوت.

تزوج برتراند من أليز بيرسال سميث سنة 1894، ثم تطلقا عام 1921، وتزوج للمرة الثانية من دورا بلاك، وأنجب منها ابنه جون راسل وابنته كاترين راسل، وتطلّقا سنة 1935، وتزوج للمرة الثالثة عام 1936 من باتريشيا هيلين سبنس، وأنجب منها ابنه كونراد راسل، وانفصلا عام 1949، وتم الطلاق عام 1952. ثم تزوج من إديث فينش في ديسمبر/كانون الأول 1952، وبقي متزوجا منها حتى وفاته.

صورة للفيلسوف البريطاني والناشط الاجتماعي برتراند راسل (جيتي)

المسار العلمي

تلقّى برتراند في البداية تعليما خاصا في المنزل، فتمكن من الإلمام بالفرنسية والألمانية على نحو كامل، ثم التحق تلميذا داخليا بمعهدٍ تابع للجيش استعدادا لاختبارات منحة جامعة كامبردج، ونال منحة للالتحاق بكلية ترينيتي، والتحق بها في أكتوبر/تشرين الأول 1890 لدراسة الرياضيات، وحاز المرتبة السابعة في جامعته، وفي عام 1893 وجه اهتمامه صوب الفلسفة.

أتم راسل عام 1894 اختبارات العلوم الأخلاقية، وأصبح في ما بعد ملحقا بالسفارة البريطانية في باريس. وفي الوقت ذاته بدأ كتابة أطروحة "مقال عن أسس الهندسة"، التي أكسبته درجة الزمالة في كلية ترينيتي عام 1895.

كرس وقته لدراسة الفلسفة والرياضيات، كما قضى بعض الأشهر في دراسة الديمقراطية الاجتماعية في برلين، وفي سنة عام 1903 كتب أول كتاب مهم له بعنوان "مبادئ الرياضيات"، ويقع في 3 مجلدات مع صديقه الدكتور ألفريد نورث وايتهيد (1861-1947).

عاود الانتساب إلى جامعة ترينيتي، حيث عُيّن محاضرا سنة 1910، ومع بداية الحرب العالمية الثانية أصدر منشورا ينتقد فيه العقوبة الموجهة لرافضي الخدمة العسكرية الإجبارية فتم تغريمه، وحرم من منصبه في الجامعة، وتلاحقت بعدها منشوراته ليُحكم عليه بالسجن سنة 1918، وكتب مقدمته في الفلسفة الرياضية في السجن.

قام بزيارة بسيطة إلى روسيا من أجل دراسة الثورة البلشفية سنة 1920، كما قدم في السنة نفسها محاضرات حول الفلسفة في جامعة بكين الصينية، وبعد عودته سنة 1921 ألقى بعض المحاضرات في لندن بحضور عدد قليل من الأصدقاء، ساعدته في بداية تحليله للعقل الغربي.

أنشأ مدرسة تجريبية مع زوجته الثانية دورا بلاك وأدارها حتى سنة 1932.

راسل مع أطفال في المدرسة التجريبية التي أنشأها (غيتي)

مع مطلع سنة 1938 انتقل راسل إلى الولايات المتحدة الأميركية، ودرّس في أهم الجامعات هناك، ثم تمّ التشكيك في حقه في تدريس الفلسفة في كلية نيويورك، بسبب آرائه حول الأخلاق، فأُلغِيَ تعيينه في هيئة التدريس.

انتقل بعدها إلى جامعة بنسلفانيا، ولكن أُلغي عقده هناك أيضا واتُّهِم بالإلحاد والفجور، فضاقت به سبل العيش في أميركا حتى حصوله على عمل لدى الدكتور بارنز، وهو صاحب مؤسسة مختصة في دراسة تاريخ الفنون، فبدأ تقديم سلسلة محاضرات شكلت في ما بعد كتابه الشهير "تاريخ الفلسفة الغربية".

ولكن بارنز خرق عقده معه بدعوى أن المحاضرات عديمة المعنى، فرفع راسل قضية خرق تعسفي للعقد، وربح القضية التي جعلت الكتاب مطلوبا للنشر، إذ استطاع راسل من خلال كتابه وضع الفكر الغربي في سياق تاريخي مفيد وسهل للقراءة.

انكب راسل من جديد على التأليف، وعرضت عليه جامعة ترينيتي من جديد دعوة للحصول على الزمالة، ثم تغيّر عرض كلية ترينيتي سنة 1949 بعد عودة راسل من الولايات المتحدة، ليصبح زمالة مدى الحياة من دون تحمل واجبات التدريس، كما اختير ليكون عضوا في الأكاديمية البريطانية، ثم قدّم سلسلة محاضرات لدى هيئة الإذاعة البريطانية، وأصبح شخصية عامة تحظى باحترام وتقدير كبيرين، لا سيما بعد مناهضته الحرب في فيتنام، وسعيه للحد من انتشار الأسلحة النووية في العالم.

أصدر برفقة ألبرت أينشتاين "بيان راسل-أينشتاين" سنة 1955 الذي يرفض انتشار الأسلحة النووية في العالم، وفي سنة 1957 تمكن من جمع عدد من العلماء المعنيين في مؤتمر "باغواش الأول" ليصبح الرئيس المؤسس لحملة نزع السلاح النووي في عام 1958.

تعرض للسجن بسبب الاحتجاجات المناهضة للأسلحة النووية سنة 1961، وحكم عليه بشهرين حبسا نافذا، ثم خُفِّضَت عقوبته بسبب تقدّمه في السِّنّ لتكون أسبوعا واحدا في مستشفى السجن.

برتراند راسل أثناء حضوره تجمعًا للبحارة في ميدان ترافالغار بلندن خلال إضراب الاتحاد الوطني للبحارة 1966 (غيتي)

التجربة الفكرية والفلسفية

تدور محاور فكر راسل حول المنطق ونظرية المعرفة، فضلا عن الفلسفة التحليلية، وتُعرف مساهمته في الرياضيات والمنطق "بمفارقة راسل"، التي اكتشفها سنة 1901، أثناء كتابته "مبادئ الرياضيات"، وتبين المفارقة التناقض الموجود في حالات معينة، لا سيما البنى الرياضية التقليدية للمجموعات، والمثال الشهير الذي يوضح هذه المفارقة مثال الحلاقين، أي أنه لدينا مجموعة من الحلاقين يقومون بحلاقة شعر أشخاص آخرين، وعندما يحتاج أحدهم إلى حلاقة شعره فإنه لا يقوم بذلك بنفسه، وبالتالي نحصل على المعادلة التالية:

{x = {a: a is not in a

بمعنى أن المجموعة x تضم a ولكن a لا ينتمي إلى المجموعة نفسها، من هنا أتت فكرة كتابه "نظرية الأنواع"، الذي حاول من خلاله صياغة حلول لهذا التناقض، تناول فيه بإسهاب المجموعات المزعجة، وهي المفردات التي لا تتمتع بالعضوية رغم انتمائها للمجموعة.

وعلى المنوال ذاته، استخدم راسل المنطق لتوضيح بعض القضايا الفلسفية، وبفضل هذا الاستخدام المنطقي من الدرجة الأولى تمكن من تأسيس ما يعرف بالفلسفة التحليلية، التي تناولت مواضيع مثل الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة والأخلاق والنظرية السياسية.

فرفض مثالية "كانت"، وأوضح أن الواقع في جوهره له طابع ذهني، محاولا تفسير الفرضية القائلة إن الواقع يتألف جوهريا من مجموعة من العقول وأفكارها، على عكس المثالية الألمانية التي تفترض أن الكون يتألف جوهريا من عقل واحد.

وبفضل هذا الثراء المعرفي أصبح راسل مصدر إلهام لعدد من المفكرين أمثال: لودفيغ فيتغنشتاين وكارل بوبر وغيرهما من الذين تأثروا بفلسفته التحليلية.

الجوائز والإنجازات

حصل راسل على عدة أوسمة وجوائز مميزة، منها:

  • ميدالية سيلفستر من الجمعية الملكية عام 1934.
  • ميدالية دي مورغان من جمعية لندن للرياضيات عام 1934.
  • وسام الاستحقاق من الملك جورج سنة 1949.
  • جائزة نوبل للآداب سنة 1950.
برتراند راسل استخدم المنطق لتوضيح بعض القضايا الفلسفية (غيتي)

أهم المؤلفات

ألف راسل مجموعة كبيرة من الكتب تزيد على 70 مؤلفا، من أهمها:

  • مبادئ الرياضيات مع آن وايتهيد، 3 مجلدات (1910-1913).
  • مقدمة في الفلسفة الرياضية 1919.
  • تحليل العقل 1921.
  • أبجديات الذرات 1923.
  • في التعليم 1926.
  • مخطط الفلسفة 1927.
  • مقالات مشككة 1928.
  • الزواج والأخلاق 1929.
  • انتصار السعادة 1930.
  • في مديح الكسل 1935.
  • أي طريق للسلام 1936.
  • تحقيق في المعنى والحقيقة 1941.
  • تاريخ الفلسفة الغربية 1946.
  • المعرفة البشرية، نطاقها وحدودها 1948.
  • معرفتنا بالعالم الخارجي كمجال للمنهج العلمي في الفلسفة 1944.

الوفاة

توفي برتراند راسل في الثاني من فبراير/شباط 1970 في منزله ببلاس بينرهن في بنهرنديدرث بميريتنشاري في ويلز. وأُحرق رفاته في كلوين باي في الخامس من فبراير/شباط 1970.

المصدر : مواقع إلكترونية