خامس السلاطين المغول المسلمين في الهند.. شاه جهان أعدم منافسيه وأعطى زوجته ختم إمبراطوريته وزين قصرها بالذهب

شاه جهان خامس سلاطين المغول المسلمين في الهند، عرف قبل توليه منصب الإمبراطور بالأمير خُرّام، ونشأ في كنف جده واكتسب مهارات قتالية وثقافية، وعرف بحبه لزوجته ممتاز محل، التي شيد لها ضريح "تاج محل" لتكريم ذكراها، وعرفت دولة المغول في عهده توسعا، وفيه شيدت القلعة الحمراء مقر الحكم المغولي بعد رحيله.
المولد والنشأة
ولد شاه جهان الإمبراطور المغولي الخامس في الخامس من يناير/كانون الثاني 1592، في لاهور عاصمة محافظة البنجاب الخاضعة للحكم المغولي المسلم آنذاك.
واسمه هو شهاب الدين محمد خُرّام (المِقدام)، وهو الابن الثالث للإمبراطور المغولي جهانغير وأميرة راجبوت الهندوسية مانماتي، التي أصبح اسمها بعد إسلامها بلقيس مكاني، وهو أول حاكم مغولي تجري في عروقه دماء هندية.
ونشأ الأمير خُرّام في كنف جده الإمبراطور المغولي الأكبر جلال الدين محمد أكبر، الذي أحبه كثيرا وكان معجبا به، وتوفي وعمر الحفيد 13 سنة، وتولت زوجة جده السلطانة رقية تربيته، ولم يكن لها أبناء.
وتلقى في تلك الفترة تعليما عسكريا وثقافيا، فكان بارعا في فنون القتال والدفاع عن النفس، وأظهر اهتماما بالهندسة والعمارة.
خطب وهو ابن 15 عاما محبوبته أرجماند بانو بيغوم، التي أسماها بعد الزواج ممتاز محل، وعرفت بذلك الاسم، وهي ابنة أخ نور جهان، زوجة والده الإمبراطور جهانغير.

الصراع على الحكم
خاض شاه جهان في شبابه عدة معارك، ولم يكن أكبر إخوته لكنه كان الابن المفضل لوالده، إلا أن زوجة والده نور جهان لم تكن داعمة لخلافة شاه جهان للإمبراطورية. وروجت لزوج ابنتها الأمير شهريار لدى الإمبراطور جهانغير ليسلمه قياد الحملة العسكرية التي واجهت سلطان فارس.
فتمرد شاه جهان إثر ذلك على والده عام 1622، لكن جيوش والده هزمته فهرب إلى ولاية الدكن في الجنوب، ولم يعد إلا بعد 3 سنوات وطلب الصفح من والده وتصالحا عام 1625.
وانتصر شاه جهان في أول معركة خاضها قائدا لجيش من 200 ألف جندي، وكان ذلك بأمر من والده لإخضاع مملكة الراجبوت في الشمال.
وأرسله والده لقيادة بعض الحملات العسكرية لإخماد التمرد في بعض ممالك الجنوب، ومكنت انتصاراته والده من توسيع إمبراطوريته، فكافأه بلقب شاه جهان، الذي يعني ملك العالم، وولاه على إقليم الدكن.
وحمل هذا اللقب دلالة ترشيح الإمبراطور جهانغير لشاه جهان لتولي الحكم من بعده، وكان الأقدر بين إخوته على تسلم الحكم، لكن ولاية العهد كانت لشقيقه الأمير برويز، الذي توفي بعد وفاة والده بفترة وجيزة.
وبعد وفاة والده عام 1627 خاض معركة ضد الأمير شهريار وهزمه وأسره. وأعدم الوزير آصف بأمر من شاه جهان كل من ينافسونه على الحكم من الأمراء الملكيين وأسر بعضهم لتعزيز سلطته، وكان من بين الذين أعدمهم الأمير شهريار.
وفي 14 فبراير/شباط 1628 توج ملكا لأغرا المغولية وعمره آنذاك 36 عاما، ودعم ذلك الوزير آصف خان والد زوجته ومحبوبته ممتاز محل. وهكذا تفرد شاه جهان بحكم الإمبراطورية المغولية الممتدة في الهند وباكستان وأفغانستان، وخصص لنور جهان أرملة والده راتب تقاعد، وأوكل رئاسة الوزراء لصهره آصف خان.

عصر شاه جهان
لم تكن معارك شاه جهان كثيرة، لكن أول المواجهات العسكرية التي قادها كانت لإخضاع التمرد في هضبة الدكن، وكانت تلك الحملات العسكرية باهظة الكلفة، لكنه استطاع إحكام القبضة على الدكن وقمع المتمردين.
واستطاع شاه جهان استعادة قندهار من الفرس، وكان يأمل استعادة السيطرة على سمرقند موطن المغول الأصلي، لكنه فشل في ذلك. وواجه الإمبراطور المغولي خطر التجار البرتغاليين، وأبعد خطرهم ومضايقاتهم لجنوب الهند بشكل نهائي.
تمددت الدولة المغولية في عصره، وعرف بشغفه بالعمارة فبنى في أغرا -مقر الملك الأول- مسجدين كبيرين، وخصص نصف دخل مملكته للعناية بالعمران والفنون المختلفة.
ومن أبرز آثار عصر شاه جهان عرش الطاووس والقلعة الحمراء التي صارت مقر الحكم المغولي، التي نهبها الإنجليز بعد نفيهم بهادر شاه ظفر، آخر الحكام المغول في الهند.
الزوجة الإمبراطورة
أحب شاه جهان في صباه سليلة عائلة فارسية نبيلة، وكانت شديدة الجمال، فخطبها 5 سنوات ثم تزوجها، وكانت ممتاز محل مثقفة محبة للعلم وتتقن اللغتين العربية والفارسية.
عرف شاه جهان بحب زوجته ممتاز محل، ومعنى اسمها هو "جوهرة القصر"، وأطلقه عليها شاه جهان، الذي اختارها لمنصب إمبراطورة المغول رغم أنها لم تكن زوجته الأولى.
وتزوج شاه جهان قبل وبعد زواجه منها في 1612 وعمرها آنذاك 19 عاما، وأنجب منها 14 طفلا؛ 8 منهم ذكور و6 إناث، وتوفي 7 منهم عند الولادة أو في سن مبكرة جدا.
وشهد القصر على حب الإمبراطور لممتاز محل وشدة ارتباطه بها، فكانت زوجته ومحبوبته وصديقته التي ترافقه في كل أسفاره، وكانت لها الحظوة على كل زوجاته.
ورجح المؤرخون أن تكون بقية زيجاته لأغراض ومصالح سياسية، ولقب ممتاز محل بـ"مليكة جهان" أي ملكة العالم، ومنحها صلاحية استخدام ختمه الإمبراطوري الذي يوقع به مراسيم شؤون دولته.
وزين شاه جهان قصر ممتاز محل دون غيرها من زوجاته بالذهب الخالص، ووضع نوافير ماء الورد في حدائق قصرها. وعلاوة على كونها رفيقة حملاته العسكرية رغم حملها المتكرر، كانت ممتاز محل مشفعة عند شاه جهان ومستشارة له، ولم تكن تتوجه إليه في أمر إلا قبله.
لم تكن ممتاز محل محبوبة الإمبراطور شاه جهان وحده، بل كانت محبوبة رعاياها من الموهوبين والفقراء، ومعروفة بإحسانها إليهم وبذلها لهم العطايا.

عرش الطاووس
شهد عصر شاه جهان في بدايته ترفا كبيرا، ففور توليه الحكم أمر ببناء عرش الطاووس، الذي يعد أكبر تراكم للأحجار الكريمة في القرن 17، ويعد من القطع التي ترمز إلى رفاهية العصر المغولي، واستغرق بناء هذا العرش 7 سنوات، واحتل مكانة بارزة في قصور المغول.
وفي العرش 2500 رطل من الذهب، و500 رطل من الأحجار الكريمة، واستقى اسمه من تصميمه الذي يزين بطواويس مرصعة بالجواهر، ونقشت عليها الإشادة بإنجازات شاه جهان بالزمرد والياقوت.
وكان هيكل العرش مرتفعا على أقدام مغلفة بالذهب وتقود إليه خطوات فضية، وغطي بمظلة من الحرير مقوسة ومرفوعة على 12 عمودا ذهبيا مزينة بشرائط اللؤلؤ.
ظل عرش الطاووس في حوزة أبناء شاه جهان وأحفاده حتى عام 1739، حين غزا شاه إيران دلهي وعاد إلى فارس بعرش الطاووس بعد الإطاحة بالإمبراطور المغولي آنذاك محمد شاه.
وفي 1747 اغتيل نادر شاه على أيدي حراسه الشخصيين ونُهب قصره، وفكك الجنود عرش الطاووس.
بناء تاج محل
بعد تنصيبها إمبراطورة للمغول بـ3 سنوات، وفي عام 1631 رافقت ممتاز محل زوجها الشاه جهان في إحدى حملاته العسكرية وكانت حاملا آنذاك.
وبعد مخاض دام 30 ساعة، أنجبت ممتاز محل طفلة، لكن الأم توفيت إثر نزيف بعد الولادة عن عمر ناهز 38 عاما، كان ذلك الحدث مثارا لأحزان شاه جهان، الذي دفنها في حديقة زينباد المسورة مؤقتا.
وبعد هذه الفاجعة قيل إن شاه جهان اعتزل الناس، ومكث في معتكفه عاما كاملا، وحين خرج لهم كان قد شاب شعره كله. وخلّد ذكرى زوجته المحبوبة ببناء ضريح تاج محل؛ إحدى عجائب الدنيا السبع، وإحدى التحف الرائعة في العمارة الإسلامية.
وضع كل من عيسى شيرازي وأمان الله خان شيرازي تصميم الضريح الضخم، وشيد في مدينة أغرا، واستغرق إتمامه 22 عاما من العمل.

بني تاج محل بالمرمر الأبيض، وعلاوة على تصميمه المميز والفريد، فإنه يتمتع بجمالية تغير لونه مع تغير أوقات النهار وانعكاس ضوء الشمس عليه.
بعد إتمام بناء نصب الحب التذكاري لممتاز محل، نقل إليه رفاتها في تابوت ذهبي، ومن الأساطير التي تحيط بهذا الضريح أنه مصمم ليتمكن الإمبراطور من الإطلالة عليه أو على انعكاسه في الماء من كل جانب.
العزل والوفاة
في أواخر حكم شاه جهان، الذي استمر 30 عاما، مرض في سبتمبر/أيلول 1657 وبدأ أبناؤه الصراع على خلافته استعدادا لوفاته المحتملة.
وفي 1658 خلعه ابنه أورنجزيب من العرش، وحبسه في قلعة أغرا تحت حراسة مشددة بعد أن قتل شقيقه الأكبر دارا الذي كان وليا للعهد.
رافقت شاه جهان ابنته جهان نارا حتى وفاته عام 1666 عن عمر ناهز 76 عاما، ودفن بجوار زوجته ممتاز محل في ضريح تاج محل.