فشل الكونغرس في تمريره وأثار غضب منتجي النفط.. مشروع قانون "نوبك" الأميركي
"لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" عنوان لمشروع قانون أميركي يعرف اختصارا باسم "نوبك"، ويسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها للحد من الممارسات الاحتكارية المرتبطة بقطاع النفط.
ويهدف القانون -الذي ناقشه مجلس النواب الأميركي إلى رفع الحصانة عن "أوبك" وشركات النفط الوطنية وكسر احتكارها السوق، بزعم التآمر لرفع الأسعار والحد من سياسات خفض الإمداد بهدف رفع أسعار البترول الخام في السوق العالمية.
وسعى مقدمو مشروع القانون إلى تعديل "قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار" لعام 1890، وهو أول تشريع فدرالي يحجم الاحتكارات، ويشكل الأساس لمعظم دعاوى الحكومة الفدرالية الأميركية في هذا الشأن.
ويعطي مشروع قانون "نوبك" وزارة العدل الأميركية سلطات مطلقة بتطبيقه، وتقدير طبيعة الدعوى إن كانت جنائية أو مدنية، أو عدم رفع دعوى على الإطلاق، ودون أن يخضع القرار لأي مراجعة قانونية.
كما يدعو مشروع القانون إلى حرمان دول منظمة "أوبك" من أي هامش مناورة في حالة حدوث اضطراب يتعلق بأسعار النفط.
نشأة قانون "نوبك"
طرح مشروع قانون "نوبك" للمرة الأولى عام 2000، وعلى الرغم من معارضة غرفة التجارة الأميركية واتحاد الصناعات البترولية، فإن المشروع يثار في الكونغرس بين حين وآخر.
وناقش الكونغرس نسخا مختلفة من مشروع القانون، الذي تعرض إلى 16 تعديلا بين عامي 2000 و2012، وحققت عملية تشريعه مستويات مختلفة من "النجاح"، لكنه لم يقر حتى نهاية عام 2022 ليصبح قانونا نافذا.
الأطراف الفاعلة
يتبنى مشروع قانون "نوبك" كل من النائبين الجمهوري تشاك غراسلي والديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، وحاول مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان إقراره عدة مرات منذ طرحه عام 2000 لرفع الحصانة السيادية التي تحمي منظمة "أوبك" وحلفاءها من الدعاوى القضائية، وكسر احتكار سوق النفط.
ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مجموعة دولية تضم 13 دولة، كل منها مصدر رئيسي للنفط، وتسيطر المنظمة على ما يصل إلى 40% من إنتاج النفط العالمي و80% من احتياطيات النفط في العالم.
وسحبت دول مثل الإكوادور وإندونيسيا وقطر عضويتها في وقت سابق، أما ما يعرف بـ"أوبك بلس" فهي مجموعة تضم أعضاء من خارج "أوبك"، مثل المكسيك وماليزيا وعُمان وروسيا، التي تتعاون مع "أوبك" على أهداف محددة عبر اتفاقيات بشأن زيادة الإنتاج أو خفضه.
مضمون القانون
ينص مشروع قانون "نوبك" على حظر أي دولة أو جهة أجنبية مثل "أوبك" من تحديد سقف الإنتاج أو السعر المستهدف للنفط، كما يمنع الانخراط في عمل فردي أو جماعي للتأثير على سوق النفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي آخر، سواء من حيث العرض أو السعر أو التوزيع في الولايات المتحدة على وجه التحديد، وسواء عن طريق التكتل الاحتكاري أو أي اتحاد آخر أو أي شكل من أشكال التعاون أو العمل المشترك.
ويحظر اتخاذ أي إجراء يقيد تجارة النفط والغاز، خصوصا عندما يكون لهذه الإجراءات الفردية أو الجماعية تأثير مباشر وكبير على أسعار المنتجات البترولية وتوزيعها في الولايات المتحدة.
ولا يسمح مشروع القانون للمحاكم الأميركية برفض النظر في الدعاوى الخاصة بهذا الشأن لأي سبب من الأسباب، مثل تصرفات الدول أو السيادة أو المعتقد السياسي، ويمنع "أوبك" -على وجه التحديد- وأعضاءها الرئيسيين من جميع الإجراءات أو التصريحات المتعلقة بخفض أو زيادة إنتاج النفط أو تحديد أسعاره.
ويلغي مشروع القانون الحصانة السيادية لمنظمة "أوبك" والدول الأعضاء التي تتمتع بها أمام المحاكم الأميركية، وبذلك فإنه يعرض قيادة المنظمة للمقاضاة بموجب تشريعات مكافحة الاحتكار الأميركية الحالية.
تواريخ مهمة ومنحدرات
وافق مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان على نسخ من مشروع القانون عام 2007، لكن الرئيس الأميركي حينذاك جورج دبليو بوش أعاق تمرير القانون تحت تهديد استخدام حق النقض، بينما كان الرئيس السابق دونالد ترامب من مؤيدي القانون قبل توليه منصب الرئاسة، ولم يطرح للتصويت في أي من المجلسين خلال فترة ولايته التي استمرت 4 سنوات (2016-2020).
ومررت اللجنة القضائية التابعة للكونغرس الأميركي مشروع قانون "نوبك" في الخامس من مايو/أيار 2022 في عهد الرئيس جو بايدن، ونشرت اللجنة على موقعها الرسمي حينها أن "نوبك مشروع قانون سيساعد حكومتنا على تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار ضد هذه البلدان (أعضاء وحلفاء أوبك)".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ قررت منظمة أوبك وروسيا وكبار منتجي النفط من خارجها (أوبكبلس) فرض تخفيضات كبيرة في إنتاج النفط تصل إلى مقدار مليوني برميل يوميا بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بحجة تحفيز تعافي أسعار الخام، مما أدى إلى غضب وسخط شديدين داخل أروقة الإدارة الأميركية.
بعد التخفيضات التي أعلنتها "أوبك بلس"، ووسط غضب عارم، أشارت إدارة الرئيس بايدن إلى أنها قد تكون على استعداد لدعم مشروع القانون الذي يحظى بتأييد واسع في كلا الحزبين.
وانتقد العديد من المشرعين الديمقراطيين قرار "أوبك بلس"، واقترحوا الرد على خفض الإنتاج بتشريع يسهل سحب جميع القوات الأميركية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بصفتهما أكبر منتجين للنفط في المنظمة.
بالإضافة إلى ذلك، طالب المشرعون الديمقراطيون بمعاقبة المنظمة من خلال تفعيل قانون "نوبك"، حيث عدّوا القرار بمثابة تحد مباشر من السعودية للولايات المتحدة.
تبعات اقتصادية وسياسية
يتوقع أن يتسبب تمرير قانون "نوبك" في حال إقراره بتبعات سياسية خطيرة تضر سياسات الولايات المتحدة الخارجية واقتصادها، إضافة إلى التداعيات السلبية داخليا؛ منها على سبيل المثال تهديد المملكة العربية السعودية في 2019 ببيع نفطها بعملات غير الدولار إذا أقرت واشنطن نسخة من القانون.
ومن شأن بيع النفط بعملات أخرى أن يؤدي إلى تقويض مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم، ويقلل نفوذ واشنطن في التجارة العالمية، ويضعف قدرتها على فرض عقوبات على الدول.
ويحذر بعض المسؤولين الأميركيين أيضا من أن السعودية يمكن أن تقرر شراء أسلحة من دول غير الولايات المتحدة؛ مما سيؤثر سلبا على تجارة متعاقدي الدفاع الأميركيين المربحة.
علاوة على ذلك، قد تلجأ السعودية ومنتجو النفط الآخرون إلى وضع قيود على الاستثمارات الأميركية في بلدانهم أو رفع أسعار النفط المباع إلى الولايات المتحدة بما يقوّض الهدف الأساسي لمشروع القانون.
وعارض كل من معهد البترول الأميركي وغرفة التجارة الأميركية بشدة مشروع القانون، وذلك تفاديا لإجراءات مضادة ضد شركات أميركية في الخارج، وطمعا في استفادة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة من انضباط إنتاج "أوبك" وتعزيز الأسعار.
وتجدر الإشارة إلى أن لوبي (تجمع) معهد البترول الأميركي (إيه بي آي) يعد أكبر جماعة ضغط بقطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة، وهو من أشد معارضي قانون "نوبك".
ويرى المعهد أن القانون يمكن أن يضر منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة. وعبر المدير التنفيذي ورئيس المعهد مايك سومرز عن قلقه من احتمال الموافقة على القانون بقوله "سيخلق تذبذبا في السوق ويفاقم التحديات الحالية في التجارة الدولية؛ إذ إن هذا التشريع لن يكون مفيدا في أي ظرف، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل".
يضاف إلى ذلك أن هناك مخاوف من أن تؤدي تشريعات "نوبك" إلى إفراط إنتاج منظمة "أوبك"، وهو ما سيؤدي إلى تدهور الأسعار لدرجة تجد معها شركات الطاقة الأميركية صعوبة في زيادة الإنتاج، نظرا لأن دول المنظمة تنتج النفط بتكلفة أقل بكثير من الشركات الأميركية.