جورج فريدريش هيغل.. الفيلسوف الألماني الذي اتهم بالعنصرية تجاه الأفارقة

Wilhelm Friedrich Hegel
الفيلسوف الألماني جورج فريدريش هيغل رائد التأريخ الفلسفي والمنطق الجدلي (غيتي)

جورج فريدريش هيغل فيلسوف ألماني توصف فلسفته بالتعقيد، ولد في بروسيا (ألمانيا الآن) ورحب بالثورة الفرنسية لتقويض الدولة البروسية، ملقب بأرسطو العصر الحديث ومؤسس المنطق الجدلي الثلاثي؛ النائب عن المنطق الأرسطي الثنائي، قدم رؤية استثنائية للروح والتاريخ والسياسة، ويعد من أبرز رواد الفلسفة المثالية.

المولد والنشأة

ولد الفيلسوف الألماني جورج فريديريش هيغل في 27 أغسطس/آب 1770، في بروسيا، بمدينة شتوتغارت عاصمة فورتمبورغ بجنوب شرق ألمانيا، لعائلة بروتستانتية لوثرية تنتمي إلى البرجوازية الصغيرة.

كان والده جورج لودويغ هيغل موظفا حكوميا، وأمه ماريا ماغدلينا لويزا ابنة محام وامرأة مثقفة، علمته اللاتينية قبل دخوله المدرسة، وتوفيت وهو في الثالثة عشرة من عمره إثر إصابتها بالحمى الصفراوية.

عاش هيغل طفولته مع شقيقين يصغرانه، هما كريستينا لويز وجورج لودويغ الذي توفي في مطلع شبابه أثناء مشاركته في حملة نابليون.

وكانت شقيقة هيغل شديدة التعلق به، حد أنها أصيبت باضطراب شديد بعد وفاته وانتحرت بعدها بـ3 أشهر.

عرف باسم جورج هيغل صاحب الفلسفة الهيغلية ومطور المنهج الفلسفي الجدلي، وأحد أبرز رواد الفلسفة المثالية.

الدراسة والتكوين

بدأ هيغل تعليمه وهو في سن الثالثة، حيث التحق بمدرسة قواعد شتوتغارت، وأنهى تعليمه الثانوي فيها.

بعد إنهائه الثانوية عام 1788، التحق بكلية اللاهوت بمدينة توبنغن تلبية لرغبة والديه، وفيها درس اللغة الألمانية والتاريخ والرياضيات والفلسفة لمدة عامين، وتخرج منها عام 1790.

Wilhelm Friedrich Hegel
هيغل رفض الانخراط في المسار الكنسي رغم إعداده وتكوينه التعليمي الأرثوذكسي (غيتي)

وأتم هيغل تعليمه في الإكليريكية البروتستانتية بمدينة فورتمبورغ (مدرسة لإعداد القساوسة)، إلا أنه لم يُظهر قبولا للتعاليم الدينية، وكانت أرثوذكسية أساتذته تضجره.

تخرج من الإكليريكية عام 1793، ومنح شهادة تنص على أنه رغم اهتمامه بالفلسفة وتكريسه نفسه لتعلمها، فإن اهتمامه باللاهوت كان متقطعا.

لم يكن هيغل بارعا في التحدث والعرض الشفوي أثناء دراسته، وكان ملقبا بين أصدقائه بـ"العجوز"، وأبرز أصدقائه في تلك المرحلة هم الشاعر هولدرلين الذين كان مؤمنا بوحدة الوجود، وفيلسوف الطبيعة شيلينغ الذي يصغره بـ5 أعوام.

بعد تخرجه رفض الانخراط في سلك الكهنوت رفضا تاما رغم أن والديه أعداه للمسار الكنسي الذي كان يمثل الطريق المضمون في فورتمبورغ، لأن القساوسة يعينون وتدفع لهم الرواتب من قبل الدولة.

بل أراد هيغل التفرغ لدراسة الفلسفة والأدب اليوناني، وعمل مدرسا خاصا لأسرة برجوازية في برن بسويسرا، استفاد أثناء ذلك من مكتبة الأسرة الضخمة لتوسيع ثقافته، ثم عمل مدرسا لأسرة أخرى في فرانكفورت.

قرأ هيغل إبان فترة عمله مدرسا خاصا عدة كتب منها "روح القوانين" لتشارلز لويس و"سقوط الإمبراطورية الرومانية" لإدوارد جيبون.

كما درس فلسفة إيمانويل كانط وحفزته مقالته عن الدين لكتابة مقالة نشرت له عام 1907 ضمن الكتابات اللاهوتية المبكرة.

لكنه سرعان ما توسع لأبعد مما وصل إليه كانط، وكان أكثر تأريخا منه، فرأى مشكلة الأصول المسيحية رؤية جديدة مختلفة، وكان ممن يرفضون الرواية التقليدية للمسيحية حول ولادة المسيح.

واكتشف هيغل الاقتصاد السياسي بقراءته لكتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث، كما قرأ لديفيد هيوم وجان جاك روسو وميكافيلي.

Wilhelm Friedrich Hegel
هيغل أحد المعجبين بنابليون بونابارت والداعمين لثورته رغم أن جنود بونابارت أحرقوا غرفته (غيتي)

المسيرة المهنية

أول منصب تولاه جورج هيغل كان منصب محاضر بلا راتب في جامعة جينا أو يينا، وتسمى أيضا جامعة فريدريش شيلر (بالألمانية: Friedrich-Schiller-Universität Jena) عام 1801، بتشجيع ودعم من صديق دراسته الفيلسوف شيلينغ الذي كان أستاذا استثنائيا في الجامعة.

فحاضر في المنطق والميتافيزيقا، وكان طلابه يدفعون له أجرة تعليمهم، واشترطت الجامعة ألا يتجاوز عددهم 11 طالبا.

أثرت أفكاره وفلسفته في طلبته تأثيرا بالغا وارتبطوا به ارتباطا روحيا، ومكنهم بدوره من معرفة أفكاره الصعبة وغير المفهومة للبقية.

وفي عام 1805، رقّته الجامعة إلى منصب أستاذ مكلف، وبدأ يتقاضى راتبا شهريا مقابل عمله بعد عام من تعيينه، بتدخل من الشاعر الألماني يوهان غوته.

أخرج هيغل الكتاب الذي قدم فيه نظامه الفلسفي إلى العالم (ظاهريات الروح) في تلك الفترة التي كان يقيم فيها بفندق بعد أن سرقه جنود بونابارت.

وكان على علاقة غير شرعية بزوجة صاحب الفندق كريستينا بوبارد، وأنجبا طفلا عام 1807 يدعى جورج لودويغ فريدريك فيشر.

وفي 1811، تزوج من ابنة سيناتور شابة تدعى ماريا هيلينا سوزانا وأنجبا طفلين هما كارل وإيمانويل، وضمت ماريا طفله الأول جورج لودويغ إلى عائلتها.

وعمل هيغل مديرا لصالة الألعاب الرياضية في نورمبرغ ما بين عامي 1808 و1816، لكنه كان يسعى لمنصب أكاديمي يليق بشهرته، وفي عام 1818 شغل منصب الأستاذية في جامعة برلين.

ودعاه وزير التعليم البروسي لشغل منصب كرسي الفلسفة، الذي بقي شاغرا بعد وفاة الفيلسوف يوهان غوتليب فيخته عام 1814.

وأثناء تدريسه في الجامعة لقي هيغل شعبية كبيرة وتوافد عليه طلاب من جميع أنحاء أوروبا، لتقديمه نظما فكرية أكثر اكتمالا وشمولية بعد الفيلسوف كانط.

في 1830 كان عميدا للجامعة، وفي 1831 حصل على وسام ويليام فريدريك الثالث.

Georg Wilhelm Friedrich Hegel (1770 - 1831), German philosopher, who is regarded as the most important representative of German idealism. Woodcut engraving, published in 1870.
هيغل رفض الرواية المسيحية التقليدية حول ولادة المسيح وموته (غيتي)

الحياة الفكرية

عام 1796، ألّف هيغل كتابا سماه "حياة يسوع"، ولم ينشر حتى 1805، قال فيه إن "المسيح ابن يوسف خطيب مريم العذراء"، ورفض فيه المعجزات المنسوبة إلى المسيح.

وكان هجوم هيغل في بداية كتابته على المسيحية ناقدا للأرثوذكسية وليس المسيح نفسه أو فكرة الإله.

وآمن أن المسيح مجرد رجل دافع عن وعي الإنسان ضد الكهنوت اليهودي، واستنتج أنه مات ودفن، وهذه الأفكار تشبه أفكار الفيلسوف ديفيد هيوم عن المسيح.

وبدأ عام 1801 بملاحظة الكيانات المفتتة التي كوّنت إيطاليا، مما أطمع الدول المجاورة فيها، فتبلورت عنده فكرة جمع الكيانات القوية لتكوين أمة ألمانية قوية وموحدة، وكتب مقالا عن دستور ألمانيا لكنه لم يكمله، ولم ينشر إلا بعد وفاته.

وكان هيغل مؤمنا بأن صناعة أمة قوية لا تكون بالفكر ولا حماسة الأفراد، بل بالقوة القسرية وربط الكتل الجماعية لمواجهة الغزاة.

كان نابليون بونابارت زعيما حربيا بارزا في تلك الفترة، فكان هيغل من المعجبين به وبقوته، ومناصرا للثورة التي حطم فيها نابليون الجيوش البروسية.

وفي 1806 كان نابليون في جينا (يينا) فرآه هيغل يوما، فكتب لأحد أصدقائه أنه رآه يتفقد المدينة واصفا إياه بـ"روح العالم".

وفي اليوم الموالي لرؤية هيغل لبونابارت، نهب الجنود الفرنسيون المدينة، ونهبوا غرفة هيغل التي كان يستأجرها وأضرموا النار فيها.

لجأ هيغل إلى منزل مسؤول في المدينة وانتقل للإقامة في الفندق الذي كان فيها على علاقة بكريستينا، وظل يحتفل طوال حياته بيوم الباستيل؛ يوم انتصار بونابارت على البروسيين.

وكتب عام 1807 كتابه (ظاهريات الروح)، أحد أبرز وأهم كتاباته الفلسفية، وغادر بامبرغ إلى نورمبرغ عام 1808 لأن الرقابة الحكومية أزعجته.

وأثناء إدارته لصالة الألعاب في نورمبرغ ألّف هيغل كتابه "فينومينولوجيا العقل"، وطوّر موسوعة شاملة للعلوم الفلسفية نشرها عام 1817.

midan - Georg Wilhelm Friedrich Hegel (1770 - 1831)
هيغل دعم الثورة ورغب في وجود أمة ألمانية متحدة وقوية (غيتي)

التأريخ الثقافي عند هيغل

كان مبحث التاريخ من أبرز المباحث في فكر هيغل المعقد، وتنقسم سبل التاريخ عنده إلى 3 سبل؛ تاريخ أصلي وتاريخ تأملي وتاريخ فلسفي.

يمثل التاريخ الأصلي وعي المؤرخ بما يؤرخ، ومن ذلك عملية التأريخ في العصور القديمة، فقد كان رجال الدولة هم من يدونون التاريخ، ثم تولى الرهبان التأريخ، وفي عصر هيغل تغير ذلك بحسب فكره لأن "الثقافة تحول كل شيء إلى إخباريات للتمثيل الفكري".

ويعتبر هذا تأريخا محدودا، أما التاريخ التأملي فليس محددا بإطار زمني معين ويتجاوز الثقافة الحالية إلى تسجيل حالة أو بلد أو حقبة معينة، ويقسمه إلى تاريخ كوني وتاريخ براغماتي وتاريخ نقدي وتاريخ متخصص.

وسبيل التأريخ الثالث هو الفلسفة التي تعطي العقل أولوية التعليق على الأحداث وفهمها، ويصف التاريخ في هذا المبحث بأنه تمظهر للعقل، والعقل هو روح العالم، والإله يتمثل في العقل المضاد للشرور والمنتصر عليها في نهاية المطاف.

السياسة والشرق عند هيغل

تمر السياسة عند هيغل بمراحل مشابهة لمراحلها في فكر العالم ابن خلدون، فيرى أنها تمر بـ3 مراحل؛ الأسرة أو القبيلة، ثم المجتمع المدني، ثم الدولة، والدولة هي التجلي الأخير لـ"الروح".

ورغم اعتراف هيغل بأن الحضارة انطلقت من الشرق، فإنه يرى أنها "كالشمس اتجهت للغرب، والشمس لا تعود"، فكان من أهم دعاة المركزية الغربية.

ويرى هيغل أن السياسة الشرقية سياسة استبدادية لأنها لم تؤمن بحرية الروح ولم تتوصل لمعرفتها التامة، ويقسم الشرق تقسيما ثلاثيا؛ الصين والهند وفارس ويُلحق بالإمبراطورية الفارسية عددا من دول الشرق.

هيغل وصف بـ"العنصري" لاحتقاره سياسة وحضارة الشرق (غيتي)

وهذه السياسة الشرقية الاستبدادية، حسب هيغل، هي تمثيل للتأريخ الأصلي لأنها تؤمن بأن الإنسان ينبغي أن يحكمه حاكم إلهي، مما يجعل الحرية حرية شخص واحد هو الحاكم.

ويصف هيغل الإنسان الأفريقي بأنه "يمثل الرجل الطبيعي بكل وحشيته ونزقه"، ويرى أنه في مرحلة "الطفولة" من تطوره، بينما يرى أن الإنسان الأوروبي تقدم في تطوره، ورفض بطبيعته "الأفعال الوحشية التي يمارسها الأفريقي".

إضافة إلى أن "الأفريقي أصل العبودية والسبب في استعباد نفسه"، ولهذا وصفت نظرة هيغل بـ"العنصرية والإقصائية".

المؤلفات

كانت لهيغل عدة محاضرات جمعت ونشرت فيما بعد، إضافة إلى مؤلفات نشرها أثناء حياته حول المنطق والروح والطبيعة والسياسة، وأبرزها:

  • محاضرات في فلسفة التاريخ 1805.
  • ظاهريات الروح 1807.
  • علم المنطق 1812.
  • موسوعة علوم الفلسفة 1817.
  • أصول فلسفة الحق 1820.
  • محاضرات في فلسفة التاريخ 1837.

الوفاة

دخلت الكوليرا ألمانيا عام 1831، فأصيب بها هيغل وهو في عمر الـ61، وتوفي إثر إصابته في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1831، ودفن جوار الفيلسوف فيخته بناء على طلبه.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية