الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عالم موريتاني

العلامة الموريتاني محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (الصحافة العربية)

عالم موريتاني اشتهر بموسوعيته في تفسير القرآن الكريم ومعرفة الفقه وأصوله، وساهم في تأسيس رابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.

المولد والنشأة

ولد محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي بولاية لعصابة في الشرق الموريتاني سنة 1907، وقبل أن يكمل الخامسة من عمره توفي والده فتولى أخواله رعايته وتعليمه، فنشأ في بيئة محافظة وقبيلة من قبائل الزوايا، وهي "تجكانت" التي تشتهر بالعلم في بلاد شنقيط.

الدراسة والتكوين

بدأ تعليمه بحفظ القرآن الكريم في بيت أخواله، وانتهى منه قبل أن يكمل العاشرة من عمره، وفي سن الـ16 أخذ الإجازة بالسند المتصل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفظ القرآن الكريم بروايتي ورش وقالون عن الإمام نافع.

وأثناء دراسته القرآن وعلومه درس مبادئ النحو ومنظومات السيرة النبوية والمتون الفقهية الصغيرة، ومع بلوغه سن التكليف تهيأ للرحيل نحو المحاضر العلمية الكبرى في البلاد الشنقيطية، فجهزت له والدته جملين، أحدهما لمركبه وكتبه، والآخر لزاده ونفقته.

تنقّل بين علماء البلاد، ودرس الفقه والأصول ومصطلح الحديث والنحو البلاغة وتاريخ العرب وأنسابهم.

الوظائف والمسؤوليات

بعدما أكمل دراسته على علماء البلاد جلس للتدريس والإفتاء في موريتانيا، وفي 16 أبريل/نيسان 1948 سافر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، واستقر هناك حيث تولى تدريس التفسير في دار العلوم بالمدينة المنورة عام 1950، ولاحقا اختير أستاذا للتفسير في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

ثم عين أستاذا زائرا في المعهد العالي للقضاء الشرعي بالرياض، واختير عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وفي عام 1971 تم تعيينه عضوا بهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.

التجربة العلمية

في مرحلة مبكرة من عمره لفت الشنقيطي أنظار الوسط المعرفي في موريتانيا، فمارس التدريس والفتوى في محيط علمي يتطلب التميز فيه مستوى عاليا من المعرفة، وعندما حل ببلاد الحرمين أبهر العلماء والطلبة، فكان محل ترحيب وتقدير.

وفي سنة 1949 بدأت حلقاته في تفسير القرآن الكريم بالمسجد النبوي الشريف، وقد تزايد الاهتمام بالشيخ عندما اختير أستاذا للتفسير في دار العلوم بالمدينة المنورة سنة 1950، حيث تعرف عليه الطلاب والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

وتعززت مكانته العلمية عندما أسندت إليه الجامعة الإسلامية مهمة تدريس التفسير والأصول وآداب البحث والمناظرة.

يتميز محمد الأمين الشنقيطي بمنهج تفسير القرآن بالقرآن، وفي هذا الجانب ألف كتابه الشهير "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن".

ويقوم هذا المنهج على حصر عدد إطلاق الكلمة القرآنية، ثم يبين معاني تلك الإطلاقات مع ذكر الآيات القرآنية المتعلقة بكل إطلاق.

ومثال ذلك تفسيره معنى الفتنة في الآية الـ47 من سورة النمل {قالوا اطيّرنا بك وبمن معك، قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون}.

غلاف كتاب "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" (الجزيرة)

يقول الشنقيطي إن الفتنة تطلق على الإحراق بالنار كقوله تعالى {يوم هم على النار يفتنون} (الذاريات: 13)، كما تأتي بمعنى الاختبار، وهو أكثرها استعمالا، كما قال تعالى في سورة الأنبياء {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء: 35)، كما تطلق الفتنة على الحجة كقوله جل من قائل في سورة الأنعام {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} (الأنعام: 23).

وعلى ذلك المنوال أيضا كان تفسيره الآية بالآية، والآية بالآيات، وهذه المنهجية تقوم على تيسير عملية التفسير وتوضيح المعنى المراد وترسيخه في الأذهان.

وقد اهتم الشنقيطي خلال مسيرته العلمية بالبحث في تفسير القرآن الكريم وربط الأحكام الفقهية والعقدية بنصوصه.

وخلال مسيرته التربوية زار الكثير من الدول الإسلامية ضمن رحلات دعوية قام بها نشرا للدين ومناظرة للعلماء.

وقد مكنته تجربته العملية والدراسية من تبني رؤية فكرية تقوم على قياس الأمور بميزان الشرع، فصنفه العلماء من دعاة الوسطية والاعتدال.

وفي الجانب الأدبي، اشتهر الشيخ الشنقيطي بقرض الشعر، وقد سرد رحلته إلى الحج في كتاب زاخر بالأدب والمناظرات والفوائد العلمية.

في كتابه "رحلة الحج إلى بيت الله الحرام" يروي العلامة محمد الأمين الشنقيطي أخبار السفر والعلم في الرحلة إلى الحج (الجزيرة)

مؤلفاته

ومن أهم مؤلفاته معلمته القرآنية الكبرى التي سماها "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، كما ألف كتبا أخرى عديدة، منها:

  • دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب.
  • مذكرة في أصول الفقه على "روضة الناظر".
  • وقام بشرح كتاب "مراقي السعود" في الأصول.
  • رحلة إلى الحج.
  • وألف كتابا صغيرا عن حكم الصلاة في الطائرة.

الوفاة

في 17 ذي الحجة 1393 هـ الموافق للعاشر من يناير/كانون الثاني 1974 توفي الشنقيطي في مكة المكرمة، وأقيمت عليه الصلاة في المسجد الحرام، ودفن في مقبرة المعلاة بربع الحجون.

الأوسمة والجوائز

في 15 يونيو/حزيران 2022 دشن أمير منطقة المدينة المنورة فيصل بن سلمان بن عبد العزيز كرسيا للبحث يحمل اسم الشيخ الشنقيطي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تكريما لذكراه، ووجه بإطلاق اسمه على أحد أكبر شوارع المدينة تثمينا لجهوده في خدمة الإسلام، واصفا إياه بالعلامة المؤثر في تاريخ المملكة، والذي يرجع له الفضل في تطوير المنهج الأكاديمي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية