كلود ليفي ستراوس.. عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي

كلود ليفي ستراوس، عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي، يعتبر فيلسوف البنيويّة أو المنهج البنيوي. أثر في أجيال من الباحثين، اقترح فهما جديدا للآليات الاجتماعية والثقافية، من خلال تطبيق التحليل البنيوي على العلوم الإنسانية.
كما وضع ستراوس -الذي اشتغل أستاذا فخريا بـ "كوليج دو فرانس" (Collège de France) وأسس الأنثروبولوجيا الحديثة، وكان الأنثروبولوجي الأول الذي انتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية في مايو/أيار 1973.
المولد والنشأة
ولد عالم الاجتماع والأنثروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستراوس في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1908 في مدينة بروكسل البلجيكية لأبوين فرنسيين يهوديين، وكان والده رساما يدعى رايمون ليفي ستراوس.
درس كلود القانون والفلسفة وحصل على البكالوريوس في جامعة باريس الفترة ما بين 1927 و1932، وخلال هذه المرحلة كان مناضلا في صفوف الحزب الاشتراكي الفرنسي.
بدأت حياته المهنية كعالم إثنولوجي عام 1934، وهي السنة نفسها التي تمت فيها دعوته لتدريس علم الاجتماع في جامعة ساو باولو بالبرازيل، وبقي هناك حتى عام 1939، واستغل هذه الفرصة للقيام بأول دراسة سوسيولوجية ميدانية بين قبائل هنود البرازيل.
ستراوس كان أيضا أستاذا زائرا في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية بمدينة نيويورك (1941-1945) حيث تأثر بأعمال عالم اللسانيات رومان جاكوبسون. وما بين 1950 و1974، شغل منصب مدير للدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (école pratique des hautes Etudes) بجامعة باريس، كما تم اختياره لكرسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية في "كوليج دو فرانس" عام 1959.

التجربة العلمية والمهنية
بعد عامين من التدريس بالمدارس الثانوية في "مونت دو مارسان" (Mont-de-Marsan" و"لاون" (Laon) تم تعيين ستراوس عضوا في البعثة الجامعية الفرنسية إلى البرازيل، وأستاذا في جامعة ساو باولو (1935-1938).
وما بين عام 1935 و1939، قام بتنظيم وإدارة العديد من المهمات الإثنوغرافية في "ماتو غروسو" (Mato Grosso) والأمازون في البرازيل.
بعد عودته إلى فرنسا بأشهر قليلة، انطلقت الحرب مع ألمانيا، ما بين 1939 و1940، فغادر فرنسا من جديد -بعد الهدنة التي تم توقيعها من الجانبين- إلى الولايات المتحدة، حيث اشتغل أستاذا في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية (New School for Social Research) في نيويورك.
وانخرط متطوعا في القوات الفرنسية الحرة، مكلفا بالبعثة العلمية الفرنسية بالولايات المتحدة. وأسس مع هنري فوسيون (Henri Focillon) وجاك ماريتان (Jacques Maritain) وجون بيران (J.Perrin) وآخرين المدرسة الحرة للدراسات العليا (l’École libre des hautes études) في نيويورك، ثم أصبح أمينها العام.
بعد ذلك استدعته إلى فرنسا وزارة الخارجية عام 1944، ليعود مرة أخرى إلى الولايات المتحدة عام 1945 للعمل مستشارا ثقافيا بالسفارة الفرنسية.
استقال عام 1948 ليكرس حياته لعمله العلمي، وأصبح نائبا لمدير متحف الإنسان (Musée de l’Homme) عام 1949، ثم مديرا للدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، واختير لكرسي الأديان المقارنة بين الشعوب.
كما عمل أستاذا في "كوليج دو فرانس" (Collège de France) رئيسا للأنثروبولوجيا الاجتماعية، وهو المنصب الذي شغله منذ عام 1959 حتى تقاعده عام 1982.
وكانت هذه المرحلة هي فترة نضج ستراوس، خاصة مع إصداره الشهير "المدارات الحزينة" (Tristes Tropiques) سنة 1955؛ ثم "العرق والتاريخ" (Race et Histoire) الذي نشر عام 1952، بالإضافة إلى مجموعة من المقالات التي أطرت مشروعه العلمي، الأنثروبولوجيا البنيوية (1958).

المرحلة الموالية من حياته المهنية كانت فترة النجومية الدولية. بحيث تم انتخاب ستراوس لرئاسة الأنثروبولوجيا الاجتماعية في "كوليج دو فرانس" عام 1959. والعام الموالي أسس مختبر الأنثروبولوجيا الاجتماعية و"مجلة الإنسان" (Revue de l’Homme).
وكانت أعماله تتميز ببعدين أساسيين: على مستوى التفسير النظري لموضوع الأنثروبولوجيا نفسه، في "الطوطمية اليوم" (Totémisme aujourd’hui) وخاصة في عمله الرئيسي "الفكر البري" (la Pensée sauvage) ومن جهة أخرى، تطبيق هذه المبادئ من خلال رباعيته التي تضم أكثر من ألفي صفحة، "أسطوريات" (les Mythologiques)، و"النيئ والمطبوخ" (le Cru et le Cuit)، "من العسل إلى الرماد" (Du miel aux cendres)، و"أصل آداب المائدة" (l’Origine des manières de table)، و"الإنسان العاري" (l’Homme nu).
ليأتي بعدها التتويج بانتخابه في الأكاديمية الفرنسية في 24 مايو/أيار 1973، ليحل محل "هنري دو مونتيرلان" (Henry de Montherlant). وفي 14 أبريل/نيسان 2009، أصبح عميد الأكاديمية بعد وفاة موريس دريون، وهو صاحب أطول مدة خدمة بين أعضائها.
العضوية في مؤسسات دولية
ستراوس أيضا عضو أجنبي في الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة، الأكاديمية الأميركية، معهد الفنون والآداب، الأكاديمية البريطانية، الأكاديمية الملكية الهولندية، الأكاديمية النرويجية للآداب والعلوم.
وهو دكتور فخري في جامعات بروكسل، أكسفورد، شيكاغو، ستيرلنغ، أوبسالا، مونتريال، ساو باولو، الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، جامعة لافال في كيبيك، جامعة زائير الوطنية، جامعة فيسفا بهاراتي (الهند) وجامعات ييل، هارفارد، جونز هوبكنز، كولومبيا.

الجوائز والأوسمة
حصل ستراوس على عدة جوائز وأوسمة منها:
- عام 1966 حصل على الميدالية الذهبية وجائزة صندوق الفايكنج (Viking Fund) بعد تصويت دولي لمهنة الإثنولوجيا.
- عام 1967 حصل على الميدالية الذهبية لمركز الوطني للبحث العلمي في باريس (C.N.R.S).
- عام 1973 نال جائزة إيراسموس.
- عام 1986 نال جائزة مؤسسة نونينو.
- عام 1996 حصل على جائزة "أبي إم واربورغ" (Aby M Warburg).
- فاز بجائزة مايستر إيكهارت (Meister Eckhart) عام 2002.
- فاز بجائزة كاتالونيا الدولية عام 2005.
المؤلفات
بعد وفاته ترك عالم الاجتماع والأنثروبولوجي الفرنسي ستراوس إرثا ثقافيا كبيرا، ضم عشرات المؤلفات والحوارات والمقالات البحثية، التي تنوعت بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والإثنولوجيا والفلسفة وغيرها، ومن أبرز مؤلفاته:
- الحياة العائلية والاجتماعية لهنود النامبيكوارا (1948).
- البنى الأولية للقرابة (1949).
- العرق والتاريخ (1952).
- مدارات حزينة (1955).
- الأنثروبولوجيا البنيوية (ج.1) (1958).
- الأنثروبولوجيا البنيوية (ج.2) (1973).
- الطوطمية اليوم (1962).
- الفكر البري (1962).
- أسطوريات (مجلد.1) النيئ والمطبوخ (1964).
- أسطوريات (مجلد.2) من العسل إلى الرماد (1966).
- أسطوريات (مجلد.3) أصل أدب المائدة (1968).
- أسطوريات (مجلد.4) الإنسان العاري (1971).
- من قريب ومن بعيد (1988).
الوفاة
توفي ستراوس في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2009، في باريس إثر نوبة قلبية، قبل أسابيع قليلة من عيد ميلاده الأول بعد المئة.