اتفاقية القسطنطينية الخاصة بحرية الملاحة في قناة السويس

اتفاقية القسطنطينية معاهدة دولية خاصة بتنظيم الملاحة في قناة السويس، أُبرمت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1888 بين بريطانيا من جهة وفرنسا من جهة أخرى، ووقعتها أيضا دول أخرى هي: روسيا وإيطاليا والنمسا والمجر وإسبانيا وهولندا والدولة العثمانية.
السياق التاريخي للاتفاقية
وجاءت الاتفاقية بعدما سيطرت بريطانيا سنة 1882 على مصر وقناة السويس، وكانت فرنسا تهيمن حينها على أغلبية أسهم شركة "قناة السويس"، ورغبة منها في إضعاف السيطرة البريطانية على القناة، سعت لتدويل القضية داخل أوروبا.
لكن بريطانيا أظهرت رغبة في وضع نظام لتأمين حرية المرور في القناة، في منشور لوزير خارجيتها لورد غرانفل إلى الدول الأوروبيّة الكبرى يوم 3 يناير/كانون الثاني 1883، وفي تقرير لورد دفرن في فبراير/شباط 1883.
ومما ورد في منشور لورد غرانفل "تكون القناة حرة لمرور كل السفن في كل الظروف". ونُظمت مفاوضات بين بريطانيا وفرنسا حول القناة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1884، وفي 21 يناير/كانون الثاني 1885، حيث وافقت الحكومة البريطانية على اقتراح الوزير الفرنسي جيل فري بشأن تنظيم مركز القناة في معاهدة، وتكوين لجنة تمثل فيها الدول الكبرى.
ووقع مندوبو 7 دول كبرى، هي: إنجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا والمجر والدولة العثمانية، بالإضافة لمندوب ملك مصر الخديوي، اتفاقية مبدئية على أساس منشور لورد غرانفل في مارس/آذار 1885.
وبعد مفاوضات، تم توقيع اتفاقية القسطنطينية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1888، وقد شكلت حلا وسطا بين قوتين استعماريتين، حيَّد القناة وضمن مرور جميع السفن عبر قناة السويس في الحرب والسلم دون تمييز لجنسيتها.
وقد أعلنت بريطانيا تحفظا على إمكانية تطبيق مواد المعاهدة في حال تعارضها مع وضع مصر يومئذ، وفي حال تقييدها لحرية عمل الحكومة أثناء الاحتلال البريطاني لمصر. وقبلت فرنسا التحفظ الذي جعل المعاهدة غير قابلة عمليا للتطبيق، ولم تدخل حيز التنفيذ إلا سنة 1904.
وظلت قناة السويس تحت السيطرة الأجنبية حتى أممها جمال عبد الناصر عام 1956.
نص المعاهدة
إن جلالة ملك بريطانيا العظمى وأيرلندا وإمبراطور الهند، وجلالة إمبراطور ألمانيا وملك بروسيا وجلالة إمبراطور النمسا، وملك بوهيميا وملك هنغاريا، وجلالة ملك إسبانيا وباسمه الملكة الوصية على المملكة، ورئيس جمهورية فرنسا وجلالة ملك إيطاليا وجلالة ملك هولندا، ودوق لوكسمبرغ وجلالة إمبراطور الدول الروسية وجلالة إمبراطور الدولة العثمانية.
رغبة منهم في إبرام اتفاق فيما بينهم خاص بوضع نظام نهائي لضمان حرية جميع الدول في استعمال قناة السويس في جميع الأوقات، وفي تكميل نظام المرور في القناة المذكورة المقرر بمقتضى الفرمان الصادر من الباب العالي بتاريخ 22 فبراير/شباط سنة 1866 (2 ذي القعدة سنة 1282) والمؤيد للشروط التي منحها سمو الخديوي، قد عينوا ممثلين لهم -المذكورين بعد الذين اتفقوا- عقب تقديم أوراق الاعتماد والتثبت من صحتها على المواد التالية:
المادة 1
تظل قناة السويس البحرية بصفة دائمة حرة ومفتوحة في زمن السلم كما في زمن الحرب لجميع السفن التجارية والحربية بدون تمييز بين جنسياتها.
وبناء على ذلك فقد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم إلحاق أي مساس بحرية استعمال القناة سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب. ولن تكون القناة خاضعة مطلقا لاستعمال حق الحصار البحري.
المادة 2
تقرر الدول العظمى المتعاقدة نظرا لما تعلمه من لزوم قناة المياه العذبة وضرورتها للقناة البحرية، أنها أحيطت علما بتعهدات سمو الخديوي قبل شركة قناة السويس العالمية فيما يختص بقناة المياه العذبة، وهي التعهدات المنصوص عنها في الاتفاق المبرم بتاريخ 18 مارس/آذار سنة 1863 والمشتمل على ديباجة وأربع مواد. وتتعهد الدول العظمى بعدم المساس بسلامة القناة ومشتقاتها وعدم إتيان أية محاولة لسدها.
المادة 3
تتعهد الدول العظمى المتعاقدة أيضا بعدم المساس بالمهمات والمنشآت والمباني والأعمال الخاصة بالقناة البحرية وقناة المياه العذبة.
المادة 4
بما أن القناة البحرية تظل في زمن الحرب طريقا حرا ولو كان ذلك لمرور السفن الحربية التابعة للدول المتحاربة، عملا بالمادة الأولى من هذه المعاهدة، قد اتفقت الدول العظمى المتعاقدة على عدم جواز استعمال أي حق من حقوق الحرب، أو إتيان أي فعل عدائي أو أي عمل من شأنه تعطيل حرية الملاحة في القناة أو في الموانئ الموصلة إليها أو في دائرة نصف قطرها ثلاثة أميال بحرية من هذه الموانئ، حتى ولو كانت الدولة العثمانية إحدى الدول المتحاربة.
ويُحظر على البوارج الحربية للدول المتحاربة أن تباشر داخل القناة أو في الموانئ المؤدية إليها عمليات التموين أو التخزين إلا بالقدر الضروري جدا، ويتم مرور السفن المذكورة في القناة في أقصر زمن ممكن وفقا للأنظمة المعمول بها، ولا يجوز لها الوقوف إلا لضرورة قضت بها مصلحة العمل.
ولا يجوز أن تزيد مدة بقائها في بورسعيد أو في خليج السويس على 24 ساعة إلا في حالة التوقف الجبري، وفي هذه الحالة يجب عليها الرحيل في أقرب فرصة ممكنة.
ويجب أن تمضي 24 ساعة بين خروج سفينة متحاربة من إحدى موانئ الدخول وبين قيام سفينة أخرى تابعة للدول المعادية.
المادة 5
لا يجوز لدول الأعداء في زمن الحرب أن تأخذ أو تنزل في القناة أو الموانئ المؤدية إليها جيوشا أو معدات وأدوات حربية، غير أنه في حالة حدوث مانع طارئ في القناة يجوز ركوب أو نزول الجيوش في موانئ الدخول على دفعات بحيث لا تتعدى الدفعة الواحدة ألف رجل مع المهمات الحربية الخاصة بهم.
المادة 6
تخضع الغنائم في جميع الأحول للنظام نفسه الموضوع للسفن الحربية التابعة للدول المتحاربة.
المادة 7
لا يجوز للدول أن تبقى سفنا حربية في مياه القناة، بما في ذلك ترعة التمساح والبحيرات المرة. ولكن يجوز للسفن الحربية أن تقف في الموانئ المؤدية إلى بورسعيد والسويس، بشرط ألا يتجاوز عددها اثنتين لكل دولة. ويمنع على الدول المتحاربة استعمال هذا الحق.
المادة 8
تعهد الدول الموقعة على هذه المعاهدة إلى مندوبيها بمصر بالسهر على تنفيذها. وفي حالة حدوث أمر من شأنه تهديد سلامة القناة أو حرية المرور فيها يجتمع المندوبون المذكورون بناء على طلب ثلاثة منهم برئاسة عميدهم لإجراء المعاينة اللازمة، وعليهم إبلاغ حكومة الحضرة الخديوية بالخطر الذي يرونه لتتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان حماية القناة وحرية استعمالها. وعلى كل حال يجتمع المندوبون مرة في السنة للتثبت من تنفيذ المعاهدة تنفيذا حسنا.
وتعقد هذه الاجتماعات الأخيرة برئاسة قوميسير (ضابط) خاص تعينه حكومة السلطة العثمانية لهذا الغرض، ويجوز أيضا لقوميسير الحضرة الخديوية حضور الاجتماع كذلك، وتكون له الرئاسة في حالة غياب القوميسير العثماني.
ويحق للمندوبين المذكورين المطالبة بنوع خاص بإزالة كل عمل أو فض كل اجتماع على ضفتي القناة من شأنه أن يمس حرية الملاحة وضمان سلامتها التامة.

المادة 9
تتخذ الحكومة المصرية في حدود سلطتها المستمدة من الفرمانات والشروط المقررة في المعاهدة الحالية التدابير الضرورية لضمان تنفيذ هذه المعاهدة.
وفي حالة عدم توافر الوسائل الكافية لدى الحكومة المصرية يجب عليها أن تستعين بحكومة الدولة العثمانية التي يكون عليها اتخاذ التدابير اللازمة لإجابة هذا النداء، وإبلاغ ذلك إلى الدول الموقعة على تصريح لندن المؤرخ 12 مارس/آذار سنة 1885، وعند اللزوم تتشاور معها في هذا الصدد.
ولا تتعارض أحكام المواد 4 و5 و7 و8 مع التدابير التي ستتخذ عملا بهذه المادة.
المادة 10
كذلك لا تتعارض أحكام المواد 4 و5 و7 و8 مع التدابير التي قد يرى عظمة السلطان وسمو الخديوي اتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضعا، بواسطة قواتهما وفي حدود الفرمانات الممنوحة، الدفاع عن مصر وصيانة الأمن العام.
وإذا رأى صاحب العظمة الإمبراطورية السلطان أو سمو الخديوي ضرورة استعمال الحقوق الاستثنائية المبينة بهذه المادة، يجب على حكومة الإمبراطورية العثمانية أن تخطر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن.
ومن المتفق عليه أيضا أن أحكام المواد الأربعة المذكورة لا تتعارض إطلاقا مع التدابير التي ترى حكومة الدولة العثمانية ضرورة اتخاذها لكي تضمن بواسطة قواتها الخاصة الدفاع عن ممتلكاتها الواقعة على الجانب الشرقي من البحر.
المادة 11
لا يجوز أن تتعارض التدابير التي تتخذ في الحالات المنصوص عليها في المادتين 9 و10 من هذه المعاهدة مع حرية استعمال القناة. وفي الحالات المذكورة يظل إنشاء الاستحكامات الدائمة المقامة خلافا لنص المادة الثامنة محظورا.

المادة 12
إن الدول العظمى المتعاقدة -تطبيقا لمبدإ المساواة الخاص بحرية استعمال القناة، ذلك المبدأ الذى يعتبر إحدى دعائم المعاهدة الحالية- قد اتفقت على أنه لا يجوز لأحداها الحصول على مزايا إقليمية أو تجارية أو امتيازات في الاتفاقات الدولية التي تبرم مستقبلا في ما يتعلق بالقناة. ويحتفظ في جميع الأحوال بحقوق تركيا كدولة ذات سيادة إقليمية.
المادة 13
فيما عدا الالتزامات المنصوص عليها في هذه المعاهدة لا تمس حقوق السيادة التي لصاحب العظمة السلطان وحقوق صاحب السمو الخديوي وامتيازاته المستمدة من الفرمانات.
المادة 14
اتفقت الدول العظمى المتعاقدة بأن التعهدات المبينة في هذه المعاهدة غير محددة بمدة الامتياز الممنوح لشركة قناة السويس العالمية.
المادة 15
لا يجوز أن تتعارض نصوص هذه المعاهدة مع التدابير الصحية المعمول بها في مصر.
المادة 16
تتعهد الدول العظمى المتعاقدة بإبلاغ هذه المعاهدة إلى علم الدول التي لم توقع عليها مع دعوتها إلى الانضمام إليها.
المادة 17
يصدق على هذه المعاهدة ويتم تبادل التصديقات في القسطنطينية خلال شهر أو قبل ذلك إن أمكن، وإثباتا لما تقدم قد وقع عليها المندوبون المفوضون وختموها بخاتم شاراتهم.
القسطنطينية في 29 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1888.