سيف الدين قطز أبرز سلاطين المماليك

سيف الدين قطز
سيف الدين قطز حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه والسنة النبوية وتلقى تأهيلا شاملا في فنون القتال (مواقع التواصل الاجتماعي)

السلطان المظفر سيف الدين قطز من أبرز سلاطين المماليك، حكم مصر عاما واحدا أوقف فيه الزحف المغولي القادم من الشرق في معركة عين جالوت بفلسطين.

حمله التتار طفلا إلى دمشق، وباعوه لتجار الرقيق، وتنقل من يد إلى يد حتى صار في حرز الملك المعز أيبك، قُتل على يد خصمه وقائد جيشه في معركته المصيرية مع التتار الظاهر بيبرس في عام 658 هـ/ 1260 م.

النشأة والتكوين

ولد محمود بن ممدود سيف الدين قطز أوائل القرن السابع الهجري/ الـ13 الميلادي في خوارزم وسط آسيا ( بين أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان حاليا) لعائلة ملكية تنتسب إلى السلطان أبو المظفر جلال الدين خوارزم شاه (توفي عام 628 هـ)، فأبوه ابن عم السلطان جلال الدين وأمه أخت السلطان.

غير أنه نشأ مملوكا بعد غزوات المغول التي اجتاحت العالم الإسلامي آنذاك وأودت بحكم الدولة الخوارزمية زاحفة إلى الغرب محطمة كل ما أمامها من دول وممالك.

والمماليك رقيق (عبيد) من نوع خاص، فقد كانوا يُجلبون أطفالا من أسواق النخاسة، ليتم تأهيلهم تأهيلا خاصا ليكونوا عُدّة الحكام في المنطقة من الشام إلى مصر، وهم من عناصر عرقية مختلفة كالترك والمغول والصقالبة (السلاف) والشركس والقوقاز وغيرهم.

وقد بيع الفتى المملوك قطز، واسمه هذا لقب أطلقه عليه آسروه ويعني "الكلب الشرس"، وتناقلته أيادي النخاسين حتى اشتراه الأمير المعز أيبك (توفي عام 655 هـ) وانتسب إليه، فصار من مماليك المُعِزِّية، وقد كان المماليك ينتسبون إلى أميرهم الذي اشتراهم.

تلقى قطز ما كان يتلقاه المماليك الأوائل عادة من معارف شرعية وعربية، فحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الفقه وقرأ في السنة النبوية، كما تلقى تأهيلا شاملا في فنون القتال وركوب الخيل ووضع الخطط الحربية والتصرف في شؤون الدولة.

رسم لمعركة عين جالوت
رسم تاريخي يوضح مشهدا من معركة عين جالوت (مواقع التواصل الاجتماعي)

تميز قطز فأظهر نبوغا في الإدارة والسياسة والقوة والحزم حتى صار أكبر مماليك المعز أيبك وأوثقهم عنده.

قال عنه المؤرخ اليونيني "كان السلطان الملك المظفر -رحمه الله- رجلا شجاعا مقداما حتى قيل: إنه لم يركب الفرس قبله من الترك أفرس ولا أشجع منه، ولم يكن يوصف بكرم ولا شح، بل كان مقتصدا في ذلك، وهو أول من اجترأ على التتار وكسرهم وأخرق ناموسهم بعد جلال الدين خوارزم شاه".

التجربة السياسية

شارك قطز في جيش الملك الصالح نجم الدين أيوب (توفي عام 647 هـ) في صد الحملة الصليبية السابعة، والتي أبلى فيها المماليك بلاء حسنا رفع من شأنهم في نظر العامة والسلاطين الأيوبيين الذين كانت هذه الحملة بمثابة الخاتمة لدولتهم، إذ توفي في آخرها الملك الصالح فخلفته في الحكم زوجته شجرة الدر (توفيت عام 655 هـ) التي قامت بدورها -بعد أن رفضت الجماهير المصرية والسلطة العباسية في بغداد تولي امرأة على سلطنة مصر- بتقديم أحد مماليك زوجها السابق لخلافته، وهو المعز أيبك والزواج منه، الأمر الذي قرّب قطز من السلطة خطوة أخرى.

كانت المحطة الثانية التي انطلق منها سيف الدين قطز في مسيره نحو السلطة والنفوذ هي اشتراكه في مؤامرة قتل فارس الدين أقطاي (توفي عام 652 هـ) لصالح أستاذه أيبك (الأستاذ لقب بمثابة لقب السيد في عرف المماليك) الذي رغب في التخلص من منافسه القائد العام للجيوش المصرية آنذاك، ففر المماليك البحرية (وهم الذين أسكنهم الملك الصالح أيوب على شاطئ نهر النيل) إلى بلاد الشام هاربين من بطش المعز أيبك وذراعه القوي سيف الدين قطز.

دبت الخلافات بين الزوجين المعز وشجرة الدر، فحاكت الزوجة مؤامرة للتخلص من زوجها، فأوكلت أمره إلى 5 فتيان ليقتلوه في قلعة الجبل (مقر الحكم) أثناء استحمامه، مما أوغر صدور المماليك المعزية -وعلى رأسهم قطز- عليها، فأحضروها إلى زوجة المعز الأولى وأم ابنه نور الدين علي الذي نصّب ليخلف أباه، فأمرت جواريها بقتلها بالقباقيب ورميها من نافذة أبراج القلعة، ليسدل الستار على حقبة مؤسسي دولة المماليك.

استقرت الأمور لقطز الذي صار نائبا للسلطان الصغير والحاكم الفعلي لمصر، فقام بترتيب البيت الداخلي لسلطنته، فقضى على خصومه المنافسين من المماليك الذين استعانوا ببقايا الأيوبيين في الشام، وأخمد الثورات التي كان خصومه يشنونها بين الفينة والأخرى.

وبقي نحو 3 سنوات حتى قرعت طبول الحرب آذان المصريين مؤذنة باقتراب خطر المغول الداهم الذي وصل إلى أعتاب بلادهم، فقام بخلع المنصور علي ونصّب نفسه ملكا، وكان قد أقنع منافسيه بأن يكون أمر اقتسام السلطة بينهم بعد القضاء على العدو الذي يطرق الأبواب، وكان المغول قد وصلوا بالفعل إلى غزة.

عين جالوت.. الظفر الذي صار علما على صاحبه

استمر قطز في ترتيب الأوضاع الداخلية واضعا نصب عينيه المهمة التاريخية التي ألقتها الأقدار على كاهله، فأصدر عفوا عاما عن المماليك البحرية الذين أثاروا حوله زوابع الفتنة والتنافس، وكان على رأس هؤلاء ركن الدين بيبرس البندقداري (توفي عام 676 هـ) الذي استقبله قطز استقبالا خاصا وأقطعه قليوب وما حولها من القرى، وكان المماليك البحرية عماد الجيش المملوكي وركنه الرئيسي، فأضاف قوتهم إلى قوة المماليك المعزية.

بعث هولاكو رسالة تهديد إلى قطز يحملها عدد من رسله يأمره فيها بالاستسلام والإذعان له، وكان المغول قد تركوا في كل ساحة مروا عليها من الدمار والدماء ما يكون عبرة لمن بعدهم، فأقدم قطز على إعدام رسل هولاكو حتى يقطع الطريق على الأمراء المترددين في جيشه والخائفين من مصير يشبه مصير بغداد وسائر ممالك الإسلام بين فارس ومصر.

قرر قطز أن يواجه المغول في فلسطين لا في مصر، وفي طريقه إلى غزة عقد اتفاقا مع الصليبيين في عكا لتأمين ظهره فوافق الصليبيون الذين كانوا يخشون من سطوة المماليك عليهم كما كانوا يفضلون حكم المسلمين على حكم التتار الدموي.

** داخلية** تمثال سيف الدين قطز
تمثال لسيف الدين قطز (مواقع التواصل الاجتماعي)

قرر قطز أن يقسم الجيش إلى قسمين، الأول: مقدمة الجيش وتكون كبيرة نسبيا ويقودها الظاهر بيبرس، والآخر: الجسم الرئيسي بقيادته هو على أن يتأخر عن المقدمة ليوهم التتار بأن جيشه يتكون من تلك الطليعة فحسب.

وكانت المواجهة الأولى بين الجيشين في 15 رجب 658 بغزة، حيث استطاع ببيرس بحنكته العسكرية القضاء على الحامية التترية فيها.

التقى الجيشان التتري والمصري في 26 رمضان 658 هـ الموافق للثالث من ديسمبر/كانون الأول 1260 م في سهل عين جالوت الواقع بين بيسان شمالا ونابلس جنوبا، وكان الجيش المملوكي قد أعد خطة للقضاء المبرم على التتار، فقاموا بجر الجيش التتري إلى السهل وأغلقوا جميع منافذه بعد أن أحاطوا به من كل جهة.

دارت معركة حامية الوطيس ترددت الكفة فيها بين الجانبين، غير أن مقتل القائد التتري حسم المعركة لصالح المسلمين، وظلوا يلاحقون التتار حتى وصلوا إلى داخل مدينة بيسان، فدارت معركة أخرى فيها نزل قطز بنفسه في أتونها حتى تحقق النصر لجيشه.

كانت أصداء معركة عين جالوت قد بدأت بالوصول إلى دمشق وحمص وحلب، فثار أهلها -الذين ارتفعت معنوياتهم بانتصار إخوانهم- على التتار وطهروا بلادهم من حامياتهم التي كانت تسيطر عليها، فسيطر ببيرس على حمص، وما إن وصل حلب حتى خرج منها التتار في بضعة أسابيع بعد الانتصار الكبير في عين جالوت.

وبهذا التحرير لبلاد الشام كانت هذه المعركة واحدة من المعارك الفاصلة في تاريخ المنطقة العربية الإسلامية، كما شكلت نقطة البدء في الحضور المملوكي سياسيا وعسكريا لأكثر من قرنين ونصف قرن من الزمان.

قال ابن العماد عن قطز في "شذرات الذهب" "كان بطلا شجاعا حازما، كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام، واستعاد منهم الشام، فجزاه الله عن الإسلام خيرا".

مقتله

لم يكد يمضي 50 يوما على النصر المبين في عين جالوت حتى تحركت نوازع مستكنة بين المظفر قطز والأمير بيبرس، فأضمر كل منهما للآخر السوء وبات الغريمان يتربص أحدهما بأخيه.

غير أن بيبرس بما عرف عنه من جرأة وإقدام وهجوم على الخطر -مستعيدا ألم ذلك الجرح الذي لم يبرأ في نفسه بعد أن شرده قطز من دياره على إثر قتله قائد جيش المماليك البحرية أقطاي- استغل فرصة انفراد المظفر سيف الدين أثناء رحلة صيد في طريق العودة إلى مصر وانقض مع جماعة موالية له عليه فقتلوه قبل أن يصل إلى القاهرة ليسعد باحتفال الناس حوله بالنصر الذي حققه.

دفن المظفر قطز أول الأمر في القصير بالشرقية، وهي المدينة التي قتل فيها، ثم نقل ودفن في القرافة قريبا من زاوية ابن عبود في القاهرة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية