الزلاقة.. المعركة التي أطالت عمر الإسلام في الأندلس

معركة الزلاقة بين جيش المرابطين بقيادة الملك يوسف بن تاشفين وجيش إسباني بقيادة الملك ألفونسو السادس (غيتي)

على مقربة من سهل بطليوس في منطقة ساغراخاس (Sagrajas) بإسبانيا دارت رحى معركة الزلاقة التاريخية بين جيش المرابطين بقيادة الأمير يوسف بن تاشفين والإسبان بقيادة الملك ألفونسو السادس، يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1086م.

"حروب الاسترداد"

عقب سقوط الدولة العامرية عام (399هـ/1009م)، سقطت الخلافة الأموية في الأندلس، وتجزأت الدولة إلى 20 دويلة صغيرة يحكمها ملوك وأمراء، أطلق عليها اسم "ملوك الطوائف"، وكان من أشهرهم بنو عباد في إشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة.

في الوقت الذي سادت فيه التفرقة أوساط أمراء الأندلس المسلمين، إبان عصر الطوائف، أقام نصارى الغرب اتحادية بين مملكتي ليون وقشتالة على يد فرناندو الأول، الذي بدأ "حروب الاسترداد"، أي إعادة الأندلس المسلمة إلى حظيرة الغرب النصرانية.

لما قضى فرناندو الأول نحبه، واصل ابنه ألفونسو السادس الحرب ضد المدن الإسلامية حتى استولى عام (478هـ / 1085م) على مدينة طليطلة، أهم المدن الأندلسية الشمالية وأكبر معاقل المسلمين.

كان سقوط طليطلة في أيدي الإسبان نذير شؤم ووبالا على مسلمي الأندلس، إذ إن الملك ألفونسو أكد بصريح العبارة أنه "لن يهدأ له بال حتى يسترد الأندلس كلها، ويتخذ طليطلة عاصمة لملكه".

أسباب معركة الزلاقة

لما دخل ملك الإسبان ألفونسو السادس مدينة طليطلة عام (478هـ / 1085م)، نقض جميع العهود وحول المساجد إلى كنائس، متجاهلا كافة الوعود التي أبرمها مع أهل المدينة.

إعلان

أساء ألفونسو السادس المعاملة مع ملوك الطوائف فأصبح يخاطبهم بلغه ساخرة، وأطلق على نفسه لقب "ذي الملتين" أي ملك الإسلام والمسيحية.

فرض ألفونسو السادس الجزية على ملوك الطوائف وقام بتخريب محاصيلهم بشن غارات متتالية، فاستولى على قلاعهم الواحدة تلو الأخرى، مما أيقظ الغيرة في نفوس العلماء والفقهاء الذين اتصلوا بيوسف بن تاشفين شاكين له ما تعرضوا له من ذل وصغار، فوعدهم بالعون والمدد وإعادتهم إلى أوطانهم.

وأمام تربص النصارى بمسلمي الأندلس، وتزايد الضغط العسكري عليهم بقيادة الملك ألفونسو السادس، أدرك المعتمد بن عباد ملك إشبيلية وقرطبة شناعة وخطر ما أقدم عليه من سياسة الإذعان لملك ليون وقشتالة.

بادر بن عباد مع أمير بطليوس المتوكل على الله ابن الأفطس، بالكتابة إلى أمير المرابطين، وحاكم المغرب وقتذاك، يوسف بن تاشفين (ينتمي لقبيلة لمتونة إحدى قبائل صنهاجة الموجودة بجبل لمتونة المشهور باسم أدرار بموريتانيا) يستصرخانه لدفع الخطر الجسيم، وما لبث أن لبى المرابطون دعوة المعتمد.

لما أحس بن عباد بالقوة والسند، رد على صاحب قشتالة وليون ردا مغايرا لما ألفه منه، فوقع له بخط يده على ظهر رسالة كان ملء مضمونها السخرية والاحتقار.

وحسبما نقل ابن عذاري المراكشي في كتابه "البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمَغرب" كتب بن عباد لـ"ألفونسو السادس" قائلا "قرات كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية تروح منكم ولا تروح عليكم إن شاء الله".

رسم تاريخي يجسد مشهدا من معركة الزلاقة (غيتي)

أبرز أحداث معركة الزلاقة

كان أمير المسلمين، المرابطي يوسف بن تاشفين، على رأس جيش جرار ينوف عن 20 ألف جندي (منهم 400 من السودانيين) مصحوبين بـ500 ناقة.

وعلى ضفاف نهر وادي بيرا اصطف جيش المسلمين في حالة استنفار قصوى ليتألف من المقدمة يقودها المعتمد بن عباد ويؤازره أبو سليمان داود بن عائشة في 10 آلاف فارس من المرابطين.

إعلان

والميمنة يقودها المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس، والميسرة فيها أهل شرق الأندلس، والساقة فيها سائر أهل الأندلس.

أما الجيش الاحتياطي بقيادة يوسف بن تاشفين فكان مؤلفا من نخبة من أنجاد المرابطين وأهل المغرب وحرسه الخاص، ومهمته الاختفاء خلف التلال القريبة تحسبا لأي هجوم مباغت من العدو.

يروي معظم المؤرخين أنه قبل انطلاق رحى الوغى، خير يوسف بن تاشفين ملك قشتالة وليون بين 3 أمور، أولها أن يعتنق الإسلام هو ومن معه، أو أن يدفع الجزية أو الحرب.

في غضون ذلك، اتفق يوسف بن تاشفين وألفونسو السادس على أن يكون اللقاء يوم الاثنين، غير أن هذا الأخير نقض الوعد، وفي يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1086 الموافق لسنة 479هـ، دارت معركة الزلاقة بين جيش بن تاشفين والإسبان على مقربة من سهل بطليوس في ساغراخاس الإسبانية.

قبل الوصول إلى سهل الزلاقة مكان المعركة، احتل يوسف الجزيرة الخضراء، ثم شرع في بناء أسوارها وترميم أبراجها وحفر الخنادق، وشحنها بالأطعمة والأسلحة ورتب فيها جندا من صفوة رجاله وأسكنهم بها.

واشتد الهجوم على ألفونسو وقواته أمام قوات ابن تاشفين الذي ألقى بحرسه الخاص البالغ عددهم 4 آلاف إلى المعركة فتمكن أحدهم من الوصول إلى ألفونسو السادس، وطعنه في فخذه طعنة نافذة جعلته يعرج طوال حياته.

أسلحة المرابطين في معركة الزلاقة

منذ نشأتها اتسمت دولة المرابطين بالطابع العسكري، إذ إن الملوك المرابطين كانوا يقلدون مناصب الوزارة والولاية والقضاء للقادة العسكريين من أفراد البيت الحاكم، كابن أبي بكر اللمتوني، وعمر بن تميم الكدالي، وداود بن عائشة، الذي كان على رأس الخيالة.

استخدم المرابطون الخناجر المقوسة في حروبهم، وهي سلاح جديد لم يعرفه الإسبان من قبل، لدرجة أن ملك قشتالة وليون، ظنه منجلا عندما طعنه به في فخده أحد جنود يوسف بن تاشفين في موقعة الزلاقة.

ومن بين الأسلحة التي كان يستعملها المرابطون أيضا المطارد والرماح القصيرة والمجانيق والتروس، والمزارق الطويلة ذات الرؤوس الحديدية والدورع اللمطية المصنوعة من جلود الظباء، والخناجر القصيرة والقسي البعيدة الرمي.

جيش المرابطين في معركة الزلاقة

يكاد يجمع جل المؤرخين أن الجيش المرابطي كان مؤلفا من القبائل المرابطية، ثم الحشم، المكون من العناصر الأخرى من غير العنصر المرابطي، وهم من جزولة ولمطة ومصمودة وزناتة.

إعلان

أما الحرس الخاص فقد شكله المرابطون من الروم والسودانيين لحماية إمارتهم، حيث إن يوسف بن تاشفين جمع بواسطة التجار في إقليم غانا عددا كثيرا من العبيد والزنوج وزودهم بالسلاح والخيل ودربهم على فنون الحرب وخدعها، إلى جانب فرقة من فتيان النصارى الأندلسيين.

وفي ما يخص العرب، فقد شاركت العناصر العربية الوافدة من الأندلس على المغرب في الحروب المرابطية بالأندلس، كما شكل الصقالبة، أي الإسبان الذين زج بهم المرابطون في حربهم ضد الموحدين من بعدهم تحت قيادة فرقة الغز والأتراك.

كان الأسطول المرابطي راسيا بميناء ألميرية وقادس جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية ويقدر بـ100 بارجة بحرية، كما كان حوالي 1700 فارس مرابطي بالقلاع الأندلسية كإشبيلية وقرطبة.

الجيش الإسباني في معركة الزلاقة

كانت قوات ألفونسو السادس المتجمعة عند سهل بطليوس، تتكون، إلى جانب قوات قشتالة، من متطوعين فرسان قدموا من جنوب فرنسا وإيطاليا وفرسان ومن الكنائس الأوروبية، علاوة على قوات من أراغون وجليقية وأسترياس، وعلى ذلك وضع ألفونسو خطته العسكرية، فقسم الجيش 4 أقسام، الأول يقوده الكونت غارسيا والكونت زودريك، لمهاجمة قوات المعتمد بن عباد.

والقسم الثاني كان مؤلفا من جناحين يقودهما كل من القائدين مانتشو راميرس، ملك أراغون، والكونت ريموندو، أما القسم الثالث وهو القلب فيقوده ألفونسو السادس، بينما المقدمة يقودها القائد القشتالي الشهير البارهانس وتضم جنود إمارة أراغون.

نتائج معركة الزلاقة

إثر ذلك، فر الإسبان أمام الجنود السودانيين الذين كانوا يتقدمون الجيش فانقض عليهم الجيش المرابطي وهزمهم هزيمة نكراء، ولم يجد قائد الجيش الإسباني بدا من الفرار تحت جنح الظلام بمعية 500 من رجاله.

استرد المسلمون بهذه الواقعة مدينة بلنسية وعادت إليهم السيادة على الجزيرة الخضراء، ولما هم بن تاشفين عائدا إلى المغرب ترك 3 آلاف من الجند لحماية الجزيرة تحت قيادة القائد المرابطي سير بن أبي بكر.

إعلان

عقب انتصار المسلمين في الزلاقة، عين يوسف بن تاشفين، داود بن عائشة عاملا على إقليم مورسية وتصدى لهجمات رودريغو دياث دي بيبارالمعروف أيضا في المصادر الإسبانية باسم "السيد الكامبيادور" (Cid Campeador)، وهو قائد عسكري قشتالي تمكن من غزو بلنسية، وأسس كيانا مستقلا في هذه المدينة منذ 17 يونيو/حزيران سنة 1094 م حتى وفاته وورثته زوجته خيميثا دياث، حتى عادت المدينة إلى حظيرة الحكم الإسلامي عام 1102 على يد المرابطين.

وفي سنة (481هـ /1088م) عبر ابن تاشفين مضيق جبل طارق نحو العدوة الأخرى للمرة الثانية فاستولى على مالقة وغرناطة. وفي سنة (496هـ /1103م) اجتاز البحر للمرة الثالثة فاستولى على بلاد الأندلس بأكملها.

واستنجد المعتمد بن عباد بيوسف بن تاشفين عدة مرات بعد معركة الزلاقة، إلى أن قرر الأخير ضم الأندلس إلى دولته، ونفى المعتمد إلى أغمات بمراكش في المغرب ليعاني الأمرين جراء الأسر حتى انطفأت شمعته هناك مخلفا أشعارا كثيرة في مختلف الأغراض، لا سيما مناجاة ابن تاشفين كي يطلق سراحه.

أسباب انتصار المسلمين في معركة الزلاقة

أسباب انتصار المسلمين في هذه الموقعة حددها المؤرخ المغربي إبراهيم حركات في 5 هي:

  • أن المرابطين اختاروا لقيادة الجيش أكبر قادتهم مثل سير بن أبي بكر وداود بن عائشة.
  • الاحتفاظ بمعظم الجيش كقوة احتياطية.
  • كان النصارى يحاربون مرتدين الدروع وكانت تمنعهم من التحرك بسرعة.
  • لم يفكر النصارى في حماية مؤخرة جيوشهم.
  • خطة المفاجأة التي استعملها المرابطون لتحطيم قوة العدو.

علاوة على ذلك، يمكن إرجاع أسباب الانتصار إلى توحيد صفوف ملوك الطوائف من قبل يوسف بن تاشفين أمام التهديد المسيحي، وكذا مفاجأة الجيش الإسباني بالضجيج الذي أحدثه قرع الطبول، قس على ذلك تنظيم الجيوش المرابطية واعتبار معركة الزلاقة معركة الإيمان ضد الكفر.

إعلان
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان