جون بول سارتر.. الأديب والفيلسوف الفرنسي

The philosopher Jean-Paul Sartre. France. About 1946. Photograph. (Photo by Votava/Imagno/Getty Images) gettyimages-503015661
جون بول سارتر أديب وفيلسوف كتب في الرواية والمسرح وفي الفكر الفلسفي (غيتي)

جون بول سارتر (1905-1980) فيلسوف وناقد أدبي وروائي وكاتب قصة قصيرة وكاتب مسرحي فرنسي. من أشهر أدباء القرن الـ20، قدم نفسه للعالم من خلال مؤلفاته وأعماله الأدبية والفلسفية المتعددة، أبرزها قصصه "الغثيان" (La Nausée) و"الجدار" (Le Mur)، ومسرحياته "الذباب" (Les Mouches) و"خلف الأبواب الموصدة" (Huis Clos). أما نشاطه الأدبي فلا يمكن فصله عن فكره الفلسفي "الخيال" (L’imaginaire) و"الوجود والعدم" (L’Être et le néant). قاد تيارا فلسفيا ونشاطا سياسيا مكثفا، ورفض جائزة نوبل للأدب في عام 1964.

المولد والنشأة

ولد جون بول سارتر في عائلة برجوازية يوم 21 يونيو/حزيران سنة 1905 في العاصمة الفرنسية باريس، وتوفي والده جان بابتيست وعمره لا يتجاوز 15 شهرا.

نشأ في بيئة برجوازية ومثقفة، واعتنى به جده تشارلز شفايتسر وقام بتعليمه حتى بلغ من العمر 10 سنوات، وفي عام 1917 تزوجت والدته جوزيف مانسي الذي كان يكرهه، وبعد بضع سنوات قضاها في لاروشيل مع والدته وزوجها، ذهب إلى باريس في سن 15 سنة لتلقي العلاج ومكث هناك على نحو دائم.

عشق سارتر القراءة في مكتبة البيت الكبيرة وكان قارئا نهما منذ الطفولة، وكما روى في سيرته الذاتية "الكلمات" (Les Mots)، فإنه دخل الأدب في وقت مبكر جدا.

Jean-Paul Sartre And Simone De Beauvoir In Paris PARIS, FRANCE - JUNE: Jean-Paul Sartre and Simone de Beauvoir in their first picture together at a fair, Porte d'Orleans in June, 1929 in Paris, France. (Photo by JAZZ EDITIONS/Gamma-Rapho via Getty Images) gettyimages-117099183
جون بول سارتر مع سيمون دو بوفوار في باريس عام 1929 (غيتي)

الدراسة والتكوين العلمي

في سن 17 من عمره التحق سارتر بمدرسة "هنري الرابع" بالسلك الثانوي في باريس، وهناك تعرف على الكاتب والفيلسوف والروائي بول نيزان الذي كان لا يزال آنذاك كاتبا مبتدئا، ونشأت بينهما علاقة صداقة استمرت حتى وفاة نيزان في عام 1940.

وفي سنة 1924 التحق سارتر بالمدرسة العليا في باريس، وحصل منها على شهادة عليا في علم الفلسفة عام 1929، وهو العام الذي التقى فيه الكاتبة والمفكرة، والفيلسوفة، والناشطة السياسية الفرنسية سيمون دي بوفوار، التي أسس معها حوارا فكريا رائعا وعلاقة عاطفية قوية امتدت إلى آخر يوم في حياته.

العلاقة مع سيمون دي بوفوار

التقى جون بول سارتر مع سيمون-إرنستين، لوسي ماري برتراند دي بوفوار، التي يختصر اسمها في "سيمون دي بوفوار"، عندما كانا يستعدان لامتحانات الحصول على شهادة عليا في علم الفلسفة.

أحبّا بعضهما ونشأت بينهما علاقة غرام، وبعدما حصل كلاهما على شهادته العليا، حيث حصل سارتر على المرتبة الأولى في المنافسة وحصلت دي بوفوار على المركز الثاني، أسسا علاقة فكرية وعاطفية قوية بينهما، لكنهما لم يكونا على استعداد لدخول الحياة الزوجية، والعيش تحت سقف واحد.

لكن هذه العلاقة غير العادية والقوية في الوقت نفسه جعلت منهما أحد أشهر الأزواج الأدبيين في ذلك العصر.

PARIS, FRANCE - MAY 23, 2016: Jean Paul Sartre and Simone de Beauvoir's grave in the cemetery of Montparnasse. He was one of the key figures in the philosophy of existentialism and phenomenology. shutterstock_569480248
قبرا جون بول سارتر وسيمون دي بوفوار في مقبرة مونبارناس في باريس (شترستوك)

التجربة الأدبية والسياسية

في سنة 1931 عُيّن سارتر أستاذا للفلسفة في ثانوية "لوهافر" (Lycée du Havre)، ثم خلف الفيلسوف وعالم الاجتماع ريموند آرون في المعهد الفرنسي في برلين في الفترة بين 1933 و1934، وهي المرحلة التي عمّق فيها معرفته بعلم الظواهر (The phenomenology).

في عام 1937 شغل بول سارتر مرة أخرى مهمة أستاذ الفلسفة بمدينة "نويي" (Neuilly)، وفي عام 1938 نشر "الغثيان" (La Nausée)، وهي أول رواية له، وكانت تهدف إلى تقديم التجربة الفلسفية للوجود، التي تتمثل في إدراك الأشياء في وجودها الخام.

اعتُقل مدة قصيرة، وأطلق سراحه في مارس/آذار 1941 وعاد إلى باريس حيث أصبح مدرّسا بالأقسام التحضيرية للمدرسة العليا، وفي عام 1943 نشر أطروحته الفلسفية الشهيرة "الوجود والعدم" التي جعلت منه مثقفا منخرطا في قضايا سياسية.

هذه الأطروحة ستكون أيضا أساس تجربة مسرحية هي الأولى لسارتر من خلال مسرحيته "الذباب" (Les Mouches) التي لم تلق نجاحا كبيرا بعكس مسرحيته الأخرى "خلف الأبواب الموصدة" (Huis Clos) التي لاقت نجاحا كبيرا بين الضباط الألمان الذين كانوا مدعوين لحضور العرض الأول في عام 1944.

كما أن أجواء الحرب العالمية الثانية التي عاشها سارتر جنديا وبعدها سجينا ثم مؤلفا ملتزما مكّنته من اكتساب وعي سياسي جعله أكثر نضجا. وخلال هذه الحرب، كتب أولى مقالاته التي ستصبح عمله الفلسفي الرئيس "الوجود والعدم"، حيث عمل على تعميق الأسس النظرية لنظام تفكيره. وقد اختاره ألبير كامو (Albert Camus) عام 1944، ليكون مراسلا لصحيفة "المعركة" (Combat).

Jean-Paul Sartre In Paris, France In 1966 - FRANCE - CIRCA 1966: Jean-Paul Sartre In Paris, France In 1966 - Writer and philosopher. (Photo by Dominique BERRETTY/Gamma-Rapho via Getty Images) gettyimages-120446182
جون بول سارتر رفض جائزة نوبل للآداب سنة 1964 (غيتي)

حقق جون بول سارتر نجاحا باهرا وشهرة كبيرة بوصفه زعيما للحركة الوجودية التي أصبحت "موضة" حقيقية. وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 1945، وبعد أن حصل على التقاعد في مهنة التدريس، نشر العدد الأول من مجلته "الأزمنة الحديثة" (Les Temps Modernes)، بمساعدة سيمون دي بوفوار وميرلو بونتي وريموند آرون.

كان سارتر يدعو في مجلته إلى "الالتزام" ليكون غاية في حد ذاته، وطوّر نظريته عن الوجودية التي أسهمت في شهرته، كما كتب عملا فلسفيا رئيسا آخر من خلال "نقد العقل الجدلي" في عام 1960، وهي الفترة التي كان فيها قريبا لبعض الوقت من الحزب الشيوعي الفرنسي.

في عام 1964 كتب سيرته الذاتية التي تغطي طفولته بعنوان "الكلمات" (Les Mots)، وهو العام الذي مُنح فيه جائزة نوبل للآدب، لكنه رفضها وعلل ذلك قائلا في تصريحات صحفية "رفضت جائزة نوبل للآداب لأني أرفض تتويج سارتر قبل موته. ليس هناك فنان ولا كاتب ولا إنسان يستحق أن يتوّج وهو على قيد الحياة، فهو يملك القدرة والحرية على أن يغير كل شيء".

وأضاف سارتر في تصريحاته أن قبوله بجائزة نوبل ربما كان سينهي مسيرته الإبداعية، وسيشعره بأن أي عمل أو إنجاز بعدها لن يكون له معنى، وقال "جائزة نوبل كانت سترفعني إلى منصة التتويج رغم أني لم أكمل بعد كل مشاريعي، كانت ستحدّ من حريتي ومن قدرتي على الإنجاز وعلى الالتزام".

Jean-Paul Sartre Press Conference French philosopher and novelist, Jean-Paul Sartre (1905-1980) pictured at a press conference in Paris, France in 1967. (Photo by Rolls Press/Popperfoto via Getty Images/Getty Images) gettyimages-590249391
جون بول سارتر في ندوة صحفية بباريس عام 1967 (غيتي)

تأثر جون بول سارتر بالفلاسفة الألمان أمثال جورج فيلهلم فريدريش هيغل وكارل ماركس وإدموند هوسرل ومارتن هايدغر. وفي كتابه "الوجود والعدم"، الذي يعالج الفلسفة الوجودية، يتطرق إلى العلاقة بين الوعي والحرية.

ظل طوال حياته يحتفظ بمعتقداته الاشتراكية المناهضة للبرجوازية ولأميركا والمعادية للإمبريالية والرأسمالية، وقاد حتى نهاية أيامه العديد من المعارك إذ رفض حرب الجزائر وحرب فيتنام، وتضامن مع القضية الفلسطينية، وساند المنشقين السوفيات، كما انخرط في أحداث مايو/أيار سنة 1968 بفرنسا، وهي احتجاجات واضطرابات استمرت أسابيع وكادت تتحول إلى ثورة أو حرب أهلية.

دافع سارتر عن النزعة الإنسانية من الوجودية، في مواجهة انتقادات الماركسيين والمسيحيين، ووصف الإنسان بأنه ليس له جوهر ويؤسس نفسه من خلال اختياراته. يلخص هذا الفكر في العبارة الشهيرة "الوجود يسبق الجوهر"، ولذلك يرى سارتر أن الإنسان موجود ولكنه يمنح نفسه الجوهر فقط من خلال أفعاله، ويعتقد أن الإنسان مسؤول عن ذلك لتمتعه بقدر كبير من الحرية.

Jean-Paul Sartre Sitting with Egyptian Artifact (Original Caption) Luxor, United Arab Republic: Famed French author Jean-Paul Sartre poses beside an ancient Egyptian statue as he toured the antiquities of Luxor during his visit to the UAR. gettyimages-515035240
جون بول سارتر في مصر في ستينيات القرن الماضي (غيتي)

مؤلفات جون بول سارتر

بعد رحيله، ترك جون بول سارتر إرثا ثقافيا وأدبيا وفكريا كبيرا تجلى في مئات من الأعمال التي توزعت بين الفلسفة والأدب والرواية والمسرح وغيرها، ومن بين أبرز أعماله:

سيرته الذاتية "الكلمات"
الوجود والعدم (1943)
الوجودية مذهب إنساني (1946)
نقد العقل الجدلي (1960)
الغثيان (1938)
الجدار (1939)
طرق الحرية (1945)
الذباب" (1943)
خلف الأبواب الموصدة (1944)
الأيادي المتسخة (1948)
هو أيضا مؤلف كلمات أغنية "Dans la rue des Blancs Manteaux" للمغنية الفرنسية جولييت غريكو التي فسرت هذه الأغنية بأن سارتر كان يعبر من خلال كلماتها عن معارضته لعقوبة الإعدام.

الوفاة

توفي جون بول سارتر في 15 أبريل/نيسان 1980 في باريس عن عمر ناهز 75 عاما، بعد إصابته بوذمة الرئة، ودُفن في مقبرة مونبارناس بالعاصمة الفرنسية باريس.

حضر عشرات الآلاف من الناس لتشييع جنازته، كما تروي سيمون دي بوفوار عن رحيله في كتابها "مراسم الوداع" (La Cérémonies des adieux) الذي نُشر عام 1981.

المصدر : مواقع إلكترونية

إعلان