اختبار "سونونغ" في كوريا الجنوبية.. يوم تتوقّف فيه الحياة وتمنع فيه الطائرات من الهبوط و الإقلاع

طلاب كوريون يخضعون لاختبار "سونونغ" في مدرسة ثانوية في العاصمة سول يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 (أسوشيتد برس)

اختبار "سونونغ" الموحد وطنيا يستخدم للقبول في جامعات كوريا الجنوبية، ويُطلق عليه أيضا اختبار "القدرات الأكاديمية"، ويجرى سنويا في ثالث يوم خميس من نوفمبر/تشرين الثاني، وبه يتم تقييم نحو 600 ألف مرشح.

ويمتد هذا الماراثون 8 ساعات، يخضع فيها الطلاب لاختبارات متتالية في الرياضيات والمواد العلمية واللغات الأجنبية والعلوم الإنسانية، إضافة إلى اختبار في تاريخ كوريا الجنوبية والإخفاق فيه يؤدي إلى الرسوب في جميع الاختبارات.

سونونغ ليس معيارا لقبول الطلاب في الجامعات فحسب، بل يمكنه أيضا أن يؤثر على فرص عملهم، ويمكن أن يحدد دخلهم المادي المستقبلي والمحيط الذي سيعيشون فيه، وحتى دائرة علاقاتهم الاجتماعية.

الارتفاع الصاروخي لأسعار العقار في كوريا، سبب رئيس في عزوف الشباب عن الزواج.
في أثناء اختبار سونونغ لا تقلع الطائرات من المطارات القريبة من مراكز الامتحان ولا تهبط فيها (الجزيرة)

تاريخ اعتماد الامتحان:

تم إنشاء نظام سونونغ الحالي عام 1994، وخضع للعديد من التنقيحات منذ ذلك الحين.

غير أن النسخة الأولى منه ظهرت في أوائل الستينيات، حين أسس المجلس الأعلى لإعادة الإعمار الوطني أول شكل من أشكال الاختبار بين عامي 1962 و1963، وكان حينها اختبارا لتأهيل الطلاب.

شهدت السنوات الأولى لتطبيق الاختبار نقصا كبيرا في عدد طلاب الجامعات الكورية الجنوبية، وذلك نظرا لقلة عدد الطلاب الذين يجتازون الاختبارات، مما جر حملة انتقادات واسعة لهذه الاختبارات لأنها تؤدي إلى اختيار غير فعال للطلاب، ونتيجة لذلك تخلت الحكومة عن هذه السياسة بين عامي 1964 و1968.

في عام 1969، تم تعديل سياسة التعليم من قبل جمهورية كوريا الجنوبية الثالثة ليسمى الاختبار الجديد "امتحان القبول الأولي للكلية"، وظلت هذه السياسة بشكل أساسي من دون تغيير حتى عام 1981.

في عام 1981، تمت إعادة النظر في الاختبار وقررت الدولة تغيير سياستها التعليمية بشكل كبير من ناحية المضمون والطريقة، وتم تغيير اسم الاختبار إلى "الاختبار الأولي للإعداد للكلية".

السونونغ ليس الطريقة الوحيدة للالتحاق بالجامعة، لكنها الطريقة الأكثر شيوعا والأكثر احتراما في كوريا الجنوبية.

إعلان

ورغم أن الاختبار مثير للجدل بسبب الضغط النفسي الشديد الذي يتعرض له الطلاب بسببه، فإنه يعتبر من الأهداف الدراسية التي يجب تحقيقها وخطوة يجب اتخاذها لتسلق السلم الاجتماعي في كوريا الجنوبية.

Hagwon buses wait by the road to pick up students after they finish their classes, on August 10, 2016 in Seoul. Hagwon is the Korean-language word for a for-profit private institute, academy or cram school prevalent in South Korea. Although most widely known for their role as "cram schools", where children can study to improve scores, hagwon actually perform several educational functions: they provide supplementary education that many children need just to keep
في أثناء الاختبار يفرض على الشاحنات ووسائل النقل العام السير بسرعة منخفضة وعدم استخدام آلات التنبيه (الفرنسية)

إجراءات صارمة

إعداد الاختبارات والأسئلة يكتنفه التكتم والسريّة الشديدة، ففي سبتمبر/أيلول من كل عام يتم اختيار نحو 500 معلم من جميع أنحاء كوريا الجنوبية ويتم نقلهم إلى موقع سري في مقاطعة جانجون الجبلية، حيث يقيمون لمدة شهر وتُصادر هواتفهم ويُحظر أي اتصال لهم بالعالم الخارجي.

يحظر أيضا على الأساتذة الذين وقع عليهم الاختيار الحديث في الموضوع مع أي شخص مهما كانت درجة القرابة معه، كما يمنع التواصل مع أفراد العائلة طيلة فترة إعداد الاختبارات.

لتسهيل الحركة المرورية يوم الاختبار، تعطل المؤسسات وتغلق المحال التجارية وتتوقف الأنشطة الإدارية ومختلف الأعمال كافة بالتزامن مع توجّه الطلبة إلى مراكز الاختبار الموزعة على كامل التراب الكوري الجنوبي.

تجنّد الحكومة الكورية الجنوبية الآلاف من رجال الشرطة لحماية وتسهيل الوصول إلى مراكز الاختبار البالغ عددها 1085، وتعطى الأوامر لرجال الأمن بنقل الطلبة المتأخرين عن الموعد في السيارات التابعة للدولة لتجنب أي ضغط نفسي إضافي يقع عليهم وعلى عائلاتهم.

لا تقلع الطائرات ولا تهبط في المطارات القريبة من المراكز في أثناء فترة الاختبار، الذي يتم بعد الظهر ويعتمد في بعض أجزائه على اختبار مسموع.

يفرض على الشاحنات ووسائل النقل العام (الحافلات والقطارات والمترو) السير بسرعة منخفضة وعدم استخدام آلات التنبيه لتجنب الضوضاء، كما يُطلب من مواقع البناء والمتاجر الحد من أنشطتها، وتتم مراقبة كل المواقع لتجنب حدوث تجاوزات.

يوم الاختبار يمنع على الطلاب أو مراقبيهم إحضار الهواتف المحمولة أو الكتب أو الصحف أو الطعام، ويتم استخدام أساليب تفتيش ومراقبة صارمة لمنع الغش.

يطلب من المشرفين ارتداء أحذية لا تصدر ضوضاء، وغالبا ما تتعلق معظم الشكاوى بعد الاختبار بتصرفات المشرفين، مثل التحدث وفتح النوافذ والوقوف إلى مكاتبهم وتناول الأغذية.

يُحذّر مراقبو الاختبار من القيام بأي شيء من شأنه تشتيت انتباه الطلاب بأي شكل من الأشكال.

يُطلب من الأساتذة أثناء الإشراف ارتداء أحذية لا تصدر ضوضاء ويمنع عليهم التحدث وفتح النوافذ (أسوشيتد برس)

طقوس ترافق الامتحان

يضاف إلى هذا الضغط الأكاديمي ضغط اجتماعي ونفسي كبير على الطالب وعائلته، إذ تتوجه بعض الأمهات والجدّات إلى المعبد البوذي قبل الامتحان بـ100 يوم، وتعد أخريات كعك الأرز التقليدي لتقديمه للطلاب، ويمكن شراؤه أيضا في محلات المعجنات التقليدية.

بعض الآباء من معتنقي الديانة البوذية يتمّون يوم الامتحان طقسا تعبديا بوذيا يعرف بـ"108 صلوات" يصلّون فيها من أجل نجاح أبنائهم في الاختبار.

أما المعابد البروتستانتية، فهي تزيد من صلواتها اليومية إلى حساب 5 صلوات بما يعادل صلاة لكل مادة اختبار.

إعلان

وغالبا ما يشعر أولياء الأمور -على وجه الخصوص- بقلق بالغ بشأن نجاح أطفالهم ولا يترددون في اللجوء إلى جميع أنواع الأساليب ذات الطابع الإنساني والروحي من صلاة في المعابد وعطاءات وهدايا للمحتاجين.

يعتكف العديد من الآباء المتوترين يومهم في المعبد البوذي المحلي أو الكنيسة المسيحية، وهم يمسكون بصور أبنائهم الذين يجرون الاختبار ويتم أحيانًا توقيت الصلوات والطقوس الدينية لتتناسب مع جداول الامتحانات.

يتجمع الطلاب الآخرون الأصغر سنًا مع عائلات المتقدمين للامتحان خارج المباني لتشجيعهم من خلال توزيع الحلويات وإضفاء جو من الفرح لتخفيف الضغط النفسي، مع احترام كامل للإجراءات والتعليمات المتعلقة بحسن سير الامتحان.

بعد شهر من إجراء الاختبارات يتم الإعلان عن نتائج السونونغ على الموقع الإلكتروني الرسمي الوطني للتعليم.

المصدر: مواقع إلكترونية

إعلان