"كي جي بي".. جهاز الاستخبارات السوفياتية

جهاز الاستخبارات السوفياتية -الذي يعني بالروسية "لجنة أمن الدولة"- تأسس في 20 ديسمبر/كانون الأول 1917، برئاسة فيليكس دزيرجينسكي وإشراف الرئيس فلاديمير لينين، وكان يعرف اختصارا باسم "نكفيد" (NKVD).

وفي 13 مارس/آذار 1954 تغير اسم الجهاز إلى "كي جي بي" (KGB) على يد ألكسندر شلبين الرئيس السادس للجهاز، الذي تفكّك في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1991، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحول اسمه في ما بعد إلى "إف إس بي" (FSB).

النشأة والتأسيس

بداية عمل هذا الجهاز كانت من خلال "لجنة الطوارئ لعموم روسيا" التي تأسست في 1917، بعد أقل من شهرين من قيام "ثورة أكتوبر"، وكان واحدة من أولى وأهم هيئات "السلطة السوفياتية، أو ما كانت تسمى "دكتاتورية البروليتاريا" للدفاع عن الثورة.

لم يكن نشاط هذه اللجنة يقتصر على مهمة الدفاع عن الثورة، بل تجاوز ذلك ابتداء من عام 1921 إلى مكافحة التخريب والتصدي لانتشار ظاهرة الأطفال المشردين في الشوارع.

أوكل لينين -زعيم "ثورة أكتوبر"- هذه المهمة إلى فيليكس دزيرجينسكي بولندي الأصل، الذي كان يسمى "الرجل الحديدي".

"لجنة الطوارئ لعموم روسيا" كانت تملك الحق في إطلاق النار، وقتل من تعدّه من أعداء الثورة، من دون تحقيق أو محاكمة بموجب مرسوم "الوطن في خطر" ابتداء من فبراير/شباط 1918.

وفي عام 1923، تمت إعادة تشكيل الجهاز تحت اسم "إدارة القلم السياسي للدولة"، أو "جي بي أو"، برئاسة دزيرجينسكي وحتى وفاته عام 1926.

إعلان

كي جي بي

بعد تولي ستالين جورجي مالينكوف رئاسة الاتحاد السوفياتي، عين ألكسندر شلبين رئيسًا لجهاز المخابرات، الذي قرر بدوره أن يحدث إصلاحات لتحسين صورة المخابرات السوفياتية التي مارست الاعتقال والقتل بحق خصوم الشيوعية.

غيَّر شلبين اسم جهاز المخابرات الروسية إلى "كي جي بي"، واعتمد الاسم الجديد في 13 مارس/آذار 1954، وبلغ عدد أعضاء الجهاز نحو 250 ألفًا.

شملت هذه الإصلاحات إعفاءات واسعة من المناصب القيادية لمؤيدي لافرينتي بافلوفيتش بيريا، رئيس "نكفيد" في مجلس السوفيات الأعلى، الذي يتكون من 2250 نائبا من أصل 15 دولة تمثل الاتحاد السوفياتي، وكذلك اللجنة المركزية التي تضم 542 عضوا لاقتراح القوانين والمراقبة الإدارية ورفع التوصيات إلى البرلمان.

أنشأ شلبين وزارة لأمن الدولة للإشراف على أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية داخل البلاد ومقاومة الجاسوسية، في حين اقتصر عمل "كي جي بي" على الخارج، لكن مع ازدياد حدة التوتر بين الدول الشيوعية والرأسمالية الغربية واندلاع الحرب الباردة، أصبحت "كي جي بي" تقوم بدور المخابرات المركزية بالداخل والخارج.

عاصر ألكسندر شلبين 3 رؤساء للاتحاد السوفياتي: جورجي مالينكوف، الذي أجبر على الاستقالة في فبراير/شباط 1955، ونيكولاى بولجانين، الذي توفي عام 1958، ونيكيتا خورشوف الذي تقاعد في أكتوبر/تشرين الأول 1964.

استمر شلبين في قيادة "كي جي بي" حتى جاء الرئيس ليونيد بريجينيف عام 1964 وأقاله وأعفاه من جميع مناصبه في الدولة بعد معارضة الأخير انتخاب بريجينيف رئيسًا في مجلس السوفيات الأعلى، وعين فيكتور سيمشاستيني رئيسا لـ"كي جي بي"، الذي وسّع صلاحيات الجهاز لتشمل داخل الاتحاد السوفياتي وخارجه.

وفي ظل الخوف الذي سيطر على بريجينيف من خطر الانقلاب عليه، أوعز إلى سيمشاستيني لينشئ قوات مقاتلة تابعة مباشرة للمخابرات السوفياتية بهدف التصدي لأي تمرد داخل دول الاتحاد السوفياتي وضاعف أعداد المنتسبين للمخابرات 40 ضعفا.

إعلان

زود قواته المقاتلة بالدبابات والمدفعية، وضمت 600 ألف جندي وضابط، منهم 265 ألفا من حرس الحدود و230 ألف جندي احتياطي، و40 ألف مجند في التحقيقات الداخلية والمراقبة و20 ألفًا آخرين في الخدمة السرية والنخبة الخاصة.

تولى يوري أندربوف رئاسة "كي جي بي" عام 1974 بعد أن تقاعد سيمشاستيني بسبب المرض، ثم انتخب أندربوف رئيسا للاتحاد السوفياتي عام 1982، وعين فيكتور شييركوف رئيسا جديدا للجهاز.

الأهداف

استمرارا لنهج المخابرات السوفياتية، فقد سعت "كي جي بي" إلى حماية الثورة الشيوعية، ورموز الحكم من الخصوم، سواء في داخل الاتحاد السوفياتي أو خارجه.

وعملت المخابرات السوفياتية على نشر مبادئ الشيوعية والدفاع عنها، إضافة إلى اختراق الدول العظمى الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.

انقلاب عام 1991

وصل ميخائيل غورباتشوف إلى رئاسة الاتحاد السوفياتي عام 1985، وقرر القيام بإصلاحات متعلقة بالسياسة الخارجية عبر إقامة نظام جديد بين القوى العظمى والدول المختلفة يقوم على الثقة، فخفف كثيرا من التوترات الدولية وصراعات الحرب الباردة، وبدأ إصلاحات داخلية إدارية واقتصادية.

خلال عهد غورباتشوف تحول "كي جي بي" إلى أكثر من جهاز، أبرزها "وكالة الأمن الفدرالية" (رأسها بوتين بين 1998 و1999 قبل أن يعين سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي ليبدأ صعوده الصاروخي إلى قمة السلطة)، و"وكالة الاستخبارات الخارجية" التي أصبحت "الوكالة المركزية للاستخبارات الخارجية" (رأسها من 1991 إلى 1999 يفغيني بريماكوف).

اعتمد مجلس الاتحاد السوفياتي قانونا جديدا منظما لجهاز المخابرات الروسية أعطى سلطات واسعة للرئيس والبرلمان في فرض رقابة مشددة على أنشطة الجهاز، وللمدعي العام لمراقبة مسؤولية الحفاظ على شرعية نشاط الجهاز في الداخل وحماية حقوق ومصالح المواطنين وفقا للقانون.

إعلان

أغضبت الإصلاحات الحرس القديم ودفعتهم للانقلاب على غورباتشوف عام 1991 واستدعاء "كي جي بي" للقيام بهذا الغرض.

وفي صباح الأحد 18 أغسطس/آب 1991 قطعت "كي جي بي" الاتصالات عن الرئيس غورباتشوف الذي كان في مصيف بجزيرة القرم على البحر الأسود.

تدفقت القوات التابعة للمخابرات إلى موسكو بأمر من رئيسها فلاديمير كريوتشكوف (1988-1991) لكن بوريس يلتسن رئيس جمهورية روسيا المنتخب، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي الـ15 أعلن الإضراب العام والعصيان المدني واعتبر الانقلاب العسكري غير قانوني.

اتخذ يلتسن من البرلمان مقرًا له وتدفق الآلاف من الشعب للوقوف إلى جانبه، حيث وضعوا المتاريس وأعلنوا العصيان المدني، وفي اليوم التالي انتقل العصيان المدني إلى كافة المدن الروسية، مما أجبر قوات "كي جي بي" على سحب الدبابات عصر يوم الأربعاء الموافق 21 أغسطس/آب 1991.

ألقي القبض على زعماء الانقلاب وهم: فلاديمير كريوتشكوف رئيس "كي جي بي" ووزير الدفاع المارشال ديمتري بازوف، ورئيس الوزراء فالنتين بافلوف، وجنادي يانييف نائب الرئيس غورباتشوف، وألغى يلتسن جهاز المخابرات "كي جي بي".

عاد غورباتشوف في 22 أغسطس/آب 1991 إلى رئاسة البلاد، وفي اليوم الموالي قدم استقالته من رئاسة الحزب الشيوعي ممهدا الطريق لقرار أصدره البرلمان بحل الحزب.

النهاية

في 23 أغسطس/آب 1991 تم القبض على رئيس الجهاز فلاديمير كريوتشكوف بعد ما اضطلع بمحاولة لاغتيال غورباتشوف، وحل محله الجنرال فاديم باكاتين، الذي تم تكليفه بحلّ الجهاز نهائيًا، وهو ما تم بالفعل في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1991.

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 1991، التقى غورباتشوف ويلتسن واتفقا على حل الاتحاد السوفياتي، رغم كون ذلك من اختصاص "مجلس السوفيات الأعلى" (أعلى هيئة تشريعية سوفياتية).

وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، أعلن غورباتشوف استقالته من رئاسة الدولة، فكان ذلك إيذانا بتفكك الاتحاد السوفياتي فعليا ودخوله ذمة التاريخ.

إعلان

أبرز الإنجازات

خلال الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945) كانت مهمة الجهاز جمع المعلومات في الخارج عن ألمانيا وحلفائها.

وخلال فترة الحرب الباردة (1947-1991)، كان من أبرز نجاحات الجهاز اختراق برنامج القنبلة الذرية البريطانية، حيث استطاع أن يزرع عملاء داخل جهاز الاستخبارات البريطاني نفسه، حتى أن رئيس قسم الاستخبارات المضادة ضد السوفيات كان عميلا للجهاز.

وظل العملاء السوفيات ينقلون أطنانًا من الوثائق البريطانية إلى الجهاز في ما يتعلق بالأسرار العسكرية والسياسية والعلمية.

استطاع الجهاز الاستخباراتي العريق استغلال حالة التراخي الأمني والسلام والطمأنينة التي تعيشها الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وأن يزرع داخل الأجهزة الحكومية في تلك الدول -بل وفي أجهزة الأمن بها أيضًا- عملاء للجهاز.

ربما كان أعظم نجاح للجهاز هو حصوله على سر القنبلة الذرية من قلب "مشروع مانهاتن" صاحب اختراع القنبلة في الولايات المتحدة.

لعب الجهاز دورًا كبيرًا في الحفاظ على الاتحاد السوفياتي كدولة الحزب الواحد خلال الحرب الباردة، وذلك عن طريق مناهضة ومنع الأفكار السياسية المعارضة أو المختلفة عن فكر الحزب الشيوعي، أو ما كان يطلق عليه وقتذاك "الأيديولوجيات الهدّامة"، كما استطاع أيضًا أن يقوم بتسريب التكنولوجيا المتقدمة أولا بأول من العالم الغربي إلى الاتحاد السوفياتي عن طريق شبكة العملاء الهائلة التي يمتلكها.

نقل العملاء السوفيات أسرارًا كثيرة من الاختراعات الأخرى، مثل المحركات النفاثة، والرادار، ووسائل التشفير، وغيرها كثير، ونتيجة للنجاحات الهائلة التي حققها الجهاز في الولايات المتحدة، فقد انتشر هناك ذعر عام من وجود العملاء السوفيات، في ما سمي "الذعر الأحمر".

كان الجهاز يمتلك وحدة عمليات خاصة تقوم بعمليات الاستطلاع والتخريب التي نشطت خلال الحقبة السوفياتية، في مناطق الصراع حول العالم، وكانت الوحدة رأس الحربة في اجتياح روسيا لأفغانستان عام 1979.

إعلان
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان