جسر القرم أطول جسر في أوروبا
جسر القرم أو "جسر كيرتش"، افتتحه في احتفال كبير عام 2018 الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقاد فيه بنفسه شاحنة نقل انطلاقا من ميناء سيفاستوبول، الذي يعد قاعدة عسكرية مهمة تاريخيا لأسطول البحر الأسود الروسي.
يهدف الجسر لربط روسيا بشبه جزيرة القرم -التي ضمتها موسكو عام 2014- ولإمداد شبه جزيرة القرم بالوقود والغذاء.
يعد أطول جسر في أوروبا، إذ يبلغ طوله 19 كيلومترا، وارتفاعه 35 مترا عن سطح البحر، واستعمل بشكل أساسي لنقل معدات عسكرية روسية للجيش الروسي في الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022.
اختير اسم "جسر القرم" بعد تصويت مفتوح طرح على الإنترنت بين عدة خيارات في ديسمبر/كانون الأول 2017، وبينما حلّ اسم "جسر كيرتش" في المركز الثاني، جاء "جسر إعادة التوحيد" في المركز الثالث.
انفجار بشاحنة مفخخة
تعرض الجسر للتفجير في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2022 بشاحنة مفخخة تسببت في تدميره جزئيا، مما أدى لاشتعال 7 صهاريج وقود في قطار كان يسير عبر الجسر الموازي للجزء المتفجر، دون أن يتضرر قوس الملاحة البحرية أسفل الجسر، وقَدَّرت وسائل إعلام روسية حجم الأضرار بنحو 10 ملايين دولار.
لقي 3 أشخاص مصرعهم إثر الانفجار، منهم سائق الشاحنة مع رجل وامرأة كانا في سيارة قريبة من الانفجار.
استؤنفت حركة المرور على الجسر بالكامل في اليوم التالي للسيارات والحافلات في المسار الذي ظل سليما ضمن إجراءات تفتيش شديدة، وعادت القطارات للعمل.
حلم تاريخي لروسيا
مشروع بناء الجسر بدأ بفكرة بناء سكة حديدية تبناها الإمبراطور الروسي نيقولا الثاني عام 1903 وطرح خططا أولية، لكنها هُمِّشت بسرعة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد آنذاك.
أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في عام 1943، حاولت ألمانيا الاستيلاء على فكرة الجسر لتسهيل الهجوم على الاتحاد السوفياتي، وكلف المهندس الألماني ألبرت شبير بالشروع في بنائه فورا، لكن المشروع توقف بسبب الهجمات السوفياتية، ولإيقاف تمددها قرر الألمان تفجير جزء كبير من الجسر قبل انسحابهم.
وفي العام التالي خلال عهد جوزيف ستالين، ولحضور مؤتمر يالطا، أعاد السوفيات بناء الجسر المدمر وأنشؤوا فيه خطا للسكك الحديدية يمر عبر مضيق كيرتش، ورغم تمكن جزء من الوفد السوفياتي من العبور عن طريق القطار، فإن طوفانا جليديا تسبب في تدمير الدعامات للجسر أوائل عام 1945، ومن يومها تُرك على وضعه، وعُلِّقت كل الخطط لإعادة بنائه بسبب تكلفته العالية وظروف بنائه الصعبة.
في بداية التسعينيات وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت جزيرة القرم جزءا من دولة أوكرانيا، وتوقفت كل خطط إعادة بناء الجسر إلى أن وقعت روسيا عام 2010 اتفاقية مشتركة مع أوكرانيا لبنائه.
عام 2014 أعلنت روسيا ضم شبه جزيرة القرم مما أدى لتوترات شديدة بين البلدين، فأعلنت أوكرانيا وقف التجارة مع شبه الجزيرة وإجبار السفن التجارية الأجنبية على المرور عبر مضيق كيرتش، الأمر الذي رفع سعر البضائع وحدّ من أعداد السياح الروس، فأعلنت روسيا إكمال مشروع الجسر بمفردها.
مشروع من طرف واحد
كان البناء بأمر مباشر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وصف الجسر بـ"المهمة التاريخية"، فوقع عقد بنائه في يناير/كانون الثاني 2015 مع شركة تابعة لرجل الأعمال أركادي روتنبرغ، بدأت تشييده في مايو/أيار من العام نفسه، وافتتح يوم 15 مايو/أيار 2018.
حرص بوتين على افتتاحه قبل فصل الصيف لتتم الاستفادة منه، خاصة وأن شبه جزيرة القرم تعدّ مركزا سياحيا خصبا للروس خلال العطل، لأن السياحة تشكل مصدر دخل رئيسيا لشبه الجزيرة.
بُني الجسر (الذي كلف نحو 3.6 مليار دولار) بهدف ربط مقاطعة كراسنودار كراي الروسية (شبه جزيرة تامان) بجزيرة القرم عن طريق جسرين، أحدهما لمرور المركبات، وآخر للسكك الحديدية، ويمر ثلث الجسر تقريبا فوق جزيرة توزلا التابعة لشبه جزيرة القرم.
بسبب مخاطر التعرض لعقوبات دولية، كان الحصول على الاستثمار الأجنبي وحتى على تأمين خارجي لتغطية مشروع بناء الجسر أمرا صعبا، فتم التعاقد مع شركة روسية تعمل في بناء خطوط الأنابيب لتتولى مهمة البناء، والتي بدورها حصلت على تأمين بقدر 3 مليارات دولار من شركة صغيرة في شبه جزيرة القرم.
عراقيل
بسبب التاريخ الطويل الذي شهده موقع الجسر من حروب، كلّفت موسكو غواصين بالبحث في قاع البحر عند مضيق كيرتش لتنظيفه من أي مخاطر قد تؤثر فيه تمهيدا لبنائه، فعثروا على أكثر من 200 قنبلة وطائرة كانت قد سقطت في الحرب العالمية الثانية.
عام 2016 شكّل اضطراب الطقس عاملا في استحالة خروج سفن البناء من الميناء، مما أخّر المشروع، فقرر الروس إنشاء 3 جسور مؤقتة لنقل العمال والإمدادات والآلات الثقيلة كالرافعات والحفارات إلى منطقة البناء.
كما تعد الجيولوجيا في المنطقة بين شبه الجزيرتين عند مضيق كيرتش غير مستقرة، لوجود حزام زلزالي نشط وصدع تكتوني يمر عبر المياه عند المضيق، لذا تم دعم الجسر بأكثر من 7 آلاف ركيزة، ثُبِّتت على عمق 300 قدم تحت الأرض لضمان استقرار البناء.
المنطقة البحرية حول مضيق كيرتش التي تمتد بين سلسلتين جبليتين، مغطاة بنحو 250 قدما من الطمي الناعم (نوع من الصخور الرسوبية) المترسب من النشاط البركاني، مما جعل فكرة المشروع مستحيلة هندسيا لتثبيت دعائم.
توجد قناة شحن تحت الجسر بطول 745 قدما عند النقطة التي تمر بها السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف الأصغر، وهي عبارة عن قوسين يوفران مسافة 115 قدما لتمرير القوارب من خلالهما، وبنيت هذه الأقواس على اليابسة ثم نقلت إلى البحر عن طريق القوارب.
واجه المشروع عقوبات ورفضا دوليا، لكن ذلك لم يتسبب في تأخيره أو إيقافه، بل على العكس تم الانتهاء من بنائه قبل الموعد المحدد بأشهر.