عاد مجددا ليبحر بسفينة "العدالة والتنمية".. تعرف أكثر على عبد الإله بنكيران

عاد عبد الإله بنكيران (67 عاما) إلى المشهد السياسي مرة أخرى، أمينا عاما جديدا لحزب العدالة والتنمية، خلفا لسعد الدين العثماني الذي خسر حزبه الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

الأمين العام الجديد لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران (الأناضول)

بعد 5 أعوام من إعفائه من رئاسة الحكومة المغربية عاد عبد الإله ابن كيران (67 عاما) إلى المشهد السياسي مرة أخرى، أمينا عاما جديدا لحزب العدالة والتنمية، خلفا لسعد الدين العثماني الذي استقال من المنصب في سبتمبر/أيلول 2021.

فبعد أقل من شهرين من خسارة العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية لعام 2021، وبعد أزمة سياسية استمرت أشهرا، حصل ابن كيران على 1012 من مجموع 1252 صوتا في المؤتمر الوطني الاستثنائي للحزب، في حين حصل عبد العزيز عماري على 221 صوتا، وعبد الله بووانو على 15 صوتا، وتم إلغاء 4 أصوات.

المولد والنشأة

ولد عبد الإله ابن كيران يوم الثامن من أبريل/نيسان 1954 في حي العكاري الشعبي بالعاصمة المغربية (الرباط)، وهو ينتمي إلى أسرة فاسية صوفية تعمل في التجارة، وعُرف بعض أبنائها بالعلم الشرعي.

والدته الحاجة مفتاحة بنت إدريس الشامي الخزراجي، وينتهي نسب الأسرة حسب وجهائها إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه، ونزحت من الشام إلى فاس قبل سبعة قرون تقريبا.

جده الأول هو الشيخ الطيب ابن كيران، كان يلقب بشيخ الجماعة، ومن العلماء الذين رافقوا السلطان مولاي سليمان، وتوفي سنة 1812م.

يذكر أن عمة والده العالية ابن كيران، هي أول امرأة اعتلت الكراسي العلمية في مسجد القرويين.

إعلان

أخذ ابن كيران عن أمه الاهتمام بالشأن العام، إذ كانت تنتمي إلى حزب الاستقلال وتواظب على حضور لقاءاته في الحي، وأخذ عن أبيه التصوف والتعلق بتحصيل العلم الديني والميل إلى التجارة.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى تعليمه الديني برعاية والده، فحفظ أجزاء من القرآن الكريم في الكتّاب.

بدأ مسيرته الدراسية في مدرسة القبيبات بالرباط، ثم ثانوية الليمون ثم ثانوية مولاي يوسف بالمدينة نفسها، حيث حصل على درجة البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1973.

في العام 1979 حصل على إجازة في الفيزياء، ثم عيّن أستاذا بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط. وفي 1988 استقال من مهنته وعمل في القطاع الخاص في مجالات مختلفة، منها النشر والتوزيع، ومواد التنظيف، والصحافة والطباعة والتعليم الخاص.

التجربة السياسية

بدأ ابن كيران انتماءاته السياسية بالانتساب إلى الشبيبة المدرسية التابعة لحزب الاستقلال، ثم الشبيبة الاتحادية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، كما شارك في نضالات تلاميذية كانت تقودها الحركات اليسارية، وتم استقباله مرتين من قبل زعيم حزب الاستقلال آنذاك علال الفاسي رفقة الأستاذ محمد الساسي بمكتبه في مقر الحزب.

في العام 1976 التحق ابن كيران بتنظيم الشبيبة الإسلامية بعد واقعة اغتيال الزعيم الاشتراكي عمر بنجلون التي اتهم بها التنظيم.

تدرّج ابن كيران سريعا في صفوف الشبيبة ليصبح من قيادات التنظيم، وفي عام 1981 قرر مع شباب آخرين من جيله الانفصال عن الشبيبة احتجاجا على طريقة إدارة المرشد عبد الكريم مطيع للتنظيم.

أسس الشباب المنفصلون حركة "الجماعة الإسلامية" التي كانت كسائر الجماعات الإسلامية آنذاك سرّية الطابع، وبعد اعتقالات في صفوفها بمدينة مكناس، اقتنعت الحركة بقبول دعوة ابن كيران للتخلي عن طابع السرية والعمل في العلن، توج ذلك باختياره رئيسا للحركة في نهاية 1985.

إعلان

انتخب ابن كيران رئيسا للحركة بأغلبية تجاوزت الثلثين، فقادها لفترتين متتاليتين (1986-1994) كانتا الأهم في تاريخها.

في العام 1988 ومن أجل تقنين الحركة، اقترح ابن كيران تغيير اسمها بعدما رفضته الجهات الرسمية التي رأت أنه لا يتناسب مع بلد مسلم شعبا وتشريعا ويعدّ الملك فيه "أمير المؤمنين"، لتصبح حركة "الإصلاح والتجديد".

تولى في 1990 ابن كيران مع نائبه الراحل عبد الله بها وضع وثيقة تقبل فيها حركة "الإصلاح والتجديد" بالنظام الملكي، وتقرّ فيها بإمارة المؤمنين التي تؤسس للشرعية الدينية للملك ونظامه، مما يفسح المجال للحركة بالعمل في العلنية والمطالبة بالإصلاحات المتوافقة مع القيم الدينية والشريعة الإسلامية.

عام 1992 أسس ابن كيران مع قيادات أخرى من حركته حزب التجديد الوطني لكن السلطة رفضت منحه الترخيص القانوني كتابيا، ليدخلوا في حوارات مع مجموعة من الأحزاب منها حزب الاستقلال في أفق الاندماج في حزب قائم، ولم يتيسر ذلك إلا مع الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب في الحزب الذي كان يتزعمه (حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية).

الاتصال بالخطيب وإعادة تجديد هياكل حزبه المحلية توج سنة 1996 بعقد مؤتمر استثنائي، أصبح فيه ابن كيران النائب الثاني للأمين العام الذي كان هو الدكتور عبد الكريم الخطيب نفسه.

بعد ذلك بشهور اندمجت حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي في حركة واحدة هي حركة التوحيد والإصلاح، التي اختارت الدكتور أحمد الرَّيسوني رئيسا لها، وكان عبد الإله ابن كيران أحد أعضاء مكتبها التنفيذي.

عام 1998 تغيّر اسم الحزب من "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" إلى "العدالة والتنمية".

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 فاز ابن كيران بعضوية مجلس النواب عن مدينة سلا (المحاذية للعاصمة الرباط) وانتخب نائبا عنها لـ5 ولايات (1999 و2002 و2007 و 2011 و 2016).

إعلان

تزعم ابن كيران وقيادات من الحزب والحركة الوقوف في وجه المشروع العلماني الذي اقترحته حكومة عبد الرحمن اليوسفي سنة 2000 لتحديث الأسرة، وسمي آنذاك "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، وتوجت معارضة هذا المشروع بواحدة من أكبر المظاهرات في المغرب، وتعديل حكومي أزيح بموجبه الوزير الذي اقترح المشروع.

واصل ابن كيران بشخصيته القوية تأثيره داخل الحزب، وأسهم في كثير من مواقفه وفي معالجة كثير من الأزمات التي واجهته، في العام 2004 انتخب رئيسا للمجلس الوطني (برلمان الحزب) لحزب العدالة والتنمية.

عام 2008 انتخب ابن كيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية بأغلبية 684 صوتا مقابل منافسيه سعد الدين العثماني (495 صوتا) وعبد الله بها (14صوتا)، خصوصا بعد تصدره موقف مقاومة مشروع هيمنة حزب الأصالة والمعاصرة على الوسط السياسي.

عام 2009 تصدر حزب العدالة والتنمية برئاسة ابن كيران الانتخابات البلدية في المدن، واحتل المرتبة الرابعة وطنيا.

إبان الربيع العربي رفض ابن كيران المشاركة في حراك 20 فبراير 2011، واعتبره "حراكا غامضا" دعت إليه "جهات مجهولة"، وهو الموقف الذي تبناه الحزب رسميا رغم تحفظ بعض قياداته، ومشاركتها بصفتها الشخصية في هذا الحراك.

رئاسة الحكومة

أعقب أحداث الربيع العربي إصلاح دستوري ثمنه حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب المغربية، وأفضى إلى انتخابات تشريعية في 25 نونبر/تشرين الثاني 2011 احتل فيها الحزب المرتبة الأولى بـ107 مقاعد من أصل 395.

في يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عين الملك محمد السادس عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة، وقادها خلال خمس سنوات.

قاد ابن كيران حكومة مشكلة من 4 أحزاب مختلفة المشارب السياسية والأيديولوجية، ورأى أن "المغرب سيتقدم بمنطق التعاون والتشارك وليس بمنطق الصراع والنزاع".

إعلان

ولم يعبأ بالانتقادات اليسارية له بالتخلي عن صلاحياته الدستورية لمصلحة الملك، ويقول إنه "جاء ليخدم بلده بالتعاون مع الملك ولم يأت للتنازع معه"، كما يؤكد أنه "غلّب منطق الواقع وتفاعلاته وإكراهاته على منطق النصوص ومثاليتها".

في 25 يوليو/تموز 2012 صرّح ابن كيران بأنه لا ينوي "مطاردة الساحرات"، ولا البحث في ملفات الفساد والفاسدين السابقين، وإنما أتى إلى السلطة بنيّة إصلاح الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتردّية للبلاد، وإخراجها من نفق الأزمة المستدامة التي تنهش مفاصلها ومرافقها منذ زمن بعيد، وهو ما أثار عليه موجة من الانتقاد بعد رفعه لشعار "عفا الله عما سلف" في هذا الموضوع.

اتخذ ابن كيران قرارات وصفت بأنها " لاشعبية " كالزيادة في أسعار البنزين، كما حققت حكومته إنجازات عديدة، خاصة في الملفين الاجتماعي والاقتصادي، لكنها فشلت -حسب متابعين- في تحقيق تقدم في ملفات أخرى كمحاربة الفساد والتصدي للبطالة وإصلاح التعليم.

عراقيل تشكيل الحكومة الثانية

في الانتخابات البلدية سنة 2015 -ورغم بعض الانتقادات التي تعرض لها الحزب بخصوص أدائه الحكومي- فاز برئاسة جهتين (الجهة تتشكل من عدة بلديات) و200 بلدية محلية من بينها عدد من المدن المغربية الكبيرة، كما فاز الحزب في الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 للمرة الثانية على التوالي، حيث احتل المرتبة الأولى بحصوله على 125 مقعدا، متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة بـ 102مقعد.

في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2016 استقبله الملك في قصره بالدار البيضاء وكلّفه بتشكيل الحكومة للمرة الثانية.

لم يتمكن ابن كيران من تشكيل الحكومة بعدما تكتلت أربعة أحزاب ومنعته من تشكيل أغلبية، واتفقت على عدم المشاركة في الحكومة منفردة، وسعت لمفاوضته ككتلة واحدة، وهو ما رفضه ابن كيران، ولم يتم تشكيل الحكومة.

إعلان

في منتصف مارس/آذار 2017 أعفاه الملك من تشكيل الحكومة، وأعلن الديوان الملكي أن الملك سيكلف شخصية جديدة من حزب العدالة والتنمية بتشكيلها.

وجاء في بيان الديوان الملكي أن الملك "أخذ علما بأن المشاورات التي قام بها السيد رئيس الحكومة المعين، لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، لم تسفر إلى اليوم عن تشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها"؛ لذلك قرر "أن يعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية".

مقاطعة الحليب وفرنسة التعليم

في يونيو/حزيران 2018 دخل ابن كيران على خط المقاطعة الشعبية التي شهدها المغرب، داعيا المغاربة إلى وقف مقاطعة الحليب لما لها من تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى الاستثمار الأجنبي، وكذا على الفلاحين الصغار.

لم تمر تصريحات ابن كيران مرور الكرام، بل انقسمت الآراء حولها بين من عدّها خذلانا للمقاطعين الذين يرفضون احتكار هذه الشركات للسوق ويعانون غلاء الأسعار، وبين من رآها شجاعة وجرأة من الرجل على قول الحقيقة ولو مسّت بشعبيته.

في يوليو/تموز 2019 صوت نواب حزب العدالة والتنمية على مشروع القانون الإطار لإصلاح التعليم، رغم امتناعهم عن أحد بنوده الذي يسمح بتدريس بعض المواد بلغة أجنبية، وذلك سمح بتمرير القانون داخل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بالأغلبية وهو ما أغضب ابن كيران بشدة.

خاطب ابن كيران رفاقه في الحزب بأوصاف غير مسبوقة قائلا "عندما علمت بالقرار فكرت كثيرا في مغادرة الحزب، حيث إنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار".

ابن كيران وصف ما حدث بأنه "أضحوكة الزمان" و"فضيحة"، إذ كيف "لحزب بمرجعية إسلامية أن يتخلى عن العربية في التعليم ويحل محلها لغة الاستعمار؟ هذه فضيحة"، قائلا إنه عاش "ليلة من أسوأ الليالي" عندما سمع بما جرى، وإنه يعدّ هذه الخطوة أول خطأ جسيم يرتكبه الحزب منذ دخوله دوامة التدبير الحكومي عام 2011.

إعلان

في مارس/آذار 2021 هدد ابن كيران بالاستقالة من الحزب إذا وافقت الحكومة على تقنين القنب الهندي (نبات سزرع في شمال المغرب ويستخلص منه مخدر الحشيش)، وما إن انتشر خبر إحالة الحكومة لمشروع القانون على مجلس النواب حتى أعلن ابن كيران تجميد عضويته في الحزب ومقاطعته مجموعة من إخوانه الذين يعتبرهم مسؤوليين عن ذلك، لكنه تراجع إثر تصويت نواب الحزب ضد مشروع القانون.

اتفاق التطبيع مع إسرائيل

يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 وبعد توقيع الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، اتفاق التطبيع مع إسرائيل أمام الملك محمد السادس، خرج ابن كيران داعيا مناضلي حزبه إلى الكف عن انتقاد العثماني، إلى أن ينعقد المجلس الوطني ويشرح رئيس الحكومة ظروف هذا التوقيع المستغرب من جهته، مشددا على أنه من حق حزبه أن يستاء من قرار التطبيع، بعدما شكلت هذه القضية لعقود من الزمن نقطة أساسية في عقيدته.

18 فبراير/شباط 2021: عاد ابن كيران للحديث عن الأزمة قائلا إن "الدولة هي التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل وليس حزب العدالة والتنمية"، مشددا في كلمة على صفحته بفيسبوك، أن "الذي يمضي اليوم في التطبيع مع إسرائيل هو الدولة التي يسيرها الملك وليس الحزب".

ذهب ابن كيران إلى القول إن "بعض الإسلاميين بين عشية وضحاها استلوا سيوفهم، وشرعوا يتهمون هذا بأنه عميل وأن هذا خائن، لكنهم لا يدركون أنهم بهذه الطريقة سيفقدون إخوانهم"، مستطردا "من حق هؤلاء أن ينتقدوا المغرب بسبب موقفه، ولكن ليس من حقهم أن يقللوا الحياء عليه، وعليهم أن يراعوا، لأنه دولة إسلامية عظيمة، ولها وحدة مذهب ودافعت عن ثغر الأمة الغربي منذ 12 قرنا، ورفات المغاربة لا تزال في الجولان وسيناء".

أفكار ورؤى

يؤمن ابن كيران بالإصلاح من داخل المنظومة السياسية التي تقودها الملكية، والتي يرى أنها صمام أمان واستقرار المغرب، كما يرى أن مهمة الحركة الإسلامية هي المشاركة في إقامة الدين من غير أن يتوقف ذلك على الوصول إلى السلطة، وأنها إذا طلبت الحكم -ولو لإقامة الدين- فسيجري عليها ما يجري على الساسة والحكام، ويرى أنّ الوصول إلى السلطة يأتي تتويجا لتغيير المجتمع.

إعلان

ابن كيران شخصية مثيرة للجدل، يتّهمه خصومه بالتساهل مع الدولة والعمالة للنظام، ويردّ مؤيدوه تلك الاتهامات بأنها نتاج نمطه المؤسسي في القيادة، والإسراع بالحركة نحو أفكار ومبادرات متقدمة وصعبة، ونحو نزع فتيل الأزمة بين الحركة الإسلامية والدولة.

ويرى أنّه إذا كان النظام الملكي هو الضامن لوحدة التراب المغربي، فإن إمارة المؤمنين هي الضامن لإسلامية الدولة وعدم انحرافها أو سقوطها في براثن الأطروحات العلمانية الداعية للتخلص من أي مرجعية دينية.

اهتمام ابن كيران بالجانب الدعوي والتربوي لم يؤثر على حسّه واهتمامه بالشأن الإعلامي أيضا، فقد عمل مدير نشر لكل من صحف الإصلاح والراية والتجديد.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان